أقرأ أيضاً
التاريخ: 16/9/2022
1920
التاريخ: 1-07-2015
2436
التاريخ: 1-07-2015
2027
التاريخ: 2-08-2015
1441
|
قال : ( ومن هذه القوى المدركة للجزئيّات بنطاسيا ، الحاكمة بين المحسوسات ).
أقول : أثبت الأوائل (1) للنفس قوى جزئيّة
، خمس باطنية : الحسّ المشترك ، والخيال، والوهم ، والحافظة ، والمتصرّفة ، فنقول
:
الأولى : ما يسمّى باليونانيّة بنطاسيا ،
أي لوح النفس ، وهي الحسّ المشترك المدرك للصور الجزئيّة التي تجتمع عنده من
المحسوسات ، وهو ـ كما أفيد (2) ـ قوّة مرتّبة في مقدّم التجويف الأوّل من
التجاويف الثلاثة التي في الدماغ تقبل جميع الصور المنطبعة في الحواسّ الظاهرة ،
فهؤلاء كجواسيس لها ؛ ولذا تسمّى حسّا مشتركا.
الثانية : خزانته ، وهي الخيال ، وهو ـ كما
أفيد (3) ـ قوّة مرتّبة في مؤخّر التجويف الأوّل تحفظ جميع الصور المحسوسة؛ ولهذا
يحصل التذكّر بعد الذهول.
الثالثة : الوهم ، وهو قوّة مرتّبة في آخر
التجويف الأوسط من الدماغ تدرك المعاني الجزئيّة المتعلّقة بالمحسوسات ، كالصداقة
الجزئيّة والعداوة الجزئيّة.
الرابعة : خزانته ، وهي الحافظة المرتّبة
في أوّل التجويف الآخر من الدماغ تحفظ ما يدرك الوهم.
الخامسة : القوّة التي يكون سلطانها في
أوّل التجويف الثاني من الدماغ ، وهي القوّة المتصرّفة في الصور الجزئيّة والمعاني
الجزئيّة بالتركيب والتحليل ، فتركّب صورة إنسان يطير وجبل ياقوت.
وهذه القوّة تسمّى مخيّلة إن استعملتها
القوّة الوهميّة ، ومفكّرة إن استعملها العقل والقوّة الناطقة.
إذا عرفت هذا فنقول : الدليل على ثبوت
الحسّ المشترك وجوه :
أحدها : أنّا نحكم على صاحب لون معيّن بطعم
معيّن ، فلا بدّ من حضور هذين المعنيين عند الحاكم وهو النفس ، وهي تدرك الجزئيّات
بواسطة الآلات على ما تقدّم ، فيجب حصولهما معا في آلة واحدة ، وليس شيء من
الحواسّ الظاهرة قابلا لذلك ، فلا بدّ من إثبات قوّة باطنة هي الحسّ المشترك.
وإلى هذا الدليل أشار بقوله : « الحاكمة
بين المحسوسات ».
قال : ( لرؤية القطرة خطّا والشعلة دائرة
).
أقول : هذا دليل ثان على إثبات الحسّ
المشترك.
وتقريره : أنّا نرى القطرة النازلة بسرعة
خطّا مستقيما ، والشعلة الجوّالة بسرعة دائرة مع أنّه ليس في الخارج كذلك ، ولا في
القوّة الباصرة ؛ لأنّ البصر إنّما يدرك الشيء على ما هو عليه، ولا النفس ؛ لأنّها
لا تدرك الجزئيّات. فلا بدّ من قوّة أخرى يحصل بها إدراك القطرة حال حصولها في
المكان الأوّل ، ثمّ إدراكها حال حصولها في الثاني برسم الحصول الثاني قبل انمحاء
الصورة الأولى عن القوّة الشاعرة ، فتتّصل الصورتان في الحسّ المشترك ، فيرى
النقطة كالخطّ ، والشعلة كالدائرة.
واعترض (4) عليه بأنّه يجوز أن يكون اتّصال
الارتسام في الباصرة بأن يرتسم المقابل الثاني قبل أن يزول المرتسم الأوّل ؛ لقوّة
ارتسام الأوّل وسرعة تعقّب الثاني ، فيكونان معا ، فتأمّل.
قال : ( والمبرسم ما لا تحقّق له ).
أقول : هذا دليل ثالث على إثبات هذه
القوّة.
وتقريره : أنّ صاحب البرسام ـ من جهة تعطّل
حواسّه الظاهرة واشتغال نفسه بالمرض واستيلاء المتخيّلة ـ يشاهد صورا لا وجود لها
في الخارج ، وإلاّ يشاهدها كلّ ذي حسّ سليم.
فلا بدّ من قوّة ترتسم فيها هذه الصورة حال
المشاهدة ، وكذا النائم يشاهد صورا لا تحقّق لها في الخارج. والسبب فيه ما ذكرناه
، وقد بيّنّا أنّ تلك القوّة لا يجوز أن تكون هي النفس ، فلا بدّ من قوّة جسمانيّة
ترتسم فيها هذه الصور.
قال : ( والخيال لوجوب المغايرة بين الحافظ
والقابل ).
أقول : هذه هي القوّة الثانية المسمّاة
بالخيال ، وهي خزانة الحسّ المشترك الحافظ لما يزول عنه بعد غيبوبة الصورة التي
باعتبارها تحكم النفس بأنّ ما شوهد ثانيا هو الذي شوهد أوّلا.
ومن هنا يفرق بين السهو والنسيان بأنّ
السهو هو المحو عن الحسّ المشترك دون الخيال ؛ ولهذا لا يحتاج إلى الكسب الجديد بل
يكفي التذكّر بعد التأمّل ، وأمّا النسيان فهو المحو عن الحسّ المشترك والخيال معا
بحيث يحتاج إلى الكسب الجديد.
نعم ، السهو والنسيان كالجارّ والمجرور إذا
اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، كما يقال : إنّ الفقير والمسكين كالجارّ
والمجرور.
واستدلّوا على مغايرتها للحسّ المشترك بأنّ
هذه القوّة حافظة والحسّ المشترك قابل ، والحافظ يغاير القابل ؛ لامتناع صدور
أثرين عن علّة واحدة ، ولأنّ الماء فيه قوّة القبول وليس فيه قوّة الحفظ ، فدلّ
على المغايرة.
وهذا كلام ضعيف ؛ لجواز كون القوّة الواحدة
قابلة وحافظة باختلاف الجهة ، كما أنّ الأرض تقبل الشكل للمادّة وتحفظه للصورة ،
فالأولى التمسّك بوجدان حالتي السهو والنسيان ؛ لأنّهما تقتضيان أن توجد القوّتان
، كما أشرنا إليه.
قال : ( والوهم المدرك للمعاني الجزئيّة ).
أقول : هذه هي القوّة الثالثة المدركة
للمعاني الجزئيّة وتسمّى الوهم ، وهي مغايرة للنفس الناطقة، لما تقدّم من أنّ
النفس لا تدرك الجزئيّات لذاتها. وأشار إليه بقوله : « الجزئيّة » وللحسّ المشترك
؛ لأنّ هذه القوّة تدرك المعاني ، والحسّ يدرك الصورة المحسوسة. وأشار إليه بقوله
: « للمعاني » وللخيال ؛ لأنّ الخيال شأنه الحفظ ، والوهم شأنه الإدراك فيتغايران
كما قلنا في الحسّ والخيال. وأشار إليه بقوله : « المدرك ».
قال : ( والقوّة الحافظة ).
أقول : هذه هي القوّة الرابعة المسمّاة
بالحافظة ، وهي خزانة الوهم.
والدليل على إثباتها كما قلناه في الخيال
سواء ، من جهة أنّ القبول غير الحفظ ، والحافظ للمعاني غير الحافظ للصور ، وهذه
تسمّى المتذكّرة باعتبار قوّتها على استعادة الغائبات.
ولهم خلاف في أنّ المتذكّرة هي الحافظة كما
حكي (5).
قال : ( والمتخيّلة المركّبة للصور
والمعاني بعضها مع بعض ).
أقول : هذه هي القوّة الخامسة المسمّاة
بالمتخيّلة باعتبار استعمال الحسّ لها والمتفكّرة باعتبار استعمال العقل لها ، وهي
تركّب بعض الصور مع بعض ، كما تركّب صور جذع عليه رأس إنسان ، وتركّب بعض الصور مع
بعض المعاني ، وتفصل بعض الصور عن بعض ، وكذا المعاني.
ويدلّ على مغايرتها لما تقدّم صدور هذا
الفعل عنها دون غيرها من القوى ؛ لامتناع صدور أكثر من واحد عن قوّة واحدة،
فتأمّل.
اعلم أنّ الحيوان كما أنّ له القوّة
المدركة كذلك له القوّة المحرّكة ؛ ولهذا يجعل فصله الحسّ والحركة بالإرادة.
والقوّة المحرّكة باعثة وفاعلة ، والباعثة تسمى شوقيّة تحمل الفاعلة على تحريك
الأعضاء إلى المطلوب بزعمها وإن كان ضارّا في نفس الأمر ، وحينئذ تسمّى قوّة
شهويّة. وإن حملت على التحريك لدفع المبغوض كذلك تسمّى غضبيّة.
وأمّا الفاعلة فهي التي تعدّ العضلات
بقبضها وبسطها ونحو ذلك على التحريك.
__________________
(1) انظر : « الشفاء » 2 : 145 وما بعدها ؛
« النجاة » 162 ـ 163 ؛ « التحصيل » : 782 وما بعدها.
(2) « النجاة » : 163 ؛ « المباحث
المشرقيّة » 2 : 335 ؛ « شرح المواقف » 7 : 204 ـ 208 ؛ « شرح المقاصد» 3 : 286 ـ
287.
(1) « النجاة » : 163 ؛ « شرح المواقف » 7
: 208 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 294.
(4) المعترض هو الفخر الرازي ، كما في «
شرح الإشارات والتنبيهات » 2 : 334 ؛ « شرح المواقف » 7 : 206 ؛ « شرح المقاصد » 3
: 287.
(5) انظر : « الشفاء » 2 : 148 ـ 149 ؛ «
النجاة » 163 ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات» 2 : 347 ؛ «التحصيل» : 787 ؛ « المباحث
المشرقيّة » 2 : 343 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 293.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|