أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-1-2016
4220
التاريخ: 2024-02-12
856
التاريخ: 2/9/2022
1542
التاريخ: 13-1-2016
2177
|
الكذب الإيهامي أو الخيالي:
قبل الحديث عن هذا النوع من الكذب، أعرض حالة واقعية من هذه الحالات: الطفل في الخامسة من عمره، استمعت إليه وهو يقص على أخوته الكبار أحدوثة فيها من الغرابة ما يضحكهم ويتهمونه بالكذب (تحبباً) يقول: (أملك مئات الكلاب المدربة والشرسة، في مزرعة من ضواحي البلدة أستخدمها ضد كل الذين يزعجونني، أو يخالفونني الرأي، وهذه الكلاب مطيعة لي تأتمر بأمري)، حاولت أن أماشيه في سرحانه الخيالي وأنا أتظاهر بالإعجاب وبتصديق ما يقول، وبينما هو مسترسل بالحديث بفخر واعتزاز استأذنته في طرح بعض الاستفسارات، وكأننا في ندوة أو حوار مع مسؤول، وسر لاهتمامي وسمح لي بإجراء الحوار وكان على الشكل التالي.
- من يشرف على هذه المزرعة ويعتني بالكلاب؟
عندي ثلاثة رجال أشداء يحرسون المزرعة ويعتنون بالكلاب.
- من أين تأتي لهم بالطعام؟
الرجال يحضرون لهم طعاماً خاصاً.
- من دفع لهؤلاء الرجال بدل اتعابهم وخدمتهم هذه؟
انا.
ومن أين تأتي بالأموال؟
من (القِجّة)، حيث جمعت مبلغاً يكفيني للإنفاق عليهم.
ـ لكن وماذا تستفيد من هذه الكلاب؟
قلت لك لحراستي، والانتقام من كل الذين يحاولون إيذائي.
ـ هل ستسمح لنا برؤية هذه المزرعة ورؤية الكلاب؟
كلا، بل أدعكم ترون بعض هذه الكلاب، ونظر إلى النافذة فرأى كلباً يسير على الطريق، فقال: هذا واحد من كلابي، وهو في نزهة وسيعود إلى المزرعة.
كان الحوار يدور بجدية مصطنعة مني، وبملاحظة هادفة وإصغاء لما يقوله، وسط شعوره بالزهو، واستهجان أمه التي لم توافق على استرساله في (هذا الوهم)، الذي يقوده - حسب تعبيرها - إلى الانتقال من عالم الواقع والعيش في أحلام اليقظة الوهمية الخيالية في نفس الوقت كان الآخرون من الأخوة الكبار يضحكون لهذه الدعابة اللطيفة. وهذه في الواقع حالة (كذب إيهامي) يراد بها إظهار النزعة القيادية ولو على كلاب شرسة وإظهار الثقة بالنفس ومحاولة انتزاع إعجاب الآخرين من أخوته الكبار وإيهامهم بأنه يمتلك قوة كافية لردعهم إذا ما حاولوا النيل منه بالإضافة إلى التعبير عن خياله الخصب الذي يستخدمه لخلق البطولة الوهمية والصورة التي يتمنى أن يكونها، ولكنها لا تزال بدائية ومشوشة.
إن هذه المرحلة ضرورية، وستسقط هذه الأكاذيب الإيهامية بعد أن تزول الدوافع وتستبدل عن طريق الانتقال من المرحلة الوهمية إلى المرحلة الواقعية، ستستبدل بعمل جدي، واقعي، ربما يتمثل بقيادته لمجموعة كرة القدم أو ما شابه ذلك.
أما الرد على الأم التي خشيت من تعوده الكذب، أو الاستغراق في الخيال على حساب الواقع المعاش فكان من الطفل نفسه، بعد مرور بضعة سنوات، حيث أصبح الطفل في الرابعة عشرة من عمره يقوم بالتمثيل على مسرح المدرسة، وكان من البارعين في أداء الأدوار التي تُسند إليه وكان يتميز بروح مرحة، وميل إلى الفكاهة الظريفة.
الكذب الالتباسي:
تلتبس فيه الحقيقة بالخرافة، أو الواقع باللاواقع، من ذلك النوع من الكذب الحالة التالية: يشاهد الطفل أحد المسلسلات التلفزيونية المصرية فيجذب انتباهه ممثل ويعجب به، وفي اليوم التالي يأتي لزيارتنا أحد الزملاء ليسأله عن والده، فيهرع مسرعاً إلي ليقول: إن الممثل قد جاء لزيارتنا وهو شبه متأكد من كلامه، نتيجة التشابه الظاهري الذي لم يجعله يميز بدقة كبيرة أو أن يفكر في كيفية وسبب مجيء الممثل من مصر إلى لبنان وإلى بيتنا بالذات.
الكذب الادعائي:
هذا النوع من الكذب موجه لتعظيم الذات، وقد يكون أحياناً بمثابة مظهر للشعور بالنقص، من أمثال هذا النوع من الكذب، مفاخرة ومبالغة بعض الأطفال بمراكز آبائهم أو بمقتنياتهم، وغلاء أثمانها، ومن هذا النوع أيضاً ادعاء المرض، نتيجة شعور الطفل بعدم الحنان والحاجة إلى الحماية.
وغالباً ما يكون الكذب تغطية لعيوب كثيرة، وقد كشف الباحثون في الأدلة الجنائية للأحداث أن معظم الكاذبين كانوا في نفس الوقت سارقين أو جانحين بشكل عام، وليس هناك أجمل من قول أحدهم وإن كان فيه نوع من المغالاة وهو (الصدق رأس الفضائل، والكذب رأس الرذائل. وانتشار الكذب في المراحل الأولى من الطفولة، لا يشكل خطورة كبيرة، بل ربما يعتبر ظاهرة شبه عادية، لكن استمراره وتطوره إلى ما بعد الطفولة الأخيرة يشكل مشكلة تربوية صعبة. فهناك أنواع من الكذب تستلزمها مرحلة النمو عند الطفل (الخيالي أو الإيهامي) وأكثر ما يبدو ذلك في (4 ـ 5) سنوات من العمر، وهما ضروريان لتنمية الخيال، ثم الكذب الالتباسي أو الخرافي، وهو تعبير عن أحاسيس يدركها العقل بنفسه (وهذان النوعان من الكذب يسميان بالكذب البريء، وهما يزولان عندما يكبر الطفل)(1). ويأتي بعدها الكذب الدفاعي، وهو أكثر أنواع الكذب شيوعاً، فالكذب الادعائي، والانتقامي، والكذب بالعدوى وهذا ينشأ عن محاكاة الكذابين الآخرين من الأهل أو الأقارب.
أما أسباب الكذب فقد اتفقت معظم الآراء على حصرها بالتالي:
أ- اضطراب الحياة الأسرية، وتفكك الأسرة، وعدم الشعور بالأمن في داخلها.
ب- الشعور بالنقص ومحاولة التعويض عن طريق الكذب.
ج- تمييز الأهل بين الأولاد (الأخوة) وتفضيل بعضهم على بعض.
د- ظلم المدرس الذي يدفع الطفل إلى الكذب بقصد الخلاص من القصاص.
هـ- المدرس الذي يحدد موعداً للامتحان ثم لا يجريه.
والطفل الذي ينشأ في بيئة شعارها الصدق، وجميع المدرسين فيها ومعهم الوالدان يسلكون مسلك صدق، فلن يكذب الأطفال، فإذا ما أعطوا الثقة بأنفسهم وأحسنت تربيتهم فهم لن يحتاجوا إلى الكذب كوسيلة دفاعية أو تعويضية.
علاج ظاهرة الكذب:
1ـ أن تكون البيئة المحيطة بالطفل بيئة صالحة، والجميع فيها صادقون، يشكلون قدوة حسنة، ويصدقون مع أطفالهم وأن يفعلوا ما يقولونه مستذكرين الآية الكريمة: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف: 3]، ثم تهيئة الأجواء النفسية المريحة في الأسرة (فالشخص المطمئن لا يكذب أما الشخص الخائف فيلجأ إلى الكذب كوسيلة للهروب من العقاب)(2).
2- إذا اعترف الطفل بذنبه، فلا داعي للقصاص، لأن من اعترف يجب أن يكافأ على هذا الاعتراف مع التوجيه الرقيق شرط ألا يستمر الوقوع في الكذب.
3- القيام بتشجيع الطفل على قول الصدق. وتزيين ذلك شعراً ونثراً وتذكيره بقوله الشاعر العربي: الصدق في أقوالنا أقوى لنا والكذب في أفعالنا أفعى لنا
وليس دورنا كشف الوجوه البلاغية والمحسنات اللفظية في هذا البيت، فذلك سيدرسه الطفل في مراحل لاحقة، وأن نزوده بالمثل القائل أيضاً (الكذاب كذاب ولو صدق).
4- التروي في إلصاق تهمة الكذب بالطفل قبل التأكد لئلا يألف اللفظة ويستهين بإطلاقها. كأن نتهمه بالكذب ثم نسحب هذا الاتهام بعد ذلك، ثم إن هذا يضعف من موقفنا التربوي، ومن قيمة أحكامنا القابلة للنقض منا نحن أنفسنا في برهة وجيزة. وحري بالآباء والمدرسين التنبه إلى هذه المسألة. أضف إلى ذلك أن الاتهام العشوائي، والذي لم يثبت صدقه يشعر الطفل بروح العداء والكراهية نحونا، وليكن شعارنا - كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته - وليس العكس.
5- بعض الآراء التربوية في هذا المجال تشير، أنه من القواعد المتبعة في مكافحة الكذب، ألا نترك الطفل يمرر كذبته على الأهل أو المدرسين، لأن ذلك يشجعه ويعطيه الثقة بقدرته على ممارسة الكذب دائماً، فبمجرد إشعارنا له أننا اكتشفنا كذبه فهو سوف يحجم في المرات التالية عن الكذب، وللتذكر بأن إنزال العقوبة بعد الاعتراف بذنبه، تعتبر كأنها عقوبة على قول الصدق، فيجب التسليم ولو لمرات قليلة بأن الاعتراف بالخطأ فضيلة.
6- العدالة والمساواة بين الأخوة.
7- تنمية ثقة الطفل بنفسه.
8- المعالجة النفسية للمصابين بالعقد.
9- التزود بالقيم الدينية، {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}[الإسراء: 80].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ محمد السيد الهابط، حول صحتك النفسية، ص 158.
2ـ د. محمد عبد المؤمن حسين، مشكلات الطفل النفسية، ص 105.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|