أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-06
900
التاريخ: 12-12-2021
2127
التاريخ: 24-6-2016
5607
التاريخ: 28-6-2016
6685
|
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اوصيكم بالشبان خيراً فإنهم أرق أفئدة ، إن الله بعثني بشيراً ونذيراً، فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ، ثم قرأ فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم(1).
ففي السنوات الثلاث الأولى من بعثة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان النبي يدعو الناس سراً إلى الاسلام وذلك لتجنب شر المشركين وعبدة الأصنام ، وخلال هذه الفترة آمن بدعوته أربعون رجلا وامرأة معظمهم من الصغار والمراهقين والشباب الذين تراوحت أعمارهم بين العاشرة والخامسة والعشرين عاماً.
وكان هؤلاء من أصحاب الضمائر الحية والفطرة الطاهرة وأكثر الناس لياقة لقبول الدين الاسلامي ، لأن دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) جاءت متطابقة مع طبيعتهم الباحثة عن الحقيقة والمحبة للخير والفضيلة. فقد آمن هؤلاء بدعوة النبي وتجاذبتهم التعاليم الاسلامية السامية وترسخت الدعوة في أعماقهم حتى ارتضوا بالنبي رسولاً وقائداً لهم ، فتجمعوا حوله ليشكلوا النواة المركزية للإسلام. ويمكن القول إن دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان لها أثرها البالغ في صفوف الفتيان والشبان الذين كانوا يحومون حوله كالفراشات وينفذون تعاليمه بكل حب وإخلاص، ومن هنا جاء تأييد النبي (صلى الله عليه وآله) للشباب.
وبعد فترة من الدعوة السرية أمر الله سبحانه وتعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) بأن يجهر دعوته بين الناس وينشر تعاليم هذا الدين السماوي أمام الملأ ، فكان الشباب أيضاً يشكلون غالبية من اعتنقوا الدين الاسلامي وآمنوا بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله).
وقد أثار استقبال الشباب المتزايد لدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) واعتناقهم الدين الاسلامي سخط وغضب الشيوخ الطاعنين في السن الذين كانوا يغرقون في شركهم وضلالهم نتيجة تعصبهم ولجاجتهم، حتى وصل بهم الأمر إلى اتهام المسلمين بالفساد والضلالة وركزوا على هذا الاتهام في شكواهم من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وأعربوا بكل صراحة عن قلقهم إزاء ما يجري.
قال عتبة وهو من مشركي مكة لأسعد بن زرارة : خرج فينا رجل يدعي أنه رسول الله سَفَّهَ أحلامَنا وسب آلهتنا وأفسد شباننا وفرق جماعتنا(2).
ولما اجتمع رجال قريش وشيوخ المشركين في دار الندوة لوضع مخطط لمواجهة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والوقوف بوجه الانتشار السريع للإسلام ومحاربة أتباع الرسول (صلى الله عليه وآله) ، توالت الخطب العنيفة ومن جملتها خطبة ألقاها أبو جهل ركز فيها على عبارة «أفسد شباننا» وأعرب عن قلقه العميق إزاء التأثير البالغ الذي تتركه دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في نفوس شباب مكة وفتيانها.
لقد بات إيمان الشباب بالدين الاسلامي حديث الساعة ومحط اهتمام الناس في صدر الاسلام، فكان الآباء والأمهات وعامة كبار السن في مكة غاضبين جداً من استجابة فتيانهم وشبانهم لدعوة النبي (صلى الله عليه وآله) وتعاونهم معه بكل حب وإخلاص. حتى انهم لجأوا إلى استخدام شتى وسائل التعذيب والضغط بحق أبنائهم لصدهم عن اتباع الرسول وثنيهم عن مسيرتهم وإجبارهم على العودة لعبادة الأصنام آلهة آبائهم وأجدادهم ، إلا أن أساليب الضغط والتعذيب التي استخدمها مشركو مكة لم يكن لها أدنى تأثير في نفوس الشباب المؤمن، ولم تستطع إرباك إيمانهم وصدهم عن مسيرتهم في اتباع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لأن ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) هو أقرب إلى عقولهم وفطرتهم وكان بمثابة الضالة التي تبحث عنها ضمائر الشباب الحية والطاهرة ، وقد جاء الرسول (صلى الله عليه وآله) ليخاطبهم بلسان القلب للقلب وينفذ بالإسلام إلى أعماقهم ، وكيف يستطيع التعذيب والتحقير والإهانة تغيير العقيدة التي ترسخت جذورها في الأعماق وتجريد النفس الطاهرة من فطرتها ؟.
بالرغم من أن أنصار الرسول (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين بدعوته قد ثبتوا على دينهم وإيمانهم رغم كل المحاولات التي قام بها المشركون ، إلا أن حياتهم قد أصبحت مريرة لا تطاق ، وكان عليهم أن يجدو حلاً سريعاً لهذا الوضع المأساوي، لذا تقرر وبموافقة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن تغادر مجموعة من الرجال والنساء مكة إلى الحبشة ، وتخرج مجموعة أخرى بمعية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) من مكة متوجهة إلى شعب أبي طالب، وذلك ليكونوا في مأمن من اعتداءات المشركين ولو لفترة من الزمن ، وهذا ما حصل ، فقد ارتحل ثلاثة وثمانون رجلا وثماني عشرة امرأة عن مكة قاصدين الحبشة - حسبما جاء في كتب التاريخ ـ .
وصل المهاجرون المسلمون ومعظمهم من الفتيان والشباب إلى الحبشة بسلام وبدأوا حياتهم الطبيعية وأداء فرائضهم الدينية بكل حرية وأمان. وما أن علمت قريش بوصولهم إلى الحبشة حتى بدأت تحيك المؤامرات، فأوفدت عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى ملك الحبشة يحملان إليه ما استطاعا من الهدايا وذلك لإقناعه بطرد المسلمين من الحبشة ليعودوا إلى مكة ذليلين حيث موطن قدرة قريش.
وقد تناقلت كتب التاريخ بشكل تفصيلي أخبار سفر ممثلي قريش ودخولهما على الحبشة وما دار بينهم من حديث وكذلك حديث جعفر بن أبي طالب (الطيار) . لكننا سنستشهد في بحثنا هذا بنقطتين طريفتين منكل ما جرى في الحبشة يومذاك، الأولى، المواجهة التي حصلت بين جيل الشباب وجيل الشيوخ ، والثانية ، إنسجام التعاليم الاسلامية مع نداء الفطرة والضمير.
لقد شكا وفد قريش إلى ملك الحبشة من انحراف فتيانهم وشبابهم عن دينهم واعتناقهم الاسلام ديناً جديداً ، وعرّف الوفد نفسه إلى الملك على انه يمثل آباء الفتيان والشبان وأعمامهم وكبار أقوامهم، ونطق الوفد فقال :
ويتضح لنا من خلال هذه العبارة عمق المواجهة التي حصلت بين جيل الشباب وجيل الشيوخ الطاعنين في السن نتيجة الدعوة إلى الاسلام التي جاء بها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله). فقد آمن به الفتيان والشبان ورحلوا عن قومهم مهاجرين إلى الحبشة للخلاص من أذى وتعذيب آبائهم وكبار قومهم، بينما أطلق الشيوخ والكهول صرخة المعارضة فعملوا بكل ما بوسعهم على قمع فتيانهم وشبانهم في مكة ولاحقوهم حتى في الحبشة حيث هاجروا.
لم يكتف ملك الحبشة الذي كان رجلا عاقلاً حكيماً بما سمعه من وفد قريش المكون من رجلين ، فالتفت إلى من حوله وقال يجب أن أستدعي المهاجرين المسلمين وأتحقق شخصياً من دينهم، فإذا صح ما جاء به وفد قريش سأسلمهم له وإلا فإنني سأدافع عنهم وأبقيهم في بلادي ما رغبوا في ذلك ، ثم أمر بمجيء المسلمين المهاجرين إليه . فبلغ المسلمين ما أمر به الملك ، فتشاوروا فيما بينهم قبل اليوم الموعود ، واتفقوا على أن يكون جعفر الطيار وكان يومذاك في الخامسة والعشرين من العمر المتحدث بلسانهم نظراً لأهمية اللقاء.
الإمتناع عن السجود للملك:
وحل اليوم الموعود ، وحضر المسلمون إلى بلاط الملك ، بيد انهم امتنعوا عن السجود له حيث كان السجود للملك آنذاك تقليداً سائداً مفروضاً على كل من يدخل عليه. فسأل بعض من كان في البلاط عن سبب امتناع المسلمين عن السجود للملك ، فأجاب جعفر الطيار إننا لا نسجد إلا لله الواحد الأحد.
وسأل ملك الحبشة : ما هذا الذي فارقتم فيه قومكم ؟.
جواب جعفر الطيار:
فأجاب جعفر: أيها الملك كنا قوماً اهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله لنا رسولاً كما بعث الرسل إلى من قبلنا ، وذلك الرسول مناً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا أن نعبد الله تعالى وحده ، وأمرنا بالصلاة وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، فصدقناه وآمناً به واتبعناه على ما جاء به ، فعدا علينا قومنا ليردونا إلى عبادة الأصنام واستحلال الخبائث، فلما قهرونا وضيقوا علينا خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك(4).
إن أول ما تحدث عنه جعفر الطيار أمام ملك الحبشة كان عبادة أهل مكة الأوثان والأحجار وهذا ما يتنافى ومنطق العقل والسلوك والضمير ، ثم أشار إلى عبادة الله الواحد الأحد التي تتناغم والفطرة الإنسانية والأخلاقية في الاسلام. ولم يأت جعفر الطيار في حديثه على ذكر العقل والضمير، إلا أنه طرح في حديثه القصير الشافي العقيدة البالية التي كان يدين بها أهل مكة والتعاليم الجديدة التي جاء بها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في مقارنة منه بين العقيدتين بما لا يدع مجالاً لأي مستمع عاقل ومنصف يحكم بعقله وضميره إلا ويعترف يبطلان العقيدة الجاهلية وحقانية العقيدة الاسلامية . ومنطق جعفر الطيار هذا كان له تأثير بالغ على ملك الحبشة الذي اعلن حمايته الكاملة للمسلمين.
والطريف في الأمر أن جعفر الطيار اكتفى بذكر هذه المقارنة البسيطة التي تبلورت في ذهنه بفضل قوة العقل والضمير دليلا على اعتناقه وسائر المهاجرين للدين الاسلامي ، ولم يذكر أدلة أخرى على حقانية هذا الدين المقدس .
أما شيوخ قريش وكبار رجالها الذين اعتادوا لسنوات طويلة على عبادة الأصنام والظلم وتطبعوا على العادات المنافية للعقل والضمير، فإنهم لم يستطيعوا إدراك سوء معتقداتهم وقبح أخلاقهم وممارساتهم الظالمة واللاإنسانية ، إلا أن الفتيان والشبان الذين يمتلكون ضمائر طاهرة وحية لم يرضهم دين آبائهم وأخلاقهم الرذيلة، فلذلك اهتزت ضمائرهم لدى سماعهم بما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله) من عند الله ، لأنهم وجدوا في حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) ما يتطابق ورغباتهم الفطرية ، كما أن الفتيان والشبان قد استقبلوا الاسلام منذ انبعاثه وكأنهم عثروا على ضالتهم ، وهذا ما جعل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يشيد بالثبات ويوصي بهم خيراً.
وما يمكننا أن نستنتجه من خلال هذا البحث أن الضمير الأخلاقي هو عبارة عن قوة امتزجت بفطرة الإنسان يمكنها التمييز بين الصفات الحميدة والذميمة. ورغم أن هذه القوة التي تعتبر أساس سعادة الإنسان موجودة في أعماق كل إنسان، إلا أنها تبلغ كمالها خلال فترة البلوغ والشباب حيث يتأثر الشباب كثيراً بدوافعها المعنوية السامية.
إن الضمير الأخلاقي دافع مقدس وطاهر يبرز بشدة في الشباب ويأخذ بيدهم نحو الفضيلة والسعادة محذراً إياهم من الصفات والأخلاق الذميمة.
(يقول «لي كونت دونوئي» : إن الخير هو ذلك العامل الذي يساعدنا على تسلق مدارج الكمال ويخلصنا من الحيوانية ليهدينا إلى الإنسانية والحرية ، والشر هو ذلك العامل الذي يعارض الكمال ويهوي بالإنسان بشكل رذيل إلى الحيوانية»(5).
والضمير الأخلاقي هو من العوامل التي جعلها الله سبحانه وتعالى تدعونا إلى الخير والإنسانية وتهدينا إلى طريق السمو والتكامل. والإنسان الذي يرغب في ان يعيش طوال عمره حياة هانئة نزيهة متحلياً بالصفات الإنسانية الفاضلة ، عليه أن يحيي الضمير الأخلاقي في نفسه وينشطه ويجعله مبدأ ثابتاً لسلوكه الأخلاقي في جميع شؤون الحياة ومراحلها .
_____________________________
(1) كتاب شباب قريش ص1.
(2) بحار الأنوار 6 ، ص 405.
(3) السيرة الحلبية 1 ، ص 378.
(4) المصدر السابق.
(5) مصير الإنسان ، ص 185.
(6) غرر الحكم، ص352.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|