تعريف الجغرافيا: لم يكن هناك تعريف واحد ومحدد لعلم الجغرافيا، فهناك مواقف مختلفة ووجهات نظر متباينة في هذا العلم. وقد أومأ رجلي(Wrige)في كتاب عن تدريس الجغرافيا انه ليس من الضروري ان نضع تحديداً دقيقاً للجغرافيا، إذ أن يؤدي فيها إلى الجمود ويعوق نموها هذا بالرغم من حاجتنا الماسة إلى تعريف له قيمة لدى الشخص العادي ولدى الجغرافي المحترف والطلبة كذلك وقد يقضي الطلبة سنين عديدة من عمرهم يدرسون الجغرافيا دون ان يفهموا بالضرورة كل الجغرافيا، أو أن يكونوا قادرين على اعطاء تعريف دقيق لها، إضافة إلى العديد المتزايد من المتخصصين الدقيقين من الجغرافيين المحترفين الذين يختلفون فيما بينهم اختلافا كبيرا في تعريفها ، إذ ان لكل منهم يعطيها التعريف الذي يتفق مع اهتماماته.

فهناك وسيلتان اساسيتان المحاولة تعريف الجغرافيا:

الأولى: أن تدرس ماذا فعل الجغرافيون في الماضي، وهناك عدة محاذير من اتباع هذا الأسلوب، منها أن الجغرافيين في الماضي ربما كانوا انتقائيين في عملهم، وربما كانوا قد تجاهلوا تجاهلاً كبيراً مواضيع عديدة كالظواهر الاجتماعية مثلاً.

الثانية: هي أن نهمل ما كتب في الجغرافيا تمام ثم نبدأ بتعريف ما يجب أن تكون عليه الجغرافيا، وللمرء أن يرجو خيرا من هذه الطريقة.

ويبدو أن هناك محاذير في الطريقة الاستقرائية الأولى وفي الطريقة الاستنتاجية الثانية ، ومهما يكن من أمر فلا سبيل الا ان نبدأ بكلمة جغرافيا أو نبدأ بالعالم موضوعا للدراسة، أو بفكرة دراسة الظواهر في المكان وغيرها من الافكار ومن ثم نجد أنفسنا.

إن الجغرافيا جزء من هدف الإنسان لتفهم عناصر البيئة. فالجغرافيا تدرس الإنسان على سطح الأرض، الأسباب والنتائج في النطاق المكاني وعلاقة الإنسان والظواهر الأخرى في مجاله التغيرات التي حدثت من مكان إلى مكان أخر، نشاط الإنسان لماذا؟ وكيف اختلفت منطقة عن أخرى على سطح الأرض وكيف استطاع الإنسان أن يكيف نفسه حسب ظروفه المكانية إن الرواد الأوائل الذين قاموا بتحليل الحقائق الجغرافية بأسلوب علمي هما همبولت وريتر وكلاهما قد ظهر في فترة تسبق عام 1850م.

فقد اهتم همبولت في العلاقات وبالتفاعل بين النبات الطبيعي والحيوان والحياة البشرية والبيئة وكان هذا يمثل لب التفكير الجغرافي. أما ريتر فقد توصل إلى رأي بأن : "الأرض وحدة طبيعية مصنوعة من اجزاء وهي متشابكة" فكرة كانت جديدة تماما في عهده.

ومن الجدير بالذكر أن نتناول بعض التعريفات لعلم الجغرافيا وفق ما ورد عن بعض الرواد الأوائل كون أن هذه التعريفات جميعها تتفق على أن موضوع الجغرافيا يهتم بدراسة توزيع مختلف الظواهر على سطح الكرة الأرضية وبتحليل علاقاتها المكانية. فقد عرف هتنر (Hetter) إن الدراسات الجغرافية تبدأ من وجهة نظر التباين المكاني والإقليمي  "Spatial Variation"  .

كما حاول هارتشون ان يجعل هذا التعريف أكثر وضوحاً وشمولاً وأدعى أن "الجغرافيا تدرس الاختلافات المكانية لسطح الأرض وظواهره، ثم أتم هذا المفهوم أيضاً بالمتشابهات القائمة بينهما واصبح التعريف الحديث للجغرافية كما يراه هارتشون هو: "تهتم الجغرافيا بتقديم وصف وتفسير علمي منظم لصفات سطح الأرض المتباينة.

أما ألمن (Edward L-ullma) فأنه يؤكد بان الجغرافيا هي دراسة التفاعلات المكانية Spatial Interactions وتعتمد التفاعلات المكانية على عوامل الارتباط بأوسع معانيها.

في حين أن الكسندر  Alexander    W.  Tohn   يرى أن التعريف الكامل للجغرافيا هو أنها "الحقل الذي يحلل التباين المكاني على أساس المناطق (الأقاليم) ودراسة العلاقات بين التباينات المكانية أو الإقليمية" وله تعريف آخر "دراسة الأماكن وتحليل التباينات المكانية والإقليمية.

ويعرف ارثر كيتس Arthur Gets الجغرافيا بأنها "أكثر بكثير من اسماء الأماكن والمواقع، هي دراسة التغيير المكاني لكيف؟ ولماذا؟ الأشياء تختلف من مكان إلى آخر على سطح الأرض، وأيضاً كيف أن الأنماط المكانية القابلة للمشاهدة والقياس تتطور وتتغير خلال عامل الزمن.

أما الجغرافيا في منظور جمال حمدان فتأخذ بعدا علميا وفلسفياً فهو يؤكد بأن : الجغرافيا علم تكاملي بالضرورة، بل العلم التكاملي بامتياز. الجغرافيا انها الجسر الذي يربط بين العلوم الطبيعية والاجتماعية، وتصل ما فصل التخصص الأكاديمي الضيق. الجغرافيا باختصار ليست علم "من كل بستان زهرة ولا الجغرافي هو حاصد محتطب بليل وحتى وأن بدت الجغرافيا على السطح علما ،موسوعيا ، فأن في الجوهر وبالفعل علم ملحمي على موسوعيته، علم العالم لا علم العلوم.

ليست الجغرافيا بهذا مجرد علم معقد ناقل شمولي دون إضافة كما قد يتوهم البعض، فهي بالتعريف والتصنيف المنهجي علم مركب ثانوي لا أولي إلى أبعد حد. ولكنها في جوهرها الفلسفي علم بسيط اساساً. بل بسيطة للغاية ونكاد نقول غريزيا أو فطريا وأن شئت فقل هي بين العلوم علم الفطرة، والفطرة هنا هي أساس فكرة الإقليم : الأرض مختلفة بطبيعتها وما على الجغرافيا إلا أن هنا تطالع وترصد وتدرس اختلاف الأراضي.

ويضيف جمال حمدان في تعريفه للجغرافيا: فواقع الأمر أن الجغرافيا بالدرجة الأولى علم "ميتابولي (Metabolic إن صح التعبير، أعني علم تشرب وهضم وتمثل ثم اعادة افراز وتشكيل وتخليق أو قل هي : علم تصنيع لا تعدين إن أردت تشبهها ميكانيكا بدل البيولوجي. وحقا قد لا تكون بهذا أو ذلك علما خالقا على مستوى الحقائق والمعلومات غير أنها بوظيفتها الأساسية من الربط ورصد العلاقات تخلق جديدا بالتأكيد على مستوى الأفكار والأنماط.

ولما كانت الجغرافيا علم مركب له موضوعات كثيرة وأقاليم متنوعة وله أساليب متعددة في الجغرافية التاريخية أو المعاصرة أو في الترابط بين الموضوعات المختلفة. لذلك نجد أن الجغرافيين لم يتفقوا على تعريف واحد محدد وواضح لهذا العلم. ويتضح هذا كون الجغرافيا ذات طبيعة مركبة ومتشابكة ومتشعبة ولها اتجاهات متنوعة من التطور، كونها علما مركبا ليس فقط من ناحية الجمع بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية والعلوم الرياضية وتشمل الهندسة ايضاً ، ولكن كما يرى "هاجيت" ويوافقه مجموعة أخرى أن : الجغرافيا تتكون من مادة نظرية وأخرى تطبيقية، وهندسة والمظهر العام لسطح الأرض، ويرى هودر (Hodder) أنها دراسة موضوعات وتحتاج إلى نماذج وخطط لكي تطبق على أقاليم سطح الأرض. فهي أذن دراسة العلاقات بين الظواهر المختلفة وهي لیست دراسة بسيطة بل هي مركب معقد.