أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2022
1262
التاريخ: 6-12-2015
5079
التاريخ: 26-09-2014
8429
التاريخ: 2023-11-24
1517
|
نزاهة القرآن من الريب
قال تعالى : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].
يدعي القرآن الكريم في بعض آياته - من ناحية - أنه لا يحتمل الريب على الإطلاق، ويقول بأسلوب نفي الجنس: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] ،
ومن ناحية أخرى يقول في الآية محل البحث: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا). ويذهب المفسرون مذهبين في الجمع بين هذين التعبيرين(1):
أولهما: إن جملة (لا ريب فيه) هي في مقام النهي، وليست في مقام النفي؛ لأتها لو كانت في مقام النفي لأفادت أنه ما من ريب في هذا الكتاب، والحال أن الكثير مرتابون فيه. أما إذا كانت في مقام النهي. فهي بمعنى أنه لا ينبغي للمنافقين والكفار، الذين يساورهم الشك في القرآن، أن يرتابوا فيه؛ وهو شبيه بقوله: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] الذي هو في مقام النهي، وليس النفي، والمراد منه: أن هذه الأمور منهي عنها وممنوعة في الحج، وإن بالإمكان الجمع بين النهي عن الشيء وتحققه جراء ارتكاب المعصية.
وثانيهما: إن جملة (لا ريب فيه) هي في مقام النفي، حيث تعني أنه ما من منشأ للريب في القرآن الكريم على الإطلاق، وإذا وجد الشك فهو من طرف الناظر الذي ينظر إلى القرآن بكفر أو بنفاق أو بجهل. وتوضيح ذلك: إنه لو لم تكن العلاقة بين المحمول والموضوع في قضية ما ضرورية لكانت تلك القضية قابلة للشك والريب؛ إذ أنه من الممكن أن يكون للموضوع مثل هذا المحمول؛ كما أنه من الممكن أن لا يكون له مثله. لكن لو كانت العلاقة بين المحمول والموضوع في قضية ضرورية؛ أي إن الموضوع ينطوي على المحمول بالضرورة، وإن المحمول ثابت للموضوع بالضرورة كذلك، فإن قضية كهذه «لا ريب فيها» ذاتاً ولا مجال للشك فيها، وإذا شك أحد فيها فمرجع ذلك إلى عدم معرفته لهذه القضية أو لموضوعها أو لمحمولها بشكل كامل، أو أن ريبه فيها هو من دافع عناده.
إذن فقول القرآن الكريم في مطلع سورة البقرة: «ذلك الكتاب لا ريب فيه» ثم إتباعه بالقول في الآية محط البحث: (إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) هو بمعنى أنكم أنتم الذين أخذ منكم الريب مأخذاً وإلاً فما من سبيل للريب إلى حريم الكتاب الإلهي. من هذا المنطلق، فإنه عز وجل، ومن خلال كلمة كنتم، ينسب الشك إلى الكفار والمنافقين، لا إلى ذات القرآن الكريم الذي هو كتاب الهداية، والشفاء، والرحمة: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } [الإسراء: 82] ، وإن كل الصفات السلبية التي اسندت إلى القرآن الكريم، مثل: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44] إنما ترجع في الحقيقة إلى الكفار والمنافقين ذاتهم.
يعتبر القرآن الكريم أن أصول المعارف الدينية، ومسألة كونها حقاً هي من البديهيات، ولا ينبغي الشك والريب في الامر البديهي. فهو يقول في بداهة المبدأ: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10] (2)، كما ويقول في كون الوحي والرسالة حقأ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]. وفي أن القيامة حق يقول أيضاً: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [النساء: 87] ، {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ} [النبأ: 39]. لكن القرآن الكريم - من ناحية أخرى - يقول في شك الكفار والمنافقين في هذه الأمور: إن جماعة يقولون بخصوص التوحيد الربوبي. {وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [إبراهيم: 9] ، كما ويقولون في الوحي: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي} [ص: 8]. ويقول القرآن حول المعاد: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ: 21].
لكن إذا كان للكفار والمنافقين شك في أصول الدين، فإن شكهم لا يعود إلى كون هذه الحقائق تقبل الريب، بل هو نتيجة لعمى المنكرين. من هنا، فإنه عز وجل يقول في بعض آيات كتابه: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: 66]. فالذي فقد القدرة على التعقل فهو أعمى؛ ذلك أن السراج المنير للعقل والقلب موجود في باطن الإنسان وبإنطفائه يصبح الإنسان أعمى القلب: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحج: 46] .
تنويه: 1. عندما لا يكون في المعارف الإلهية مجال للشك، فلن يكون فيها قطعاً مجال للإنكار، وبما أن المعاندين ذكروا إنكارهم بصورة الشك، فقد تحدث الله حول هذا الشك بعينه.
2. تعبير القرآن الكريم بخصوص الله جل وعلا، وكذلك بخصوص القرآن نفسه هو أن كلاً منهما نور. فهو يقول في الله عز وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35] ، ويقول في القرآن نفسه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15]. ومن البديهي أن النور لا يقبل الشك، إلا أن يكون الناظر أعمى.
يقسم الريب والشك إلى قسمين؛ كما ويقسم العمى إلى قسمين أيضاً: فبعض أشكال الشك قابل للعلاج. لكن بعضها الآخر غير قابل للعلاج. فالبعض يشكون في أول الأمر في كون القرآن كلام الله، لكنهم يدركون بعد توخي الدقة أنه كلام الله فيؤمنون به، إلاً أن البعض الآخر يصرون على شكهم عن عناد ولا يدركون هذه الميزة في القران حتى النهاية. إن عمى الطائفة الثانية، الناشئ عن شكهم، عصي على العلاج، والقرآن الكريم يقول في هؤلاء: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: 45] ؛ فهؤلاء متورطون دوماً في ريبهم وشكهم. والتردد هنا هو الرفض المتكرر من غير هدف، ويقول عز من قائل حول علاج عمي القلوب هؤلاء: {إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] ؛ فعلاج أمثال هؤلاء هو في تقطع وتشقق قلوبهم الأمر الذي سيحصل يوم القيامة.
إن السر في عدم إيمان الكفار والمنافقين بالآيات الإلهية على الرغم من رؤيتهم إياها وسماعهم لها، هو أن إرادة الإنسان تفصل بين نفسه والإيمان الذي هو فعل اختياري له. و«العلم» هو أمر بديهي أو نظري، وكلما تحققت مقدماته، حصلت النتيجة التي هي الاطلاع. فمقابل الدليل لا يتسنى للمرء أن يقول: لا أريد أن أفهم، بل إنه سيفهمه شاء أم أبى. أما «الإيمان» فهو فعل اختياري للنفس. فبإمكان المرء بعد الاطلاع على حقيقة ما أن يؤمن بها أو لا يؤمن.
الريب الذي كان يساور الكفار والمنافقين بخصوص القرآن الكريم كان يتعلق أحياناً بمبدئه الفاعلي مباشرة، وأحياناً بمبدئه القابلي مباشرة؛ فقد كانوا يقولون حيناً: هذا الكلام ليس كلام الله ونحن نستطيع أن نأتي بمثله: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: 93] ، وكانوا يقولون حيناً آخر: إذا كان كلام الله قد نزل على هذا المدعي للرسالة، فلماذا لا ينزل علينا نحن أيضاً: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً} [المدثر: 52]. يقول القرآن الكريم في رده على الجماعة الأولى إذا كان لديكم شك في كون القرآن هو كلام الله وتدعون أنه: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا } [الأنفال: 31] ، فلماذا لا تأتون بمثله؟! وجواباً على الجماعة الثانية يقول: {أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] فليس لكل أحد اللياقة لتلقي كلام الله، ومن خلال جملة: (فأتوا بسورة من مثله) يقوم القرآن الكريم في الآية مورد البحث بإثبات إعجاز القرآن وصدق دعوى النبي (صلى الله عليه واله وسلم)من جهة، وكذب المخالفين من جهة اخرى.
على الرغم من أن الطريق الفكري والاكتسابي إلى المعجزة مسدود ولا يتسنى لأي أحد الادعاء ب إمكانية الإتيان بها من خلال الدرس والفكر، لكنه من الممكن إراءة الطريق الموصل إلى مقام الولاية إلى الجميع، والقول بأن الأنبياء قد بلغوا هذه المنزلة عن طريق العبودية وقداسة النفس، وإذا صار أحد عبداً محضاً، تمكن من اقتفاء أثر النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، لا من أجل أن يصبح نبياً أو أن يأتي بالمعجزة، بل لكي يكون مقام، الكرامة والولاية من نصيبه؛ كما قد حصلت مثل هذه الكرامات والولايات للكثير من الصحابة.
ــــــــــــــــــــــــ
1. راجع نفس هذا الكتاب، ص159,158.
2. سورة إبراهيم، الآية 10. الشك في الله هو بحد ذاته دليل على وجود الله تعالى: ذلك لأن الشك هو أمر وجودي، وكل أمر وجودي لابد أن يكون مرتبطاً بمبدأ يكون الوجود عين ذاته.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|