أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-08-2015
4095
التاريخ: 12-5-2020
3377
التاريخ: 8-2-2017
1960
التاريخ: 4-12-2017
1935
|
الفرق بين الرحمن والرحيم :
قد وصف الله
نفسه بالرحمن والرحيم ، وهما مشتقان من الرحمة ، وهي ـ كما في القاموس ـ الرقّة
والمغفرة والتعطّف ، وعليه فليست الرقّة مأخوذة في مفهومها ، حتى لا يكون
استعمالها في حقّه تعالى حقيقياً ، كما يظهر من مجمع البحرين ، وإلى الأَوّل ذهب
بعض السادة الأفذاذ من أساتذتنا الأعلام في تفسيره (1) ، وقال : إنّ الرقّة من
لوازم الرحمة في البشر .
ثمّ إنّه لا شك
أنّ لفظة الرحمن لا تُطلق على غيره بخلاف الرحيم ؛ وعلّله الشهيد الثاني قدّس سره
(2) بأنّ معنى الرحمن المنعِم الحقيقي البالغ في الرحمة غايتها ، وليس الوجه فيه
كونها من الصفات الغالبة ؛ لأنّه يقتضي جواز استعماله في غيره تعالى بحسب الوضع
انتهى .
أقول : إنكار
الجواز بحسب الوضع مشكل ، نعم لا شكّ فيه بحسب الشرع ، بل هو بمنزلة العلم في حقه
تعالى ؛ ولذا لا يقال : رحمان بنا أو بالناس ، وقد استعمل في القرآن المجيد في غير
مورد من دون اعتبار الوصفية كقوله تعالى : {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ
الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52] وقوله : {وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ} [يس:
15] وقوله : {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ} [يس: 23] وغيرها .
وأمّا ما نقله
الصدوق قدّس سره ، من أنّ قوماً جوّزوا أن يقال للرجل : رحمان ، فهو باطل وخطأ .
ثمّ إنّ الفرق
بين الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية بوجهين :
1 ـ ما قاله
الشهيد رحمه الله من أنّ تعقيب الرحمن بالرحيم من قبيل التتميم ، فإنّه لمّا دلّ
الرحمن على جلائل النِعم وأُصولها ذكر الرحيم ؛ ليتناول ما خرج منها ، لكنّه ليس
بوجه وجيه.
2 ـ ما ذكره
أُستاذنا المتقدّم ـ دام ظله ـ من أنّ الفارق بين الصفتين ، أنّ الرحيم يدلّ على
لزوم الرحمة للذات وعدم انفكاكها عنها ، والرحمن يدلّ على ثبوت الرحمة فقط ... إلخ
؛ وذلك لِما أفاده أَوّلاً بقوله : ومن خصائص هذه الصيغة ـ الرحيم ـ أنّها تُستعمل
غالباً في الغرائز واللوازم الغير المنفكة عن الذات : كالعليم والقدير والشريف
والوضيع وغيرها .
أقول : ليس
مراده عدم انفكاك الرحمة عن ذاته تعالى مطلقاً حتى يلزم قِدم المرحوم ، فإنّه لا
يقول بقِدم العالَم .
ويظهر من
الأخبار فرق ثالث بينهما ، وهو أنّ الرحمة الرحمانية تعمّ جميع الخلق ، والرحمة
الرحيمية تخصّ المؤمنين فقط ، وهذه الروايات موجودة في أوائل تفسير البرهان (3) :
منها : ما رواه
بطرق عديدة عن الصادقينَ ( عليهم السلام ) في تفسير البسملة ، قال : ( الباء بهاء
الله ، والسين سناء الله ، والميم ملك الله ، والله إله كل شيء ، والرحمن بجميع
خلقه ، والرحيم بالمؤمنين خاصةً ) .
ومنها : مرسلة
صفوان عنه ( عليه السلام ) : قلت : الرحمن ، قال : ( بجميع العالم ، قلت : الرحيم
، قال : بالمؤمنين خاصّةً ) .
ومثلها رواية
ابن سنان ، وقريب منها رواية أبي بصير ، وهو المستفاد من رواية محمد بن سيّار
الطويلة عن العسكري ( عليه السلام ) ، وإليه يرجع ما في المجمع والصافي من قول
الصادق ( عليه السلام ) : ( الرحمن اسم خاصّ لصفة عامة ، والرحيم اسم عامّ لصفة
خاصّة ) ، فإنّ معناه أنّ لفظ الرحمن يختصّ بالله ولا يُطلق على غيره ، لكنّ معناه
عام لجميع العالَم ، ولفظ الرحيم يُطلق عليه وعلى غيره ، لكنّ معناه مخصوص
بالمؤمنين ، أو أنّ الرحمة الرحمانية خاصّة بالدنيا ، عامة للمؤمن والكافر ،
والرحيمية عامة للدنيا والآخرة ، لكن مختصة بالمؤمنين .
ولا منافاة بين
هذه الروايات ، وما في المجمع من رواية أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه
وآله ) : ( قال عيسى بن مريم : الرحمن رحمن الدنيا ، والرحيم رحيم الآخرة ) ،
فإنّه رحمان في الدنيا برحمته على الجميع ، ورحيم في الآخرة برجوع رحمته إلى ما
يتعلّق بالآخرة ، وإن كانت الرحمة على المؤمنين في الدنيا .
وأمّا ما عن
الصحيفة السجّادية من قوله ( عليه السلام ) : ( يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما
) ، فلا شك في أنّه رحيم على المؤمنين في الدنيا والآخرة .
نعم يشكل إثبات
الرحمة الرحمانية في الآخرة ، ويمكن أن تكون مختصّةً بالمؤمنين ؛ إذ لا دليل على
انقطاع الرحمة المذكورة في الآخرة حتى من المؤمنين ، نعم في الصافي عن تفسير العسكري
: ( الرحيم بعباده المؤمنين في تخفيفه عليهم طاعاته ، وبعباده الكافرين في الرِفق
في دعائهم إلى موافقته ) ، فينافي ما تقدّم .
ويمكن أن يقال
: إنّ شمول الرحمة الرحيمية للكافرين ، إنّما هي من جهة دعوتهم إلى الإيمان والدين
، فلا ترتبط بأُمور دنياهم ، فلا منافاة بينهما .
فإذا ثبت ذلك
فقد بانَ لك ضعف الفرقين المتقدّمينِ ، نعم هذا الفرق يلائم القول الثاني ، فإنّ
الرحمة الرحمانية حيث لا تلازم الذات فهي منحصرة في الدنيا ، والرحيمية حيث لا
تنفكّ عنها فهي عامة في الدارين ، ولكن سيدنا الأُستاذ ـ دامت أيام إفاداته ـ لم
يرتضِ هذا الفرق وقال : لا مناصَ من تأويل هذه الروايات أو طرحها ؛ لمخالفتها
الكتاب العزيز ، فإنّه قد استُعمل فيه لفظ الرحيم من غير اختصاص بالمؤمنين أو
بالآخرة كقوله تعالى :
1 ـ {فَمَنْ
تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:
36].
2 ـ {نَبِّئْ
عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر: 49].
3 ـ {إِنَّ
اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65].
4 ـ {رَبُّكُمُ
الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ
إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [الإسراء: 66].
5 ـ {وَيُعَذِّبَ
الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا
رَحِيمًا} [الأحزاب: 24].
إلى غير ذلك من
الآيات الكريمة .
وفي بعض
الأدعية والروايات : رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما .
نقد كلام سيدنا
الأُستاذ الخوئي:
ثمّ قال ـ دام
ظله الوارف ـ : ويمكن أن يوجّه هذا الاختصاص ، بأنّ الرحمة الإلهية إذا لم تنتهِ
إلى الرحمة في الآخرة فكأنّها لم تكن رحمةً ، وما جدوى رحمة تكون عاقبتها العذاب
والخسران ، فإنّ الرحمة الزائلة تندكّ أمام العذاب الدائم لا محالة ، وبلحاظ ذلك
صحّ أن يقال : الرحمة مختصّة بالمؤمنين أو بالآخرة ، انتهى كلامه الشريف .
أقول : ومن
الواضح أنّ الله لا يغفر للمشركين والكافرين ، ففي كل آية ذُكرت صفة الغفور
قبل صفة الرحيم
، كانت صفة الرحيم مختصّة بالمؤمنين بشهادة السياق ، وإن لم تكن تلك الروايات
ثابتةً ، ومنه ظهر عدم متانة الاستدلال بالآية الأُولى والثانية والثالثة التي هي
العمدة .
أو نقول كما
قال الصادق ( عليه السلام ) كما في تفسير الصافي في ذيل الآية الأُولى : ( تقدر أن
تغفر له وترحمه ) ، ولا شك أنّ الله قادر على أن يرحم الكفّار بالرحمة الرحيمية .
ثمّ إنّ شمول
الرحمة الرحيمية لغير المؤمنين في هذه الآيات وغيرها ، إنّما هو بالإطلاق أو
بالعموم ؛ إذ لم أجد آيةً دلّت على أنّ الله رحيم بالكافرين ، ولا شك أنّ هذه
الروايات صالحة للتقييد والتخصيص ، كما هي من الضروريات الفقهية والمسلّمات
الأُصولية في هذه الأعصار .
وأمّا ما أفاده
من التوجيه ، فهو إنّما يتمّ إذا كانت الرحمة بإطلاقها منفيّة عن الكافرين وثابتة
للمؤمنين ، والحال أنّه ليس كذلك بل المنفي هو الحصّة الخاصّة منها ، فيلزم أن
تكون الرحمة الرحمانية غير مندكّة أمام العذاب الدائم ، وهو كما ترى فافهم .
إذا عرفت هذا
فاعلم أنّ الرحمة من صفات أفعاله تعالى ، فإنّه بمعنى الفضل والجود والكرم ونحوها
، فما في مشتقات كفاية الأُصول للمحقّق الهروي ، وأنوار التوحيد لسبط النراقي ـ
رحمهما الله ـ من عدّها من الصفات الذاتية ، ممّا لا وجه له أبداً ، كما أنّ ما
يظهر من المحقّق الطوسي في تجريده ، من أنّ وجوب الوجود يدلّ على ثبوت جوده أيضاً
غير تام ؛ بناءً على ما هو المختار عنده وعندنا من اختيار الواجب ، فيمكن أن يكون
الواجب غير رحيم وجواد .
نعم الذي
يتخيّل ضرورة صدور فعله عنه له أن يدّعي ذلك كما هو ظاهر .
ثمّ إنّ الرحمة
والجود لا تنافي تعلّل أفعاله بالأغراض العائدة إلى غيره ، بل تؤكّده خلافاً
للفلاسفة ...
ثمّ إنّ الظاهر
من العلاّمة الحلي (4) والقوشجي (5) في شرحهما على التجريد ، إرجاع الرحمة والكرم
والرضاء إلى الإرادة وهو غير صحيح ، فإنّ الرحمة غير الإرادة قال الله تعالى : {يُعَذِّبُ
مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [العنكبوت: 21].
فتأمّل رحمنا الله وإيّاكم فإنّه رحمان رحيم .
______________________
(1) البيان /
300.
(2) ديباجة شرح
اللمعة .
(3) ويوجد
بعضها في تفسير القمي ، وبعضها في الكافي وفي غيرهما ، وفيها الصحيح وغيره.
(4) شرح
التجريد للعلاّمة الحليّ / 185.
(5) شرح
التجريد للقوشجي / 372.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|