أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-6-2017
24489
التاريخ: 13-6-2017
22821
التاريخ: 20-4-2016
2397
التاريخ: 13-7-2022
1480
|
كل عمل عند الإنسان مرتبط بالغاية التي حددها له، أياً كانت عقيدة الإنسان وطبيعته، لأنه مخلوق تميز بالعقل والتفكير والإدراك والإرادة.
قد تبدو الغاية واضحة وقد لا تبدو، قد تكون غاية نبيلة وقد لا تكون، ولكن ثمة غاية مع كل عمل، وثمة هدف عند كل نشاط إنساني.
وفي الإسلام كل عمل ابن آدم مرهون بالغاية، ومرتبط بالباعث والنية التي تكمن وراءه، فترسم أهدافه وغاياته(1).
ولأدب الطفل أهدافه وغاياته؛ لأنه أدب موجه إلى فئة محدودة، ولغايات واضحة.
ولقد حدد كثير من المهتمين بهذا الأدب بعض الأهداف له، وتركها آخرون مكتفين بالإشارات المبثوثة هنا وهناك عن هذه الغايات، فالدكتور الحديدي مثلا يرى أن دور أدب الأطفال يأتي: (ليبث الإيمان بالله والوطن والإنسانية في القلوب الغضة الرقيقة، وليدفع بالأطفال إلى خدمة الآخرين، ولينمي فيهم الوعي الجماعي وروح التعاون)(2).
وغاية أدب الأطفال عنده أيضاً، (ليست هي إذكاء الخيال عند الصغار فقط، ولكنها تتعداه إلى تزويدهم بالمعلومات العلمية، والنظم السياسية والتقاليد الاجتماعية، والعواطف الدينية والوطنية، وإلى توسيع قاموس اللغة عندهم، ومدّهم بعادة التفكير المنظم، ووصلهم بركب الثقافة والحضارة من حولهم... ومهمته تقوية إيمان الطفل بالله والوطن والخير والعدالة والإنسانية(3).
وفي هذه السطور جملة من الأهداف العامة والخاصة، ولكن بعضها متداخل مع بعض، وقد تتعارض أحياناً، فضلا عن التعميم وعدم التحديد.
فالإيمان بالله كلمة عامة.. غير مرتبطة بعقيدة محددة، أو دين معروف، وبالتالي فليس لذلك دلالة ولا أثر واضح.
وكذلك الإيمان بالوطن والخير.. لأن هذه الكلمات مشتركة قد تعني هنا شيئاً وتعني هناك شيئاً آخر، فضلاً عن الأهداف الأخرى التي تدخل في إطار التعميم مثل، (النظم السياسية والتقاليد الاجتماعية، والعواطف الدينية والوطنية).
وترد مثل هذه الإشارات في العديد من الكتب مثل: (خلق الاتجاهات الحميدة وغرس حب الوطن والوطنية الحقة في نفوسهم. ويساعد الأدب على تكوين الذوق الفني... ومعرفة الفنون.. وكسب المعرفة، ويسهم في المستقبل القومي والوطني والإنساني للطفل العربي)(4).
ويعدد بعضهم هذه الأهداف ضمن نواح محددة كالنواحي الثقافية، والنواحي الخلقية، والنواحي الروحية، والنواحي الاجتماعية، والنواحي القومية، والنواحي العقلية والنواحي الجمالية، والنواحي الترويحية(5).
ويبدو الاهتمام بتحديد الأهداف عند أصحاب المذاهب الفكرية المحددة واضحاً، ففي سورية مثلاً خصصت مجلة الموقف الأدبي عدداً ممتازاً لأدب الطفل في سورية(6)، وأوضحت المجلة أن سبب اهتمامها بأدب الطفل لأنه سبيل لبناء الذات، ومكون رئيس للشخصية القومية، ومن غاياته وطوابعه ما يلي :
1ـ الطابع التربوي لأدب الأطفال.
2ـ والطابع القومي.
3ـ والطابع الشعبي.
4ـ والطابع الأيديولوجى(7).
بل أوضحت بعض المقالات والدراسات في هذا العدد الأهداف الخاصة لأدب الأطفال في سورية، (التربية في سورية موجهة)(8)، (وأدب الأطفال - على صعيد المضمون - تتضح الأشكال في تحقيق الجانب القيمي والمعرفي الذي نصت عليه أهداف التربية في القطر)(9).
بل ويرى بعضهم أن من أهداف أدب الأطفال إيجاد معجم لغوي خاص بالأطفال والابتعاد بهم عن الألفاظ القديمة التي لها علاقة بالتراث القديم، أو الإسلام أو النصوص القديمة(10).
وفي دراسة عن (مشكلات قصص الأطفال في سورية)(11)، حدد الباحث القِيَمَ السائدة في القصص التي درسها وفق التدرج النازل التالي:
1ـ القيم المعرفية والثقافية.
2ـ القيم الاجتماعية وتكامل الشخصية والقومية والوطنية.
3ـ القيم العملية الاقتصادية والأخلاقية والجسمانية والترويحية، وأما مضامين هذه القيم كما حددها البحث فهي القيم التي أوردها تصنيف (وايت)، المطور في عدة مجموعات منها:
- القيم الاجتماعية، وتتضمن: وحدة الجماعة، الظرف واللطافة، قواعد السلوك، التواضع، المماثلة، الكرم والعطاء، التسامح، حب الناس.
- القيم الخلقية، وتتضمن: الأخلاق، الصداقة، العدالة، الطاعة، الدين.
- القيم القومية/ الوطنية، وتتضمن: الوطنية، حرية الوطن وحدة الأقطار المجزأة.
- القيم الجسمانية، وتتضمن: الطعام والراحة والنشاط، والصحة وسلامة الجسم، الرفاهية، النظافة.
- القيم الترويحية، وتتضمن: الخبرة الجديدة، والإثارة، والجمال، والمرح، والتعبير الذاتي المبدع.
- القيم الخاصة بتكامل الشخصية، وتتضمن: السعادة، التحصيل والنجاح، التقدير، احترام الذات، السيطرة، العدوان، القوة، التصميم، الحرص، الانتباه، استقلال الفرد، المظهر.
- القيم المعرفية الثقافية، وتتضمن: المعرفة، والذكاء والثقافة.
- القيم العملية الاقتصادية، وتتضمن: الواقعية، العمل، الضمان الاقتصادي، الملكية الاشتراكية(12).
وهذا التحديد للقيم مبني على أساس النظرية الماركسية المادية التي تنظر إلى الحياة نظرة مادية، وأن التطور المادي هو الذي يعكس شتى الصور والنشاطات المختلفة، ولذلك نرى في هذا التحديد التأكيد على ما يخدم هذه النظرية، مثل: الملكية الاشتراكية، ووحدة الجماعة، والعمل، والضمان الاقتصادي، وتجلى ذلك في عدد من القيم التي أشار إليها الدارس.
وكذلك فإن كثيراً من القيم التي وردت في المجموعات السابقة كالصدق والصبر والعدالة والعمل والوطنية والثقافة وغيرها قيم متطورة.
مما سبق نرى أن القيم التي يهدف إليها أدب الأطفال في صورته المعاصرة في العالم العربي غير واضحة، لأن هذا الأدب الناشئ جاء انعكاساً للأدب الغربي، فضلاً عن أنه نشأ في ظل أوضاع تقف من الإسلام موقفاً معادياً في كثير من الأوقات، والثقافة والأدب بأيدٍ تنتمي إلى مدارس فكرية تنكر الدين وتحاربه، وتنظر إليه بازدراء.
ومما يؤكد ذلك كثير من الدراسات التي اهتمت بالقيم التربوية في أدب الأطفال، أو القيم بشكل عام، وكان جل اهتمامها بالجوانب المادية من حياة الطفل، بل اعتمدت في آرائها على النظريات الغربية حول النفس الإنسانية بعامة، ونفس الطفل بخاصة.
ولقد عقدت واحدة من هذه الدراسات عن الطفل في معرض القاهرة الدولي الثاني لكتب الأطفال ما بين 30 تشرين ثاني نوفمبر - 4 كانون أول ديسمبر 1985م، تحت عنوان (القيم التربوية في ثقافة الطفل)، واشترك فيها عدد من الباحثين والمختصين بأدب الأطفال، وانتهت إلى عدة توصيات منها:
1ـ يطلب إلى أقسام دراسة علم النفس في الجامعات الاهتمام بمراجعة ما يؤلف للطفل بهدف تعديل بعض المسارات والاتجاهات في الكتابة للطفل بما يتناسب مع متطلباته وحاجاته في تنمية شخصيته نمواً سوياً.
2ـ- توصي الندوة مؤلفي كتب الأطفال بالاهتمام بتنمية ملكة الخيال الخلاق المبدع الذي يسمو فوق مشكلات الحاضر، ويرتاد بالأطفال الطريق الأمثل نحو حياة أفضل.
3ـ أن تخضع المواد المترجمة للأطفال لدقة في الاختيار، وأمانة في النقل، مع مراعاة ألا يكون فيها ما يشوش قيمنا أو تاريخنا.
4ـ الإلحاح على هدف الانتماء العربي في تأليف قصص الأطفال.
5- حبذا الإحياء للتراث بإعادة صياغة القصص العربي، وتعاد الصياغة على نحو يماشي روح العصر(13).
وهناك عدد آخر من التوصيات له علاقة بكتب الأطفال عامة من حيث الشكل والمضمون والإخراج والنشر.. إلخ.
لا بد من الإشارة إلى أن البعض يتصورون أن بث مشاعر الفضيلة والإحسان والرحمة والشفقة تكفي لأن تكون المعين الأكبر لأدب الأطفال، ولكن هذا التصور على جانب من الخطأ، حيث خاب رجاء المفكرين الطوبائيين منذ زمان بعيد حين كانوا يتصورون أن معضلات الإنسانية يمكن أن تجد الحل عن طريق هذه الدعوات، إذ ظهر اليوم بشكل واضح أن المعضلات الإنسانية لها حل نهائي يتمثل في النظام الاجتماعي الذي يحرر الإنسان من كل القيود، ويوفر له كل الحاجات الاجتماعية، ويطلق قدراته وملكاته ومواهبه، وينقل جهوده من ميدان التصادم إلى ميدان التعاون الإنشائي.
وعليه لا بد من تهيئة الطفل لأن يتجه في هذه السبيل الأخيرة وإعداده لأن يتحمل - فيما بعد - مسؤولية بناء النظام الجديد بدل الاكتفاء باستدرار عطفه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل في كلمات باكية جوفاء).
وواضح أسلوب الاستنكار والاستهزاء بالقيم والأساليب التي يعلمها الإسلام للناس عامة في التراحم والتعاطف والتكافل والتعاون حيث لا يرى المؤلف في هذا غير كلمات باكية جوفاء، ويريد من أطفال الغد رفض هذا المنهج وبناء النظام الجديد الذي يدعو إليه الكاتب ويفصح عنه بالعبارة التالية: (وينبغي أن يكون الطفل في موقع الناقد الواقعي المنشئ.. ونريد أن نبعد عن أطفالنا كل آثار النزعات الإشكالية واللامسؤولة واللامبالاة، والتقليد الأعمى، والكذب، والرياء والخنوع، والتفكير الخرافي الهدام).
والمؤلف لا يذكر- هنا - الإسلام خاصة - أو الدين عامة بشيء ولكنه يكنّي عن ذلك بمثل العبارات السابقة، ويرفع هذه الشعارات البراقة (الثورة، ومحو الاستغلال. إلخ) لكي يغري الناس بها. ولكن الواقع وحده هدم كل هذه الدعوات، هدمها بمعاول التطبيق العملي في جميع بلدان العالم، وفي البلدان العربية التي حصدت منها الفقر والجوع، والنزاعات الطائفية والإقليمية والنكسات، وخسارة الأرض والكرامة، وذهاب الأخلاق والحريات، فأي خير يرجى من وراء هذه المضامين للأجيال القادمة؟.
ومن المهم أن ينهض المختصون المخلصون بدراسة المضامين الخاصة بأدب الأطفال، والأهداف التي ينبغي أن تهدف إليها على أسس إسلامية واضحة حتى لا تتوزع الجهود أولاً، ثم تضيع الخطوات وتتعدد الرؤى أو تتضارب بلا معرفة أخيراً.
(إن ثقافة الأطفال هي - أساساً - نظرة إلى العصر، ونظرة إلى تراثنا، ونظرة إلى الطفل نفسه، وكل إنتاج في هذا المجال لا يحترم قيم هذا العصر وتوقه إلى الحرية. وكل أدب لا يستقي من تراثنا ومما هو حي فينا من هذا التراث، وكل إنتاج لا يعكس في روحه أحاسيس الطفل ولا يحترم قدراته على الفهم والتمييز والخيال ليس هو بالإنتاج الذي يستحق أن ينتمي إلى ثقافة الأطفال التي تطلبها بلادنا)(14).
وهذا يعكس الأهمية الخاصة بثقافة الأطفال ومضامين أدب الطفل وشمولها على عناصر أساسية تحقق الخير لأبناء المستقبل وتسهم في إعداد الأجيال إعداداً صالحاً.
إن الاهتمام بأهداف هذا الأدب ومضامينه، ضرورة واجبة حتى نسهم في بناء جيل مؤمن بالله، أمين على قيمه وتاريخه وحاضره ومستقبله. جيل يتحمل المسؤولية غداً، ويبني المستقبل على أسس متينة صحيحة، ويتخلص من آثار الهزائم المتوالية للمسلمين في القرن الحالي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ انظر: دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 1 / 4، ط دار الفكر بيروت، وفيه تفصيل عن ارتباط الأعمال بالنيات، وكذلك: نزهة المتقين شرح رياض الصالحين: د / مصطفى الخن وآخرون 1 / 20، ط1، 1397هـ -1977م، مؤسسة الرسالة بيروت.
2ـ في أدب الأطفال: 58.
3ـ المصدر السابق: 58 ـ 59.
4ـ أدب الأطفال ومكتباتهم: هيفاء شرايحة: 45، 46.
5ـ أدب الأطفال، مبادئه، ومقوماته الإنسانية، محمد محمود رضوان وأحمد نجيب: 11 - 10 - 13، من مطبوعات وزارة التربية والتعليم بجمهورية مصر العربية وهو الجزء الأول للصف الرابع بدور المعلمين والمعلمات.
6ـ وهو يشمل الأعداد (208، 209، 210)، وصدر في تشرين الأول 1988م، السنة 18.
7ـ المصدر السابق: 8، 9.
8ـ المصدر السابق: 21 من مقال: قضية أدب الأطفال بين الفن والتربية في سورية: ندوة النوري.
9ـ المصدر السابق: 22.
10ـ المصدر السابق: اقتراب أولي من أدب الأطفال.
11ـ صاحب الدراسة: سمر روحي الفيصل من منشورات اتحاد الكتاب العرب.
12ـ مشكلات قصص الأطفال في سورية: 12ـ 14.
13ـ الحلقة الدراسية الإقليمية لعام 1985، (القيم التربوية في ثقافة الطفل)، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1987/ 218 – 221، ولقد أسهم في هذه الحلقة عدد من العاملين في مجال ثقافة الطفل تحت إشراف الدكتورة سهير القلماوي وشهد الحلقة باحثون من الكويت وتونس واليمن.
14ـ الاتجاهات الجديدة في ثقافة الأطفال: 6، النادي الثقافي العربي وثقافة الأطفال، أسبوع ثقافة الأطفال 1978م.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|