أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-7-2022
1801
التاريخ: 22-5-2019
2238
التاريخ: 25-3-2016
3836
التاريخ: 16-6-2019
2233
|
أهل الكوفة في عصر الإمام الحسين عليه السلام[1]
بعد أن رفض الإمام الحسين عليه السلام إعطاء البيعة ليزيد، اغتنم أهل الكوفة الفرصة وبعثوا إلى الإمام رسائل كثيرة يطلبون منه تشكيل الحكومة في الكوفة. أرسل الإمام عليه السلام مسلم بن عقيل إلى الكوفة لدراسة أوضاعها. بعد أن تمكّن مسلم من الحصول على البيعة استطاع بمساندة أهل الكوفة محاصرة الحاكم في قصره, إلّا أنّهم تخلّوا عن مسلم دفعة واحدة, وانتهى به الأمر إلى الاستشهاد على يدي الحاكم. بالإضافة إلى ذلك انحاز أهل الكوفة إلى صفوف العدوّ في محاربة الإمام عليه السلام.
وبسبب أهميّة المسألة، فقد ارتسمت صورة في الأذهان عن المجتمع الكوفيّ، صورة غير متعارف عليها. لذلك كان ينبغي دراسة هذا البلد وتقييمه في ضوء علم الاجتماع لتتضح أسباب وعلل عدم الوفاء عند أهل الكوفة.
حصلت حادثة عاشوراء بعد عشرين سنة من شهادة الإمام عليّ عليه السلام وسنتحدّث لاحقاً أن أهل الكوفة, في هذه المدّة, تعرّضوا لأقصى أنواع الضغوطات، فقتل الكثير منهم وهاجر آخرون. فلو لم تقع هذه الحوادث، لكان جيل عصر الإمام الحسين عليه السلام جيلاً جديداً. لذلك فأهل الكوفة في عصر الإمام عليه السلام ليسوا هم أهل الكوفة في العصور السابقة، ولذا ومن أجل التعرّف على هؤلاء في العام ستّين للهجرة لا يمكن التمسّك بكلّ الأخبار التي تتحدّث عن السنين السابقة. وإذا كان الإمام عليّ عليه السلام قد تحدّث حول وفاء أهل الكوفة أو عدم وفائهم، فالمقصود من هذا الحديث هو الناس الذين كانوا يعيشون في عصره وليس في العصور اللاحقة. وعندما أراد الإمام الحسين عليه السلام الحركة نحو الكوفة حذّره بعض المقرّبين منه وذكَّروه بعدم وفائهم للإمام عليّ عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام . ولعلّ السبب الذي جعل الإمام الحسين عليه السلام يصرّ على الحركة باتجاه الكوفة، هو أنّ أهل الكوفة في عصر الإمام الحسين عليه السلام هم غير أهلها الذين عاشوا في ما مضى, أي في عصر أبيه وأخيه .
بناءً على ما تقدّم ينبغي دراسة عدم وفاء أهل الكوفة في كلّ عصر وزمان, بعيداً عن الأزمنة الأخرى. وسنحاول, في هذا المقال, دراسة ومعرفة المجتمع الكوفيّ في عصر الإمام الحسين عليه السلام أي في العام ستّين للهجرة ولن نعتني كثيراً بأوضاع أهل الكوفة قبل ذلك.
وأمّا المشكلة الأساسيّة في معرفة مجتمع الكوفة، فهي وجود أغراض وأهداف خاصّة سيطرت على المؤرّخين فكان الوصول إلى تفاصيل صحيحة لأخبار الكوفة صعباً. مثال ذلك ما ذكرته بعض الكتب التاريخيّة من أنّ الفرصة قد سنحت لمسلم في منزل هاني, أن يقتل عبيد الله إلّا أنّه لم يفعل ذلك. وبما أنّ الأخبار حول هذه الحادثة مضطربة، فلا يمكننا الإطلاع بشكل دقيق على سبب عدم قيام مسلم بذلك. فهل كان الأمر مراعاة لهاني حيث أراد أن لا يقتل عبيد الله في منزله؟ وهل قتل عبيد الله وهو يعود هاني، سيمنع من التفاف عواطف الناس حول مسلم؟ وهل أراد العمل بوصيّة الرسول صلى الله عليه واله وسلم الذي نهى عن الغدر؟ وعلى كلّ حال ليس بمقدورنا إصدار حكم قطعيّ في هذا الخصوص.
المثال الآخر الذي يمكن ذكره في هذا الخصوص أنّ مسلماً وبعد محاصرته القصر، تفرّق الناس عنه فلم يبق معه أحد. مع العلم أنّ من جملة الذين بايعوا مسلماً مجموعة من الأشخاص كانوا على استعداد للتضحية بأرواحهم من أجل الإمام, وقد شهدنا ذلك في كربلاء من أمثال حبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وأبي ثمامة. أمّا المصادر التاريخيّة فلم تذكر شيئاً عن هؤلاء الأشخاص في تلك البرهة الزمنيّة الحسّاسة.
على كلّ حال, فإنّ التحليلات الموجودة تعتمد على هذه الأخبار النادرة والبعيدة عن الصواب. ومن المؤكّد أنّنا لو كنّا نمتلك من الأخبار التي تتحدّث عن تلك المرحلة الزمنيّة, عدداً أكبر, لاستطعنا تقديم تحليل أدقّ وأوضح.
مجتمع الكوفة
لا يمكن الاعتماد على الإحصاءات التي تحدّثت عن عدد سكان الكوفة قبل ثورة الإمام الحسين عليه السلام لمعرفة عدد سكّانها في عصر الثورة، والسبب في ذلك أنّه وبعد شهادة الإمام عليّ عليه السلام وتولّي زياد ابن أبيه (م 53 ق) الكوفة حيث نصبه معاوية والياً عليها في العام خمسين، فقد عمد إلى ممارسة الضغوطات القاسية على الشيعة. وقد عمل زياد على ملاحقة الشيعة وقتلهم أينما وجدهم وتحت كلّ حجر ومدر. كان زياد يمارس أقصى أنواع التعذيب ضدّ الشيعة، فيقطع الأيادي والأرجل ويعلّق على المشانق، ويسمل الأعين بالحديد المحمّى بالنّار، وينفيهم إلى أماكن مختلفة، بحيث لم يبق في العراق أيّ شخص من الشيعة المشهورين.[2]
بناءً على ما تقدّم, ينبغي الرجوع إلى الإحصاءات التي حصلت في عصر الإمام الحسين عليه السلام لمعرفة عدد سكّان الكوفة. وأمّا بعض العبارات التي دوّنها أهل الكوفة في رسائلهم عند دعوتهم الإمام الحسين, فكانت على النحو الآتي: "إنّا معك مائة ألف"[3]، "أقدم علينا فنحن في مائة ألف"[4]. وبما أنّ جميع أهل الكوفة لم يكونوا موالين للإمام الحسين عليه السلام لذلك يمكن الحدس بأنّ عدد سكّان الكوفة في عصر الإمام عليه السلام أعمّ من المحارب وغير المحارب، الكبير والصغير، المرأة والرجل، كانوا حوالي مائه وخمسين ألف نسمة. وقد جاء في بعض المرويّات أنّهم كتبوا للإمام عليه السلام فقالوا: "إنّ لك ها هنا مائة ألف سيف"[5] ، وهذا من جملة المبالغات أو الأخطاء حيث تشير أعلى الإحصاءات والتقديرات بأنّ الذين بايعوا الإمام عليه السلام لم يتجاوز عددهم الأربعين ألفاً.[6]
تركيب المجتمع الكوفيّ
بنيت الكوفة عام 17 ق بأمر من عمر باعتبارها مدينة عسكريّة [7]، فاجتمع فيها عدد من القبائل التي وفدت من أماكن متعدّدة وثقافات مختلفة. وعلى هذا الأساس فهذه المدينة الحديثة الوجود كانت تفتقد للهويّة التاريخيّة، وهي مليئة بالأخطار بسبب عدم التناسب والانسجام بين ساكنيها. وقد كتب أحد المحقّقين حول الذين سكنوا الكوفة وطوائفها والأديان المنتشرة فيها ما يأتي:
كانت الكوفة أمميّة قد امتزجت فيها عناصر مختلفة في لغاتها وعاداتها وتقاليدها فكان فيها العربيّ والفارسيّ والنبطيّ والسريانيّ إلى جانب العبيد وغيرهم.
وأمّا القبائل العربيّة التي سكنت الكوفة فكانت عبارة عن القبائل اليمنيّة وهي تشمل: قضاعة، غسان، بجيلة، خثعم، كندة، حضرموت، الأزد، مذحج، حمير، همدان ونخع. والقبائل العدنانيّة وتشمل: تميم وبني العصر. وكذلك كان فيها قبائل بني بكر وهي عبارة عن: بني أسد، غطفان، ومحارب ونمير.
وهناك قبائل عربيّة أخرى استوطنت الكوفة وهي: كنانة وجديلة وضبيعة، وعبد قيس وتغلب وأياد وطي، وثقيف وعامر ومزينة.
وسادت في قبائل المجتمع العربيّ في الكوفة الروح القبليّة, فكانت كلّ قبيلة تنزل في حيٍّ معيّن لها لا يشاركها فيها إلّا حلفاؤها، كما كان لكلّ قبيلة مسجدها الخاصّ، ومقبرتها الخاصّة، وعاش في الكوفة أتباع عدد من الأديان, فكان إلى جانب المسلمين بفرقهم المختلفة، المسيحيّون واليهود.[8]
وقد دفعت الحساسيّات والعصبيّات القبليّة أهل الكوفة إلى الإسراع في اتخاذ القرارات عند مشاهدة أقلّ نفع أو ضرر كي لا تتقدّم عليها القبائل الأخرى. وبعبارة أخرى: جعلتهم تلك العصبيّات أشخاصاً متسرّعين، لا يمكنهم اتخاذ قرارات انطلاقاً من التعمّق والدراسة, وبالتالي وقعوا في المهلكات.
وقد ساهمت العصبيّات القبليّة في عدم وجود حالة وفاق اجتماعيّ, حتّى إذا حصل وفاق في مكان ما كان سريعاً ما يتمّ القضاء عليه, حيث كان الأساس هو التآمر. إنّ التركيب غير المتوازن والغالب على هذه المدينة، قد منح بعض المجموعات القدرة على تغيير السياسة الحاكمة في كلّ آن, وأن يجذب المجتمع نحو جهة معيّنة أخرى.
ومن الخصائص الأخرى للأفراد العسكريّين والحاملين للسلاح، عدمُ الانضباط والطاعة للحاكم, وهذا غير مختصّ بأهل الكوفة.
يقول ابن أبي الحديد:"قيل: إنّ أهل الكوفة كانوا قد فسدوا في آخر خلافة أمير المؤمنين, وكانوا قبائل في الكوفة، فكان الرجل يخرج من منازل قبيلة فيمر بمنازل أخرى فينادي باسم قبيلته: يا للنخع مثلاً أو يا لكندة نداءً عالياً يقصد به الفتنة وإثارة الشرّ، فيتألّب عليه فتيان القبيلة التي مرّ بها فينادون: يا لتميم ويا لربيعة ويقبلون إلى ذلك الصائح فيضربونه، فيمضي إلى قبيلته فيستصرخها، فتسلّ السيوف وتثور الفتن"[9].
إنّ أشخاصاً كهؤلاء لا يمكن أن يكونوا منقادين حتّى لحكّامهم, وقد شهد التاريخ أنّ أهل الكوفة- بعد موت زياد ابن أبيه- بدّلوا حاكم الكوفة خمس مرّات, منذ العام 53 إلى العام 60.
فقدان الإدارة الصحيحة للنهضة
إذا كان من غير الممكن إدارة وهداية الحركات الشعبيّة بشكل صحيح، فإنّها تفقد بريقها عند أيّ حادثة فجائيّة، ويصاب الناس بالضياع، لا بل قد يتغيّر مسير الثورة. وبما أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان بعيداً عن الكوفة فهذا يعني أنّه كان غير قادر على إدارة الثورة في الكوفة وضبطها, وقد احتمل البعض وجود ضعف في إدارة مسلم بن عقيل.
وأمّا الذي يجعل احتمال ضعف إدارة مسلم بعيداً فهو أنّ الإمام عليه السلام أرسله, بعد ورود الرسائل والدعوات واتضاح حساسيّة الموقف. لو كان مسلم عاجزاً عن إدارة الثورة، لما أرسله الإمام عليه السلام إليها. حتّى إنّ الدخول الكبير والقويّ لعبيد الله إلى الكوفة, والتهديدات التي أطلقها إلى حين محاصرة القصر, لم تمنعه من الاستمرار بنشاطه. إنّ الطريقة التي عمل بها عبيد الله, والحوادث التي وقعت تجعل أقوى إنسان, على مستوى الإدارة, عاجزاً عن المواجهة! وقد حصل ما يشبه هذا الأمر في عصر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفّين, عندما كان على مقربة من الانتصار فيها.
القسوة وإدارة عبيد الله
بعد أن بايعت جموع أهل الكوفة مسلماً، كتب عدد من أتباع الحكومة إلى يزيد أن النعمان بن بشير عاجز عن إدارة المدينة, وطلبوا منه أن يرسل شخصاً أكثر قوّة لذلك.[10]
وبما أنّ حكومة يزيد المستبدّة تمتلك تجربة, منذ عهد معاوية, فقد كانت قادرة على معرفة الولاة والقادة في مختلف المجالات. وقد وصلت هذه الرسالة إلى يزيد, في وقت حصلت فيه مجموعة من الأمور, من جملتها إرسال رسالة إلى الإمام عليه السلام ، وبيعة الناس لمسلم. هنا, كان يدرك يزيد ما هي طبيعة ومواصفات الحاكم الذي ينبغي إرساله إلى الكوفة. تشاور يزيد مع سرجون غلامه وكاتب معاوية، فوقع الاختيار على عبيد الله بن زياد والي البصرة, لإرساله إلى الكوفة, مع احتفاظه بموقعه السابق، فأوكل إليه أمر الكوفة[11]. وتذكر بعض الأخبار أنّ يزيد قد شاور أهل الشام في هذا الأمر[12].
لا يجب الغفلة عن ما كان يمتاز به عبيد الله بن زياد من دهاء وقوّة إدارة وسلوك خشن، ومعرفته السابقة بالكوفة, عند تحليل أسباب تخلّف أهل الكوفة. وقبل سنوات من ذلك كان والده زياد بن أبيه والياً على الكوفة, فوجّه ضربات مؤلمة للشيعة. بمجرّد دخول عبيد الله بن زياد الكوفة ترك آثاراً سلبيّة في نفوس الذين دعوا الإمام عليه السلام وعلى العكس من ذلك تنفّس أتباع بني أميّة الصعداء. وقد ذكرت بعض الأخبار مدى الأذى الذي شعر به أهل الكوفة بمجرّد معرفتهم بدخول عبيد الله [13]، وهذا يشير إلى التأثير الذي تركه عبيد الله في الناس.
إنّ التساهل الذي امتاز به حاكم الكوفة السابق, أيّ النعمان بن بشير, كان له التأثير الكبير في التفاف الناس حول الإمام ومسلم. ولو كان عبيد الله حاكماً على الكوفة منذ البداية, فمن المستبعد حصول حركات ثوريّة, أو إرسال دعوات من قبل أهل الكوفة للإمام عليه السلام. والشاهد على ذلك- إضافة إلى إرساله مسلماً إلى الكوفة- أنّه أرسل سليمان إلى البصرة يحمل رسائل إلى كبارها يدعوهم فيها للنصرة. وهذا يشير إلى أنّ للإمام عليه السلام أتباعاً وأنصاراً أيضاً في هذه المدينة، لا بل كان يأمل بمساعدتهم. في تلك الفترة كان عبيد الله حاكماً على البصرة التي كانت تخضع لمراقبة شديدة, حتّى إنّ الذين تلقّوا الرسائل حرصوا على بقائها مخفيّة, ولم يتمكّنوا من الإتيان بأيّ حركة. وقد ذكر التاريخ أنّ المنذر بن جارود- خوفاً من أن تكون الرسالة التي وصلت إليه هي خدعة يقوم بها عبيد الله بن زياد- أخبر عبيد الله برسول الإمام عليه السلام حيث قام بضرب عنقه. [14]
عندما دخل عبيد الله الكوفة غطّى وجهه، فظنّ الناس أنّه الإمام الحسين عليه السلام فاستقبلوه بحرارة. في هذه الأثناء, أعلن أحد مرافقي عبيد الله أنّ هذا الشخص هو عبيد الله الحاكم الجديد للمدينة، فأصيب الناس بالذهول والحزن من جراء ذلك[15]. وينقل البعض أنّ أهل الكوفة ظنّوا أنّ الداخل هو الإمام الحسين عليه السلام لذلك قاموا بتقبيل يديه ورجليه[16].
لقد ترك سلوك عبيد الله هذا فوائد متعدّدة منها: أنّه قد تعرّف على أوضاع المدينة بسرعة، وتعرّف على المخالفين، وأهان الثوريّين, وبقي في مأمن من استهداف الكوفيّين. وبعد هذه المحاولة التي عمل من خلالها على توجيه ضربة لروحيّة الناس، تحدّث, في أوّل مناسبة, بكلام قويّ هدّد فيه أهل الكوفة وحذّرهم من العصيان[17]. وهناك نماذج أخرى تدلّ على القدرة الإداريّة التي كان يتمتّع بها، من جملة ذلك أنّه, عندما حاصر مسلم القصر، بدأ عبيد الله إشاعة الأخبار في المدينة متحدّثاً من أعلى القصر عن قدوم قوّات كبيرة من جيش يزيد، ممّا أوجد حالة من الرعب ودفع بالناس لرفع لواء الإستسلام وطلب الأمان, وقد ساهم هذا الأمر في إخماد الثورة دفعة واحدة. ثمّ بإعدامه لمسلم وهاني أمام أعين الجميع أخذ منهم الطاعة.
عندما اعتقل هاني وأرسل إلى السجن، شاع بين الناس أنّه قد قتل، فحاصرت الجموع القصر، ممّا اضطرّ عبيد الله لإرسال شريح ليتحدّث إلى الناس ويخبرهم بأنّه ما زال حيّاً، فتفرّق الجمع[18]. وهاني كان ذاك الذي إذا اعتلى صهوة حصانه رافقه أربعة آلاف فارس وثمانية آلاف من المشاة. وإذا رافقه حلفاؤه كان يصل عدد المرافقين له إلى ثلاثين ألف فارس[19]. بعد مدّة تسلّط عبيد الله على الكوفة, حتّى إنّهم عندما جاءوا بهاني إلى السوق، مخفور اليدين، وقاموا بقتله أمام أعين الجميع لم يجرؤ شخص على الإعتراض[20]. وإذا أخذنا بعين الإعتبار العصبيّات القبليّة التي كانت موجودة في ذلك الزمان، فكيف يمكن فهم سكوت بني مراد, على الأقل, عن مقتل زعيمهم بهذا الأسلوب المهين؟! هذا الأمر يدلّ على مستوى الاضطراب الذي كان يسيطر على الأوضاع.
إنّ الخشونة التي امتاز بها عبيد الله لم تقتصر على أعدائه, بل طالت أقرب الناس إليه. فبعد أن أرسل عمر بن سعد إلى كربلاء، أرسل في أثره الشمر بن ذي الجوشن وأمره أن يضرب عنقه إذا رفض قتال الإمام الحسين عليه السلام, وأن يحلّ مكانه في قيادة الجيش. [21]
ومن جملة الأساليب التي مارسها عبيد الله بن زياد, من أجل السيطرة على الأوضاع: التهديد، قتل الأفراد والجماعات، التآمر والخديعة، مراقبة الطرق، بثّ الإشاعات، السجن، جلب الأشراف بوساطة الرشاوي، نشر الجواسيس، إفشاء الأكاذيب، إعطاء الأمان للسائرين مع مسلم، إعطاء الجوائز على التعاون، اعتقال المخالفين، إلزام قادة القبائل بالكشف عن المخالفين ليزيد. [22]
في أجواء كهذه يملؤها الرعب والخوف، يتراجع العوامّ عادة, عن الوعود التي التزموا بها، ويبقى عدد قليل من الأفراد, وهذا غير مختصّ بأهل الكوفة. فعندما كتب الناس إلى الإمام عليه السلام كان النعمان بن بشير المتساهل حاكماً، وكان عدم الوفاء بالعهود بعد حضور حاكم ظالم, كعبيد الله بن زياد.
عدم البيعة مع شخص مسلم
كان تكليف مسلم أن يدرس الأوضاع في الكوفة, فإذا وجد أنّ الدعوات جدّيّة أخبر الإمام عليه السلام ليتوجّه نحو الكوفة, ولم يكن مكلّفاً بتحريك الثورة ضدّ عبيد الله. بايع الناس مسلماً باعتباره سفير الإمام. وعندما أرسل عبيد الله أحد جواسيسه, ويدعى معقلاً, ليطّلع على مكان اختفاء مسلم، سمع الناس في المسجد وهم يتحدّثون عن مسلم بأنّه يأخذ البيعة للإمام الحسين عليه السلام [23]وبعبارة أخرى فإنّ أهل الكوفة قد قبلوا قيادة الإمام عليه السلام وليس قيادة مسلم. فهؤلاء لم يبايعوا مسلماً على أن ينصروه في كلّ ما أراد فعله. ومن غير البعيد أن يكون هذا الأمر هو أحد أسباب عدم تبعيّة الناس له. ولو كان الإمام عليه السلام حاضراً في الكوفة بدلاً من مسلم لاختلفت الأجواء، مع العلم أنّه ليس من الصلاح حضور الإمام عليه السلام إلى الكوفة قبل إرسال مسلم.
تجدر الإشارة إلى أنّه من غير المعلوم ما إذا كانت ثورة مسلم هي لأجل القضاء على عبيد الله، بل إنه تحرّك نحو قصر عبيد الله عندما سمع خبر اعتقال هاني[24]ويظهر من بعض الأخبار أنّه كان يرغب بتحرير هاني. والشاهد على هذا الأمر أنّه عندما حاصر القصر مع تلك الجموع ، كان هناك ثلاثون شخصاً من الحراس وعشرون من الأشراف[25]ولم يكن من الصعب التغلّب على هذا العدد، لذلك فإنّ من الصعب القول إنّ حركة مسلم كانت لأجل إسقاط الحكومة في الكوفة, فكان يتوقّع من الناس المساعدة.
عندما دخل عبيد الله الكوفة فقد الكثير من الناس معنويّاتهم, وساهمت شهادة مسلم في زيادة سوء الأوضاع، فسيطر اليأس على الناس, فلم يفوا بوعودهم للإمام عليه السلام.
عدم التنبّؤ بالمستقبل
خمدت الثورة عندما أصبح مسلم وحيداً. بعد ذلك أصبحت قوّة عبيد الله تزداد شيئاً فشيئاً. هنا عاود ضربته الأساسيّة مجدّداً. لعلّ الكثير من الناس لم يكن يتوقّع أنّ ما حصل سيؤدّي إلى شهادة الإمام وأصحابه، كما حصل مع الحرّ عندما التحق صبيحة يوم عاشوراء بالإمام عليه السلام وقال له في معرض حديثه معه: ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً, ولا يبلغون منك هذه المنزلة[26]
بعد أن سيطرت أجواء الرعب والخوف على الكوفة, أثناء محاصرة القصر، فليس ببعيد أن يكون البعض قد اعتقد بأنّ هذه الحركة السريعة لن تكون موفّقة، لذلك حاولوا الافتراق عن مسلم والوصول إلى الإمام عليه السلام بهدف الاستمرار بالجهاد. وقد نجح بعض هؤلاء الأشخاص أمثال حبيب بن مظاهر في الإلتحاق بالإمام عليه السلام ولم ينجح آخرون بسبب الحصار الذي فرضه ابن زياد.
الاحتمال الآخر هو أنّ البعض كان يظنّ بأنّ الابتعاد عن الثورة, وعدم نصرة مسلم قد يؤدّيان إلى خمود الحركة الثوريّة, فيعود الإمام عليه السلام إلى المدينة, حيث يهيّئ للثورة في وقت لاحق. ولعلّ الشاهد على هذا هو حالة الندم التي سيطرت عليهم, بعد حادثة كربلاء, فخرجوا طالبين بالثار للإمام الحسين عليه السلام وأصحابه.
الدوافع من الدعوات
إنّ مدينة كبيرة يسكنها طوائف وقبائل غير متجانسة، سيكون أهلها فاقدين للهدف الواحد. بناءً على الأخبار الواردة, فإنّ أهداف أصحاب الدعوات تتجلّى في الآتي:
أ- تشكيل حكومة العدل الإسلاميّ: إنّ أغلب أصحاب الدعوات هم من الأشخاص الذين كانوا يرغبون, وبشكل صادق, في تشكيل حكومة العدل الإسلاميّ من قبل الإمام عليه السلام.
في الحركات الإعتراضيّة، تتحرّك مجموعة قليلة، وبعد الوصول إلى مستويات أعلى من التقدّم, تتبع الجماهير هذه الأقليّة. وأمّا إذا وجد الناس أنّ حياتهم في خطر, فإنّهم يتركون الساحة, ويصبحون غير جاهزين لتحمّل الضربات الماديّة والمعنويّة القاسية. وفي العادة فإنّ عدداً قليلاً من الأشخاص يكون جاهزاً للتضحية حتّى النهاية.
وفي ما يتعلّق بأهل الكوفة, فإنّ الناس أيضاً وجّهوا دعواتهم للإمام عليه السلام بشكل صادق, وبقصد القربة, وإلّا فإنّ الإمام عليه السلام لم يكن ليقبل دعوتهم. ولكن عندما أصبحت حياة الأفراد في خطر, فلم يبق إلّا العدد القليل. لذلك عندما سمع الإمام ما قام به أهل الكوفة, تحدّث ذامّاً الناس بشكل عامّ فقال: "الناس عبيد المال والدّين لعق على ألسنتهم, يحوطونه ما درّت به معايشُهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون"[27]
قبل رسائل سليمان بن صرد, الذي كان يتوقّع عدم وفاء الناس بوعودهم، وصل خبر موت معاوية إلى أهل الكوفة, فاجتمعوا في منزله, فخطب في الناس وشجّعهم على الكتابة للإمام إذا رغبوا حقيقة في مساعدة الإمام والجهاد ضدّ أعدائه, وأكّد عليهم عدم خداع الإمام إذا وجدوا في أنفسهم ضعفاً. أمّا الناس فأجابوا بأنّهم جاهزون لمحاربة عدوّه حتّى آخر لحظات حياتهم[28]إنّ أشخاصاً يتحدّثون إلى سليمان بهذه اللهجة، لا يتحدّثون بذلك من باب النفاق.
يقول سعد بن عبيدة: إنّ أشياخاً من أهل الكوفة لَوُقوف على التلّ يبكون ويقولون: اللهمّ أنزل نصرك, فقلت: يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه؟[29]
وفي الوقت نفسه الذي كانت فيه هذه المعنويّات هي التي تحكم عموم الناس، فإنّه إذا وُجد من يقوم بهدايتها بشكل صحيح, ولم يكن هناك موانع كبيرة أمامها, فإنّ بمقدورها إيجاد تحوّلات عجيبة. وفي الواقع فإنّ دعوة أهل الكوفة للإمام، كانت دعوة صادقة لتشكيل حكومة العدل الإسلاميّ حيث كانت الأكثريّة ترمي إلــى ذلـــك, وهـذا ما يسوّغ الاهتمام المنطقيّ الذي صدر عن الإمام عليه السلام فهو عليه السلام لم يقع في خديعة. فلو كان معلوماً من البداية أنّ أرواحهم على المحكّ, وأنّ القضيّة ستنتهي بشهادة الإمام وأصحابه، لما كتب أكثر أهل الكوفة له يدعونه للقدوم. نعم, يستثنى من هذا الكلام صنفان: أحدهما: المنافقون الذين كانوا يريدون هلاك الإمام عليه السلام, والصنف الآخر: الذين حملوا دماءهم على أكفّهم من أمثال حبيب بن مظاهر.
ب ـ إعادة الاعتبار والمكانة الخاصّة للكوفة: كانت هذه المدينة عاصمة الحكومة في زمان الإمام عليّ عليه السلام وكانت تتمتّع بموقع خاصّ. بعد شهادة الإمام عليّ عليه السلام فقدت المدينة ذاك الموقع السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ, ونهضت الشام لمنافستها ولتكون بديلاً منها.
لعلّ مسألة إعادة الاعتبار إلى الكوفة, هي واحدة من الدوافع التي جعلت البعض يكتب للإمام ويدعوه إليها. الواضح أنّ دوافع كهذه هي دوافع دنيويّة, ومن القليل أن نجد أشخاصاً على استعداد للتضحية بأنفسهم بهدف الوصول إلى الدنيا, ولا يتراجعون أمام التهديدات الحقيقيّة.
ج ـ الحصول على المال والجاه: عندما يكون هناك أمل في انتصار أيّ ثورة، نجد في داخلها أشخاصاً يدافعون عنها بهدف الحصول على المنافع الماديّة. هؤلاء الأشخاص هم أسرع انهزاماً أمام التهديدات أو المطامع. ويعتبر الكثيرون من أشراف قبائل الكوفة وقادتها من جملة هذه المجموعة. في العادة لا يحمل هؤلاء الأشخاص دوافعَ تقودهم لترويج العدل والدّين, بل التعلّق بالماديّات والتعلّق بالسلطة يجعل منهم أشخاصاً في نهاية الضعف, لا يفكّرون إلّا بمصالحهم، بحيث يشتريهم عبيد الله. وقد حضر بعض الأشراف وأخبروا الإمام عليه السلام بأنّ عبيد الله يشتري الأشراف بالرشاوي وأنّ العديد منهم قد أصبح عدوّاً لك. هؤلاء كتبوا لك يدعونك لأجل الحصول على منافعهم الماديّة[30]
لقد سمع أشراف القبائل وزعماؤها ورأوا أنّ الإمام عليّاً عليه السلام لم يكن يفرّق بين العالي والداني. فلم يستسغ هؤلاء الأفراد مثل هذه السيرة. من هنا يمكن القول إنّهم كانوا, ومنذ البداية, غير جادّين في دعوة الإمام الحسين عليه السلام ليقوم بتأسيس حكومة كحكومة والده.
إنّ اليأس الذي عاشه هؤلاء وكذلك ابتعادهم عن الساحة, لم يؤثّرا فقط في إضعاف معنويّات الجبهة الثوريّة, بل إنّ بعض الجماعات قد التحقت بهم أيضاً.
د. أتباع الجماعة: عندما تحصل حالة عامّة في مجتمع ما، فإنّ بعض العوامّ يحاولون اتباعها, فيتحرّكون ضمن الجوّ الحاكم من دون أن يكون عملهم هذا منطلقاً من معرفة أو اعتقاد. هؤلاء الأشخاص يقعون تحت تأثير الإعلام فيتحرّكون طبق الجوّ الحاكم على المجتمع.
بالإضافة إلى العوامّ, فإنّ بعض قادة القبائل يحاولون التأسّي بالجماعة حفاظاً على مصالحهم ومواقعهم المستقبليّة. من هنا يمكن القول إنّ الدافع الذي دفع البعض للكتابة ودعوة الإمام هو اتباع الجماعة. فما دامت الأجواء في مصلحة الإمام عليه السلام ، كانوا يبايعون مسلماً ولكن عندما تغيّرت الأجواء لمصلحة عبيد الله، غيّروا مواقفهم.
هـ. النفاق وتوجيه ضربة للإمام: كان من بين الذين وجّهوا الدعوة للإمام، مجموعة من المنافقين الذين كان هدفهم توجيه ضربة للإمام. كانوا يرغبون استدراج الإمام وأصحابه إلى الكوفة ليتمّ قتلهم, وبذلك يحطّمون سدّاً من السدود الواقفة في مواجهة يزيد. لذلك تحدّث الإمام ليلة العاشر وقال: "إنّما يطلبونني وقد وجدوني، وما كانت كتب من كتب إليّ في ما أظنّ إلّا مكيدة لي وتقرّباً إلى ابن معاوية بي"[31]
لقد قام هؤلاء بدورٍ بارزٍ في تغيير مسار الثورة.
ماضي الأحداث المريرة
قدّم أهل الكوفة الكثير من القتلى في الأحداث المختلفة ومن جملتها حروب: الجمل، صفّين, والنهروان، حيث ترك هذا الأمر آثاراً معنويّة عديدة, وما زالت آثار تلك الأحداث ورواسبها النفسيّة ماثلة أمام أعينهم. يضاف إلى ذلك أنّ زياد بن أبيه عندما أصبح والياً على الكوفة, عامَ خمسين, تعرّض لأتباع أهل البيت بالتعذيب والقتل والنفي. ولعلّ هذه الذكريّات المريرة كانت من الأمور التي جعلت أهل الكوفة جادين في الابتعاد عن الأحداث الخطيرة؛ لأنّهم كان يحذرون الشاميّين ويخشونهم؛ لذلك وبمجرّد انتشار خبر قدوم أهل الشام تفرّق أهل الكوفة عن مسلم بعد أن كانوا يحاصرون القصر.
وفي الأحداث المريرة السابقة قُتل الكثير من المضحّين الحقيقيّين الذين لم يكتفوا بمجرّد الشعارات فقط. استشهد البعض منهم في زمان الإمام عليّ عليه السلام ثمّ تعرّض معاوية بعد شهادة الإمام عليه السلام لشيعته ولا سيّما شيعة الكوفة. والبعض الآخر منهم استشهد في مدّة العشرين سنة أو أنّهم هاجروا إلى أماكن أخرى. لذلك فإنّ عدداً قليلاً من هؤلاء المخلصين المستعدّين للشهادة كان قد بقي حتّى زمان الإمام الحسين عليه السلام.
حضور أهل الكوفة في جيش ابن زياد
يتحدّث التاريخ عن عمر بن سعد في كربلاء طلب إلى بعض قادة القبائل الذين كتبوا للإمام الحسين عليه السلام ، الذهاب إليه والاستعلام منه عن سبب قدومه والهدف منه، إلّا أنّ الحياء كان يمنعهم من الذهاب على أساس أنّهم كتبوا له[32]
وقد خاطب الإمام الحسين عليه السلام العدوّ بهذا المضمون: يا شبث بن ربعيّ, يا حجّار بن أبجر, يا قيس بن الأشعث, يا يزيد بن الحارث, ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب، وإنّما تقدم على جند لك مجند؟[33]ماذا لم يفِ أهل الكوفة بالبيعة, بل لم يكتفوا بذلك حتّى حاربوا الإمام عليه السلام ؟ لعلّ الأجدر بهم أن يجلسوا في بيوتهم- على الأقل- فلا يهبّوا لمساعدة عدوّ الإمام عليه السلام.
أمّا الجواب عن هذا السؤال فيتطلّب الإشارة إلى عدد من النقاط المهمّة:
أ- بالإضافة إلى أنّنا لا نمتلك دليلا ًعلى تهافت جميع الكوفيّين باختيارهم للحضور في جيش عمر بن سعد، فإنّ المصادر التاريخيّة تؤكّد أنّ ابن زياد أجبر الناس على الحضور في جيشه[34]وقد أمر الجميع بالتحرّك مع الجيش وأعلن أنّ ذمّته بريئة ممّن يتخلّف عنه. بعد ذلك, أمر بعض جنوده بالتجوال في المدينة والطلب من الناس الإسراع للحضور مع الجيش وتحذيرهم من عواقب التخلّف[35]
بعد ذلك أمر ابن زياد سويد بن عبد الرحمن النقريّ, مع عدد من الأشخاص بالتجوال في الكوفة وإحضار كلّ متخلّف. وقد وجد هؤلاء رجلاً شاميّاً حضر الكوفة لتحصيل مال إرث له، فجاءوا به إلى ابن زياد الذي أمر بقطع عنقه[36]
لم يبق في الكوفة أيّ شخص بالغ، فخرج الجميع منها تحت عنوان جيش ابن زياد[37]لعلّ في هذا الأمر شيئاً من المبالغة, إلّا أنّه يحكي عن أوج تخلّف الناس وقعودهم عن النصرة.
من غير المعقول أن ينقلب الناس إلى مستوى كبير ضدّ الإمام ومسلم، وهم كانوا قبل أيّام معدودة من المدافعين عنهما! ومن هنا ندرك أنّ في الأمر حالة إجبار. التقى الإمام الحسين عليه السلام, في الطريق, عدداً من الأشخاص القادمين من الكوفة. وعندما سأل عن أحوال أهل تلك المدينة أجاب مجمع بن عبد الله: إنّ أفئدتهم تهوي إليك, وسيوفهم غداً مشهورة عليك[38] وقد يُفهم من هذا الجواب وجود حالة من الإجبار.
الشاهد الآخر على حالة الإجبار التي تعرّض لها أهل الكوفة، أنّ من بين كلّ ألف شخص خرج من الكوفة كان يصل منهم, إلى مقصده, ثلاث مائة أو أربعمائة شخص فقط، وكان الباقي يفرّ من الجيش في أثناء الطريق[39].
يقول الدينوريّ: "وكان ابن زياد إذا وجه الرجل إلى قتال الحسين في الجمع الكثير, يصلون إلى كربلاء ولم يبق منهم إلّا القليل, كانوا يكرهون قتال الحسين فيرتدعون ويتخلّفون"[40].
وإذا أخذنا بعين الإعتبار الجوّ المضطرب الذي أوجده عبيد الله، ندرك حينها أهميّة انفصال أهل الكوفة عن جيش عبيد الله.
بناءً على ما تقدّم, فأغلب أهل الكوفة حضروا بالإجبار في جيش عبيد الله, وتمكّن العدد الكبير منهم من الانفصال عنه أثناء الطريق. أمّا الذين تابعوا المسير مع جيش العدوّ حتّى النهاية، فلا عذر لهم في عملهم, بل هم مقصّرون ومذمومون. وكذلك فإنّ الذين انفصلوا عن جيش عبيد الله, وكان بإمكانهم الإلتحاق بالإمام عليه السلام ولم يفعلوا ذلك، مذمومون أيضاً. وعلى هذا الأساس, لم يكن كافّة أهل الكوفة قد شهروا السيوف بوجه الإمام.
ب - لم يكتفِ عبيد الله بإجبار الناس على الإلتحاق بجيشه، بل كان شديد المراقبة والملاحقة لئلّا يلتحق أحد بالإمام عليه السلام[41].
وعندما وصل الإمام عليه السلام إلى كربلاء قام حبيب بن مظاهر وطلب من بني أسد نصرة الإمام, فقبلوا ذلك. وعندما وصل الخبر إلى عمر بن سعد أرسل مجموعة تمنع بني أسد من الإلتحاق بالإمام عليه السلام حيث رجع بنو أسد إلى ديارهم[42]. ومع ذلك تمكّن بعض أهل الكوفة من الإلتحاق بالإمام عليه السلام واستشهدوا في كربلاء، ويبدو أنّ عدد الذين كانوا سيلتحقون بالإمام عليه السلام كان كبيراً لولا الإجراءات التي قام بها ابن زياد.
أشرنا إلى أنّ أغلب أهل الكوفة قد فرّوا من جيش عبيد الله في وسط الطريق, وأمّا الأرقام التي يتحدّث بها البعض والتي تشير إلى عدد جنوده, فإمّا فيها شيء من المبالغة, أو أنّها تعود إلى مرحلة بداية الحركة من الكوفة. فمن المستبعد أن يكون جيش عبيد الله في كربلاء قد تجاوز عشرة آلاف شخص.
بناءً على ما تقدّم, فأغلب محاربي الكوفة, إمّا أنّهم اختفوا ولم يحضروا في جيش عبيد الله, أو أنّهم قد انفصلوا عنه في الطريق. هنا يجب الدقّة لمعرفة طبيعة الأشخاص الذين كتبوا للإمام عليه السلام ولمعرفة الأشخاص الذين حاربوه، ومن هم الذين قام أهل البيت عليه السلام بمذمّتهم. ليس من الصحيح أنّ كلّ الذين كتبوا للإمام عليه السلام وقفوا مع العدوّ. نعم من المسلّم به أنّ هناك عدداً معيناً من الذين دعوه بقي مع العدوّ حتّى النهاية. والشاهد على أنّ أهل الكوفة لم يشاركوا بأجمعهم, في الحرب ضدّ الإمام عليه السلام بل القليل منهم من فعل ذلك، هو ثورة أهل الكوفة ثأراً للإمام عليه السلام حيث حصلوا على نتائج مهمّة في تلك المرحلة. فإذا كان الجميع قد حارب ضدّ الإمام، فمن هو الذي سيُنتقم منه؟
ج- أشرنا إلى وجود بعض المنافقين من الذين كتبوا للإمام عليه السلام حيث شكّل البعض منهم مجموعة من المقرّبين من عمر بن سعد.
د- من الممكن أن يكون البعض قد رافق عمر بن سعد بهدف المشاهدة فقط, وذلك انطلاقاً من الجهل الذي كان يحيط به. هؤلاء مقصّرون أيضاً، لأنّ أقلّ ما يترتّب على ذلك هو رفع مستوى جيش ابن سعد وترك آثار سلبيّة على معنويّات الطرف المقابل، وإن كان أصحاب الإمام عليه السلام بعيدين كلّ البعد عن التزلزل.
هـ- يلاحظ في الحركات الثوريّة عادةً وجود حالات استغلال للفرص. بعد خسارة الثوّار يحاول بعض من شارك في الثورة, التصرّفَ بشكل مفرط مستعملين القوّة وبشكل إفراطيّ, لإبعاد تهمة مساعدة القوى الثوريّة, عن أنفسهم، أو لإثبات أنّهم قد تخلّوا عن تاريخهم الثوريّ؛ لذلك فمن المحتمل التحاق بعض الأشخاص بجيش عمر بن سعد, بعد فشل ثورة مسلم, لإبعاد تهمة مساعدة مسلم وللحصول على بعض المنافع الخاصّة.
و- قد تكون الحرب عند بعض المحاربين ذات بعد ماديّ صرف, حيث يكون هدفهم المال والغنائم، فتكون حروبهم بعيدة عن الأسس العقائديّة. عندما أراد عبيد الله تعبئة الناس للحرب ضدّ الإمام عليه السلام تحدّث في مسجد الكوفة, وأعلن أمام الجميع بأنّ يزيد أرسل له أن ينفق بين الناس أربعة آلاف دينار ومائتي ألف درهم للمشاركة في الحرب ضدّ الحسين بن عليّ عليه السلام[43].
المبالغات والاتهامات غير المقبولة
المعروف أنّ الكوفة مدينة يسكنها الشيعة وقد قدّم أهلها خدمات جليلة نصرة للتشيّع. من جهة أخرى فإنّ التاريخ, في القرون الأولى, دوّنه له غير الشيعة, الذين كانوا تابعين لبني أميّة وبني العبّاس, حيث كانوا يحملون الكثير من الكراهية لأهل الكوفة. والظاهر أنّ عدم وفاء أهل الكوفة أحاط به الكثير من المبالغات, حيث تُضرب الأمثال في عدم وفائهم من دون أيّ ذكر للدور الذي قاموا به, والخدمات التي قدّموها.
ينقل التاريخ أنّه عندما التقى الفرزدق بالإمام الحسين عليه السلام في الطريق أخبره بأنّ أهل الكوفة قلوبهم معك وسيوفهم عليك، فقال له الإمام:
"يا فرزدق، إنّ هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد في الأرض، وأبطلوا الحدود وشربوا الخمور، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين"[44]. الإشكال الأوّل الذي يحمله هذا النقل هو: لماذا أجاب الإمام دعوة من لزم طاعة الشيطان والمفسدين في الأرض, وشاربي الخمور والغاصبين؟! الإمام لا يرضى بأشخاص كهؤلاء على الإطلاق. من جهة أخرى فإنّ التاريخ يشهد على عدم صحّة هذه الاتهامات لأهل الكوفة. وقد نُقل كلام الإمام في مكان آخر بشكل مختلف عن الأوّل, وأكثر منطقيّة ومعرفة بواقع المجتمع:
"الناس عبيد المال والدّين لعق عن ألسنتهم، يحوطونه ما درّت به معايشهم فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون"[45].
الأمور التي تحدّث بها الإمام غير مختصّة بأهل الكوفة بل تصدُق على كافّة الناس. وقد نُقل كلام آخر عن الإمام, عند لقائه الفرزدق, لا يتنافى مع العبارات الأخيرة, حيث من الممكن أن تكون تلك الكلمات قد صدرت عنه أيضاً.
فمن ناحية, نجد أنّ التاريخ في القرون الأولى قد خطّته أيدي أتباع الحكومة, ومن ناحية أخرى نرى أنّ حادثة عاشوراء, منذ عصر الصفويّة وما بعد ذلك, بدأ الاهتمام بها بعنوان كونها حادثة عاطفيّة حزينة، وبما أنّ خبر عدم وفاء أهل الكوفة يساهم في تحريك العواطف, فقد اهتمّوا به وأولوه عناية خاصّة.
وقد أشرنا إلى أنّ من بين الذين دعوا الإمام, هناك مجموعة من غير الصادقين, ولكن عند الحديث عن أهل مدينة معيّنة, يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عموم الناس, وليس مجموعة خاصّة.
النتيجة
إنّ عدم الإنصاف في الحديث عن أهل الكوفة التي يشكّل الشيعة عمدة ساكنيها, أدّى إلى رسم صورة عنهم تتمحور حول دعوتهم للإمام الحسين عليه السلام للحضور بهدف تشكيل حكومة, ثمّ ندموا على ذلك, بعد قبوله من غير حصول أمر مهمّ، فتفرّقوا عن مسلم، لا بل ساعدوا في قتل الإمام عليه السلام وأصحابه.
لقد عمل أهل الكوفة حسب الظروف التي كانت موجودة بشكل منطقيّ, في مسألة دعوة الإمام والبيعة لمسلم، إلّا أنّهم كانوا لا يتوقّعون حضور عبيد الله وممارساته القمعيّة. إنّ أيّ مجتمع آخر مكان أهل الكوفة كان سيقع منه عادة ما وقع من أهل الكوفة من الانهزام والتقهقر. وعند وصول الرسائل من الكوفة إلى الإمام عليه السلام أرسل سليمان أيضاً إلى البصرة حيث دعا الناس لنصرة الإمام، إلّا أنّ أمراً لم يحصل هناك[46]. وهكذا لم نشهد, في أيّ مدينة أخرى, أيّ حركة ذات أهميّة في نصرة الإمام الحسين عليه السلام. وعلى الرغم من أنّ حركة كبيرة قد ظهرت في الكوفة, وإن لم تصل إلى النتائج المطلوبة، فإنّ أكبر اللوم والذمّ قد سجّل باسم أهل الكوفة.
بناءً على بعض الأسباب والعوامل الظاهريّة يمكن الوصول إلى النتيجة الآتية وهي: أنّه لو لم يأت عبيد الله بن زياد وبقي النعمان بن بشير والياً على الكوفة, لكان عاجزاً عن مواجهة الثورة الشعبيّة, ولتمكّن الإمام الحسين عليه السلام بعد مجيئه إلى الكوفة من تشكيل حكومة إسلاميّة والوصول إلى نتيجة محمودة.
صحيح أنّ بعض أهل الكوفة, بسبب عدم التحاقهم بالإمام عليه السلام وقد كانوا قادرين على ذلك لا سيّما من شارك في القتال ضدّ الإمام عليه السلام هم مورد ذمّ ولوم, إلّا أنّ هؤلاء الأشخاص لم يكونوا أشخاصاً استثنائيّين, أو أصحاب خصائص لا توجد في غيرهم. إنّ الظروف التي سيطرت على الكوفة لو وجدت في أيّ مكان آخر لكانت تركت الأثر نفسه الذي تركته في الكوفة, كما أنّ العديد من وجوه الشبه موجودة بين الحركة الثوريّة لأهل الكوفة والحركات الثوريّة الأخرى التي حصلت في أماكن أخرى. وليس ببعيد أن تشمل شفاعة الإمام الحسين عليه السلام يوم القيامة بعض الذين كتبوا له من أهل الكوفة، من الذين تخلّوا عنه تحت ضغط عبيد الله, ولكنّهم لم يشاركوا في جيش عمر بن سعد, وذلك على الرغم من كونهم مخطئين. ولو نظرنا بعين الانصاف, فالعجب ليس من هؤلاء الناس, بل العجب من أشخاص كحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وأبي ثمامة الصائديّ, كيف تمكّنوا من الثبات حتّى الرمق الأخير!
في الختام نشير إلى مقطع للمرحوم حجّة الإسلام الدكتور محمّد إبراهيم آيتي بعنوان مؤيّد للتحليل المتقدّم: "مرّت قرون متعدّدة والكثير من الناس يوجّهون اللوم لأهل الكوفة بسبب عدم وفائهم بالعهود, وكما يرسلون السلام والتحيّات إلى أصحاب الإمام عليه السلام الأوفياء, فإنّهم يرسلون اللعن على من وعد الإمام بالنصر وعاهده على المضيّ معه ثمّ تخلّى عن العهود والمواثيق, بل وشهروا السيوف أيضاً في وجهه حتّى قتلوه. إلّا أنّ الإنصاف يقتضي القول إنّ أهل الكوفة لم يتصرّفوا خلافاً للمعتاد ممّا يوجب الحيرة، وإنّ كلا عمليهما كان طبق القاعدة: سواء تلك الرسائل التي كتبوها, أو السيوف التي رفعوها بوجه الإمام"[47]. [48].
[1] السيّد حسن فاطميّ موحّد.
[2] الإحتجاج، ج 2، ص 17.
[3] مثير الأحزان، ص 25.
[4] تذكرة الخواصّ، ص 237.
[5] الإرشاد، ج 2، ص 69، بحار الأنوار، ج 44، ص 370.
[6] تاريخ مدينة دمشق، ج 14، ص 203، بغية الطلب في تاريخ حلب، ج 6، ص 2604، البداية والنهاية، ج 8، ص 161، مثير الأحزان، ص 25.
[7] تاريخ الطبريّ، ج 3، ص 144 145.
[8] راجع: حياة الإمام الحسين ، ج 2، ص 432 445.
[9] شرح نهج البلاغة، ج 13، ص 167.
[10] تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 354، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 535، الإرشاد، ج 2، ص 12، روضة الواعظين، ص 192، مناقب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 91، إعلام الورى، ج 1، ص 137، ص 334، الفتوح، ج 5، ص 35، مقتل الحسين، الخوارزميّ، ج 1، ص 198، أنساب الأشراف، ج 2، ص 335، تسلية المجالس، ج 2، ص 178، بحار الأنوار، ج 11.
[11] الفتوح، ج 5، ص 34، تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 318 و 354، الإرشاد، ج 2، ص 12، روضة الواعظين، ص 192، إعلام الورى، ج 1، ص 137، تهذيب الكمال، ج 4، ص 123، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 535، تهذيب التهذيب، ج 1، ص 591، البداية والنهاية، ج 8، ص 152، مقتل الحسين ، الخوارزميّ، ج 1، ص 198، تسلية المجالس، ج 2، ص 178، بحار الأنوار، ج 11، ص 334.
[12] المحاسن والمساوئ، ص 59، العقد الفريد، ج 3، ص 341، الإمامة والسياسة، ج 2، ص 8، المحن، ص 111، جواهر المطالب، ج 2، ص 245.
[13] تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 358، الإرشاد، ج 2، ص 13، روضة الواعظين، ص 192، إعلام الورى، ج 1، ص 137، البداية والنهاية، ج 8، ص 152، بحار الأنوار، ج 11، ص 310.
[14] تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 357، أنساب الأشراف، ج 2، ص 335، البداية والنهاية، ج 8، ص 157، الفتوح، ج 5، ص 37، مثير الأحزان، ص 27.
[15] تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 358.
[16] الطبقات الكبرى، الطبقة الخامسة من الصحابة، ج 1، ص 459.
[17] الأخبار الطوال، ص 232، تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 358، أنساب الأشراف، ج 2، ص 334، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 534، مقاتل الطالبيّين، ص 100، مقتل الحسين ، الخوارزميّ، ج 1، ص 200، البداية والنهاية، ج 8، ص 153، الإرشاد، ج 2، ص 11، إعلام الورى، ج 1، ص 138، بحار الأنوار، ج 11، ص 311، الملهوف، ص 111.
[18] تاريخ الطبريّ، ج 4، ص 275، الإرشاد، ج 2، ص 50 51.
[19] مروج الذهب، ج 3، ص 69.
[20] راجع: تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 378.
[21] ترجمة الإمام الحسين ومقتله، ص 69.
[22] أنساب الأشراف، ج 2، ص 334 338 و ج 3، ص 382، تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 359 105، مطالب السؤول، ص 71، كشف الغمّة، ج 2، ص 255، الفصول المهمّة، ص 183، الإرشاد، ج 2، ص 11 72، إعلام الورى، ج 1، ص114-138، روضة الواعظين، ص 193 194، الفتوح، ج 5، ص 50 82، الأخبار الطوال، ص 115 213، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 534 553، البداية والنهاية، ج 8، ص 153 173، مثير الأحزان، ص 32 و 11، مقاتل الطالبيّين، ص 100 105، مروج الذهب، ج 3، ص 47، تهذيب الكمال، ج 4، ص 121، تهذيب التهذيب، ج 1، ص 591، سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 307، الإصابة، ج 2، ص 70، تذكرة الخواصّ، ص 211، أمالي، شجريّ، ج 1، ص 190، الحدائق الورديّة، ج 1، ص 115، بحار الأنوار، ج 11، ص 311 371، مناقب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 91 93، مقتل الحسين، الخوارزميّ، ج 1، ص 204 208، المختصر في أخبار البشر، ج 1، ص 189 190، الملهوف، ص 119.
[23] تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 362.
[24] الإرشاد، ج 2، ص 51، أنساب الأشراف، ج 2، ص 338، مروج الذهب، ج 3، ص 47، تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 350، تهذيب الكمال، ج 4، ص 124، تهذيب التهذيب، ج 1، ص 591، الإصابة، ج 2، ص 70، بحار الأنوار، ج 11، ص 318، إعلام الورى، ج 1، ص 111، سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 307، تذكرة الخواصّ، ص 212، الحدائق الورديّة، ج 1، ص 115، البداية والنهاية، ج 8، ص 151، مناقب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 92.
[25] أنساب الأشراف، ج 2، ص 338، تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 349، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 510، روضة الواعظين، ص 193، مقاتل الطالبيّين، ص 193، المختصر في أخبار البشر، ج 1، ص 189.
[26] تجارب الأمم، ج 2، ص 77.
[27] كشف الغمّة، ج 2، ص 244.
[28] تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 352، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 533، الإرشاد، ج 2، ص 34، مناقب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 89، روضة الواعظين، ص 190، بحار الأنوار، ج 11، ص 332، الإمامة والسياسة، ج 2، ص 7، إعلام الورى، ج 1، ص 134، الفتوح، ج 5، ص 27، مقتل الحسين ، الخوارزميّ، ج 1، ص 193، الملهوف، ص 102، مثير الأحزان، ص 25.
[29] تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 392.
[30] أنساب الأشراف، ج 3، ص 382.
[31] المصدر نفسه، ص 393.
[32] تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 41، راجع: إعلام الورى، ج 1، ص 451.
[33] تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 121، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 541، البداية والنهاية، ج 8، ص 178، الإرشاد، ج 2، ص97، إعلام الورى، ج 1، ص 158، بحار الأنوار، ج 15، ص 4، أنساب الأشراف، ج 3، ص 394، المنتظم، ج 5، ص 339، تذكرة الخواصّ، ص 251.
[34] الأخبار الطوال، ص 251، بغية الطلب في تاريخ حلب، ج 4، ص 2424، أنساب الأشراف، ج 3، ص 384، الطبقات الكبرى، الطبقة الخامسة من الصحابة، ج 1، ص 144.
[35] أنساب الأشراف، ج 3، ص 386.
[36] الأخبار الطوال، ص 254.
[37] أنساب الأشراف، ج 3، ص 386.
[38] أنساب الأشراف، ج 3، ص 382، تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 105، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 553، البداية والنهاية، ج 8، ص 173، مثير الأحزان، ص 11.
[39] أنساب الأشراف، ج 3، ص 386.
[40] الدينوريّ, الأخبار الطوال, ص 254.
[41] أنساب الأشراف، ج 3، ص 384، الإرشاد، ج 2، ص 72، روضة الواعظين، ص 194، بحار الأنوار، ج 11، ص 371.
[42] أنساب الأشراف، ج 3، ص 338، الفتوح، ج 5، ص 90، مقتل الحسين، الخوارزميّ، ج 1، ص 213، تسلية المجالس، ج 2، ص 240، بحار الأنوار، ج 11، ص 384.
[43] الفتوح، ج 5، ص 89.
[44] تذكرة الخواصّ، ص 240.
[45] كشف الغمة، ج 2، ص 244.
[46] تاريخ الطبريّ، ج 5، ص 357، أنساب الأشراف، ج 2، ص 335، البداية والنهاية، ج 8، ص 157، الفتوح، ج 5، ص 37، مثير الأحزان، ص 27.
[47] دراسة تاريخ عاشوراء، ص 61.
[48] نلفت نظر القارئ الكريم أنّ ما جاء من تحليل في هذه المقالة, يمثّل وجهة نظر صاحبها, وعهدته على مدّعيه,وكذلك سائر المقالات المتقدمة, وما احتوته من آراء ونظريات خاصًة. ( معهد سيد الشهداء ).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|