أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-07-2015
5695
التاريخ: 31-07-2015
5224
التاريخ: 31-07-2015
3637
التاريخ: 31-07-2015
3600
|
لقد كان الإمام أبو محمد الحسن العسكري ( عليه السّلام ) في معالي أخلاقه نفحة من نفحات الرسالة الاسلامية فقد كان على جانب عظيم من سموّ الأخلاق ، يقابل الصديق والعدو بمكارم أخلاقه ومعالي صفاته ، وكانت هذه الظاهرة من أبرز مكوناته النفسية ، ورثها عن آبائه وجده رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) الذي وسع الناس جميعا بمكارم أخلاقه ، وقد أثّرت مكارم أخلاقه على أعدائه والحاقدين عليه ، فانقلبوا من بغضه إلى حبه والاخلاص له .[1]
ونقل المؤرخون أنّ المتوكل الذي عرف بشدّة عدائه لأهل البيت ( عليهم السّلام ) ، وحقده على الإمام علي ( عليه السّلام ) ، أمر بسجن الإمام العسكري ( عليه السّلام ) والتشديد عليه إلّا أنّه لمّا حلّ في الحبس ورأى صاحب الحبس سمو أخلاق الإمام ( عليه السّلام ) وعظيم هديه وصلاحه انقلب رأسا على عقب ، فكان لا يرفع بصره إلى الإمام ( عليه السّلام ) إجلالا وتعظيما له ، ولمّا خرج الإمام من عنده كان أحسن الناس بصيرة ، وأحسنهم قولا فيه .[2]
سماحته وكرمه
نقل المؤرخون نماذج من السيرة الكريمة للإمام العسكري ( عليه السّلام ) نذكر بعضا منها :
1 - روى الشيخ المفيد عن محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى ابن جعفر ( عليه السّلام ) : قال : ضاق بنا الأمر فقال لي أبي : إمض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل - يعني أبا محمد - فإنه قد وصف عنه سماحة .
فقلت : تعرفه ؟
قال : ما أعرفه ، ولا رأيته قط .
قال : فقصدناه .
فقال لي أبي وهو في طريقه : ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمس مائة درهم مائتا درهم للكسوة ومائتا درهم للدقيق ، ومائة درهم للنفقة .
وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاث مائة درهم ، مائة اشتري بها حمارا ومائة للنفقة ومائة للكسوة ، فأخرج إلى الجبل .
قال - أي محمد بن علي - فلما وافينا الباب خرج غلامه ، فقال : يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه ، فلما دخلنا عليه وسلمنا ، قال لأبي : يا علي ما أخلفك عنا إلى هذا الوقت ، فقال : يا سيدي : استحييت أن ألقاك على هذا الحال ، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة ، وقال : هذه خمسمائة درهم ، مائتان للكسوة ، ومائتان للدقيق ، ومائة للنفقة وأعطاني صرة وقال :
هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار ، ومائة للكسوة ، ومائة للنفقة ، ولا تخرج إلى الجبل ، وصر إلى سوار .
قال : فصار إلى سوار وتزوج بامرأة منها فدخله اليوم ألف دينار ومع هذا يقول بالوقف .[3]
2 - وروى إسحاق بن محمد النخعي قال : حدثني أبو هاشم الجعفري قال : شكوت إلى أبي محمد ( عليه السّلام ) ضيق الحبس وكلب القيد[4]، فكتب إلي أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك ، فأخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال ، وكنت مضيقا فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته إليه فاستحييت ، فلما صرت إلى منزلي وجّه إليّ بمائة دينار ، وكتب إليّ : إذا كانت لك حاجة ، فلا تستح ولا تحتشم واطلبها فإنك على ما تحب إن شاء اللّه .[5]
3 - وعن إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن العباس قال : قعدت لأبي محمد ( عليه السّلام ) على ظهر الطريق ، فلما مرّ بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أن ليس عندي درهم واحد ، فما فوقه ، ولا غذاء ولا عشاء قال : فقال ( عليه السّلام ) تحلف باللّه كاذبا وقد دفنت مائتي دينار ؟ ! وليس قولي هذا دفعا لك عن العطية ، أعطه يا غلام ما معك ، فأعطاني غلامه مئة دينار ثم أقبل عليّ فقال :
إنك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها ، وصدق ( عليه السّلام ) ، وذلك أني أنفقت ما وصلني به ، واضطررت ضرورة شديدة إلى شيء أنفقه ، وانغلقت عليّ أبواب الرزق ، فنبشت الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب ، فما قدرت منها على شيء .[6]
زهده وعبادته
عرف الإمام العسكري ( عليه السّلام ) في عصره بكثرة عبادته وتبتّله وانقطاعه إلى اللّه سبحانه واشتهر ذلك بين الخاصة والعامة ، حتى أنّه حينما حبس الإمام ( عليه السّلام ) في سجن علي بن نارمش - وهو من أشد الناس نصبا لآل أبي طالب - ما كان من علي هذا إلّا أن وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه إجلالا وإعظاما فخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسن الناس قولا فيه .[7]
ولما حبسه المعتمد كان يسأل السجّان - علي بن جرين - عن أحوال الإمام ( عليه السّلام ) وأخباره في كل وقت فيخبره علي بن جرين أنّ الإمام ( عليه السّلام ) يصوم النهار ويصلي الليل .[8]
عن علي بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد عن عليّ بن عبد الغفّار قال : دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف ودخل صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمّد عليهما السّلام .
فقال لهم صالح : وما أصنع قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه ، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم ، فقلت لهما : ما فيه ؟ فقالا :
ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم اللّيل كلّه ، لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا ، فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين[9].
عن محمّد بن إسماعيل العلوي قال : دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف عندما حبس أبو محمّد فقالوا له : ضيّق عليه ، قال : وكّلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه عليّ بن بارمش واقتامش ، فقد صارا من العبادة والصّلاح إلى أمر عظيم يضعان خدّيهما له ، ثم أمر باحضارهما فقال : ويحكما ما شأنكما في شأن هذا الرجل ؟ فقالا : ما تقول في رجل يقوم اللّيل كلّه ويصوم النّهار ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا[10] .
وكان يتسوّر عليه الدار جلاوزة السلطان في جوف الليل فيجدونه في وسط بيته يناجي ربّه سبحانه .
إنّ سلامة الصلة باللّه سبحانه وما ظهر على يدي الإمام من معاجز وكرامات تشير إلى المنزلة العالية والشأن العظيم للإمام ( عليه السّلام ) عند اللّه الذي اصطفاه لعهده والذي تجلّى في إمامته ( عليه السّلام ) .[11]
علمه ودلائل إمامته
وإليك شذرات من علوم الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) ودلائل إمامته :
1 - عن أبي حمزة نصر الخادم قال : سمعت أبا محمد ( عليه السّلام ) غير مرة يكلّم غلمانه بلغاتهم ، وفيهم ترك ، وروم وصقالبة ، فتعجّبت من ذلك وقلت :
هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن - أي الإمام الهادي ( عليه السّلام ) - ولا رآه أحد فكيف هذا ؟ ! احدّث نفسي بذلك فأقبل عليّ وقال : إنّ اللّه جلّ اسمه بيّن حجته من ساير خلقه وأعطاه معرفة بكل شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الأسباب والآجال والحوادث : ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق[12].
2 - وقال الحسن بن ظريف : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما إلى أبي محمد ( عليه السّلام ) ، فكتبت إليه أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي ؟
وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحمّى الربع ، فأغفلت ذكر الحمّى ، فجاء بالجواب :
سألت عن القائم إذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود ( عليه السّلام ) ولا يسأل البينة ، وكنت أردت أن تسأل عن حمّى الرّبع ، فأنسيت فاكتب ورقة وعلّقها على المحموم فإنّه يبرأ بإذن اللّه إن شاء اللّه : يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ . فكتبت ذلك وعلّقته على المحموم فبرئ وأفاق .[13]
3 - وروى الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ، قال : كتب أبو محمد ( عليه السّلام ) إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو عشرين يوما ، إلزم بيتك حتى يحدث الحادث ، فلما قتل بريحة كتب إليه قد حدث الحادث ، فما تأمرني ؟ فكتب إليه : ليس هذا الحادث ، الحادث الآخر . فكان من المعتز ما كان .[14]
أي ان الإمام ( عليه السّلام ) ، أشار إلى موت المعتز ، فطلب من مواليه أن يلتزموا بالبقاء في بيوتهم حتى ذلك الوقت لظروف خاصة كانت تحيط بالإمام ( عليه السّلام ) وبهم من الشدة وطلب السلطان وجلاوزته لهم .
ومن الطبيعي ان موت الخليفة يعقبه غالبا اضطراب في الوضع يمكّن معارضيه من التحرك والتنقل بسهولة .
4 - وروى الشيخ الكليني ( رضى اللّه عنه ) عن علي بن محمد عن الحسن بن الحسين قال : حدثني محمد بن الحسن المكفوف قال : حدثني بعض أصحابنا عن بعض فصّادي العسكر - أي سامراء - من النصارى : أن أبا محمد ( عليه السّلام ) بعث إلي يوما في وقت صلاة الظهر فقال لي :
إفصد[15] هذا العرق ، قال : وناولني عرقا لم أفهمه من العروق التي تفصد فقلت في نفسي ، ما رأيت أمرا أعجب من هذا يأمرني أن أفصد في وقت وليس بوقت فصد ، والثانية عرق لا أفهمه ، ثم قال لي إنتظر وكن في الدار ، فلما أمسى دعاني فقال لي : سرّح الدم فسرّحت ، ثم قال لي : أمسك فأمسكت ، ثم قال لي : كن في الدار ، فلما كان نصف الليل أرسل إلي وقال لي : سرّح الدم ، قال :
فتعجبت أكثر من عجبي الأول وكرهت أن أسأله : قال : فسرحت فخرج دم أبيض كأنه الملح : قال : ثم قال لي إحبس ، فحبست . ثم قال : كن في الدار[16] ، فلما أصبحت قدم إلي تخت ثياب وخمسين دينارا وقال : خذها واعذر وانصرف فصرت إلى بختيشوع وقلت له القصة ففكر ساعة ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصة ذكرا في العالم فلم نجد .
ثم قال بختيشوع : لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول ، فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى ، فخرجت وناديته فأشرف عليّ فقال من أنت ؟ قلت صاحب بختيشوع . قال : أمعك كتابه ؟ قلت : نعم فأرخى لي زنبيلا ، فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته وقال : أنت الذي فصدت الرجل ؟ قلت : نعم ، قال : طوبى لأمك ، وركب بغلا ، وسرنا ، فوافينا ( سرّ من رأى ) وقد بقي من الليل ثلثه ، قلت : أين تحب ؟ دار استاذنا أم دار الرجل - أي دار الإمام الحسن العسكري - ؟ قال : دار الرجل ، فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأول ففتح الباب وخرج إلينا خادم أسود وقال :
أيكما راهب دير العاقول ؟ فقال : أنا جعلت فداك ، فقال إنزل ، وقال لي الخادم : احتفظ بالبغلين ، وأخذ بيده ودخلا فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار ثم خرج الراهب ، وقد رمى بثياب الرهبانية ولبس ثيابا بيضا وأسلم فقال : خذني الآن إلى دار أستاذك ، فصرنا إلى باب بختيشوع ، فلما رآه بادر يعدو إليه ثم قال ، ما الذي أزالك عن دينك ؟
قال : وجدت المسيح وأسلمت على يده ، قال : وجدت المسيح ؟ ! قال :
أو نظيره ، فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلّا المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه ، ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات .[17]
5 - وعن أبي علي المطهري انه كتب إليه من القادسية يعلمه بانصراف الناس عن المضي إلى الحج وانه يخاف العطش إن مضى ، فكتب ( عليه السّلام ) : امضوا فلا خوف عليكم إن شاء اللّه ، فمضوا سالمين ( ولم يجدوا عطشا )[18] والحمد للّه رب العالمين .
[1] حياة الإمام الحسن العسكري ( عليه السّلام ) : 42 .
[2] أصول الكافي : 1 / 508 ح 8 وعنه في الارشاد : 2 / 329 ، 330 وفي أعلام الورى : 2 / 150 وعن الارشاد في كشف الغمة : 3 / 202 .
[3] أصول الكافي : 1 / 506 ح 3 ب 124 وعنه في الارشاد : 2 / 326 ، 327 وعنه في كشف الغمة : 3 / 200 .
[4] كلب القيد : شدته وضيقه .
[5] أصول الكافي : 1 / 508 ح 10 وعنه في الارشاد : 2 / 330 وفي إعلام الورى : 2 / 140 وعن الارشاد في كشف الغمة : 3 / 202 .
[6] أصول الكافي : 1 / 509 ح 14 وعنه في الارشاد : 2 / 322 وإعلام الورى : 2 / 137 وعن الارشاد في كشف الغمة : 3 / 203 ، ولعلّه كان من المغضوب عليهم لدى بني العباس ولذلك لم يكفوه .
[7] الكافي : 1 / 508 ح 8 .
[8] مهج الدعوات : 275 .
[9] الكافي : 1 / 513 .
[10] المناقب : 2 / 462 .
[11] إشارة إلى قوله تعالى إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ . البقرة ( 2 ) : 124 .
[12] أصول الكافي : 1 / 509 ح 11 وعنه في الارشاد : 2 / 330 وإعلام الورى : 2 / 145 وعن الارشاد في كشف الغمة : 3 / 202 .
[13] أصول الكافي : 1 / 509 ح 13 وعنه في الارشاد : 2 / 331 وإعلام الورى : 2 / 145 وعن الارشاد في كشف الغمة : 3 / 203 وحمّى الرّبع : هو أن يأخذ يوما ويترك يومين ويعود في اليوم الرابع ، والآية من سورة الأنبياء : 69 .
[14] أصول الكافي : 1 / 506 ح 2 وعنه في الارشاد : 2 / 325 وعنه في كشف الغمة : 3 / 200 وابن « تريخة » . كذا - في النسخ وفي المصدر « بريحة » وقال الطريحي في المجمع « بريمة » هو : عبد اللّه بن محمد بن داود الهاشمي العباسي الناصبي من ندماء المتوكل وقتله اثنان من الحسنيين بالكوفة قبل المعتز بأيام كما في الطبري : 9 / 388 وعنه في الكامل : 7 / 56 ، وجاء في هامش الارشاد : 2 / 325 بهامش بريحة وابن أترجة
[15] الفصد : شق العرق ، يستخرج دمه ؛ لسان العرب ، ابن منظور : 10 / 270 ، طبع بيروت ، احياء التراث .
[16] الكافي : 1 / 512 .
[17] الخرائج والجرايح : 1 / 422 . وبحار الأنوار : 5 / 262 .
[18] الكافي : 1 / 507 ، والمناقب : 2 / 464 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|