أقرأ أيضاً
التاريخ: 4/9/2022
1199
التاريخ: 8-8-2021
3839
التاريخ: 30-4-2020
1980
التاريخ: 13-6-2021
2046
|
الرقابة على الصحف
مهما بولغ في حرية الصحف فإن لهذه الحرية حدوداً معينة، والشارع حينما وضع القوانين التي تخّول الحكومة حق الرقابة على الصحف إنما قصد في الحقيقة إلى حماية المصالح العامة، والذود عن التقاليد التي تواضع عليها الناس، فأخذهم بشيء من التحفظ في إبداء الرأي، حتى لا تضر الحرية المطلقة بكيان الفرد أو المجتمع، من أجل ذلك تحرض الحكومات على فرض شيء من الرقابة على الصحف، وتتخذ هذه الرقابة الحكومية مظهرين في الغالب:
أولهما مظهر الرقابة الاستثنائية في وقت الحروب والثورات، فإذ ذاك تخضع البلاد للأحكام العرفية التي تبيح للحاكم العسكري أن ينظر في كل خبر صحفي قبل نشره؛ وذلك عن طريق الرقيب الذي يكون له مطلق الحرية في حذف ما يريد وإثبات ما يريد.
وثانيهما مظهر الرقابة الجزئية، وذلك عن طريق القضاء، إذ ينظر القانون إلى رئيس التحرير على أنه المسؤول الاول عن كل ما ينشر في صحيفته من خبر يكون ضاراً بالفرد أو بالمجتمع، وكاتب المقال يعتبر شريكا لرئيس التحرير في هذه الحالة.
وعلى الرغم من هذا وذاك، فمن الحق أن يقال إن الشارع في هذه المحاولات قد يتجاوز الحد في تنظيم حرية الرأي حين لا يكتفي بالقيود الضرورية لحماية الدولة أو المجتمع، بل يعمد إلى وضع العراقيل في سبيل هذه الحرية، وقصده منها في الاعم الاغلب حماية الحكام المستأثرين بالسلطان، ومنع الناس من نقد أعمالهم، أو التعليق على تصرفاتهم، أو محاسبتهم على أخطائهم التي يرتكبونها أحياناً ضد شعوبهم، من أجل ذلك حرصت الشعوب كلها حينما وضعت دساتيرها على أن تنص في هذه الدساتير كلها نصاً صريحاً على ضمان حرية الرأي، والنظر إلى هذه الحرية على أنها حق طبيعي لا غنى عنه للفرد.
وعلى هذا فالواجب أن تكون الصحافة حرة لا رقيب عليها من جانب الحاكم؛ فإن هذا شرط أساسي لنجاحها؛ إلا أنه يجب ألا تتعارض هذه الحرية الصحفية وصالح الوطن، وألا تكون أداة لعرقلة نهضته، كما يجب ألا نقف هذه الحرية في سبيل حركة الشعب الوطنية والقومية بحال ما.
ومهما يكن الامر فهناك نظريتان تختصان بالتشريع الصحفي من حيث حرية إعلان الرأي.
الاولى ترى أن الصحافة وغيرها من طرق النشر والإعلان يجب أن تتحرر من كل قيد قانوني مهما كان هذا القيد.
والثانية ترى فرض القيود القانونية على هذه الحرية مادام من واجب الدولة حماية الافراد والمحافظة على النظام العام.
ولكل نظرية من هاتين النظريتين أنصار، ولكل طائفة من هؤلاء الانصار حجج.
فمن أنصار النظرية الاولى على سبيل المثال مير أبو أحد أبطال الثورة الفرنسية المعروفة، يحكي أنه قال:
إن حرية الصحافة دواء لكل الادواء، وأن تقييدها لا يعوق في الحقيقة إلا الشرفاء(1).
ومنهم روبيه كولا الذي قال في كلامه عن الصحافة:
"خير قانون ألا يكون هناك قانون".
ومنهم أميل دي جيرردان الذي قال:
"الصحافة التي لا تترك حرة ليست صحافة بالمعنى الصحيح، ولكنها صحافة متسامح في وجودها، لأنها صحافة يتضافر عليها العسف والتحامل في وقت معاً".
ومع هذا وذاك ففي الصحافة كما يقولون دواء يشفي من دائها، فقد أضحى القارئ لا يقنع عادة بمطالعة صحيفة واحدة، والضرر الذي تحدثه صحيفة ما تصلحه الصحيفة الاخرى، بحيث يزيد خير الصحافة في النهاية على ما فيها من شر(2).
على أنه لا خوف في الحقيقة من هجمات الصحف، فقد يكون من ورائها خير للفرد الذي هو موضوع هذه الهجمات، وخير للمجتمع إذا أريد إظهار عيوبه ونقائصه.
ويحدثنا الزعماء والسياسيون أنهم أفادوا من أعدائهم بأعظم مما أفادوا من أنصارهم وأصدقائهم، حتى لقد ظهر فيهم من يقول. "أن يكون لك في عالم السياسة اسم ردئ خير من ألا يكون لك اسم على الإطلاق".
والامريكيون يذهبون في حرية إعلان الرأي إلى أبعد حد، ويرون في الحرية على هذا النحو أمانًا من كل شر، وكذلك يفعل الإنجليز في بلادهم، وأكثر شعوب القارة الأوروبية في وقتنا هذا.
أما النظرية الثانية وهي النظرية التي تفرض قيودًا قانونية على الحرية فلها كذلك أنصار كثيرون، يرون أن من واجب الدولة حماية الافراد والجماعات، وتنظيم الحقوق والحريات، والاحتراس الشديد من أولئك الذين يهاجمونها ويعكرون عليها صفوها وسلامتها، ومن ثم بادرت الحكومات بوضع القوانين التي تحول دون إساءة استعمال الحريات بوجه عام، وحرية الصحافة بوجه خاص، وفي صلب القانون العام جزء هام اسمه (جرائم الرأي(، وهو مادة تدرس في معاهد الصحافة كلها تقريباً إلى يومنا هذا، وقد نص هذا القانون على عقوبات خاصة في أمر السب أو لقذف وغيرهما من الجرائم التي ترتكب عن طريق النشر.
والقاعدة الاساسية في هذا القانون تتلخص في أن لكل فرد حرية فكرية في أية مسألة دينية أو سياسية أو اجتماعية، ولا عقاب على التفكير في تكوين الرأي مهما كان مخالفاً للقانون، إنما العقاب على إعلان الرأي المخالف للقانون بطريقة من طرق العلانية المعروفة، والعقاب كذلك على استعمال العنف في إقناع الغير بهذا الرأي المخالف.
ومعنى ذلك أن العقيدة شيء وإبداء الرأي شيء آخر، لان إبداء الرأي وسيلة من وسائل التأثير في الناس، وقد يكون في ذلك ضرر ما يحيق بهم. فعلى الحكومة في هذه الحالة أن تحمي المجتمع من الآراء الضارة بمصالحهم، ولذلك يفرق القانون دائماً بين إبداء الرأي والتحريض على اعتناق هذا الرأي: فالأول مباح في جملته، أما الثاني فيعاقب عليه القانون، ومن حقه عن إتباع النظرية الثانية أن يفعل.
وجاءت بعض البلاد ومنها مصر فنظرت إلى الشيوعية مثلا على أنها من المذاهب السياسية الخطيرة، وخطورتها في نظر هذه البلاد آتية من أنها تعتمد أولا على العنف أو القهر، ولذلك يعاقب القانون المصري الصادر في سنة 1946 كل من يدعو إلى الشيوعية، ويحاول إقناع الناس بها، وما زلنا نسير على هذا القانون إلى اليوم.
على أن الرقابة الصحيحة هي التي تكشف عن النيات السيئة والاغراض المضللة.
والرقيب الذكي هو الذي يكشف عن هذه النيات السيئة، حتى ولو لم يقصد الكاتب إلى شيء منها.
(والخلاصة( أن للصحافة أن تخوض في هذه الموضوعات المختلفة برفق، وأن تعتمد في ذلك على الجدل المحض، وألا تتجاوز الجدل إلى غيره من مظاهر القهر، وهي بهذه الشروط تستطيع أن تنجح في أمور شتى، مثل تنقية الدين من عار الخرافة، ومثل إقناع الامة بفكرة جديدة تحل محل أخرى قديمة، وكثيراً ما يكون ذلك حين يثبت للأمة أن الفكرة القديمة قد بليت واستنفدت أغراضها، كما يقول السياسيون.
على أن هذه الحدود التي يحدّ بها القانون من حرية الصحافة في بعض الأوقات أشبه ما تكون بعلامة الخطر أو الإنذار التي نجدها أحياناً في الطريق العام، وليس من الحكمة مطلقا أن يتجاهل العاقل هذه الاشياء، ولكن ليس معنى ذلك أيضاً أن يبالغ في خوفه منها مبالغة تشل حركته، وتحدّ من نشاطه وقوته فالصحفي المقيد قلما يكتب شيئاً له قيمة، والصحفي متى فعل ذلك حكم على نفسه وعلى جريدته بالجمود الابدي، وحال بين أمته وبين أن تتطور وتتقدم، وربما كان ذلك بعض ما عناه الدكتور محمد كامل مرسي حيث قال:
"والذين يدعون مخلصين إلى التوسع في توفير الحريات الفردية إنما يدعون إلى ذلك على اعتبار أن الإنسان بفضل ما بلغه من المستوى الرفيع في أمور الاجتماع، وفي الاخلاق، وفي الثقافة، خليق أن يدرك واجباته نحو الدولة، ونحو المجتمع" ونحو سائر المواطنين، بحيث لا يحتاج الحال إلى تقييده بقيود ونظم تقلل من نشاطه الاجتماعي، على اعتبار أن الحرية نفسها مع بعض المراقبة كفيلة بتنظيم نفسها، وبتطورها مع الزمن إلى الاصلح والانفع (3).
هذا هو منطق الحكام ورجال القانون والقادة والزعماء.
أما الادباء ورجال الفنون بوجه عام فإنهم يبغونها حرية واسعة لا حدّ لها، ويؤمنون إيماناً لا يمازحه الشك بأن الحرية مهما حشد لها الظالمون، وبيت لها المتآمرون، وكاد لها الكائدون لابد وأن تبلغ ما تريد.
وقف الاستاذ أنطون الجميل في مجلس النواب المصري يوماً وطالب الحكومة المصرية بمثل هذه الحرية، واستشهد في كلامه بأبيات للشاعر خليل مطران قال فيها:
كسروا الاقلام هل تكسيرها يمنع الايدي ان تنقش حجرا ؟
قطعوا الايدي هل تقطيعها يمنع الاعين ان تنظر شزرا؟
اطفئوا الاعين هل اطفاؤها يمنع الانفاس ان تصعد زفرى؟
اخمدوا الانفاس هذا جهدكم وبه منجاتنا منكم مشكرا
أجل، إن حرية الرأي مكفولة لكل صحيفة، وهي في الامم الناهضة القوية أظهر منها في الامم الضعيفة المتخلفة، ولذلك لا تؤثر الحزبية في الامم الاولى ولا تضعف قوة الرأي العام فيها، فلا تراها تعادي الحكومات القائمة بغير سبب، ولا تراها تعارض في الاعمال الحسنة كما تعارض في الاعمال السيئة سواء بسواء، بل تصل الامم الراقية في أكثر الاحيان إلى حد أن تتفق فيها جميع الاحزاب على طائفة من المسائل القومية الكبرى لا تصبح موضعاً للمناقشة تحت أي ظرف، وإذ ذاك تصبح المعارضة مسؤولة هي الاخرى عن الحكم. ومن أجل ذلك يطلق على المعارضة في انجلترا اسم "معارضة جلالة الملك أو الملكة" أسوة بالاسم الذي يطلق على الحكومة نفسها وهو "حكومة جلالة الملك أو الملكة".
وفي هذا ما يدل على احترام الحكم البريطاني للمعارضة، ومدى شعوره بالاشتراك في تحمل التبعات التي يتطلبها موقف المعارضة.
_________________
(1) حرية الرأي وجرائم الصحافة والنشر للدكتور رياس شمس ص 113 .
(2) نفس المصدر المتقدم ص 24 .
(3) حرية الرأي" لمؤلفه الدكتور رياض شمس، المقدمة بقلم الدكتور محمد كامل مرسي.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|