المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4878 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



الآيات والروايات التي تدلّ على حسن التكاليف وكونها معلّلة ...  
  
971   03:36 مساءاً   التاريخ: 6-08-2015
المؤلف : محمد جعفر الاسترآبادي المعروف بــ(شريعتمدار)
الكتاب أو المصدر : البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة
الجزء والصفحة : ص399-406/ج2
القسم : العقائد الاسلامية / العدل / التكليف /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-07-2015 1168
التاريخ: 20-11-2014 3196
التاريخ: 10-4-2018 879
التاريخ: 1-12-2018 846

قال الله تعالى : {مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وقال الله تعالى : {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وقال تعالى : {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ } [الأنبياء: 16] وقال تعالى : {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ } [الدخان: 38] {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص: 27]

وقال تعالى : {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الجاثية: 22].

وعن مولانا الحسين بن عليّ عليه السلام أنّه قال : « أيّها الناس! إنّ الله ـ جلّ ذكره ـ ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه » فقيل له: ما معرفة الله عزّ وجلّ؟ فقال : « معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي يجب عليهم إطاعته » (1).

يعني أنّ معرفة الله لا تتمّ إلاّ بمعرفة إمام الزمان ، أو لا تنفع إلاّ بها ، ولا تحصل إلاّ بها ؛ لأنّه السبيل إلى الله تعالى.

وعن الصادق عليه السلام أنّه قال : « إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى ، بل خلقهم لإظهار قدرته ، وليكلّفهم طاعته ، فيستوجبوا بذلك رضوانه ، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ، ولا ليدفع بهم مضرّة ، بل خلقهم لنفعهم ويوصلهم إلى نعيم الأبد » (2).

وعن الصادق عليه السلام أنّه قال : « لم يجعل شيئا إلاّ لشيء » (3).

وفي الحديث القدسيّ : « كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف » (4).

وفي « البحار » في باب التوحيد عن المفضّل عن مولانا الصادق عليه السلام قال عليه السلام: « نبتدئ يا مفضّل بذكر خلق الإنسان ، فاعتبر به فأوّل ذلك ما يدبّر به الجنين في الرحم وهو محجوب في ظلمات ثلاث : البطن وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة حيث لا حيلة عنده في طلب غذاء ، ولا دفع أذى ، ولا استجلاب منفعة ، ولا دفع مضرّة ؛ فإنّه يجري إليه من دم الحيض ما يغذوه كما يغذو الماء النبات فلا يزال ذلك غذاءه حتّى إذا كمل خلقه واستحكم بدنه وقوي أديمه على مباشرة الهواء ، وبصره على ملاقاة الضياء ، هاج الطلق بأمّه فأزعجه أشدّ إزعاج وأعنفه حتّى يولد ، وإذا ولد صرف ذلك الدم ـ الذي كان يغذوه من دم أمّه ـ إلى ثدييها ، فانقلب الطعم واللون إلى ضرب آخر من الغذاء وهو أشدّ موافقة للمولود من الدم ، فيوافيه في وقت حاجته إليه ، فحين يولد قد تلمّظ وحرّك شفتيه طلبا للرضاع ، فهو يجد ثديي أمّه كالإدواتين المعلّقتين لحاجته ، فلا يزال يغتذي باللبن ما دام رطب البدن ، رقيق الأمعاء ، ليّن الأعضاء حتّى إذا تحرّك واحتاج إلى غذاء فيه صلابة ليشتدّ ويقوي بدنه ، طلعت له الطواحن من الأسنان والأضراس ليمضغ به الطعام فيلين عليه ويسهل له إساغته ، فلا يزال كذلك حتّى يدرك ، فإذا أدرك وكان ذكرا طلع الشعر في وجهه ، فكان ذلك علامة الذكر وعزّ الرجل الذي يخرج به من حدّ الصبا وشبه النساء ، وإن كانت أنثى يبقى وجهها نقيّا من الشعر لتبقى لها البهجة والنضارة التي تحرّك الرجال ؛ لما فيه من دوام النسل وبقائه » إلى أن قال المفضّل : يا مولاي فقد رأيت من يبقى على حالته ولا ينبت الشعر في وجهه وإن بلغ حال الكبر؟ فقال عليه السلام :

« ذلك بما قدّمت أيديهم ، وأنّ الله ليس بظلاّم للعبيد ـ إلى أن قال ـ : ولو كان المولود يولد فهما عاقلا ، لأنكر العالم عند ولادته ، ولبقي حيرانا ، تائه العقل إذا رأى ما لم يعرف ، وورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطير إلى غير ذلك ممّا يشاهده ساعة بعد ساعة ، ويوما بعد يوم.

واعتبر ذلك بأنّ من سبي من بلد إلى بلد ـ وهو عاقل ـ يكون كالواله الحيران ، فلا يسرع في تعلّم الكلام وقبول الأدب كما يسرع الذي يسبى صغيرا غير عاقل.

ثمّ لو ولد عاقلا ، كان يجد غضاضة إذا رأى نفسه محمولا مرضعا معصّبا بالخرق مسجّى في المهد ؛ لأنّه لا يستغني عنه هذا كلّه لرقّة بدنه ورطوبته حين يولد ، ثمّ كان لا يوجد له من الحلاوة والوقع من القلوب ما يوجد للطفل ـ إلى أن قال ـ : لذهب موضع حلاوة تربية الأولاد ، وما قدر أن يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة ، وما يوجب التربية للآباء على الأبناء من المكلّفات بالبرّ والعطف عليهم عند حاجتهم إلى ذلك منهم ، ثمّ كان الأولاد لا يألفون آباءهم ولا يألف الآباء أبناءهم ؛ لأنّ الأولاد كانوا يستغنون عن تربية الآباء وحياطتهم (5) ، فيتفرّقون عنهم حين يولدون ، فلا يعرف الرجل أباه وأمّه ، ولا يمتنع من نكاح أمّه وأخته وذوات المحارم منه إذا كان لا يعرفهنّ ، وأقلّ ما في ذلك من القباحة ـ بل هو أشنع وأعظم وأفظع وأقبح وأبشع لو خرج المولود من بطن أمّه وهو يعقل ـ أن يرى منها ما لا يحلّ له ولا يحسن به أن يراه ، أفلا ترى كيف أقيم كلّ شيء من الخلقة على غاية الصواب ، وخلا من الخطأ دقيقه وجليله؟

اعرف يا مفضّل! ما للأطفال في البكاء من المنفعة ، واعلم : أنّ في أدمعة الأطفال رطوبة إن بقيت فيها أحدثت عليهم أحداثا جليلة وعللا عظيمة من ذهاب البصر وغيره ، فالبكاء يسيل تلك الرطوبة من رءوسهم ، فيعقبهم ذلك الصحّة في أبدانهم ، والسلامة في أبصارهم ، أفليس قد جاز أن يكون الطفل ينتفع بالبكاء ووالداه لا يعرفان ذلك؟ فهما دائبان ليسكتانه ويتوخّيان في الأمور مرضاته ؛ لئلاّ يبكي وهما لا يعلمان أنّ البكاء أصلح له وأجمل عاقبة ، فهكذا يجوز أن يكون في كثير من الأشياء منافع لا يعرفها القائلون بالإهمال ، ولو عرفوا ذلك لم يقضوا على الشيء أنّه لا منفعة فيه من أجل أنّهم لا يعرفونه ولا يعلمون السبب فيه ؛ فإنّ كلّ ما لا يعرفه المنكرون يعلمه العارفون وكثيرا ممّا يقصر عنه علم المخلوقين محيط به علم الخالق جلّ قدسه، وعلت كلمته.

فأمّا ما يسيل من أفواه الأطفال من الريق ففي ذلك خروج الرطوبة ، التي لو بقيت في أبدانهم ، لأحدثت عليهم الأمور العظيمة كمن تراه قد غلبت عليه الرطوبة فأخرجته إلى حدّ البله والجنون والتخليط إلى غير ذلك من الأمراض المتلفة كالفالج واللقوة وما أشبههما ، فجعل الله تلك الرطوبة تسيل من أفواههم في صغرهم ؛ لما لهم في ذلك من الصحّة في كبرهم فتفضّل على خلقه بما جهلوه ، ونظر لهم بما لم يعرفوه ، ولو عرفوا نعمه عليهم ، لشغلهم ذلك عن التمادي في معصيته ، فسبحانه ما أجلّ نعمته ، وأسبغها على المستحقّين وغيرهم من خلقه ، وتعالى عمّا يقول المبطلون علوّا كبيرا.

انظر الآن يا مفضّل! كيف جعلت آلات الجماع في الذكر والأنثى جميعا على ما يشاكل ذلك ، فجعل للذكر آلة ناشزة تمتدّ حتّى تصل النطفة إلى الرحم إذ كان محتاجا إلى أن يقذف ماءه في غيره ، وخلق للأنثى وعاء قعر ليشتمل على الماءين جميعا ويحتمل الولد ويتّسع له ويصونه حتّى يستحكم ، أليس ذلك من تدبير حكيم لطيف ، سبحانه وتعالى عمّا يشركون؟

فكّر يا مفضّل! في أعضاء البدن أجمع ، وتدبير كلّ منها لمآرب ، فاليدان للعلاج ، والرجلان للسعي ، والعينان للاهتداء ، والفم للاغتذاء ، والمعدة للهضم ، والكبد للتخليص ، والمنافذ لتنفيذ الفضول ، والأوعية لحملها ، والفرج لإقامة النسل ، وكذلك جميع الأعضاء إذا تأمّلتها وأعملت فكرك فيها ونظرك ، وجدت كلّ شيء منها قد قدّر لشيء على صواب وحكمة ».

قال المفضّل : فقلت : يا مولاي! إنّ قوما يزعمون أنّ هذا من فعل الطبيعة ، فقال : « سلهم عن هذه الطبيعة : أيّ شيء؟ له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال أم ليست كذلك؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق؟ فإنّ هذا صفته (6) ، وإن زعموا أنّها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة ، علم أنّ هذا الفعل للخالق الحكيم ، وأنّ الذي سمّوه طبيعة هو سنّة في خلقه جارية على ما أجراها عليه.

فكّر يا مفضّل! في وصول الغذاء إلى البدن وما فيه من التدبير ؛ فإنّ الطعام يصير إلى المعدة فتطبخه وتبعث بصفوه إلى الكبد في عروق دقاق واشجة بينها قد جعلت كالمصفى للغذاء لكيلا يصل إلى الكبد منه شيء فينكأها ، وذلك أنّ الكبد رقيقة لا تحتمل العنف ، ثمّ إنّ الكبد تقبله ، فيستحيل بلطف التدبير دما ، وينفذ إلى البدن كلّه في مجار مهيّأة لذلك بمنزلة المجاري التي تهيّأ للماء حتّى يطرد في الأرض كلّها ، وينفذ ما يخرج منه إلى مفائض قد أعدّت لذلك ، فما كان منه من جنس المرّة الصفراء جرى إلى المرارة ، وما كان من جنس السوداء جرى إلى الطحال، وما كان من البلّة والرطوبة جرى إلى المثانة.

فتأمّل حكمة التدبير في تركيب البدن ، ووضع هذه الأعضاء منه مواضعها ، وإعداد هذه الأوعية فيه لتحمل تلك الفضول لئلاّ تنتشر في البدن فتسقمه وتنهكه ، فتبارك من أحسن التقدير وأحكم التدبير ، فوصف نشوء الأبدان ونموّها في الرحم من غير يد تنالها ويدبّرها إلى الكمال» ـ إلى أن قال ـ :

« يا مفضّل! انظر إلى ما خصّ به الإنسان في خلقه تشريفا وتفضيلا على البهائم ؛ فإنّه خلق ينتصب قائما ، ويستوي جالسا ليستقبل الأشياء بيديه وجوارحه ويمكنه العلاج والعمل بهما ، فلو كان مكبوبا على وجهه كذات الأربع ، لما استطاع أن يعمل شيئا من الأعمال.

انظر الآن يا مفضّل! إلى هذه الحواسّ ـ التي خصّ بها الإنسان في خلقه ، وشرّف بها على غيره ـ كيف جعلت العينان في الرأس كالمصابيح فوق المنارة ليتمكّن من مطالعة الأشياء ، ولم تجعل في الأعضاء التي تحتهنّ كاليدين والرجلين ، فتعرضها الآفات ، وتصيبها من مباشرة العمل والحركة ما يعلّلها ويؤثّر فيها وينقص منها ، ولا في الأعضاء التي هي وسط البدن كالبطن والظهر ، فيعسر تقلّبها واطلاعها نحو الأشياء ، فلمّا لم يكن لها في شيء من هذه الأعضاء موضع ، كان الرأس أسنى المواضع للحواسّ وهو بمنزلة الصومعة لها ، فجعل الحواسّ خمسا تلقى خمسا لكي لا يفوتها شيء من المحسوسات ، فخلق البصر ليدرك الألوان ، فلو كانت الألوان ولم يكن بصر يدركها ، لم يكن فيها منفعة ، وخلق السمع ليدرك الأصوات ، فلو كانت الأصوات ولم يكن سمع يدركها ، لم يكن فيها أرب ، وكذلك سائر الحواسّ.

ثمّ هذا يرجع متكافئا ، فلو كان بصر ولم يكن ألوان ، لما كان للبصر معنى ، ولو كان سمع ولم يكن أصوات ، لم يكن للسمع موضع ، فانظر كيف قدّر بعضها يلقى بعضا ، فجعل لكلّ حاسّة محسوسا يعمل فيه ، ولكلّ محسوس حاسّة تدركه ، ومع هذا فقد جعلت أشياء متوسّطة بين الحواسّ والمحسوسات لا تتمّ الحواسّ إلاّ بها كمثل الضياء والهواء ؛ فإنّه لو لم يكن ضياء يظهر اللون للبصر لم يكن البصر يدرك اللون ، ولو لم يكن هواء يؤدّي الصوت إلى السمع لم يكن السمع يدرك الصوت ، فهل يخفى على من صحّ نظره وأعمل فكره أنّ مثل هذا الذي وصفت ـ من تهيئة الحواسّ والمحسوسات بعضها يلقى بعضا وتهيئة أشياء أخرتتم بها الحواسّ ـ لا يكون إلاّ بعمد وتقدير من لطيف خبير ».

 فذكر ما ينال فاقد البصر من الخلل ، وكذا فاقد السمع حتّى عدّه كالغائب وهو شاهد ، وكالميّت وهو حيّ ، فقال : « فأمّا من عدم العقل ، فإنّه يلحق بمنزلة البهائم ، بل يجهل كثيرا ممّا يهتدي إليه البهائم.

فساق الكلام إلى أن قال المفضّل : فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح ، فيناله في ذلك مثل ما وصفته يا مولاي؟

قال عليه السلام : ذلك للتأديب والموعظة لمن يحلّ ذلك به ولغيره بسببه كما قد يؤدّب الملوك الناس للتكميل والموعظة ، فلا ينكر ذلك عليهم ، بل يحمد من رأيهم ، ويصوّب من تدبيرهم ، ثمّ إنّ للذين ينزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت ـ إن شكروا وأنابوا ـ ما يستصغرون معه ما ينالهم منها ، حتّى أنّهم لو خيّروا بعد الموت ، لاختاروا أن يردّوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب.

فكّر يا مفضل! في الأعضاء التي خلقت أفرادا وأزواجا ، وما في ذلك من الحكمة والتقدير ، والصواب في التدبير ، فالرأس ممّا خلق فردا ولم يكن للإنسان صلاح في أن يكون أكثر من واحد ، ألا ترى أنّه لو أضيف إلى رأس الإنسان رأس آخر ، لكان ثقلا عليه من غير حاجة إليه؛ لأنّ الحواسّ التي يحتاج إليها مجتمعة في رأس واحد.

ثمّ كان الإنسان ينقسم قسمين لو كان له رأسان ، فإن تكلّم من أحدهما ، كان الآخر معطّلا لا أرب فيه ولا حاجة إليه ، وإن تكلّم منهما جميعا بكلام واحد ، كان أحدهما فضلا لا يحتاج إليه ، وإن تكلّم بأحدهما بغير الذي تكلّم به من الآخر ، لم يدر السامع بأيّ ذلك يأخذ.

واليدان ممّا خلق أزواجا ولم يكن للإنسان خير في أن يكون له يد واحدة ؛ لأنّ ذلك كان يخلّ به فيما يحتاج إلى معالجته من الأشياء ، ألا ترى أنّ النجّار والبنّاء لو شلّت إحدى يديه لا يستطيع أن يعالج صناعته ، وإن تكلّف ذلك لم يحكمه ولم يبلغ منه ما يبلغه إذا كانت له يدان تتعاونان على العمل.

أطل الفكر يا مفضّل في الصوت والكلام وتهيئة الآلة في الإنسان ، فالحنجرة كالأنبوبة لخروج الصوت ، واللسان والشفتان والأسنان لصياغة الحروف والنغم ، ألا ترى أنّ من سقطت أسنانه لم يقم السين ، ومن سقطت شفته لم يصحّح الفاء ، ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء ، وأشبه شيء بذلك المزمار الأعظم ، فالحنجرة تشبه قصبة المزمار ، والرئة تشبه الزقّ الذي ينفخ فيه ليدخل الريح ، والعضلات ـ التي تقبض على الرئة ليخرج الصوت ـ كالأصابع التي تختلف في فم المزمار ، فتصوغ صفيره ألحانا غير أنّه وإن كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالدلالة والتعريف فإنّ المزمار في الحقيقة هو المشبّه بمخرج الصوت.

قد أنبأتك بما في الأعضاء من الغناء في صنعة الكلام وإقامة الحروف ، وفيها ـ مع الذي ذكرت لك ـ مآرب أخرى.

فالحنجرة ليسلك فيها هذا النسيم إلى الرئة فتروّح عن الفؤاد بالنفس الدائم المتتابع الذي لو احتبس شيئا يسيرا ، لهلك الإنسان.

وباللسان تذاق الطعوم ، فيميّز بينها ، ويعرف كلّ واحد منها : حلوها من مرّها ، وحامضها من مزّها ، ومالحها من عذبها ، وطيّبها من خبيثها ، وفيه مع ذلك معونة على إساغة الطعام والشراب.

والأسنان تمضغ الطعام حتّى يلين ويسهل إساغته وهي مع ذلك كالسند للشفتين تمسكهما وتدعمهما من داخل الفم ؛ واعتبر ذلك أنّك ترى من سقطت أسنانه مسترخي الشفة ومضطربها.

وبالشفتين يترشّف الشراب حتّى يكون الذي يصل إلى الجوف منه بقصد وقدر لا يثجّ ثجّا ، فيغصّ به الشارب ، أو ينكأ في الجوف ، ثمّ هما بعد ذلك كالباب المطبق على الفم يفتحهما الإنسان إذا شاء ، ويطبقهما إذا شاء ففيما وصفنا من هذا بيان أنّ كلّ واحد من هذه الأعضاء ينصرف وينقسم إلى وجوه من المنافع » (7).

_________________

(1) « علل الشرائع » 1 : 9 ، الباب 9 ، ح 1.

(2) نفس المصدر ، ح 2.

(3) في المصدر : « لم يجعل شيء ... ».

(4) « التجلّيات الإلهيّة » : 100 ؛ « فصوص الحكم » : 203 ؛ « جامع الأسرار » : 102؛ « مصباح الأنس » : 164 ؛ « الأسفار الأربعة » 2 : 285.

(5) أي حفظهم وتعهّدهم.

(6) كذا ، وفي « بحار الأنوار » : « هذه صنعته ».

(7) « بحار الأنوار » 3 : 62 ـ 72.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.