المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6235 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

مبيدات الحلم ولعناكب (مبيد ايتوكسازول Etoxazole 10% SC)
3-10-2016
اللَّه شاهد على وحدانية ذاته
11-12-2015
التنميـة والاسـلام
29-11-2020
الأساس التشريعي لحق تولي الوظائف العامة
29-3-2016
تفسير الآية (39-40) من سورة يوسف
6-7-2020
الله هو نور العالم
18-12-2015


سند شيخ الطائفة إلى علي بن الحسن بن فضال.  
  
1050   11:56 صباحاً   التاريخ: 2023-05-28
المؤلف : أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
الكتاب أو المصدر : قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة : ج2، ص 266 ـ 276.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الرجال / مقالات متفرقة في علم الرجال /

سند شيخ الطائفة إلى علي بن الحسن بن فضال (1):

ابتدأ الشيخ (قدس سره) في التهذيبين باسم علي بن الحسن بن فضال في المئات من الروايات، حيث كان لديه ما لا يقل عن عشرة من كتبه في مختلف الأبواب الفقهية وهي من عمدة ما اعتمده عليه في تأليف الكتابين.

ولكن سنده إليه في المشيخة والفهرست يشتمل على (علي بن محمد بن الزبير الكوفي القرشي) وهو لم يوثّق في المصادر الموجودة بأيدينا، ولذلك استشكل جمع في اعتبار الروايات المذكورة بأجمعها، أولهم فيما نعلم المحقّق الأردبيلي (قدس سره) (2) وقد بنى السيد الأستاذ (قدس سره) على تمامية هذا الإشكال ردحاً طويلاً من الزمن وقد ذكره في كتاب الطهارة (3) واستمر في البناء عليه إلى أن وصل بحثه الشريف إلى كتاب الصوم (4) فتبنّى طريقاً في الجواب عنه، وقد وافقه في أصل الإشكال بعض تلامذته (5) ووافقه في دفعه بعض آخر منهم (6).

ولا يخفى أنّ دفع هذا الإشكال يحظى بأهمية كبيرة، لأنّ له أثراً بالغاً في كثير من موارد الاستنباط، ولا سيما على مبنى من يقول بحجية خبر الثقة ولا يرى عمل المشهور جابراً لضعف السند.

وهناك عدّة وجوه يمكن ذكرها في هذا المجال، وفيما يأتي أربعة منها:

الوجه الأول: ما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره)، وقد ذكر كلامه في بعض تقريرات بحثه (7) بصورة ناقصة لا تفي ببيان مرامه، والذي ذكره (قدس سره) (8) بنفسه هو: (أنّ المخبر بكتب علي بن الحسن بن فضال بالنسبة إلى الشيخ والنجاشي واحد، وهو أحمد بن عبدون، فالكتب التي كانت عند الشيخ هي بعينها الكتب التي كانت عند النجاشي، وبما أنّ للنجاشي طريقاً أخر معتبراً فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضاً معتبرة).

وتوضيح كلامه (قدس سره): أنّ الشيخ روى كتب ابن فضال عن أستاذه أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير القرشي عن ابن فضال، وهذا الطريق مخدوش. والنجاشي روى تلك الكتب بسندين أحدهما عن ابن عبدون عن ابن الزبير عن ابن فضال، والثاني بطريق معتبر وهو عن محمد بن جعفر في آخرين عن ابن عقدة عن ابن فضال. وعلى ذلك يمكن تصحيح ما رواه الشيخ من كتب ابن فضال بمعونة ما ذكره النجاشي من الطريق المعتبر، وتقريب ذلك يتوقف على مقدمات:

الأولى: أنّ الشيخ والنجاشي قد تلقّيا كتب ابن فضال عن ابن عبدون عن ابن الزبير، ومن المعلوم أنّ النسخة التي تلقّاها أحدهما لا تختلف عن النسخة التي تلقاها الآخر، إذ لا يحتمل أن يكون ابن عبدون قد أعطى نسخاً من كتب ابن فضال إلى أحدهما غير النسخ التي أعطاها للآخر.

الثانية: أنّ النجاشي قد روى كتب ابن فضال بطريق آخر أيضاً حيث قال: (وأخبرنا بجميع كتبه محمد بن جعفر في آخرين عن ابن عقدة عن علي بن الحسن بن فضال)، وهذا الطريق معتبر، فإنّ محمد بن جعفر وهو المؤدب وإن لم يوثق في كتب الرجال إلا أنه لما كان من مشايخ النجاشي لزم البناء على وثاقته لكونه ممن يتجنب الرواية عن الضعاف كما يظهر منه في بعض الموارد.

ومع الغض عن ذلك فإنّه لما لم يكن محمد بن جعفر منفرداً في روايته عن ابن عقدة بل كان معه آخرون ولا يحتمل أن يكونوا جميعاً من غير الثقات فلا محيص من الاعتماد على هذا السند.

الثالثة: أنّ ما رواه النجاشي من نسخ كتب ابن فضال بطريق ابن جعفر لا يختلف عما رواه من نسخها بطريق ابن عبدون بل هما متطابقان، وإلا لتعرض للاختلاف بينهما، فإن بناءهم على التعرض لمثله من الاختلاف بين النسخ لو كان، ومن موارده ما ذكره النجاشي (9) بالنسبة إلى كتاب أبي رافع ونوادر ابن أبي عمير وكتاب الحسين بن سعيد، وفي الأخير نقل عن ابن نوح أن له طرقاً خمسة تختلف نسخه بحسبها، فيجب أن تروى كل نسخة بما رواها صاحبها فقط ولا تحمل رواية على رواية ولا نسخة على نسخة لئلا يقع فيه اختلاف.

وبضم هذه المقدمات بعضها إلى بعض نستحصل على النتيجة المطلوبة وهي أن ما رواه الشيخ من كتب ابن فضال معتبر، لأن ما رواه بطريق ابن عبدون وإن لم يكن معتبراً إلا أنه متحد مع ما رواه النجاشي بطريق ابن عبدون من جهة، وما رواه النجاشي بطريق ابن عبدون متحد مع ما رواه بطريق محمد بن جعفر من جهة أخرى، وهذا الطريق الثاني معتبر، فلا محالة يكون المروي بالطريق الأول معتبراً.

أقول: أما المقدمة الأولى فهي تامة لأنه يظهر مما ذكره الشيخ والنجاشي في ترجمة ابن فضال (10) أن ابن عبدون روى لهما معظم كتبه على سبيل القراءة لا الإجازة الشرفية فيتأتى فيها القول بأن النسخة التي كان قد رواها للشيخ لم تكن تختلف عن النسخة التي رواها للنجاشي.

وأما المقدمة الثانية فيمكن البناء على تماميتها أيضاً لا من جهة ثبوت وثاقة محمد بن جعفر ــ فإن ما ذكر من أنه يظهر من النجاشي عدم روايته إلا عن الثقات غير تام كما أوضحته في موضع آخر ــ ولا من جهة الاطمئنان بكون بعض من توسطوا بين النجاشي وابن عقدة كان ثقة، فإن الاطمئنان بذلك غير حاصل، بل من جهة أنهم أياً كانوا فلا يحتمل تواطؤهم على خلاف الواقع فيما رووه عن ابن عقدة.

وأمّا المقدمة الثالثة فيمكن الخدش فيها بأن التعرض لاختلاف نسخ الكتاب حسب اختلاف الطرق إليه إنما يترقب ممن اطلع على النسخ المروية بتلك الطرق وأما من استحصل على نسخة بطريق واستحصل على الإجازة برواية الكتاب من طريق آخر من دون قراءة أو سماع أو مناولة أو نحوها فلا يتوقع منه أن يتعرض للاختلاف بين النسخ لو كان كما هو واضح.

والمستفاد من كلام النجاشي أنّه روى جملة من كتب ابن فضال عن ابن عبدون قراءة أو سماعاً والباقي إجازة، وأما روايته لها من طريق محمد بن جعفر فلم تكن إلا على سبيل الإجازة الشرفية من دون قراءة أو مناولة أو سماع أو نحوها، وعلى ذلك فلا سبيل إلى الاطمئنان بمطابقة ما رواه الشيخ من طريق ابن عبدون لما رواه النجاشي إجازة عن طريق محمد بن جعفر.

وبعبارة أخرى: إنّ الطريق الثاني للنجاشي إلى كتب ابن فضال لما كان على سبيل الإجازة غير المقرونة بالقراءة ونحوها فهو لا يجدي في تصحيح النسخة الواصلة إليه منها عن طريق ابن عبدون، وعلى ذلك فلا سبيل إلى تصحيح ما رواه الشيخ بطريق ابن عبدون بمعونة ما رواه النجاشي بطريق محمد بن جعفر.

الوجه الثاني: أنّ ابن الزبير قد وثق في كتب الجمهور وأوردوا في حقه عبارات عالية المضمون.

قال الخطيب البغدادي (11): (كان ثقة)، وقال ياقوت (12): (كان من أجل أصحاب ثعلب.. ثقة صادقاً في الرواية حسن الدراية)، وقال الذهبي (13):

(الإمام الثقة المتقن). وقال ابن النديم (14): (عالم صحيح الخط راوية جماعة للكتب صادق في الحكاية منقر بحاث)، ويوجد نظير ذلك في كثير من مصادرهم.

ومن المعلوم أنّ أصحاب الجرح والتعديل من الجمهور لا يوثقون الشيعي إلا إذا كانت وثاقته بمثابة من الوضوح بحيث لا يمكن التشكيك فيها، وإلا فإنهم يمتنعون عن توثيقه، بل بلغ الحال ببعضهم ــ كما ذكر في كتبهم ــ أنه كان يطعن في الرجل لمجرد كونه شيعياً أو كان من بلد يشتهر أهله بالتشيع.

قال ابن حجر (15): (إنّ الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع فتراه لا يتوقف في جرح من ذكر منهم بلسان ذلقة وعبارة طلقة).

وبالجملة: إطباق الجمهور على توثيق من كان شيعياً بل أو متهماً بالتشيع يوجب عادة الاطمئنان بوثاقته كما بنى على ذلك المحقق التستري من باب أن الفضل ما شهدت به الأعداء.

والظاهر أن ابن الزبير كان شيعياً كما يكشف عن ذلك ما ذكر في ترجمته من أنه لما مات ببغداد نقل إلى مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفن فيه (16) ــ فإن هذا ما لا يصنع عادة إلا بالشيعي كما لا يخفى ــ ويؤكده أنه روى عشرات الكتب لمؤلفي الإمامية واعتمده علماؤنا في روايتها ولم يشيروا إلى أنه كان من العامة، ولو كان منهم لأشاروا إلى ذلك كما نجد مثله بالنسبة إلى من لم يكن من أصحابنا وروى لهم.

فالنتيجة: أن ابن الزبير وإن لم يوثق في كتب أصحابنا إلا أن إطباق علماء الجمهور على وثاقته مع كونه شيعياً يورث الاطمئنان بوثاقته.

أقول: هذا الوجه تام إن ثبت أنّ ابن الزبير كان معروفاً بالتشيّع بل أو متهماً به عند أهل الجرح والتعديل من علماء الجمهور، ولكن لم أجد شاهداً على ذلك في كلماتهم، فربما كان شيعياً ولكن يخفي تشيعه عنهم كما لوحظ ذلك بالنسبة إلى نوح بن دراج الذي نصّ النجاشي على أنه كان إمامياً ولكن كان يخفي ذلك وتولى القضاء لهارون في الكوفة! فلعل ابن الزبير كان أيضاً ممن يخفي تشيعه عن الآخرين فلا يمكن أن يجعل توثيقهم له من مصاديق الفضل الذي شهدت به الأعداء. هذا ولكن الإنصاف أن تسالم القوم على وثاقته وجلالته ووصفه بجملة من الصفات الحميدة من جانب واعتماد علمائنا على روايته في نقل أصولنا ومصنفاتنا من جانب آخر يورث الظن القوي بل الاطمئنان بأنه كان جليل القدر معتمداً عليه في رواية الكتب والأحاديث. وقد كتب بعض الباحثين (17) المعاصرين رسالة في ترجمته باسم (ابن الكوفي) (18) نقل فيها كلمات كثير من القوم في الإطراء عليه وبعضها تمدح خطه وضبطه وقد قال ياقوت الحموي: (هو صاحب الخط المعروف بالصحة المشهور بإتقان الضبط وحسن الشكل كان يجعل الإعراب على الحرف بمقدار الحرف احتياطاً ويكتب على الكلمة المشكوك فيها عدة مرات صحّ صحّ صحّ ونقل من كتاب الكوفة أن خطه اليوم يقتدى به) وقال القفطيّ: (وأما كتبه ففي غاية الجود والإتقان) وقال هو: إن ابن الكوفي كان يقيد الفوائد التي يعثر عليها في الجزازات وفق أحدث الطرق العلمية وقد اعتز العلماء بجزازاته وكانوا يغالون بها ويفخرون بالنقل عنها فإذا قال أحدهم نقلت من خط ابن الكوفي فقد بالغ في الاحتياط. قال ياقوت: (بيع جزازات كتبه ورقاع سؤالاته العلماء كل رقعة بدرهم)! وهل مثله ممن يمكن التشكيك في وثاقته؟!

الوجه الثالث: ما ذكره سيدي الأستاذ الوالد (دامت بركاته) من أن الشيخ (قدس سره) وإن لم يذكر في المشيخة والفهرست في سنده إلى كتب ابن فضال إلا طريقاً واحداً يمر بعلي بن محمد بن الزبير إلا أنه يظهر من أوائل التهذيب أن له طريقاً آخر إليها، وهو (جماعة من أصحابنا عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن علي بن الحسن بن فضال)، وهذا الطريق معتبر بلا إشكال.

وتوضيح الحال: أن الشيخ (قدس سره) لما شرع في تأليف التهذيب قام في البداية بإيراد الأحاديث بأسانيدها من مشايخه إلى الإمام (عليه السلام)، ثم ارتأى أن يبتدأ باسم الراوي الذي أخذ الحديث من كتابه أو أصله على أن يورد عند الفراغ من التهذيب أسانيده التي يتوصل بها إلى تلك الكتب والأصول، وذلك رعاية للاختصار في الوقت والجهد والمال.

والملاحظ أنه أورد في أوائل التهذيب (19) روايات كثيرة بسند مزدوج إلى علي بن الحسن بن فضال فنراه يقول: (أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى عن أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن وأحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير عن علي بن الحسن). والظاهر أن هذا السند المزدوج ليس سنداً إلى خصوص تلك الروايات التي رواها به بل هو سند إلى الكتاب الذي أخذ منه تلك الروايات وهو كتاب علي بن الحسن بن فضال.

ومما يشهد على ذلك أنه أورد بعض الأحاديث في التهذيب (20) بالسند المزدوج المذكور ولكنه أوردها في الاستبصار (21) مبتدءاً باسم علي بن الحسن بن فضال، مع التزامه فيه أيضاً بأن لا يبتدأ إلا باسم من أخذ الحديث من كتابه أو من أصله، فيعرف من هذا أنه لما ألف الاستبصار ــ وهو في أحاديثه قطعة من التهذيب ــ كان على ذُكرٍ بأنه أخذ هذه الأحاديث من كتاب ابن فضال فابتدأ باسمه ولم يذكر السند من أوله إلى آخره.

إن قيل: إذا كان الأمر كذلك فلماذا نجده في القسم الأول من التهذيب ــ الذي كان بناؤه فيه على ذكر السند بتمامه ــ أنه يذكر أحياناً (22) أحد السندين فقط وهو (ابن عبدون عن ابن الزبير عن ابن فضال) ولا يذكر السند الآخر الذي ينتهي إلى ابن عقدة، بل نجده في بعض الموارد يذكر كلا السندين في رواية وفي الرواية التي بعدها مباشرة يذكر أحدهما فقط، فلماذا التفريق إذا كانت كلتا الروايتين مقتبسة من كتاب علي بن الحسن بن فضال؟ ألا يشير هذا إلى أن السندين لم يكونا طريقين له إلى كتب ابن فضال بل إلى روايات له بخصوصها؟ قلت: لا محيص من البناء على أن ذلك كان ضرباً من التفنن مارسه الشيخ (قدس سره) في أوائل التهذيب عند إيراد روايات علي بن الحسن بن فضال ولا ينبئ عن وجود فرق حقيقي بين ما رواه بسند واحد وما رواه بسندين، فإن الممارس يعرف أنه لم يكن لدى الشيخ (قدس سره) شيء من كتب من تقدم علي بن فضال ومن تأخر عنه في أسانيد تلك الروايات، فهي مأخوذة من كتبه لا محالة، وعلى ذلك يتعين أن يكون السندان طريقين له إلى جميع ما أورده منها.

لا يقال: إن هذا الكلام إن تم فإن أقصى ما يقتضيه هو أنه كان للشيخ (قدس سره) سند مزدوج إلى بعض كتب ابن فضال وهو كتابا الحيض والجنائز ــ لأن الروايات المروية بالسند المزدوج تتعلق بهذين الموضوعين ــ ولكن الشيخ كانت لديه جملة أخرى من كتب ابن فضال كما يظهر بالتتبع ومنها كتاب الصوم والزكاة والخمس والنكاح والطلاق والوصايا والفرائض، فكيف يصحح طريقه إلى ما أورده منها من الروايات؟

فإنه يقال: يمكن استحصال الاطمئنان بأن الطريق المعتبر الذي يمرّ بالتلعكبريّ عن ابن عقدة لا يختص بكتابي الحيض والجنائز، فقد نصّ النجاشي (23) على أن ابن عقدة روى جميع كتب ابن فضال، والظاهر أن التلعكبري رواها بتمامها عنه فإنه كان مهتماً جداً برواية الكتب والمؤلفات حتى ذكر الشيخ (24) أنه روى جميع أصول أصحابنا ومصنفاتهم! فمن المستبعد أنه أكتفى من ابن عقدة برواية كتابين من كتب ابن فضال وهما كتاب الحيض والجنائز، بل الظاهر أنه رواها عنه جميعاً ولكن الشيخ (قدس سره) لما كان بناؤه في أوائل التهذيب على إيراد أسانيد الروايات بتمامها أورد أحياناً السند الذي يمرّ بالتلعكبري عن ابن عقدة عن ابن فضال وكان ذلك في بابي الحيض والجنائز، ولو كان (قدس سره) قد استمر على سلوك هذه الطريقة لوجدنا مثله أيضاً في أبواب الصيام والزكاة والنكاح وغيرها من الأبواب التي أورد فيها روايات ابن فضال.

وبالجملة: ينبغي الاطمئنان بعدم اختصاص السند المذكور بكتابي الحيض والجنائز بل شموله لجميع ما كان لدى الشيخ من كتب ابن فضال.

إن قيل: إذا كان الأمر كما ذكر فما هو الوجه في اقتصار الشيخ (قدس سره) في كل من المشيخة والفهرست على ذكر طريق واحد إلى كتب ابن فضال وهو الذي يمرّ بابن عبدون عن ابن الزبير؟

قلت: لعلّ الوجه فيه أمران:

الأول: أنّ هذا الطريق كان أقل واسطة من الطريق الآخر فإن فيه واسطتين وفي الآخر ثلاث وسائط، وقلة الوسائط أمر مطلوب عند المحدثين.

الثاني: أنّ تحمله لكتب ابن فضال بهذا الطريق كان على وجه السماع، والسماع أعلى درجات تحمل الحديث، وربما كان تحمله لها بالطريق الثاني على نحو آخر من المناولة أو القراءة أو غيرهما.

لا يقال: إن هذا يبرر عدم ذكر الطريق الآخر في المشيخة لأنه لم يكن بناؤه فيها على الاستيفاء، وأما في الفهرست فكان بصدد استيفاء الطرق إلى الأصول والمصنفات، وقد صرح في آخر مشيخة التهذيب (25) أنه استوفى في الفهرست طرقه إلى من ذكرهم في المشيخة فكيف يكون له طريق إلى كتب ابن فضال ولا يذكره في الفهرست؟!

فإنه يقال: إن ما ادعاه (قدس سره) من الاستيفاء مبني على الغلبة، إذ ظهر بالتتبع أنه كان له من الطرق ما لم يذكرها في الفهرست ومن ذلك الطريق المذكور في المشيخة (26) إلى علي بن جعفر فإنه لم يذكره في الفهرست، وكذلك طرقه الثلاثة المذكورة في المشيخة (27) إلى الفضل بن شاذان لم تذكر في الفهرست.

وتجدر الإِشارة إلى أنه كما أغفل ذكر طريقه الآخر إلى كتب ابن فضال في المشيخة والفهرست كذلك أسقط ذكره في بعض روايات الاستبصار مع أنه كان قد ذكره من قبل في التهذيب عند إيراده لتلك الروايات (28)، فلو لم يكن قد وصل إلينا كتاب التهذيب لما علمنا أن تلك الروايات قد رواها بطريق التلعكبري عن ابن عقدة عن ابن فضال كما رواها بطريق ابن عبدون عن ابن الزبير عن ابن فضال.

الوجه الرابع: ما ذكره أيضاً سيدي الأستاذ الوالد (دامت بركاته) وهو أن الحاجة إلى السند في اعتبار الكتاب إنما هي في غير الكتب المشهورة التي يكثر تداول نسخها وأمّا هذه ــ كالكتب الأربعة في الأعصار الأخيرة ــ فلكونها مأمونة عن الدس والتحريف فهي مستغنية عن السند.

والظاهر أن كتب ابن فضال كانت من الكتب التي تكثر نسخها وتتداولها الأيادي في عصر الشيخ (قدس سره) بل وقبل ذلك، ففي رواية الحسين بن روح (29) عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنّه سئل عن كتب بني فضال كيف نعمل بها وبيوتنا منها ملاءٌ؟ فقال (عليه السلام): ((خذوا بما رووا وذروا ما رأوا)).

وهذه الرواية وإن لم تكن معتبرة سنداً إلا أن السؤال فيها يصلح شاهداً على مدى انتشار كتب بني فضال في بيوت الشيعة في عصر الإمام (عليه السلام)، وأشهر بني فضال وأجلهم مكانة هو علي بن الحسن بن فضال الذي قال محمد بن مسعود العياشي: (ما رأيت فيمن لقيت بالعراق وناحية خراسان أفقه ولا أفضل من علي بن الحسن بالكوفة)، وقال النجاشي: (كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث والمسموع قوله فيه، سمع منه شيء كثير ولم يعثر له على زلة فيه ولا ما يشينه).

ومن المعلوم أن مكانة المؤلف وعلوّ كعبه في العلم من أسباب اشتهار كتبه وتداولها، ولا سيما إذا كانت مستوفاة في الأخبار حسنة كما وصفها به الشيخ (قدس سره)، وقد نصّ في الفهرست على أنه قرأ أكثرها على أحمد بن عبدون، وذكر النجاشي أن ابن الغضائري قرأ أيضاً جملة منها على ابن عبدون في مدة سمعها معه وقرأ هو كتاب الصيام عليه.

وبالجملة: مقتضى الشواهد هو تداول كتب ابن فضال التي اعتمد عليها الشيخ في التهذيبين في ذلك العصر، فهي كانت كالكتب الأربعة في زماننا هذا لا حاجة في اعتبارها إلى سند معتبر إليها، فليتأمل.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1.  دراسة في علامات البلوغ في الذكر والانثى (مخطوطة)، بحوث في شرح مناسك الحج ج:8 ص:304.
  2. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان ج:11 ص:429.
  3. التنقيح في شرح العروة الوثقى ج:1 ص:444.
  4. مستند العروة الوثقى ج:1 ص:191.
  5.  بحوث في شرح العروة الوثقى ج:2 ص:289. مصباح الناسك في شرح المناسك ج:1 ص:158 (النسخة الثانية).
  6. تنقيح مباني العروة الوثقى (كتاب الطهارة) ج:4 ص:256.
  7. مستند العروة الوثقى (كتاب الصوم) ج:1 ص:191، 448، (كتاب الزكاة) ج:2 ص:152. معتمد العروة الوثقى ج:1 ص:302.
  8. مباني تكملة المنهاج ج:2 ص:122.
  9.  رجال النجاشي ص:6، 327، 60.
  10.  رجال النجاشي ص:259. فهرست كتب الشيعة وأصولهم ص:273.
  11. تاريخ بغداد ج:12 ص:80.
  12.  معجم الأدباء ج:2 ص:120.
  13. سير أعلام النبلاء ج:15 ص:567.
  14. فهرست ابن النديم ص:87.
  15. لسان الميزان ج:1 ص:16.
  16. رجال الطوسي ص:430.
  17. هو الدكتور حسين علي محفوظ (رحمه الله).
  18. مجلة كلية الآداب بجامعة بغداد العدد:2 كانون الثاني 1961م.
  19.  تهذيب الأحكام ج:1 ص:26، 153، 163، 166، 167، 175، 179، 183، 316، 321، وغيرها.
  20. تهذيب الأحكام ج:1 ص:166.
  21. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ج:1 ص:136.
  22. تهذيب الأحكام ج:1 ص:106 ح: 274، 275.
  23. رجال النجاشي ص:259.
  24. رجال الطوسي ص:449.
  25. تهذيب الأحكام ج:10 ص:88.
  26. تهذيب الأحكام ج:10 ص:86.
  27. تهذيب الأحكام ج:10 ص:86.
  28. لاحظ تهذيب الأحكام ج:1 ص:26 وفي الاستبصار ج:1 ص:115، وتهذيب الأحكام ج:1 ص:153 وفي الاستبصار ج:1 ص:145، وتهذيب الأحكام ج:1 ص:163 وفي الاستبصار ج:1 ص:133، وتهذيب الأحكام ج:1 ص:166 وفي الاستبصار ج:1 ص:135، وتهذيب الأحكام ج:1 ص:176 وفي الاستبصار ج:1 ص:151.
  29.  الغيبة للطوسي ص:389.

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)