أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-06
698
التاريخ: 2024-09-20
222
التاريخ: 2024-08-21
273
التاريخ: 2024-06-18
678
|
ثمة عاملان كبيران في تاريخ الحياة البشرية ساهما في حصول تحول عظيم وثورة شاملة في حياة الإنسان، وكان لكل منهما اثره البالغ على كافة الصعد المادية والمعنوية والأخلاقية والاجتماعية لشعوب العالم ، وكانا السبب في وقوع الكثير من الأحداث وبالتالي تغيير وجهة حياة الإنسان، وهذان العاملان هما الزراعة والصناعة.
فقد جاءت ظاهرة الزراعة لتنقل الإنسان عن عصر النباتات والأعشاب والصيد إلى عصر الزراعة ، فعمرت الأرض وحلت الحضارات البشرية ، وشيدت على مدى قرون عديدة الكثير من المدن العظيمة ، وسنت القوانين ، وتشكلت الحكومات والأنظمة الادارية ، وبرز الكثير من العلماء في شتى العلوم ، فدرسوا والفوا الكتب وساهموا تدريجياً في رقي الإنسان.
أما ظاهرة الصناعة فجاءت لتنقل الإنسان من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة الآلية ، وساهمت في حدوث تحولات عظيمة على صعيد مظاهر حياة الإنسان، فحلت المعدات الزراعية الآلية المتطورة محل الآلات البدائية، كما حلت المعدات الآلية الضخمة محل الوسائل اليدوية البدائية في المصانع والمعامل .
وقد جاء التطور الحاصل في المجالين العلمي والصناعي ليعزز من سيادة الإنسان على الطبيعة ، ويضاعف من قدرته على استغلال الثروات الطبيعية للأرض إلى الحد الذي لا يمكن قياسه بالمرحلة الزراعية.
حصلت الثورة الصناعية خلال القرن الثامن عشر. ونتيجة لهذه الثورة التي امتدت إلى الكثير من المجتمعات خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، توسعت الصناعات الآلية بسرعة وغطت على الصناعات اليدوية ودخل نتاجها مختلف شؤون حياة الإنسان» .
«ويحل العمل الآلي محل العمل اليدوي، ويفقد الاقتصاد القديم ومركزه الأسرة أهميته. ولم تدخل الآلة فقط إلى الحقول والمزارع لترفع من مستوى الانتاج وجودته، بل وأصبحت الوسيلة التي يؤمن الإنسان بواسطتها احتياجاته. وقد أعطى نمو وازدهار الإنتاج الآلي التجارة رونقاً خاصاً ، وحل التعامل المالي المعقد محل التعامل البدائي القديم، حيث أصبح المصنع خلال هذه المرحلة محور الحياة الاقتصادية للمجتمعات ، ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة الاقتصاد المصنعي».
«وفي الاقتصاد المصنعي أخذت القوة الآلية تتوسع وتزداد حيث حلت محل قوة الإنسان والحيوان. ففي أواسط القرن التاسع عشر بلغت نسبة الانتاج الصناعي من الآلة في الولايات المتحدة الأمريكية 25% فقط ، بينما ارتفعت هذه النسبة خلال القرن العشرين إلى 98,6%))(1).
إن غالبية الطاقات البشرية كانت تستهلك خلال المرحلة الزراعية في الزراعة وتربية المواشي والدواجن واعداد القوت وتأمين متطلبات الحياة الضرورية ، ذلك أن معلومات الإنسان حول العلوم الطبيعية كانت ضئيلة جداً بحيث لم يكن يستطيع استغلال الثروات الطبيعية كما يجب ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية كان الإنسان يعتمد في الغالب في أعماله الزراعية وإدارة شؤونه الحياتية على الحيوان وقوته المحدودة ، وطبيعي أن في مثل هذه الظروف لا يستطيع سوى عدد يسير من الناس الانصراف لكسب العلم وطوي مدارجه ، كما أن تلك الظروف لم تكن تسمح للإنسان بخوض ما ليس له ارتباط مباشر بحياته .
أما خلال المرحلة الصناعية فقد وجد الإنسان بفضل تقدم العلوم واستخدام القوة الآلية ، الفرصة لصرف القليل من الوقت من أجل المزيد من الانتفاع من المياه والتربة، ومن هنا كان عدد الذين عملوا بالزراعة وتأمين احتياجات المجتمعات من المحاصيل الزراعية قليلا جدا ، بحيث اتجهت غالبية الأيدي العاملة الزراعية نحو المؤسسات العلمية والثقافية والاجتماعية .
«قبل أن يعرف الانتاج الآلي ويسود العالم ، كان يمكن لعدد ضئيل من الناس التخصص بأعمال أخرى غير انتاج المواد الغذائية ، ومن هنا كان بروز الأعيان ورجال الدين ورجالات القوة البرية والبحرية والفلاسفة والفنانين ، فظهور سقراط وأفلاطون وبوذا وأمثالهم لم يكن ميسراً إلا بعد ان استطاع منتجو المواد الغذائية زيادة إنتاجهم بما يفوق احتياجاتهم» .
«عندما ينظر المرء إلى مجتمع كمجتمع الولايات المتحدة الأمريكية يرى فيه تجلياً اجتماعياً جديداً ، حيث يجد أن غالبية الناس يتمتعون بأشياء كثيرة تفوق احتياجاتهم الضرورية ، ومع ذلك فإن عدداً كبيراً من الناس لا ينتجون شيئاً إن على الصعيد الزراعي أو الصناعي، ومن هؤلاء الشبان الذين يواصلون دراساتهم بعد نمو أظفارهم والقوات المسلحة والكتاب والمؤلفون والصحفيون ورجال الدين والسياسيون والموظفون الحكوميون ، وكل هذه الأعمال كانت تعتبر في رأي الإنسان الأول من الكماليات والتجمّلات ، بينما لا تستطيع المجتمعات الحديثة الاستغناء عنها أو حتى عن بعضها»(2).
لقد تركت الثورة الصناعية أثراً عميقاً في كافة مظاهر الإنسان المادية والمعنوية ، وغيرت اسس حياته ومنهاج عمله ونشاطه. وقد ساهمت الثورة الصناعية وتطور العلوم الطبيعية في اكتشاف الكثير من أسرار الخلقة وتحريك وتنشيط الاستعدادات الكامنة في أعماق الإنسان ودفعه نحو الأمام خطوة خطوة ، كما ساهمت في تعريف الإنسان على الكثير من أسباب ومسببات نظام التكوين، وجعلت الطبيعة مسخرة له، وزادت من رقعة سيادته على الأرض. وكان للتحولات الناجمة عن الاقتصاد الصناعي نتائج إيجابية وسلبية كثيرة على علاقات الأسرة والأخلاق العامة والروابط الاجتماعية والمعتقدات الدينية.
«دخل الإنسان في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي مرحلة جديدة تتضمن تغييراً جذرياً نظير التغير الذي حصل في مجال العمل بالزراعة، وأعني بهذه المرحلة كما هو معلوم مرحلة الانتاج الآلي وتطبيق العلوم في مجال الصناعة . ويمكن القول إن العلوم الطبيعية باتت واحداً من العناصر المؤثرة في مجال الزراعة منذ ثلاثمائة وخمسين عاماً ، وقد حل الانتاج الآلي في منتصف هذه الفترة تقريباً. إذ أثبت خلال فترة اختراعه على أنه قوة ثورية ضاربة ومحيرة للعقول. وهذه القوة لم تؤثر إلى يومنا هذا إلا على علاقات الإنسان بالطبيعة، لكنها قد أربكت بالثورة التي أوجدتها المعادلة القديمة في علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقته بنفسه»(3).
إن التحول الأهم الذي برز نتيجة الثورة المناعية في الدول الكبرى، هو تطبيق التعليم العام وانتشار المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية. وظاهرة الصناعة الآلية التي تعد من أسباب تطور العلوم الطبيعية ووليدة العقول النيرة لكبار العلماء والمخترعين، قد ساهمت في تشجيع الشباب على تحصيل العلم ودخول المدارس بكل شوق ورغبة. وقد زادت الحكومات بدورها من عمليات بناء المدارس والجامعات بنسبة ازدياد الملتحقين بالمدارس من الشباب، ووفرت بتوسيع المؤسسات التعليمية سبل الدراسة .
ولقد اصبح للرغبة العامة في التربية والتعليم بُعداً عالمياً ، ولم يعد التعليم العام محصوراً في المراكز التعليمية والمدارس والجامعات ، بل اتسع ليشمل مؤسسات أخرى كمراكز التمريض والمراكز الخاصة بالمعاقين جسمياً والمتخلفين عقلياً والمراكز المهنية وصفوف الأشراف ، وهذا التوسع المذهل للتربية والتعليم إن دل على شيء فإنما يدل على أنهما باتا من ضروريات الحياة بالنسبة للإنسان الذي بات يطلبهما من المهد إلى اللحد».
«إن أفضل دليل على الاهتمام المتزايد للبلدان المتحضرة بمسألة التربية والتعليم هو الميزانيات الضخمة التي تنفق في هذا المجال ، والعدد المتزايد للتلاميذ والطلبة الذين يتهافتون على المؤسسات والمراكز التعليمية والجامعات».
فقد شهدت الميزانية المخصصة للتربية والتعليم في أمريكا منذ عام 1900 وحتى عام 1930 إرتفاعاً بنسبة ألف بالمائة ، وقد أنفق الشعب الأمريكي في عام 1950 نحو ستين مليار دولار على المراكز التعليمية» .
(يدرس حوالي 80% من الشباب الذين بلغوا سن الدخول إلى الثانويات المرحلة المتوسطة ، ولم تعد هذه المرحلة حكراً على عدد محدود من الطلبة. كذلك شهدت الجامعات شأنها شأن الثانويات تزايداً كبيراً في عدد المنتسبين لمختلف فروعها، بحيث بلغ عدد طلاب الجامعات في عام 1941 مليوناً وأربعمائة ألف طالب، في حين لم يتجاوز هذا العدد في عام 1890 المائتين وخمسة وثمانين ألف طالب ، أي بزيادة قدرها خمسمائة بالمائة»(4).
أهمية التعليم في العالم الصناعي :
لقد نفذت الثورة الصناعية وآثارها إلى جميع بلدان العالم بنسب متفاوتة ، وأخذت تمد ظلالها بسرعة كبيرة حاملة معها آثارها السلبية والإيجابية. ومن آثارها الإيجابية قيمة الدراسات العلمية وانتشار المؤسسات التعليمية والثقافية والتحرك العام نحو اكتساب العلم.
كان العلم في الماضي عاملاً من العوامل التي تبعث على الفخر والاعتزاز، وقد فضّل الدين الاسلامي قبل أربعة عشر قرناً العالم على غير المتعلم من الناس بدرجات لما له من مكانة رفيعة ، رغم ذلك فإن العلم في الثورة الصناعية لم يبق مجرد عامل يبعث على الاجلال والتقدير ، بل أصبح اكتساب العلم في عصرنا الحاضر ضرورة حتمية لا بد منها .
_________________________
(1) مبادئ علم الإجتماع، ص 196.
(2) الآمال الجديدة، ص36.
(3) المصدر السابق، ص34.
(4) علم الإجتماع، ص 280 و283 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|