المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الوفاء للناس بالوعد والعهد  
  
3457   11:15 صباحاً   التاريخ: 20-12-2021
المؤلف : رضا علوي سيد احمد
الكتاب أو المصدر : فن التعامل مع الناس
الجزء والصفحة : ص 290 ـ 301
القسم : الاسرة و المجتمع / المجتمع و قضاياه / آداب عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-5-2017 2499
التاريخ: 19-4-2021 2448
التاريخ: 1-2-2022 2847
التاريخ: 7/11/2022 2006

قال الإمام علي (عليه السلام): (أشرف الخلائق الوفاء) (1).

وقال (عليه السلام) أيضاً: (ما بات لرجل عندي موعد قط فبات يتململ على فراشه ليغدو بالظفر بحاجته، أشد من تململي على فراشي حرصاً على الخروج إليه من دَين عِدته، وخوفاً من عائقٍ يوجِب الخُلف، فإن خلف الوعد ليس من أخلاق الكرام) (2).

وقال (عليه السلام): (لا تعِدن عِدَة لا تثق من نفسك بإنجازها) (3).

وقال تعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: 177].

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].

وقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك) (4).

من أشرف الأخلاقيات في معاملة الناس: الوفاء، ورب سائل يسأل: ما الوفاء؟

الوفاء: هو المحافظة، والإتمام، والإكمال، والإنجاز، وفي بالوعد أو العهد: أتمه أو حافظ عليه. والوفاء عنوان صدق الإنسان وأمانته ونبله، ودليل سلامة ضميره ووجدانه وعقله، فالمرء الذي يتمتع بالصدق والأمانة وسلامة الضمير، يكون وفياً في تعامله مع الناس، كلنا قد مع سمع شخصاً يمدح آخر بأنه وفي، بمعنى ان من شيمته المحافظة والتفضل، والإنجاز.

والوفاء من الأخلاقيات التي تعمل على إشاعة المحبة والمودة بين الناس، فالمرء الوفي محبوب مودود بينهم بطبيعة الحال، بخلاف غير الوفي، وهذا ما هو ملموس في واقع التعامل.

وقد يسأل السائل: هل الناس كلهم جديرون بالوفاء لهم؟

لا شك أن المؤمنين وعموم الناس الطيبين هم جديرون بالوفاء لهم، بل حتى الفجار، إن واعدهم المرء أو عاهدهم على حق، ينبغي له أن يكون وفيا. أما أهل الغدر فقد ينقلب الوفاء لهم إلى غدر عند الله تعالى.

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (ثلاثة لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلى البر والفاجر، والوفاء للبر والفاجر، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين) (5).

ويقول الإمام علي (عليه السلام): (الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله)(6).

ومن الوفاء: الوفاء بالوعد. فالمرء في علاقته الإجتماعية بالناس، وفي معاملته إياهم ـ بحكم الحاجة أو المنفعة المتبادلة ـ هو بحاجة إلى إبرام وعود معهم، وهذه الوعود جديرة بأن يوفى بها، شريطة أن لا تحلل حراماً ولا تحرم حلالاً.

ومن القصص المنقولة عن وفاء الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بوعوده: أن رجلاً يقال له أبو الحميساء بايعه ببيع ـ قبل أن يُبعث بالرسالة ـ فبقيت له (صلى الله عليه وآله) بقية، ووعدَه أبو الحميساء أن يأتيه بها في مكانه. إلا أن الذي حدث هو أن الواعد (أبا الحميساء) نسي الوعد، ثم ذكره بعد ثلاثة أيام، فجاء إلى المكان الذي وعد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوجده منتظراً له، وقال (صلى الله عليه وآله): (يا فتى، لقد شققت علي، أنا ههنا منذ ثلاث أنتظرك) (7).

إن الوعد دَينٌ على المرء، ومن شأن الدين أن يقضى إلى صاحبه، أرأيت إن استدنت من شخص آخر مالا؟، إنك مطالب بقضائه، وهكذا الحال بالنسبة للوعد.

يقول الإمام الرضا (عليه السلام): (إنا أهل بيت نرى ما وعدنا ديناً، کما صنع رسول الله (صلى الله علميه وآله) (8).

ومن هنا فليس من الصحيح مع الوعد على أنه كلمات تنطق حين التواعد، وسرعان ما تتبخر بعد ذلك. ومما يؤسف له أن من الناس - في معاملة الناس ـ من لا يعطي للوعود والوفاء بها أهمية تذكر، وهذا خلاف الأخلاق الكريمة، وخلاف حسن التعامل، وهو أمر لا يرضي الله ـ سبحانه وتعالى ـ، لأنه شر، وتعرض لمقت الله، ومقت الناس.

يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (العِدَة (*) دين، ويل لمن وعد ثم أخلف، ويل لمن وعد ثم أخلف) (9).

وعن إحترام الوعد وأهميته، روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعد رجلا عند صخرة، وقال له (صلى الله عليه وآله) بما مضمونه: سأنتظرك هنا حتى تأتي، ثم إن حرارة الشمس إشتدت على الرسول، فقال له بعض أصحابه بما معناه: لو أنك انتقلت إلى الظل تفادياً لحرارة الشمس، فقال (صلى الله عليه وآله): (وعدته إلى هاهنا وإن لم يجيء كان منه المحشر) (10).

إن الوفاء بالوعد خلق حسن، به تخلق بأخلاق الله، إذ من أخلاقه ـ جل وعلا ـ صدق الوعد، وبه يقدر الشخص الآخر ويحترم، ويصان وقته، فالمرء إذا وفى بوعده مع شخص آخر يكون قد قدره وحفظ وقته وفرصه، أما خلف الوعد فيوحي بإساءة في التقدير والإحترام، وهو مدعاة إلى إضاعة أوقات الآخرين وفرصهـم، وربما أدى إلى إضاعة أوقات الذات إذا كان الوعد يترتب عليه عمل أو منفعة للواعد.

يقول الإمام علي (عليه السلام): (إذا وعدت فأنجز) (11).

وفي صدق الوعد وإنجازه، روي (عن أبي عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام، قال: إنما سُمي اسماعيل صادق الوعـد لأنه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة، فسماه الله ـ عز وجل ـ صادق الوعد، ثم إن الرجل أتاه بعد، فقال له اسماعيل: ما زلت منتظراً لك) (12).

والوعد إقرار بالإلتزام من قبل الواعد، والأخير حر، ولكنه بالوعد والمواعدة يقيد حريته بنوع من الإلتزام، وبالوفاء بالوعد يرتفع ذلك القيد. ومن هنا فإن الواعد هو أشبه بالعبد الرقيق إذا وعد، وبإنجازه لوعده قد حرر نفسه وأعتقها من ذلك الرق. أو إنه أشبه بالمريض، وبرؤه من مرضه لا يتم إلا بإنجازه لوعده.

ولكي يجعل المرء من نفسه وفياً بوعده مع الناس، غير مخلف له معهم، خليق به أن يكون عارفاً بظرفه الموضوعي، فليس من الصحيح أن يعد بدون تقدير لظرفه، فلربما كان الظرف لا يسمح له بإنجاز الوعد. ومن هنا فالجدير بالمرء أن لا يعد وعداً لا يثق من نفسه أنه قادر على إتمامه وإنجازه، أو أنه ليس باستطاعته الوفاء به.

يقول الإمام علي (عليه السلام): (لا تعدن عدة لا تثق من نفسك بإنجازها) (13).

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تعدن أخاك وعداً ليس في يدك وفاؤه) (14).

نعم، قد يعد الإنسان معتمداً على أن ظرفه يمكنه من الوفاء بوعده، ثم أن ظرفاً طارئاً يعرض له يجعل من الوفاء بوعده أمراً صعباً أو مستحيلاً، وهنا يكون معذوراً لأنه لم يتعمد خلف الوعد، وأن ما حدث من ظرف خاص هو خارج عن نطاق إرادته، وإن كان بإمكان الواعد ـ إذا كان ذلك متيسراً ـ أن يعتذر للموعود بأنه غير قادر على انجاز الوعد، ويلتمس التأجيل، ومن إحترام الوعود والموعودين: إخبار الشخص الموعود بعدم القدرة على إنجاز الوعد، وإلتماس التأجيل.

وعن القصة في الوفاء وعدمه، تتطرق الأحاديث الشريفة، إلى أن المرء إذا واعد أخاه على أمر، وكان قاصداً الوفاء له بالوعد، ولكنه لم يف بوعده، ولم يأت للموعد، فلا يكون مأثوماً. وأن خلف الوعد أن يعد المرء ومن قصده أن لا يفي بوعده، ولا يعني هذا أن يتسيب المرء في وعوده مع الناس، بل ينبغي عليه أن يحترم الوعود معهم.

يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (إذا وعد الرجل أخاه، ومن نيته أن يفي له، فلم يف، ولم يجيء للميعاد فلا إثم عليه) (15).

ويقول (صلى الله عليه وآله) أيضاً: (ليس الخلف أن يعد الرجل ومن نيته أن يفي، ولكن الخلف أن يعد الرجل ومن نيته أن لا يفي) (16).

وبناءً عليه، فخلف الوعد مع عدم نية الوفاء به، مصداق لقول ما لا يفعل، فالمرء حينما يعد ولا يفي، يكون قد قال شيئاً ولم يفعله، وهذا موجب لمقت الله ومقت الناس.

جاء في كتاب الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر لما ولاه على مصر: (وإياك والمن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك، أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان، والتزيد يذهب بنور الحق، والخلف يوجب المقت عند الله والناس، قال الله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] (17).

والوفاء بالوعد مطلوب في معاملة الكبير والصغير، فينبغي للمرء أن لا يخلف وعده مع الصغار ـ كما مع الكبار ـ وأن يفي به لهم، لأنهم يستحقون الوفاء لهم لصغرهم، مع العلم بأن تعويد الصغار على إخلاف الوعد من جانب آبائهم وأمهاتهم، يجعلهم غير أوفياء بالوعود والعهود حينما يكبروا.

يقول الإمام الكاظم (عليه السلام): (إذا وعدتم الصغار فأوفوا لهم، فإنهم يرون أنكم أنتم الذين ترزقونهم، وأن الله لا يغضب بشيء كغضبه للنساء والصبيان) (18).

وكما ينبغي للمرء أن يفي بوعوده مع إخوانه والناس، واجبه أن يفي بالعهود والمواثيق معهم، لأن العهد قلادة تطوّق عنق الإنسان، ولا فكاك من هذه القلادة إلا بالوفاء بها. ولا يظن المرء أنه بعدم إيفائه بعهده سينتهي كل شيء، بل إنه تترتب أمور غير محمودة على عدم وفائه بعهده مع الناس. ولا شك أن العلاقة الإنسانية ـ وربما المصلحة الإنسانية ـ تتضرر بنقض العهود وعدم إحترامها والوفاء بها.

في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} [النحل: 92]، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (التي نقضت غزلها امرأة من بني تيم بن مرة يقال لها ربطة (أو ريطة) بنت كعب بن سعد بن تيم بن لؤي بن غالب، كانت حمقاء تغزل الشعر، فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته، فقال الله: {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} [النحل: 92]، إن الله ـ تبارك وتعالى ـ أمر بالوفاء، ونهى عن نقض العهد، فضرب لهم مثلا) (19).

والوفاء للناس بالعهد واجب على الإنسان، سواء كان الطرف المعاهد برأ أو فاجراً، خيراً أو شريراً، مسلماً أو كافراً.

يقول الامام الباقر (عليه السلام): (ثلاث لم يجعل الله - عز وجل ـ لأحد فيهن رخصة ...، والوفاء بالعهد للبر والفاجر) (20).

ومن القصص التي ينقلها التاريخ عن الوفاء بالعهد ووجوبه مع المسلم او الكافر، القصص التالية: (خرج فضيل بن زيد الرقاشي مع جنوده لمحاصرة قلعة تسمى ب - (سهرياج) في أيام عبد الله بن عامر بن كريز، وقد سار إلى فارس فافتتحها، وكان الجيش صمم على أن يفتح القلعة في يوم واحد، يقول فضيل في ذلك: كنا قد ضمنا أن نفتحها في يومنا، وقاتلنا أهلها ذات يوم، فرجعنا إلى معسكرنا، وتخلف عبد مملوك منا، فراطنوه، فكتب لهم أماناً ورمى به في سهم، قال: فرحنا إلى القتال وقد خرجوا من حصنهم، وقالوا: هذا أمانكم).

(لم يكن إعطاء الأمان من مسلم إلى الكفار بالأمر المستبعد في نظر الجيش، ولكنهم شكوا في كون الأمان صادر من العبد كالأمان الصادر من الحر، فكتبنا بذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب إلينا: أن العبد المسلم من المسلمين ذمته (عهده) كذمتكم، فلينفذ أمانه، فأنفذناه).

وهكذا فإن الوفاء بالعهد واجب في الإسلام، سواء في الحرب أو السّلم، كان العهد مع مسلم أو كافر.

وإذ أن الوفاء بالعهد في معاملة الناس أمر واجب، فهل يجب الوفاء به أيا كان وكيفما كان؟

كلا! بطبيعة الحال، فللعهد كيفية معينة لكي يكون الوفاء به واجباً، وحدود تلك الكيفية أن يكون العهد موافقاً للحق وأن يكون في إطار الحلال، وأن لا يحل حراماً أو يحرم حلالاً، ومن هنا ففي معاملة الناس لا يجوز الوفاء بالعهود الخارجة عن هذه الحدود، إذ الوفاء بالعهود الخارجة عن هذه الحدود هو خلاف ما شرع الله، وخلاف الأخلاق الحسنة.

ومن العهود التي يجب على المرء المسلم الوفاء بها، العقود (21)، المشروعة التي يتعامل بها مع غيره من الناس، مثل: البيع، والإجارة، والزواج، والقرض، والمزارعة، والمساقاة، والضمان، والحوالة، والرهن، والوصية، والشركة، والوديعة، والعارية، ويدخل ضمنها الشروط التي يشترطها المرء لنفسه، والشروط التي يشترطها الطرف الآخر للعقد، فهذه الشروط يجب الوفاء بها، إذ (المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)، بمعنى أن المرء مسؤول عن أداء أو إلتزام الشرط المشترط عليه، والشرط الذي يشترطه على نفسه في أي عقد مشروع، شريطة أن لا يكون الشرط محلا لحرام ، أو محرماً لحلال.

وعن الوفاء بالعقود (العهود) كتب السيد محمد حسين الطباطبائي (قدس سره) في تفسيره: (الميزان في تفسير القرآن):

(يدل الكتاب کما ترى من ظاهر قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، على الأمر بالوفاء بالعقود، وهو بظاهره عام، يشمل كل ما يصدق عليه القصد عرفاً مما يلائم الوفاء، والعقـد هـو كـل فعـل أو قـول يمثـل معنى العقد اللغوي، وهو نوع من ربط شيء بشيء آخر بحيث يلزمه ولا ينفك عنه، كعقد البيع الذي هو ربط المبيع بالمشتري ملكاً، بحيث كان له أن يتصرف فيه ما شاء، وليس للبائع بعد العقد ملك ولا تصرف. وكعقد النكاح الذي يربط المرأة بالرجل بحيث له أن يتمتع منها تمتع النكاح، وليس للمرأة أن تمتع غيره من نفسها، وكالعهد الذي يمكن فيه العاهد المعهود له من نفسه في عهده، وليس له أن ينقضه) (22).

وقد أكد القرآن في الوفاء بالعقد والعهد بجميع معانيه، وفي جميع معانيه، وفي جميع مصاديقه، وشدد فيه كل التشديد، وذم الناقضين للمواثيق ذماً بالغاً، وأوعدهم إيعادا عنيفاً، ومدح الموفين بعهدهم إذا عاهدوا، في آيات كثيرة (23).

وقد أرسلت الآيات القول فيه إرسالاً يدل على أن ذلك مما يناله الناس بعقولهم الفطرية، وهو كذلك، وليس ذلك إلا لأن العهد والوفاء به مما لا غنى للإنسان في حياته عنه أبداً، والفرد والمجتمع في ذلك سِيّان، وإنا لو تأملنا الحياة الإجتماعية التي للإنسان، وجدنا جميع المزايا التي نستفيد منها وجميع الحقوق الحيوية الإجتماعية التي نطمئن إليها مبنية على أساس العقد الإجتماعي العام والعقود والعهود الفرعية التي تترتب عليه، فلا نملك من أنفسنا المجتمعين شيئاً، ولا نملك منهم شيئاً إلا عن عقد عملي وإن لم نأت بقول فإنما القول لحاجة البيان، ولو صح للإنسان أن ينقض ما عقده وعهد به اختياراً لتمكنه منه بقوة أو سلطة أو بطش أو لعذر يعتذر به، كان أول ما انتقض بنقضه هو العدل الإجتماعي، وهو الركن الذي يلوذ به ويأوي إليه الإنسان من أسارة الإستخدام والإستثمار (24).

ولذلك أكد الله - سبحانه ـ في حفظ العهد والوفاء به، قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34]، والآية تشمل العهد الفردي الذي يعاهد به الفردُ الفردَ مثل غالب الآيات المادحة للوفاء بالعهد والذامة لنقضه، كما تشمل العهد الإجتماعي الدائر بين قوم وقوم وأمة وأمة، بل الوفاء به في نظر الدين أهم منه بالعهد الفردي لأن العدل عنده أتم والبلية في نقضه أعم (25).

وكتب في موضع آخر: (وجملة الأمر أن الإسلام يرى حرمة العهد ووجوب الوفاء به على الإطلاق، سواء انتفع به العهد أو تضرر بعد ما أوثق الميثاق، فإن رعاية جانب العدل الإجتماعي ألزم وأوجب من رعاية أي نفع خاص أو شخصي، إلا أن ينقض أحد المتعاهدين عهده فللمتعاهد الآخر نقضه بمثل ما نقضه والإعتداء عليه بمثل ما إعتدى عليه، فإن في ذلك خروجاً عن رِقية الإستخدام والإستعلاء المذمومة التي ما نهض ناهض الدين إلا لإماطتها) (26).

ولعمري! أن ذلك أحد التعاليم العالية التي أتى بها دين الإسلام، لهداية الناس إلى رعاية الفطرة الإنسانية في حكمها، والتحفظ على العدل الاجتماعي الذي لا ينتظم سلك الإجتماع الإنساني إلا على أساسه، وإماطة مظلمة الإستخدام والإستثمار، وقد صرح به الكتاب العزيز، وسار به النبي (صلى الله عليه وآله) في سيرته الشريفة (27).

وإذا قايست بين ما جرت عليه سنة الإسلام من إحترام العهد، وما جرت عليه سنة الأمم المتمدنة وغير المتمدنة، ولا سيما ما نسمعه ونشاهده كل يوم من معاملة الأمم القوية مع الضعيفة في معاهداتهم ومعاقداتهم وحفظها لها ما درت لهم أو استوجبته مصالح دولتهم ونقضها ما يسمى عذراً، وجدت الفرق بين السنتين في رعاية الحق وخدمة الحقيقة (28).

ومن الحري بالدين ذاك وبسننهم ذلك، فإنما هناك منطقان: منطق القول: إن الحق تجب رعايته كيفما كان وفي رعايته منافع المجتمع، ومنطق يقول: إن منافع الأمة تجب رعايتها بأي وسيلة اتفقت وإن دحضت الحق، وأول المنطقين منطق الدين، وثانيهما منطق جميع السنن الإجتماعية الهمجية أو المتمدنة من السنن الإستبدادية والديموقراطية والشيوعية وغيرها، وقد عرفت مع ذلك أن الإسلام في عزيمته في ذلك لا يقتصر على العهد المصطلح بل يعم حكمه إلى كل ما بني عليه بناء، ويوصي برعايته (29).

والآن فلكي يُحسن المرء معاملة الناس خليق به أن يفي بوعوده لهم، وواجبه أن يفي بوعوده وعقوده ومواثيقه المحقة التي أبرمها معهم، مع التحلي بالأخلاق الحسنة في ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغرر والدرر.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

(4) کنز العمال، خ10918.

(5) بحار الأنوار، ج75، ص92.

(6) نهج البلاغة، الحكم.

(7) ميزان الحكمة، ج10، ص532 بتصرف في العبارة.

(8) مشكاة الأنوار، ج78، ص339.

(*) العِدة : الوعد.

(9) كنز العمال، خ6865.

(10) الصياغة الجديدة، ص517، بتصرف في العبارة.

(11) الغرر والدرر. أنجز: أوفِ، أتِم، أكمِل.

(12) بحار الأنوار، ج68، ص5.

(13) الغرر والذرر.

(14) بحار الأنوار، ج78، ص250.

(15) کنز العمال، خ6869.

(16) المصدر السابق، 6871.

(17) نهج البلاغة، رسالة 53، التزيد: الزيادة على الحقيقة، أو تكلف الزيادة في الشي.

(18) بحار الأنوار، ج104، ص73.

(19) تفسير علي بن ابراهيم، ج1، ص389.

(20) بحار الأنوار، ج74، ص56.

(21) تنقسم العقود الى : لازمة ، وغير لازمة . واللازمة على ضربين : لازمة من طرف واحد ، ولازمة من طرفين ، والعقد اللازم من طرف واحد هو الذي لا يجوز فيه لأحد المتعاقدين فسخ العقد ، ومثاله : الرهن ، والوصية ، والعقد اللازم من طرفين هو الذي لايجوز فيه الفسخ لكل من المتعاقدين. ومثاله : البيع ، والإجارة ، والقرض . أما العقد غير اللازم ، فيدعى بالجائز أيضا ، وهو على نوعين: جائز من طرف واحد ، وجائز من طرفين . والعقد الجائز من طرف واحد هو الذي يجوز فيه لأحد المتعاقدين فسخ العقد ، ومثاله : الرهن ، والوصية . والعقد الجائز من طرفين هو الذي يجوز فيه لكل من المتعاقدين فسخ العقد ، ومثاله : الوكالة ، والمضاربة ، والشركة ، والعارية . للإطلاع على تفاصيل العقود تراجع الكتب الفقهيه ، والرسائل العملية : أقسام العقود.

(22) بحار الأنوار ج5، ص158 .

(23) المصدر السابق، نفس الصفحة.

(24) المصدر السابق، ص159.

(25) المصدر السابق، نفس الصفحة.

(26) المصدر السابق، ص160.

(27) المصدر السابق، نفس الصفحة.

(28) المصدر السابق، ص161.

(29) المصدر السابق، نفس الصفحة. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.






قسم شؤون المعارف يقيم ندوة علمية حول جهود علماء البصرة في نشر الحديث
قسم الشؤون الفكرية يختتم برنامجاً ثقافياً لوفدٍ من جامعة البصرة
جامعة الكفيل تعقد ورشة عمل عن إجراءات عمل اللجان الامتحانيّة
قسم التطوير يُقيم دورة أخلاقيّات المهنة ضمن برنامج تأهيل المنتسبين الجدد