أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-9-2019
1781
التاريخ: 20-9-2019
3071
التاريخ: 2023-07-31
722
التاريخ: 2023-08-18
903
|
أما الشعر القصصي والتمثيلي فلم يزاولهما العرب؛ لأنهم أصحاب بديهة وارتجال(1)، وقد شغلوا بأنفسهم عن النظر فيما عداهم، وهم أشد الناس اختصارًا للقول والشعر القصصي يحتاج إلى التطويل والتحليل، وحرمتهم طبيعة أرضهم وبساطة دينهم وضيق خيالهم واعتقادهم بوحدانية إلههم كثرة الأساطير، وهي من أغزر مواد الشعر القصصي، فزخرت بحور الشعر العربي بالفخر والحماسة والمدح والهجاء والرثاء والعتاب والغزل والوصف والاعتذار والحكمة وخلا مع اتساعه وتشعب أغراضه من الملاحم(2) المطولة التي تعلن المفاخر القومية، وتشيد بذكر الأبطال والفروسية كالإلياذة لليونان، والإنبياد للرومان، ومهابهاراتة للهنود، والشاهنامة للفرس. وإذا عيرالعرب بفقر خيالهم، فقد اشتغلوا بعلوم أنفع لهم ولمجتمعهم من الشعر القصصي والتمثيلي، اشتغلوا بعلم الفلك حتى قال دلامبر في تاريخ هذا العلم: إننا إذا أحصينا راصدين أو ثلاثة من الروم رحنا نعد كثيرين من العرب في هذا الفن، مما دل على بعد غورهم في علم الأفلاك وقال بيكوردين: نشأت مكانة علم الفلك عند العرب من توسع الرياضيين منهم في الحساب؛ لأنهم اخترعوا أساس حساب المثلثات، وحقق العرب طول محيط الأرض، بما كان لهم من الأدوات، وأخذوا ارتفاع القطب ودور كرة الأرض المحيطة بالبر والبحر، وحققوا طول البحر المتوسط الذي قدره بطليموس بـ 12 درجة، فأرجعوه إلى 54 أولا ثم إلى 42 أي إلى الصحيح من مقداره تقريبًا، وجمع المأمون بعض حكماء عصره على صنعة الصورة التي نسبت إليه، ودعيت الصورة المأمونية، صوروا فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره وغامره ومساكن الأمم والمدن إلى غير أحسن مما تقدمها من جغرافية بطلميوس وجغرافية مارينوس، وضع له علماء رسم الأرض - وكانوا سبعين رجلًا من فلاسفة العراق - كتابًا في الجغرافية أعان عمال الدولة على معرفة البلاد والأمم التي أظلتها الراية العباسية، هذا إلى عنايته بالفلك، وفلكيه الفزاري أول من استعمل الإسطرلاب من العرب. وأقاموا المراصد الفلكية في بغداد والرقة ودمشق والقاهرة وسمرقند وقرطبة، وفاس، ونظروا في المجسطي لبطليموس في الفلك وعملوا جداول فلكية مدققة. اكتشف العرب منابع النيل قبل أن يتصدى الإفرنج لها (3)، وقام في أذهانهم أن في الأرض أقطارًا لم تُعرف، حتى قال أحد عارفيهم قبل كولمبس بقرن ونصف: «لا أمنع أن يكون ما انكشف عنه الماء من الأرض من جهتنا منكشفًا من الجهة الأخرى، وإذا لم أمنع أن يكون منكشفًا من تلك الجهة لا أمنع أن يكون به من الحيوان والنبات والمعادن مثل ما عندنا أو من أنواع وأجناس أخرى). وسبقت العرب (4) إلى اختراع طريقة الكتابة بالحروف البارزة الخاصة بالعميان، اخترعها علي بن أحمد بن يوسف بن الخضر المشهور بزين الدين الآمدي 712هـ / 1312م ، وكان قد فقد بصره في أول عمره، فكان كلما اشترى كتابًا لخزانة كتبه لف ورقة على شكل حرف من الحروف، ولصقها في الكتاب، وكانت هذه الحروف هي التي يستعين بها على معرفة ثمن الكتاب، وكان العميان يؤلفون، ومنهم ابن سيده المرسي صاحب المخصص والمحكم، ومثله عشرات في الأمة على ما ذكر ذلك الصفدي(5)، ومنهم من كان يطبُّ على القارورة فيصفون له داء المريض فيصف له الدواء، مثل ابن الحناط الكفيف الأندلسي (6). وسبقت العرب الأوروبيين إلى الطيران، وقد حاوله عباس بن فرناس حكيم الأندلس، وهو أول من استنبط صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فك الموسيقى ووضع الآلة المعروفة بالمثقال ليعرف بها الأوقات على غير مثال، ومثل في بيته السماء بنجومها وغيومها وبروقها ورعودها تمثيلا يخيل للناظر أنه حقيقة، وكادوا يعرفون في الأندلس الجراثيم، وكانت وقايتهم من الأمراض تكاد تشبه وقاية أهل العصور الحديثة، على ما ذكر ذلك ابن خاتمة في رسالته في الوباء(7)، وسبقوا إلى معرفة مرض النوم وسموه النوام وشرحوا أعراضه، وسبق العرب إلى معرفة الطباعة، فألف أبو بكر القدسي الأندلسي كتابًا في الخواص وصنعة الأمدة وآلة الطبع غريب في معناه ، (8) وكان عبد الرحمن بن بدر من وزراء الناصر ومن أهل المائة الرابعة ينفرد بالولايات فتكتب السجلات في داره ثم يبعثها للطبع فتُطبع وتخرج إليه فتُبعث في العمال وينفذون على يديه.» أي إن الأندلسيين عرفوا الطبع لا بالحروف قبل مخترعه المشهور جوتنبرغ الألماني بأربعمائة سنة، ولو اطرد سير العرب في الطباعة لأتقنوها، ولكان فضل هذه المدنية على العالم أضعافا مضاعفة، ولما فُقدت على الأقل معظم الأسفار التي خطتها أيدي العرب في العلوم المختلفة التي كانت تضمها خزائن الأندلس ودور الحكمة في بغداد. قال جوتيه: «وللعرب في باب الاختراعات شيء لا بأس به بالنسبة لعصورهم، وقد وجد في كتاب عربي قديم لم يُنقل إلى اللغات الأوربية، أن العرب عرفوا طريقة عمل الجليد الصناعي ولم تعرف أوروبا سر هذه الصناعة إلا في النصف الأول من القرن السادس عشر، وأدخلوا على أوروبا الورق المعمول من القطن والورق الرخيص الثمن، وكان الناس من قبل يكتبون على البردي وهو غال جدًّا، وكانت معامل شاطبة في إسبانيا تصدر بضاعة الورق إلى أوروبا الغربية، بينا كانت أوروبا الشرقية تبتاع ورقها من بلاد الشرق الأدنى مباشرةً، على ما يشهد لذلك اسم الورق الدمشقي «شارتا داما سينا». وصنع الورق (9) من الحرير في سنة 650م في سمرقند وبخارى، ثم استبدل يوسف بن عمرو سنة 706م الحرير بالقطن ومنه الورق الدمشقي الذي ذكره مؤرخو اليونان.» وقال جوتيه أيضًا إن العرب علمونا صنع الكتاب وصنع البارود وعمل إبرة السفينة، فعلينا أن نفكر ماذا كانت نهضتنا لو لم يكن من ورائها هذه المخلفات التي وصلتنا من المدنية العربية، عرفت العرب آلة الظل والمرايا المحرقة بالدوائر والمرايا المحرقة بالمقطوع، وقطعوا شوطًا كبيرًا في الميكانيكيات، ولما بعث الرشيد العباسي إلى شارلمان الساعة الدقاقة الكبيرة تعجب منها أهل ديوانه ولم يستطيعوا أن يعرفوا كيفية تركيب آلاتها على ما حقق ذلك سيديليو، ومع ذلك لم يكن في عصر العباسيين أهم من مهنة الفلاحة، أظهر العرب بمهارتهم مزايا فواكه الفرس وأزهار إقليم مازندران؛ وقد أغنوا (10) العلم ولا سيما علم النبات بمسائل جديدة كثيرة، ومعظم المستحضرات والأدوية المستعملة كالأشربة والدهون والمراهم والغول (الألكحول) واللعوق والسنامكي والراوند والخيار شنبر وجوز القيء هم الذين كشفوها ، واستلزمت أصول تداويهم أن يعمدوا إلى استعمال الفتائل وإلى الحجامة في أمراض الصرع، واستعمال الماء البارد في الحمى الدائمة، واتخذ جراحوهم تفتيت حصاة المثانة وقدح العين واستخرجوا منها الجريم العدسي الشفاف ويظهر أنهم عرفوا البنج. وفي التاريخ العام، وكل هذا المجد في الطب العربي إن لم يبد لنا بأنهم كانوا فيه أرباب نظريات دقيقة، فهم على الأقل أرباب ملاحظة عاقلة، وأرباب تجارب حاذقة، وأطباء عمل على غاية من المهارة. وكان الرازي وابن جابر أول من وضع أساس الكيمياء الحديثة، وحاولا كشف الإكسير الذي يهب الحياة ويعيد الشباب، وكانا يذهبان إلى معرفة الفلاسفة الذي يحول المعادن إلى الذهب، ولم تذهب هذه الأبحاث الوهمية سدى؛ لأنهم عرفوا بها التقطير والتصعيد والتجميد والحل، وكشفوا الغول من المواد السكرية والنشوية الخاثرة. ومضى دهر طويل كان فيه شعوب المملكة العربية أول العارفين بالزراعة، وأحسن العمال وأجرأ التجار في العالم القديم، وأصبحت الزراعة التي أخذوها عن أساليب بابل والشام ومصر علمًا حقيقيًّا للعرب، أخذوا نظرياتها من الكتب، ثم وسعوها بتدقيقاتهم وتجاربهم، وكانوا يطبقونها بمهارة ليس بعدها مهارة، وكان رجال الطبقة الأولى منهم لا يستنكفون عن العمل بأيديهم في زراعة الأرض، بينا كان غيرهم يحتقرها ويعدها عملا مهينًا. ونهض العرب في فارس والأندلس وصقلية وإفريقية لاستثمار المعادن يستخرجونها من مناجمها، ويحسنون تطريقها والانتفاع بها، واستخرج الأندلسيون من مناجمهم الزئبق والتوتيا والحديد والرصاص والفضة والذهب، واستثمر العرب المناجم التي صارت ملكا لهم في بلادهم في الشرق والغرب، واستخرجوا الحديد في خراسان والرصاص في كرمان والقار والنفط وطينة الأواني الصينية ورخام طوريس والملح الأندراني والكبريت.
........................................
1- تاريخ الأدب العربي لأحمد حسن الزيات.
2- راجع في مدخل الشاهنامة للفردوسي مبحثًا في الملاحم لعبد الوهاب عزام مصحح الشاهنامة المعلق عليها والمقدم لها.
3- مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري
4- من مقالتين لأحمد تيمور وأحمد زكي في مجلس المقتبس م6.
5- نكت الهميان في نكت العميان للصلاح الصفدي.
6- مجلسة المقتبس ما1.
7- بحث للمؤلف في رأي ابن خاتمة في الوباء، نُشر في المجلد الـ 28 من مجلة المقتطف. 8- الإحاطة في أخبار غرناطة للسان الدين بن الخطيب.
9- تاريخ العرب لسيديليو.
10- التاريخ العام للافيس ورامبو
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
بعثة الاغاثة الطبية التابعة للعتبة الحسينية تجهز مركز الزهراء (ع) للرعاية الصحية الأولية في العاصمة اللبنانية بيروت بالأدوية والمستلزمات الضرورية
|
|
|