أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-16
1343
التاريخ: 4-8-2019
2215
التاريخ: 16-11-2018
2567
التاريخ: 16-11-2018
2814
|
بقيت مسألة الربا الذي ادعى بعض الغيورين على مصلحة المسلمين أن امتناع المسلمين من تعاطيه كان فيه ضعفهم وفقرهم، والحقيقة أن المسلمين لما غالطوا أنفسهم في مسائل الربا، وتحيلوا لأخذه، ونسوا الآيات الصريحة الواردة في كتابهم بتحريمه، أصيبت ثرواتهم بالنقص، بل حالفتهم الفاقة والمذلة، والثروة بالعمل لا بالنقد وحده، وما النقد إلا أداة من أدوات التعامل وتنقل النقد في الأيدي، لا بجمود النقدين الذهب والفضة. وأشد ما حاربه الإسلام ربا الأضعاف المضاعفة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةٌ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(1) ، ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ (2) ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةِ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) . (3) وهذه الآيات في التحريم صريحة لا تحتاج إلى شرح، وفسر المفسرون آية: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، بِأَنِ الْآخِذِين للربا لا يقومون إذا بعثوا من قبورهم إلا قيامًا كقيام المصروع فلا يقومون من المس، أي الجنون الذي بهم بسبب أكل الربا، ويكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين لاختلال عقولهم؛ لأن الله أربى في بطونهم ما أكلوا من الربا فأثقلهم، (4) أما نحن الدنياويين فقد رأينا في الربا بلاءً عظيمًا غير ما عرفه منه الأخرويون؛ رأينا كثيرين من أكلة الربا يصابون وأولادهم بالجنون أو بشيء يقرب من الجنون، والأمثلة كثيرة في أيامنا، ونعلل هذا السر في جنون آكل الربا؛ أنه يكون غير مطرد في توازنه لا يملك اعتداله أبدا؛ فهو يفرح كثيرًا ويكتئب كثيرًا، ويحصر وكده ويكد ذهنه في دائرة معينة أقلُّ ما يُقال فيها: إنها حساب الأرقام على الدوام، والتخوف مما تخبؤه الأيام، ومن ضيق المجال على عقله ضعف تفكيره، ومن قل تفكيره كثرت هواجسه وكانت البلاهة فما بعدها أقرب إليه من فكه، ومن كان هذا حاله جاء منه الأبناء المغفلون يحاولون أن يعيشوا من بقايا ما ورثوه من ثراء، وقد يكون تبعثر في حياة جامعه، وهناك ضيعة الأمل، وخيبة العمل، إلى انقضاء الأجل. ولقد عد الشارع الربا من السبع الموبقات أي المهلكات: وهي: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وقال: «لعن الله آكل الربا ومؤكله.» وأثبتت الأيام أن التوغل في الربا في الغرب أدَّى ولا يزال يؤدي إلى محو الثروات؛ وذلك لأن الربا الفاحش، وأكثره فاحش ، يربح أكثر من ربح الصناعة والزراعة والتجارة، فاعتماد الناس عليه وحده غبن عظيم على المجتمع، وتعطيل للأعمال المثمرة؛ لأنه قد يزهد الناس في التجارة وعمران الأرض واستثمار موادها، فيعمدون إلى الانتفاع بأموالهم بطريقة الربا لما فيه من ربح لا تعب فيه، وريع مضمون مؤمن، قد تكون الخسارة فيه أقل من الخسائر في سائر ضروب المعاش، على أن الربا ينافي سنة الكون؛ لأن من يأتيه ربحه بدون عناء، يبسط يده في إنفاقه كثيرًا، كالمقامر لا يُرى إلا سمحًا على الأغلب؛ لأن ماله أتاه هينا لينا وإذا خسر تكون خسارته من أصل رأس ماله، ولقد رأينا بيوتا عظيمة في مصر والشام كانت في هناء وسعادة، فلما تطوَّحت في الربا دائنة ومدينة انقرضت على بكرة أبيها، سواء في ذلك أهل الأديان السماوية الثلاثة، وكان لهذه المصافق المالية (البورصات) وهي أشبه بالميسر دخل كبير في محق الثروات. على أن الإسلام رخص في استثمار الأموال إذا لم يشترط في الأول ربح معين. كأموال المقتصدين في صناديق التوفير وحظر الاسترسال في الربا الفاحش؛ فالمحرم هو ربا النسيئة، أي إنساء (5) أجل الدين المستحق، وهو أخذ الزيادة في المال لأجل تأخير ما في الذمة منه، ويكون من شأنه أن يتضاعف، ويخرب البيوت ويفسد العمران، ويبطل فضائل التراحم والتعاون بين الناس ، (6) أما ربا الفضل فلا ضرر فيه؛ ولذلك اضطر الفقهاء إلى القول بأن تحريمه تعبدي لا يعقل معناه، وقال الزجاج في تفسير قوله تعالى: (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللهِ) ، يعني به دفع الإنسان النسيء ليعوض أكثر منه فذلك في أكثر التفسير ليس بحرام، ولكن لا ثواب لمن زاد على ما أخذه والربا ربوان فالحرام؛ كل قرض يؤخذ به أكثر منه أو تجر به منفعة، وما ليس بحرام أن يهب ما يستدعي به أكثر منه أو يهدي ليهدى له أكثر منها، والربا محرم في الشرائع الثلاث؛ حُرم في التوراة والإنجيل والقرآن واليهود تحرمه تحريما قطعيًّا شبيها بتحريم الإسلام، إلا أن التحريم مقصور على معاملات اليهود بعضهم مع بعض، والإسلام جامع شامل عام ، وحكم النصرانية قابل للتأويل(7)، وأجازت القوانين العقلية القرض بدون ربح ولا فائدة، وأجازت التعاقد على الربح والفائدة إلى حد معين، منعا للربا الفاحش وحرَّمت ربا الربا إلا في معاملات تجارية مخصوصة ضيقت فيها بقدر الإمكان، وأجازت للدائن المطالبة بربح المال الذي يتأخر المدين في أدائه، ولو لم يتفق معه على ربح «كان (8) القرض من جملة التبرعات التي تُعد من أعمال البر والإحسان، كما كان حسن القضاء وإيفاء الدين من جملة المعاملات الحسنة؛ فكان المدين يمشي إلى صاحب الحق لأداء الدين بلا تقاض ولا مطالبة ويسلمه أجود مما عليه، ويزيد عليه زيادة فضل، لكنه غير مشروط ولا ملاحظ، فحث عليه الشارع وحبَّذه ، وجعل ثوابه أعظم من ثواب الصدقة، فقال عليه الصلاة والسلام: «الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر»؛ لأن الصدقة تقع بيد المحتاج وغير المحتاج، والقرض لا يقع إلا بيد المحتاج، كما حبَّذ حسن القضاء وحث عليه، فقال: «خيركم أحسنكم قضاء»، فكان الأقدمون يتسابقون لذلك قرضًا واستقراضًا كما يتسابقون لأعمال البر والمعروف، فما لبثت زمنًا حتى انقلب هذا الإحسان وعمل المعروف إلى متجر لتنمية المال بأسوأ الطرق، وأقبح السبل المؤدية إلى الإضرار بالناس وإتلاف مالهم وإخراجه من أيديهم مجانا بلا رعاية جانبه أصلا، وهو الربا الذي عرفه الشرع الأقدس أنه فضل مال خال عن عوض بالكيل والوزن مشروط لأحد المتعاقدين، فكان الدائن إذا بلغ الدين محله زاد في الأجل فيستغرق بالشيء الطفيف مال المدين بلا مسامحة ولا حط، وهو الأضعاف المضاعفة التي حرمت بالنص، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةٌ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فلم يدرك الغرب مضرته، بل رآه سهل المأخذ، كثير المغنم، ينمو بسرعة فاتخذه وسيلة للثروة، وسببًا للعمران، وندد على الإسلام بتحريمه، وجعل تركه سببًا للانحطاط، ولم يدرك أن هذه الثروة التي بنيت على أساس الجور والعسف تضمحل بسرعة كما تحصلت بسرعة، وهذا النمو السريع يعقبه اضمحلال سريع ويدهمه المحق المشاهد: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ). ولما ظهرت الإفلاسات بكثرة وتتابعت ممن يتخذونه متجرًا، وبحث الباحثون في الأسباب تبين لهم أن أغلبها من الربا، وبتجارب الأيام وتوالي الحوادث، ظهر سر الشرائع التي حرمت الربا، وحسبك حجة عليهم أنه جلب منفعة بخراب بيت أو بيوت فهو شبيه بالاحتيال والإغراء، ليتوصل به آخذه إلى اقتناص مال غيره بلا عوض كالميسر، وقد شاهدنا منه خراب بعض القرى واستملاكها ونزعها من أهلها؛ بسبب الربا لما وقعت في مخالبه، ولا يسعنا هذا المقام لنطيل بالأدلة العقلية والبراهين النظرية، على أنه لا يُعد من أسباب العمران ولا من وسائط الثروة؛ إذ ليس من حسن النظر إغناء رجل بخراب آخر، ولا إثراء جماعة بسلب مال الآخرين، بل هو المعول في تخريب الثروة والفتك بالتاجر والزارع الذي ندر أن يفلس بسبب آخر غير الربا؛ فلذا حرمه الله تعالى، وشدد على تعاطيه، وأعلن بالحرب عليه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُون) . ا. هـ.» وبعد، فهل مضرة محسوسة أكثر ظهورًا في هذا العصر من تأثير الربا في مجموع الهيئة البشرية؟ وقد رأينا من أهم العلل في تقلقل الحالة الاقتصادية في العالم التطوح في الاستدانة والإدانة على طريقة توسعت حتى ظن بعض قصار النظر أن هذه الثروات هي حقيقة ملموسة، مع أن الأيام أثبتت أنها كانت ثروات موهومة أو سرابًا بقيعة (9) حسبها الظمآن ماء، وما وقع بعد الحرب العالمية من ضروب الإفلاس في المصارف عند كبار الأمم المتمدنة يقوم أقوى دليل على تخريب العمران بهذه الذريعة الكاذبة.
............................................
1- المس: الجنون.
2- يربي الصدقات: يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه.
3- النظرة: الإنظار والانتظار، والعسرة: قلة ذات اليد، والميسرة: اليسار، أي وقت اليسر.
4- تفسري البيضاوي.
5- تأخيره.
6- مجلة المنار م31.
7- المقارنات والمقابلات لمحمد حافظ صبري.
8- هذا كلام كتب لي به صديقي عبد المحسن الأسطواني من كبار فقهاء الحنفية بدمشق.
9- القاع: الأرض السهلة المطمئنة، ج قيع وقيعة وقيعان بكسر أولهن.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|