أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-23
217
التاريخ: 2023-11-15
1185
التاريخ: 2023-11-18
1196
التاريخ: 2024-10-23
258
|
لما استعفى السر روبرت بيل وسلمت الملكة مقاليد الوزارة للورد جون رسل جعل اللورد بامرستون وزيرًا للخارجية، وكان بامرستون شديد العزيمة في السياسة الخارجية يقتحم مخاطرها غير هيَّاب فلُقب بالشعلة النارية، ولما اعترض على سياسته في مجلس النواب دافع عنها بخطبة طويلة دامت خمس ساعات، ففاز على خصومه. ولما أراد لويس نبوليون الارتقاء إلى عرش عمه نبوليون الأول كتبت الملكة إلى وزيرها اللورد جون رسل تقول: إنها استغربت جدًّا الحوادث التي حدثت في باريس، واهتمت بها أشد الاهتمام، ولكنها تحسب أنه يجب أن يخبر سفيرها في باريس؛ لكي يبقى على الحياد ولا يشترك فيما هو جار فيها بوجه من الوجوه؛ لأن كل كلمة يقولها يمكن أن تفسر على غير مراده. ولا يخفى أن رأي الملكة هذا عين الصواب، لكن بامرستون لم يعمل به، بل سبق فأخبر سفير فرنسا في إنكلترا أنه مستحسن لما فعله لويس نبوليون، ولم يستشر اللورد جون رسل ولا الملكة فأشار عليه اللورد رسل أن يستعفي من منصبه، فاستعفى ثم اعترض على وزارة اللورد رسل فأسقطها، وقامت بعدها وزارة لورد دربي، فلم يشترك فيها مع أن لورد دربي عرض عليه أحد مناصبها ، ثم سقطت وزارة لورد دربي، وأتت بعدها وزارة أول إبردين سنة 1852 ، فجعل فيها وزيرًا للداخلية، وسقطت هذه الوزارة سنة 1854 ، فسلمت الملكة مقاليدها للورد ،بامرستون، وكان حينئذ في الحادية والسبعين من عمره، وكانت نار حرب القرم مستعرة، فأذكى نارها إلى أن انقضت بأخذ سباستوبول وعقد الصلح. وحدثت في مدة وزارته الحرب الأهلية في أميركا والحرب بين فرنسا والنمسا، وبين النمسا وبروسيا والدنمارك، وتُوفي سنة 1865. وقد يُظن لأول وهلة أن الحوادث تحدث والملكة غافلة عنها لعلمها أن وزراءها يديرون دفة السياسة على ما يرام والواقع على الضد من ذلك؛ لأنها تراقب سياسة بلادها وسياسة البلدان الأخرى بعين ساهرة، وتشارك وزراءها في آرائهم، وإذا أصروا على عمل شيء مخالف لإرادتها جارَتْهم فيه ولو رغما عنها؛ لأنها تعلم أن ذلك واجب عليها لا مفر لها منه ما دامت حكومة بلادها دستورية. ومما يذكر لها مشفوعاً بشكر شعبها أنها تشاركهم دائمًا في السراء والضراء، فلما اشتدت الفاقة عليهم سنة 1847 بمحل الغلال حثت أهالي البر على جمع للمحتاجين، وتصدقت عليهم بجانب كبير من مالها الخاص، وأمرت ألا يستعمل الدقيق الجيد في قصرها، واقتدى بها عظماء المملكة فحرموا أنفسهم الملاذ لكي يطعموا الفقراء. وعقبت سني الشدة سنو الرخاء، وكانت الجنود الإنكليزية تلاقي الأهوال في بلاد الهند، فاستتب النصر لها أخيرًا، وتغلبت على مملكة بنجاب وضمتها إلى السلطنة الهندية. وخافت إنكلترا أن يقفو نبوليون الثالث خطوات عمه نبوليون الأول، أما هو فأحد لأوروبا أن السلم غرضه الذي يرمي إليه، فاعترفت به إنكلترا وبروسيا والنمسا ثم روسيا، وعلم أن ملوك أوروبا لا يرغبون في مصاهرته، فاختار له زوجة أميرة إسبانية، وزار معها إنكلترا فرحبت بهما الملكة والشعب الإنكليزي، وأقامت له ليلة راقصة في غرفة ووترلو، وكتبت إلى خالها تقول «من أغرب ما حدث الآن أني أنا حفيدة جورج الثالث رقصت مع الإمبراطور نبوليون ابن أخ عدو إنكلترا الألد في غرفة ووترلو وهو الآن حليفي الأقرب.» وردت له الزيارة في باريس مع زوجها وولي عهدها فرحب بهم الفرنسويون أعظم ترحيب، وزارت قبر نبوليون الأول متكئة على ذراع نبوليون الثالث، وكتبت في هذا الصدد تقول: «إنها وقفت أمام قبر عدو إنكلترا الألد وأرغن الكنيسة يضرب سلامها، وكأن هذه الزيارة وتقديم هذا الإكرام لرفات العدو الميت مَحَيا العداوة القديمة. وكان قيصر الروس نقولا الأول قد كاشف وزراء إنكلترا بغرضه في تركيا، وأشار عليهم أن يأخذوا مصر وكريت ويتركوه وشأنه، ثم حدث خلاف في أورشليم بين الأرثوذكس واللاتين نشبت بسببه حرب القرم بين روسيا والدولة العلية، فبذلت إنكلترا جهدها لمنع هذه الحرب، ولما رأت أنها لم تُفلح اتحدت مع فرنسا لمعاونة الدولة العلية على الروس، فألقت الحرب أوزارها ، وتُوفي القيصر نقولا الأول في 2 مارس «آذار» سنة 1855، وخلفه ابنه إسكندر الثاني فسار في خطة أبيه، واهتمت الملكة فكتوريا في غضون هذه الحرب بصحة جنودها ومؤاساة جراحهم، وكانت تصنع الأحرمة بيديها، وتُرسل بها إلى الجنود فاقتدى بها نساء المملكة في هذا العمل المبرور، ولما بلغها ما حل بالجنود من الشدة والضنك كتبت إلى قائدهم تقول لا يمكنك أن تتصور مقدار ألمنا وشدته من جراء ذلك، وعادت الجرحى الذين أعيدوا إلى بلادهم فلم تُسر برؤية المستشفى الذي كانوا فيه لضيق غرفه وعلو كُواه فطلبت من وزير الحربية أن يبني غيره. ورأت في زيارة أخرى أحد الجرحى، وكانت يده اليمنى قد قطعت في الحرب، فسألته عما إذا كان يشعر بألم، فقال: نعم إني أشعر بألم ها هنا. وأراد أن يضع يده السليمة على قلبه فدلت على كتفه، فنظرت إلى الطبيب وقالت: سمعت أن الإنسان قد يفقد عضوا من أعضائه فيشعر بألم في مكان آخر، ولكنني لم أتحقق ذلك قبلا. فقال الجندي: كلا يا مولاتي بل لما كانت ذراعي سليمة كنت أحارب بها في خدمتك، ولو كان لي خمسون ذراعًا لوقفتها كلها لك ولبلادي، أما الآن ففقد ذراعي يؤلم فؤادي. ففهمت الملكة مراده وشكرته شكرًا جزيلا. وسنة 1857 اتقدت نار الثورة في بلاد الهند وكانت تحت سلطة شركة الهند الشرقية، فأشارت الملكة بإرسال المدد إلى الجنود التي فيها حالا وصوبت رأي القائلين بزيادة الجنود الإنكليزية في تلك البلاد، وأشارت بأن يُرسل المدد فيالق كاملة لا فصائل متفرقة، لكي يبقى القواد مع جنودهم الذين عرفوهم، وأن يُزاد عدد الجنود في البلاد الإنكليزية إلى الحد الذي سمح به البرلمنت بدل الجنود التي تُرسل إلى الهند خوفًا من أمر يأتي فجأة، فأجابها لورد بامرستون أنه تلقى إشارتها وعلم ما فيها مما كانت تقوله لو كانت في مجلس النواب وقال : إن الذين يخالفونها في ذلك يشكرون الله؛ لأنها ليست في ذلك المجلس وإلا للقوا منها خصمًا عنيدًا قوي الحجة سديد البرهان، أما الذين يوافقونها فيرون فيها أعظم نصير لهم لو كانت في مجلس النواب. أما من حيث ما تستدعيه أحوال الهند الحاضرة فقال: إن وزارته لا تألو جهدًا عن عمل ما تقتضيه الأحوال، ولكن لا بد من أن يكون ذلك رويدا رويدًا. فلم ترتض الملكة بهذا الجواب ولا بهذه السياسة، سياسة الإمهال والتسويف، فكتبت إليه تقول: «إنها تريد أن يُرسِّخ في نفوس وزرائها أنه لا بد من الاهتمام حالا بمركز إنكلترا الحربي بنوع عام، والجري على خطة تكفل راحتها في المستقبل بدلا من الجري على مقتضى الحال ومداواة الحاضر بالحاضر، والأسلوب الذي تحسب أن لا بد من اتِّباعه هو أن يرسل إلى بلاد الهند كل الجنود التي تحتاج إليهم، ثم يعوض عنهم حالا بجنود أخرى تجمع بدلا منهم، وذلك لا يكلف الخزينة شيئًا، بل يرفع عنها بعض الكلفة الحاضرة؛ لأن شركة الهند الشرقية تدفع كل نفقات الجنود التي ترسل إليها، فالنفقات التي كانت الخزينة تدفعها لهم تدفعها للجنود التي تجمع بدلًا منهم وترد الضباط الذين تدفع لهم معاشات الآن إلى الخدمة فتقتصد الخزينة المعاشات التي كانت تدفعها لهم. وإن قيل: إن جمع الجنود ليس بالأمر السهل، قلت امتحنوا ذلك قبل أن تحكموا فيه، وإن قيل إن شركة الهند لا ترغب في استخدام الجنود الإنكليزية، قلت يجب أن تُجبر على ذلك. فعملت الحكومة برأي الملكة ونجحت وأخمدت الثورة في بلاد الهند، ولكن بعد عناء شديد، وسفك دماء كثيرة، وانتقلت سلطنة الهند الوسيعة من يد شركة الهند إلى يد الدولة الإنكليزية وكان ذلك سنة 1859. وتُوفي اللورد بامرستون في الثامن عشر من أكتوبر سنة 1865، وهو في الحادية والثمانين من عمره، ودُفن في وستمنستر مدفن عظماء الإنكليز، وكان أشهر وزراء عصره، محبوبا في بلاده مرهوبًا في سائر البلدان، وبقيت فيه همة الشباب إلى حين وفاته.
|
|
لمكافحة الاكتئاب.. عليك بالمشي يوميا هذه المسافة
|
|
|
|
|
تحذيرات من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبا
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تشارك في معرض النجف الأشرف الدولي للتسوق الشامل
|
|
|