يُشترط لقبول الدعوى المدنية أمام المحكمة الجزائية ، شروطاً معيّنة تتعلق بأطرافها ، فإن تخلفت ترتب على ذلك عدم قبولها . غير أنه يجوز قبولها في حالة رفعها بعد توافر الشروط التي تخلفت في المرة الأولى  وهذه الشروط هي :

أولاً : أن ترفع الدعوى المدنية من ذي صفة

إن من تتوافر فيه صفة المدعي بالحق المدني, هو الشخص الذي أصابه ضرر مباشر وشخصي وواقع فعلاً ومشروع, نتيجة لوقوع جريمة (جناية أو جنحة أو مخالفة), ولا يهم بعد ذلك ما إذا كان هذا الشخص هو المجنى عليه نفسه أو غيره . إلا أن هذا لا يكفي لقبول الدعوى المدنية التبعية. إذ يُلزم أن تتوافر في هذا الشخص أهلية التقاضي, فإذا كان ناقص الأهلية أو عديمها, فإن الدعوى المدنية لا تقبل إلا من وليه أو وصيّه أو القيم عليه, فإذا لم يكن له من يمثله قانوناً عُيِّن له من يمثله (1).

ثانياً : أن ترفع الدعوى المدنية على ذي صفة .

المدعى عليه في الدعوى المدنية هو المتهم. والمسؤول مدنياً. وورثتهما في حال وفاة أي منهما.

1- المتهم : ترفع الدعوى المدنية التبعية على المتهم بارتكاب الجريمة والتي تسببت في الضرر الذي أصاب المدعي المدني, بصرف النظر عما إذا كان فاعلاً للجريمة أو شريكاً فيها, وإذا تعدد المتهمون فإنهم يلتزمون بالتعويض على أساس التضامن بينهم، سواءً وجد اتفاق بينهم أو لم يوجد . ويُلزم أن يكون المتهم أهلاً للتقاضي قبله. فإذا لم يكن كذلك, فقد صفته ومن ثم لن تقبل الدعوى ضده (2). ويجوز في هذه الحالة رفع الدعوى على من يمثله إن وجد وإلا عينت المحكمة ممثلاً له(3).

2 - المسؤول مدنياً : أجاز القانون رفع الدعوى المدنية التبعية ضد المسؤول مدنياً عن فعل المتهم. والمرجع في تحديد هذا المسؤول هو القانون المدني . بشرط أن تقام الدعوى الجنائية على المتهم . فإذا أُقيمت على المسؤول مدنياً فقط فإنها تكون غير مقبولة (4). والقول ذاته فيما يتعلق بتوافر الأهلية بالنسبة للمتهم ينطبق على المسؤول مدنياً.

3- الورثة : لا يسري مبدأ شخصية الدعوى المطبق في القانون الجنائي على الدعوى المدنية, ففي حالة وفاة المتهم أو المسؤول مدنياً, فإن ذلك لا يؤثر في حق المضرور في المطالبة بتعويض الضرر الذي أصابه, بل يحق له المطالبة به في تركة المتوفى (5) . وتبرير ذلك أن دين التعويض ليس ديناً ذا صفة شخصية بل هو دين في تركة المتوفى ولا تركة إلا بعد سداد الدين . ولذلك فإن الورثة لا يلتزمون بالتعويض إلا في حدود التركة وبنسبة نصيب كل منهم فحسب, فإذا لم توجد تركة فإن حق المدعي المدني بالتعويض يسقط. ولم يكن للورثة صفة في الادعاء قبلهم  (6).

ثالثاً : عدم سقوط حق المدعي المدني في اختيار الطريق الجزائي .

للمدعي المدني الحق في رفع دعواه المدنية بالتعويض عن الضرر, وذلك أمام المحكمة المدنية أو أمام المحكمة الجزائية, إلا أن حقه في ذلك ليس مطلقاً (7). فإذا لجأ المدعي المدني أولاً الى الطريق الجزائي, فإنه يستطيع أن يترك دعواه المدنية أمامه ويلجأ الى الطريق المدني, مالم يكن قد تنازل عن حقه المدني ذاته ؛ أما إذا لجأ أوّلاً الى الطريق المدني - مع إمكان لجوئه إلى الطريق الجزائي – فإن ذلك يعني قيام قرينة على أنه تنازل عن حقه في سلوك الطريق الجزائي ، ولذلك يُحرم إذا ترك دعواه أمام القضاء المدني من اللجوء الى القضاء الجزائي (8).

وعليه إذا لم تتوافر الشروط السابقة ، فإن الدعوى المدنية تكون غير مقبولة . ويُعد الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية التبعية من الدفوع المتعلقة بمصالح الخصوم (9).

وأخيراً تجدر الإشارة الى أن جميع الدفوع المتعلّقة بصحة اتصال المحكمة بالدعوى هي دفوع ذات طبيعة أولية لأن المحكمة التي تثار أمامها هي المختصة بالفصل فيها .

____________

1- انظر: د. فوزية عبدالستار، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، ط2، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2010، ص 221؛ د. إبراهيم حامد طنطاوي ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، ط1، ج1، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2004، ص 322؛ وانظر المادة (11) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي, تقابلها المادة (252) من قانون الإجراءات الجنائية المصري .

2- انظر: عدلي عبد الباقي ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، ط1، ج 1، المطبعة العالمية ، القاهرة ، 1951 ، ص 248؛ د. إبراهيم حامد طنطاوي ، مرجع سابق ، ص 326.

3-  انظر المادة (12) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي, والمادة (253) من قانون الاجراءات الجنائية المصري. بينما خلا قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي من نص يواجه رفع الدعوى المدنية على القاصر أو ناقص الأهلية, إلا أن أحكام القضاء الجنائي الفرنسي جرت على أنه يجوز رفع الدعوى المدنية على القاصر أمام المحكمة الجزائية بدون إدخال ممثله أو القيم عليه . انظر : د. محمد عيد الغريب ، الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة ، مطبعة الإيمان ، دار النهضة العربية ، القاهرة، 1995، ص 155

4-  انظر: د. رؤوف عبيد, المشاكل العملية الهامة في الاجراءات الجنائية, ج 1, 2, دار الفكر العربي, 1972 ، ص 680.

5- يستثنى من ذلك جريمة زنا الزوجية ، فوفاة الزوج الزاني أو الزوجة الزانية يؤدي الى انقضاء الدعويين الجزائية والمدنية على وفق ما ورد في المادة (1/379) من قانون العقوبات العراقي .

6- انظر: عدلي عبدالباقي مرجع سابق، ص 262 263

7- انظر المادة (25) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي, والمادتان ( 262 ،264) من قانون الإجراءات الجنائية المصري

8-  انظر المادتان (260) و (261) من قانون الإجراءات الجنائية المصري. وعلى العكس من ذلك نجد أن المشرع العراقي منح في المادة (25) (ب) من قانون اصول المحاكمات الجزائية ، المدعي المدني - بعد أن رفع دعواه أمام المحكمة المدنية – الحق في رفعها أمام المحكمة الجزائية بشرط أن يطلب من المحكمة المدنية إبطال عريضة دعواه ، مالم يكن قد صرّح بتنازله عن الحق المدني ذاته, وذلك على الرغم من أن رفعه لدعواه المدنية أمام المحكمة المدنية قد جاء بعد رفع الدعوى الجزائية . أي أن المشرع العراقي لم يأخذ بمبدأ سقوط حق المدعي المدني في اختيار الطريق الجزائي في هذه الحالة، ومن ثم لا مجال للدفع بذلك من قبل المتهم .

9- انظر: د. محمود محمود مصطفى ، حقوق المجنى عليه في القانون المقارن ،  ص 110. جدير بالذكر أن المحكمة الجزائية تستطيع أن تحكم بعدم قبول الدعوى المدنية التبعية ، ولو توافرت شروط قبولها ، متى ما رأت أن قبولها يترتب عليه تأخير الفصل في الدعوى الجزائية ، وهو ما نصت عليه المادة (19) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي ، والمادة (4/251) من قانون الإجراءات الجنائية المصري .