أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-08-2015
1263
التاريخ: 5-07-2015
760
التاريخ: 20-11-2014
799
التاريخ: 20-11-2014
1010
|
حكي عن أبي عليّ أنّ [الخاطر] اعتقاد أو ظنّ، وذهب أبو هاشم إلى أنّه كلام خفيّ يفعله اللّه تعالى أو ملك داخل سمع المكلّف، كالوسوسة وكما يكلّم المرء نفسه.
فأمّا ما يتضمّنه، فانّ أبا عليّ لم يوجب التنبيه على
أمارة الخوف بل قال:
يكفي أن يخطر الإنسان ويلقى إليه: لا نأمن إن لم ننظر ان
نستحقّ العقاب، ولكنه أوجب التنبيه على مراتب الأدلة وأمّا أبو هاشم فانّه قال: لا
بدّ من أن يتضمّن الخاطر أمارة الخوف من ترك النظر، لأنّ الخوف من دون أمارة يكون
من جنس خيالات أصحاب الجنون والسوداء فلا يكون له حكم، ألا ترى أنّ العاقل لا يخاف
من سقوط حائط محكم مستقيم غير مائل، وإنّما يخاف من سقوط المائل من الحيطان. فعلى
هذا إنما يخاف العاقل ضرر العقاب في ترك النظر ويرجو عدم ضرر العقاب بفعل النظر
خوفا ورجاء معتدّا بهما، بحيث يكون لهما حكم إذا كان خوفه ورجاؤه حاصلين عند
الأمارة.
فيجب أن يتضمّن الخاطر التنبيه على أمارات ثبوت الصانع،
وأمارة استحقاق العقاب منه إن لم ينظر وفعل ما يسخطه ، وأمارة عندها يرجو زوال
الخوف بالنظر ليخاف من ترك النظر.
وأمارة استحقاق العقاب على القبيح والإخلال بالواجب هي
استحقاق الذمّ عليهما ، لأنّ ما يستحقّ عليه الذمّ مع انّه مؤذ مضرّ لا يؤمن أن
يستحقّ عليه ضرر زائد هو العقاب.
وأمارة إثبات الصانع هي آثار الصنعة الظاهرة في العالم
التي يستدلّ بها عليه تعالى . فهي قبل الاستدلال بها أمارات لائحة لإثبات الصانع
جلّ وعزّ، إذا العقل يقضي في تلك الآثار بأنّ الأرجح أن يكون لها صانع ومدبّر.
وأمارة زوال الخوف بالنظر هي ما قد استقرّ في العقل من
أنّ الإنسان بالبحث والفحص والتفكّر يكون أقرب إلى الاطلاع والوقوف على حقائق
الأمور.
وأوجب أبو هاشم التنبيه على هذه الأمارات، ولكنّه لم
يوجب التنبيه على مراتب الأدلّة، على ما أوجبه أبوه أبو عليّ، قال: لأنّ الإنسان
بكمال عقله يعلم أنّ معرفة الصانع بأن تستدرك من الصنعة أولى من أنّ تستدرك من
الحساب والهندسة، فإذا خطر بباله الصانع للعالم جوّز أن يكون له صانع وغلب على
ظنّه ذلك لما يرى من آثار الصنعة، ويتلو هذا خوفه أن يكون قد أراد منه شيئا وسخط
منه شيئا وأنّه يستحقّ أن يعاقبه على ما يسخط لعظيم إنعامه عليه ويعلم أنّه إذا
علم أنّ له صانعا يجازيه على القبيح والإخلال بالواجب كان أبعد منهما خوفا من
المضرّة، وقد علم أنّ معرفة الصانع بأن تطلب وتستدرك من طريق صنائعه وأفعاله أولى
من أن تطلب من طريق آخر كهندسة أو حساب. فعند ذلك يخاف من ترك النظر ويعلم وجوب أن
ينظر فيما يراه من آثار الصنعة وتحقق به أنّها هل هي محدثة مصنوعة فتفتقر إلى
صانع، أم هي قديمة موجودة بذواتها مستغنية عن موجد وصانع.
ثمّ ينقله عقله من مرتبة إلى مرتبة، كأن يقول له: وإذا
عرفت أنّ لها صانعا وموجدا فهل هو فاعل مختار مؤثّر على طريق الصحّة؟ ليكون له رضا
فيطلب، وسخط فيتجنّب ؟ أو هو موجب لا يتصوّر فيه رضا ولا سخط. ثم يقول: وهل هو عالم
فيعلم ما أقدم عليه وما امتنع منه فيجازيني بحسب ما يعلمه منّي من الإقدام والإحجام.
وهكذا ينقله إلى مرتبة مرتبة، فهذه امور يتبع بعضها بعضا إذا خطر على قلب العاقل
الصانع ولا يحتاج في جميعها إلى تنبيه ...
فإن فرضنا في بعض العقلاء أنّه لا يتنبّه على بعض هذه
المراتب ولا يخطر له بعض هذه الأمور بالبال لبعد في فطنته أو لغموض في مواضع، فذلك
هو الذي يجب أن ينبّه على ما لا يتنبّه عليه ولا يخطر له بالبال ويجب عليه أن يسأل
غيره ليوضح له ما أشكل عليه ويسهّل عليه طريقه. فإن لم يظفر بغيره وقد كلّفه اللّه
تعالى فعل العلم عقيب ذلك الوقت، فلا بدّ من أنّ ينبهه أو يقيّض من ينبّهه، وإلّا
وجب أن يمهله حتّى يكرّر البحث والنظر، لينتقل من كلّ مرتبة من مراتب الأدلّة التي
تبنى عليها.
وقوّى الشيخ أبو الحسين مذهب أبي هاشم في انّه لا يجب
تنبيه العاقل على مراتب الأدلّة... ولكنّه خالفه في حقيقة الخاطر، وكذا خالف فيها
أبا عليّ، لأنّه قال: «الأولى أنّ خطور الشيء بالبال هو شيء مفرد سوى الاعتقاد،
والظنّ وسوى الكلام، بل هو حصول معنى الشيء في النفس من غير أن يحكم الإنسان فيه
بحكم»، ومعنى قوله: «هو حصول معنى الشيء في النفس» حصول العلم بحقيقة الشيء وكنهه
الذي يسمّيه جماعة تصوّر الشيء، كالعلم بحقيقة الجوهر والسواد وغيرهما من الأجناس
والأنواع، وهذا قويّ.
فعلى هذا الخاطر
في مسألتنا هذه هو العلم بحقيقة الصانع والثواب والعقاب، ولا أعني به العلم بثبوت
الصانع وثبوت استحقاق الثواب والعقاب، بل العلم بأنّ كلّ واحد من هذه الامور ما هو
فإذا علم العاقل حقائق هذه الامور وعنده أمارات ثبوتها، فيتنبّه لها إمّا من قبل
نفسه، وإمّا بأنّ ينبّهه اللّه تعالى عليها خاف لا محالة، ومعنى تنبيه اللّه تعالى
له إن يذكره إيّاها إذا كان ذاهلا عنها بأن يخلق فيه العلم بها.
وقد جوّز أبو هاشم وأصحابه أن تقوم الكتابة مقام الكلام
الخفيّ الذي جعلوه خاطرا فيمن يحسن قراءة الكتابة وفيمن لا يحسن القراءة إذا كان
عنده من يقرؤها ويبيّن له معناها إن احتاج إلى بيان في معرفة معناها وقد ردّوا على
أبي عليّ بأن قالوا، من يخطر له ما يخوّفه من ترك النظر والمعرفة يجد نفسه
كالمضطرّ إلى ذلك الخاطر ولا يجد لنفسه في ذلك اختيارا. فلو كان الخاطر اعتقادا
لما كان من جهته، بل من جهة اللّه تعالى، لأنّ غير اللّه لا يقدر على أن يفعل في
الغير اعتقادا. فإذا كان من جهته تعالى: فلو لم يكن معتقده على ما تناوله كان جهلا
قبيحا واللّه لا يفعل ما كان ذلك وصفه، وإن كان معتقده على ما تناوله كان علما. ومعلوم
أنّ من يخطر له ما يخوّفه من ترك النظر. والمعرفة ليس حاله حال العالمين القاطعين،
بل حال الشاكرين المجوّزين ولو كان عالما قاطعا ما كان خائفا من ترك النظر.
ولقائل أن يقول: إن كان أبو علي عنى بقوله في الخاطر:
«إنّه اعتقاد»، اعتقاد حقائق هذه الامور والعلم بها ... لا اعتقاد ثبوتها؛ فانّه
لا يتأتى كلامكم عليه، لا انّ العلم بذلك أو الاعتقاد له ليس علما بثبوت الصانع وتحقيق
استحقاق الثواب والعقاب واعتقادا له حتّى يمكنكم أن تقولوا حاله حال المجوّز الشاك
لا حال العالم القاطع، لأنّ شكّه وتجويزه إنّما هو في تحقّق الصانع واستحقاق
الثواب والعقاب وثبوت ذلك، لا في المعرفة بحقائق هذه الامور وقصورها.
كما أنّ أحدنا إذا أخبره من لا يعرف صدقه بأنّ في البيت
الفلانيّ لؤلؤة، فانّه إنّما يشك ويتردّد في ثبوت اللؤلؤة هناك ولا يكون له تردّد
واضطراب في معرفته بحقيقة اللؤلؤة وأنّها ما هي.
ويمكن أن يقال على قولهم: «إن كان معتقد ذلك الاعتقاد
على ما تناوله كان علما، وإن لم يكن على ما تناوله كان جهلا»: إنّ هذا التقسيم
إنّما يرد على الاعتقاد الذي يكون له معتقد، فلم قلتم: إنّ لذلك الاعتقاد معتقدا؟
وأنتم تجوّزون بل تثبتون في الاعتقادات ما لا متعلّق له، وأبو هاشم يصرّح بأنّ علم
الجملة لا معلوم له ولا متعلّق، فإن كان في الوجود اعتقاد أو علم ليس له متعلّق،
فليس ذلك إلّا العلم بحقيقة الجنس أو النوع المطلقين وما أشبههما، إذ ليس للجنس
المطلق وأضرابه وجود خارج العقل والذهن حتّى يجعل متعلّق العلم به، وإذا لم يثبت
أنّ لذلك الاعتقاد معتقدا كيف يمكن أن يقال: إن لم يكن معتقده على ما تناوله كان
جهلا وإن كان على ما تناوله كان علما.
فإن قيل: أليس واحد منّا إنّما يستفيد العلم بالجنس
الكلّي المطلق من علمه بالجزئي المعيّن الداخل تحته كعلمه بالسواد المطلق مثلا،
فانّه إنّما يحصل عند إدراكه لسواد معيّن وعلمه به حتّى يعلم أنّ الأكمه لا يعرف
حقيقة السواد لمّا لم يدرك سوادا معيّنا ولم يعرفه، والبصير منّا إذا أدركه وعرفه
عند ذلك يستفيد العلم بالسواد المطلق. وإذا كان كذلك أمكن أن يقال: اعتقاده الجنس
أو النوع إما أن يكون مطابقا للمعيّن الذي منه استفادة فيكون علما، وإمّا أن لا
يكون مطابقا له، فيكون جهلا.
قلنا: العلم بالجنس وإن حصل فينا عند العلم بالمعيّن،
على ما ذكر في السؤال، فانّه غير متعلّق بالمعيّن، وإنما العلم بالمعيّن طريقه، وبيان
ذلك أنّ ذلك المعيّن قد ينعدم ويبطل وعلمه بالجنس المطلق يكون بحاله غير متغيّر.
ثمّ يقال لهم: ولم قلتم إنّه إن كان معتقده على ما
تناوله كان علما ؟ أليس التبخيت وتقليد المحقّ متناول كلّ واحد منهما على ما
تناوله ومع ذلك ليسا علمين؟
أمّا قولهم: «إنّه كان يكون من فعل العالم بمعتقده، والاعتقاد
إذا كان معتقده على ما تناوله وكان من فعل العالم بمعتقده كان علما»، فقد اعترضه
أبو الحسين وقال: «أيّ تأثير لكونه من فعل العالم بمعتقده في كونه علما وما يجعل
مؤثرا في حكم وجب أن يكون له وجه معقول؟».
قالوا: ولا يجوز أن يكون ظنّا، لأنّه لو كان ظنّا لم يخل
من أن يكون مظنونه على ما تناوله كان ظنّا خطأ، فلا يجوز أن يكون من فعله تعالى، وقد
بيّنا أن الخاطر ليس من فعل من يخطر له؛ وإن كان مظنونه على ما تناوله لم يكن خطأ.
و لكنّه لا يكون له حكم إلّا إذا كان حاصلا عن أمارة والأمارة
مستحيلة عليه تعالى.
ولقائل أن يقول: الأمارة ينبغي أن تكون حاصلة للظانّ، والظانّ
بالظنّ الذي فرض وقوعه منه تعالى إنّما هو صاحب الخاطر، فعلى هذا يجب أن يكون
للمكلّف الذي هو صاحب الخاطر أمارة لأنّه الظانّ. وكذلك نقول: فأمّا حصول الأمارة
لفاعل الظّن وإن لم يكن ظانّا بذلك الظنّ فغير مسلّم.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|