أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-07
412
التاريخ: 2024-05-09
897
التاريخ: 2024-02-22
797
التاريخ: 2024-08-25
282
|
تدل الكشوف التي تمت إلى يومنا هذا على أن المدنية في مصر قد بدأت في الوجه البحري في خلال العهد الحجري الحديث، وأنها كانت تفوق المدنية التي ظهرت في الوجه القبلي ثم استمر الحال كذلك بشكل جلي واضح في عصر بداية استعمال المعادن، وأن الحضارة في الوجه البحري كانت تدرج في مراقي التقدم بخطى واسعة على حين أن المدنية في الوجه القبلي كانت خطاها وئيدة وفي حالة متأخرة. ولأجل أن نصل إلى سر تفوق الوجه البحري على الصعيد يجب أن نبحث طبيعة أرض كل منهما وموقعه الجغرافي.
الدلتا: تتألف أرض الدلتا من سهل مترامي الأطراف لا يتخلله جبال، وهو منفصل عن الصحراء تماما، ولذلك كانت الفرصة سانحة لسكانه الأول ليكونوا أهل حضر، ويمكنهم أن ينموا ويتقدموا وينعموا بحياة العمل في عقر دارهم، دون أن ينتجعوا مكانًا وآخر طلبًا للرزق، وقد ساعدهم على ذلك أن أرض الدلتا، التي تمتاز بخصب تربتها وطيب جوها، هذا إلى أنها تقع على مفترق طرق أفريقيا وآسيا، مما سهل لها الاتصال بالممالك القريبة منها، فتجلب إليها خيراتها الزراعية، وتحف صناعاتها وفنونها، وبذلك تضيف إلى مدنيتها الأصلية مدنية جديدة، ولا غرابة إذن في أن نرى أرض الوجه البحري في كل عصور التاريخ أعرق مدنية من الوجه القبلي وأكثر تقدمًا. أما الوجه القبلي فهو قطر طويل محصور بين سلسلتين من الجبال القاحلة، وهذا القطر متصل بالصحراء من كل مكان وفي هذا العهد لم تكن أرض الصحراء غنية بالزراعة، إذا قرناها بأرض الوادي الضيق نفسه، وكل ما نعلمه أن أرض الصحراء الحالية كانت شبه مجدبة، فكانت تعيش فيها الحيوانات الوحشية ، وحيوانات الصيد مما جعلها ميدان صيد وقنص لأهل الوادي الذين كانوا يعيشون في مدن وقرى، ولما كان سكان هذه المدن قبل تكوين هذا الوادي يعيشون على الصيد فحسب، فقد بقوا يحترفون الصيد لأن ذلك في طبيعتهم منذ نشأتهم، والواقع أن أهل الصعيد كانوا منفصلين عن باقي العالم بهذه الصحاري المترامية الأطراف، فلم يكن أهله يختلطون إلا بالبقية الباقية من بدو الصحراء الجوالين، وهم قوم لا ثقافة ولا مدنية لهم، يضاف إلى ذلك أن المسافة بينهم وبين أهل الدلتا كانت بعيدة، فلم يكن في مقدورهم الاختلاط التام بهم، حتى يستفيدوا من مدنيتهم، وكذلك كانت الأراضي الزراعية التي في متناولهم قليلة المساحة بالنسبة إلى الدلتا، فلم يكونوا زراعًا بالمعنى الحقيقي، ولا غرابة إذن إذا عددناهم جبليين بالنسبة لأهل الدلتا المتحضرين. وأعظم عمل قام به المصري في بداية استعمال المعادن، سواء أكان في الوجه البحري أم في الوجه القبلي، ينحصر في إعداد أرض وادي النيل الخصبة للزراعة، وقد حدث ذلك في الوقت الذي أخذت فيه أحوال البلاد تتغير من جهة الجو تدريجا، وقد حدث هذا عندما أخذت القبائل الجوالة التي كانت ترتكن في معظم معيشتها على الصيد والقنص وتربية المواشي : تحط رحالها وتسكن القرى والمدن، وإذا كانت الأراضي الخصبة المجاورة للصحراء بما فيها من مراع طبيعية ضئيلة قد كفت لمدة ما في عصر بداية المعادن حاجة الرعاة الذين كانوا يعيشون بجوار مياه الوادي، فإنها بعد فترة أصبحت غير كافية لسد حاجات سيل السكان الذين كانوا يتدفقون من الصحراء القاحلة إلى شواطئ النيل، وقد كان ذلك سببًا في أن حتم على هؤلاء النازحين أن يستغلوا أرض وادي النيل الخصبة الدسمة، ولكن العوائق الطبيعية قامت في وجههم وجعلتهم يفكرون في التغلب عليها لحاجتهم الملحة إلى طلب العيش، وتفسير ذلك أن النيل كان يغمر أرض الوادي الخصبة كل عام بفيضانه المنتظم، ويترك مياها راكدة في الأراضي المنخفضة تتألف منها برك ومستنقعات، على حين أن الأراضي المرتفعة كانت تجف مياهها بعد انقضاء بضعة أسابيع من اختفاء الفيضان، فحتمت الحاجة الملحة على إنسان هذا العصر أن يسوى بين عالي هذه الأراضي وسافلها حتى تصبح في مستوى واحد صالح للزراعة، ثم رأى أنه كان لزاما عليه بعد ذلك أن ينظم ماء الفيضان نفسه، حتى يمكنه أن ينتفع به وقت التحاريق، فقام بإنشاء الترع والسدود التي كانت بمثابة الخزانات الآن ليصرف منها الماء عند الحاجة حتى لا يحدث قحط، وهذا العمل العظيم يعد أكبر فتح قام به الإنسان الأنيوليتي في وادي النيل أمام الطبيعة العاتية، والواقع أنه ما كاد ينبثق فجر التاريخ حتى كان الإنسان الذي سبق هذا العصر قد تغلب على كل الصعاب التي مهدت السبيل لنمو المدنية المصرية، ولا شك في أن هذا العمل العظيم يعد من أكبر مفاخر الإنسان الأنيوليتي، وستبقى أسماء هؤلاء الذين نفذوا هذه الأعمال العظيمة سرًّا غامضًا أبد الآبدين، والواقع أن مثلهم في هذا الميدان مثل الجندي المجهول في ساحة الوغى، ومن المرجح جدًّا أن أول من فكر في تنظيم مياه النيل وتوزيعها هم م أهل الدلتا لأنهم كانوا بطبيعتهم أهل حضر وزراعة. أما أهل الصعيد فإنهم كانوا أقرب إلى البداوة، ولا يبعد أن تكشف لنا مدنيات جديدة في أرض الدلتا – كما حدث منذ زمن قريب - تثبيت هذه الفكرة، هذا رغم أن معظم مدنيات الوجه البحري قد طغى عليها الماء بارتفاع منسوباته في كل بقاعها، اللهم إلا أجزاء بسيطة لا تكاد تذكر بالنسبة إلى أرض الصعيد التي لم يمسسها في أماكن كثيرة ماء الفيضان وبخاصة على حافة الصحراء التي كانت تتخذ مدافن في كل عصور التاريخ المصري ومنها نستقي معظم ما نعرفه عن المدنية المصرية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|