المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

تبسيط الأجرام السماوية وإعادة تنظيمها
2023-09-11
الصراع اللغوي (عوامل أخرى للاحتكاك اللغوي)
14-2-2019
Alternate Fates of Pyruvate
19-9-2021
الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان
4-2-2018
موضع المحور اختياري
2-2-2016
حساسية لجوز الصنوبر Pine Nut Allergy
20-8-2019


الحسن بن علي بن أبي سالم المعمر بن عبد الملك بن ناهوج  
  
2277   04:57 مساءاً   التاريخ: 21-06-2015
المؤلف : ياقوت الحموي
الكتاب أو المصدر : معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)
الجزء والصفحة : ج3، ص35-60
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-7-2019 2099
التاريخ: 4-8-2018 1841
التاريخ: 10-04-2015 8604
التاريخ: 25-12-2015 2262

الإسكافي الأصل، البغدادي المولد والدار، أبو البدر بن أبي منصور، من أهل باب الأزج، أحد الكتاب المتصرفين في خدمة الديوان الإمامي هو وأبوه، وكان فيه فضل وأدب بارع، وعربية وتصرف في فنونها، ويكتب خطا على طريقة أبي علي بن مقلة قل نظيره فيه، وله خصائص، ولقي المشايخ، وصنف عدة تصانيف في الأدب حسنة وتنقل في الولايات إلى أن رتب مشرفا بالديوان العزيز  في سادس شهر رمضان سنة ست وثمانين وخمسمائة فكان على ذلك إلى أن عزل في سابع ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وكان صحب أبا محمد بن الخشاب النحوي وقرأ عليه وبحث معه وعلق عنه تعاليق وقفت على بعضها فوجدتها منبئة عن يد باسطة في هذا الفن من العلم ورأيت بخطه في حلب تعاليق وكتبا واختيارات ونظما ونثرا تدل على قريحة سالمة ونفس عالمة تقلل النظير وتؤذن بالعلم الغزير.

 ومما بلغني من شعره: [الكامل]

 (وعلى الكثيب مخمر من تيهه ... كالبدر من حسن وليس بآفل)

 (حجبوه بالبيض الفواصل ما دروا ... من حسنه وسيوفهم كالقاصل)

(رشأ كأن لحاظه مطرورة ... قذفت بها غرضا حنية نابل)

 (وكأن سحر بلاغة في لفظه ... أخذ يعقدها نوافث بابل)

وكان خرج من بغداد حاجا في سنة تسع وثمانين وخمسمائة أو نحوها فجاور بمكة ثم صار منها إلى الشام وأقام بحلب مدة ثم انتقل إلى مصر فسكنها إلى أن مات بها في ثامن عشر رمضان سنة ست وتسعين وخمسمائة عن سبع وستين سنة ودفن بالقرافة وحدث بذلك ابنه أبو منصور علي.

 وقرأت بخط ابن أبي سالم الذي لا أرتاب به ما صورته نسخة كتاب كتبته إلى القاضي الفاضل عند قدومي من الحجاز إلى مصر في جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة لو كانت المودات أطال الله بقاء المجلس السامي في نعمة خصيبة المرتع وعيشة عذبة المنبع وأدام علاه في سعادة لا تتطرق إلى ضافي بردها السابغ حوادث الأقدار ولا يتطرق صافي وردها السائغ بحوادث  الأكدار وحرس مواهبه لديه ما لزم السكون أول المشددين ولا زالت ثاوية بجنابه حتى يلتقي المخففان من كلمتين ولا فتئت منح التوفيق مصاحبة له ما اشتبه الذاتي بالعرض اللازم وذم المفرط في أمره وأحمد الحازم لا تقرع أبوابها ولا تتدرع زينة لبوسها وأثوابها إلا عن معرفة في المشاهد سابقة أو ماتّة قائدة أو ذريعة سائقة والتعاضد والتضافر سابق للصفة.

 وإنما للنفوس سرائر أهواء تحن إلى التداني إن تباعدت الشعوب وتنازحت  الديار كما لتباينها أسباب تتنافر من أجلها وإن تقاربت الأنساب وتنازحت المقار والفضائل الفاضلية القريرة والمناقب الشهيرة التي قد سار ذكرها في الآفاق سير القمر وعطلت مزيتها مروي السير وتليت محاسنها كما تتلى السور وصار الفوز بمناسمة رياها من أفضل ما أسفر عنه سفر ولو عاينها الصدر الأول لمدح في دراستها السهر وما جدب السمر فلا غرو أن تحن النفوس إلى محل كمالها ومأوى تضافر أضدادها التي انفرد بجمالها ومثوى مواهبها التي هبطت إليه من المحل الأرفع لما سمي لها وسما لها ومن هو أمينها المصدق لظنونها، ويمينها إذا كان غيره يمينها وشمالها وقد زادها إفراط حسن التبيان فلله در ذلك البيان فلكم استفادت حجته إلى أمر الله من الطوائف والفرق وكم قص كتابه من كتائب الضلال وفرق.

.

ثم ذكر وصف بلاغته بما أطال فيه ووصف البحر الذي ركبه حتى خلص إلى مصر ثم قال وقد أرسل هذه الخدمة مستخرجة للإذن في الحضور والتشرف بميمون اللقاء وإن زاحم به أوقات الطاعات ومواقيت الأذكار وشغل على اختصاره عن شيء من المهام والأوطار. وللمتوكل لنفسه أن يدعي أن في ذلك ضربا من ضروب البر فإنه قد أصبح ولله الحمد في هذا الطرف لقاطنيه وطارقيه كالأب البر. والمنشود من الأريحية الكريمة إكرام مثوى خدمته وتلقيها بما يزيل عنها انقباض الغريب ووحشته وحيرة القادم ودهشته فعنده حياء طبيعي لعلة متجاوزة للقدر المحمود غذيت به طفلا فإن رمت غيره عصاني وأغرتني به ألفة المهد. وكتب إليه بعد الحضور عنده رقعة منها:

وحضر الشيخ النفيس وصحبته ما قابل كريم الاهتمام الذي صدر عنه من الأدعية والأثنية بما لا يزال يواليه ويرفعه ويهديه ولقد أخجله أن يرى نفسه في صورة مثقل أو يرى بعين غير موحد في دين هواه متنقل. ومقترحه أن يخص من حسن الرأي العالي بشعار يبهج ولا ينهج ويشرع له سبيلا في الفخر وينهج وأن يشير بأسطر بالخط الكريم يفوق المال ويبقى الجمال فأبقى السمات ما خطته يمينه وأثبت الصفات ما دل عليه تزيينه وأزكى الشهادات ما تطوع به كرمه وأعطر رياض الحمد ما أنبتته ديمه. وقد حصل الخادم بين نزاع يحضه على حضور الخدمة وينشطه وخوف إبرام يقبضه ويثبطه. وقد ترجم عن حاله هذه بأبيات الشاعر أبي عبد الله وهي: [الخفيف]

 (حالة قد حصلت للخوف منها ... حول دار الأستاذ في عشواء)

 (إن تأخرت أو تقدمت فيها ... ساء ظني في الموضعين برائي)

 (لست أدري من الضلال أقدَّا ... مي خير في ذاك أم من ورائي)

 (أوثر الخدمة التي تؤثر اسمي ... عندكم في جريدة الأولياء)

(ثم أخشى أني أعد إذا جئت ... من المبرمين والثقلاء)

 (قد تحيرت فاجعلوا أنتم اسمي ... حيث شئتم من هذه الأسماء)

 ومن خطه: ومن عبث الخاطر وهوسه أبيات تشوفت فيها الحجاز بعد مجاورتي بالحرم الشريف بمكة قدسها الله سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين وهي: [الطويل]

 (خليلي هل يشفي من الوجد وقفة ... بخيف منى والسامرون هجوع)

 (وهل لِلُيَيْلات المحصب عودة ... وعيش مضى بالمأزمين رجوع)

 (وهل سرحة بالسفح من أيمن الصفا ... رعت من عهودي ما أضاع مضيع)

(وهل قوضت خيم على أبرق الحما ... وما ذاك من غدر الزمان بديع)

 (وهل تردن ماء بشعب ابن عامر ... حوائم لو يقضى لهن شروع)

 (وما ذاك إلا عارض من طماعة ... له بقلوب العاشقين ولوع)

 (وإني متى أعص التجلد والأسى ... فللشوق مني والغرام مطيع)

 (فيا جيرتي إذ للزمان نضارة ... وعودي نضار والخيام جميع)

 (بنعمان والأيام فينا حميدة ... ووادي الهوى للنازلين مريع)

 (وما أزمع الحي اليمانون نية ... ولا ريع بالبين المشت مروع)

(كفى حزنا أني أبيت وبيننا ... من البيد معدو الفجاج وسيع)

 (أعالج نفسا قد تولى بها الأسى ... وطرفا يجف المزن وهو هموع)

ومن خطه أيضا بيتان صدرت بهما كتابا في هذه الرقعة إلى بعض الإخوان بمكة حرسها الله تعالى: [الطويل]

 (ألا قل لجيران الصفا ليت داعي الـ... ـتفرق أعمي يوم راح مناديا)

 (لعمري لقد ودعت يوم وداعكم ... بشعب المنقى شعبة من فؤاديا)

ومن خطه رسالة كتبها إلى الفاضل أيضا يسأله شيئا من رسائله قال في آخرها فصار مثل العوارف التي قد اقتصر في ذكرها على الإيماء وقوفا مع محتد سيدنا أطال الله بقاءه مبسوط اليد في عباد الله بالفرض مقرضا له عناء همه فيهم أحسن القرض منجزا لهم ما وعد. وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض عند الخادم. ومثله كالبيت من القريض قبل القافية والمريض الذي مطلته الأيام بالعافية فلا يكمل ذاك ولا يروق ولا يتطرب به المشوق ولا يترنم به الكئيب ولا يتسلى به الغريب دون تمامه وتكافؤ أجزاء نظامه وعبقه بمسك ختامه ولا يحس هذا بلذة على الحقيقة وإن شرفت حتى يجد روحه روح الشفاء فيدرك مزيتها بطرق الصحة ومروءتها بحاسة سمعها وتساعفه الأقدار بتكميلها لك وجمعها. [الطويل]

 (وما أسفي إلا عليها فإنني ... بقرطاسها لا بالدنانير أكلف)

 (فجد لي بما أهواه منها فإنني ... سألحف في استيهابها وأكلف)

 (وما هذه الأهواء إلا غرائز ... قبيح لدى نقادها المتكلف)

 وإن كان الخادم عن حال من شرف بهذا من أفناء الناس ولم يكمل بعدته الاستئناس فليس له أن يكون معترضا ولا أن يتلقى ذلك بغير التسليم والرضا فإن الخدمة السامية هي التي تبين لديها الأقدار وبأفعالها تترتب المنازل وتتفاوت الأخطار.

 وكنت عند كوني بمرو عرض علي شيخنا فخر الدين أبو المظفر عبد الرحيم ابن تاج الإسلام أبي سعد السمعاني تغمدهما الله برحمته جزءا يشتمل على رسائل للحسن القطان إلى الرشيد الوطواط محشوة بالسب له والثلب تصريحا لا تعريضا ويلزمه الحجة في أنه نهب كتبه وسلبه نتيجة عمره ويستحسب الله عليه. وضاق نطاق الزمان من تحصيلها وكتبها وقلت: [الطويل]

 (وكم منية خلفت خلفي وبغية ... ومن حاج نفس حال من دونها الترك)

 (إذا ذكرتها النفس حنت وأرزمت ... وودت لفرط الوجد أدركها الفتك)

 (سلام على تلك الديار وقدست ... نفوس بمثواها ثوى العلم والنسك)

 وبقيت نفسي إليها متطلعة وإلى مكنونها متلفتة فظفرت برسائل الرشيد محمد بن محمد بن عبد الجليل العمري البلخي المعروف بالوطواط متضمنة لأجوبة يدل آخرها على إضراب القطان عن تهمته والإذعان بإبراء ساحته. نسخة الرسالة الأولى:

 "بسم الله الرحمن الرحيم": قرع سمعي من أفواه الواردين وألسنة الطارئين على خوارزم أن سيدنا أدام الله فضله كلما تفرغ من مهمات نفسه ووظائف درسه أقبل بمجامعه على أكل لحمي والإطناب في سبي وشتمي وينسبني إلى الإغارة على كتبه ويبالغ في هتك أستار الكرم وحجبه. أهذا يليق بالفضل  والمروة أو يجمل بالكرم والفتوة أن يفتري على أخيه المسلم بمثل هذا الكذب المقلق والبهتان المؤلم والله إذا نفخ في الصور يوم النشور وبعثت هذه الرمم البالية من الأجداث متدرعة ملابس الحياة الثانية وجمعت عباد الله في مواقف العرصات وتطايرت صحائف الأعمال إلى أربابها وسئلت كل نفس عما كسبت فمن مسيء يسحب على وجهه إلى النار ومن محسن يحمل على أعطاف الملائكة إلى الجنة لم يتعلق في ذلك المقام الهائل أحد بذيلي طالبا مني ملكا غصبته ولا مالا نهبته أو دما سفكته أو سترا هتكته أو شخصا قتلته أو حقا أبطلته وهأنذا قد آتاني الله من الوجه الحلال قريبا من ألف مجلد من الكتب النفيسة والدفاتر الفائقة والنسخ الشريفة ووقفت كلها على خزائن الكتب المبنية في بلاد الإسلام عمرها الله لينتفع المسلمون بها ومن كانت عقيدته هكذا كيف يستجيز من نفسه أن يغير على كتب إمام من شيوخ العلم أنفق جميع عمره حتى حصل أوراقا يسيرة لو بيعت في الأسواق لما أحضر بثمنها مائدة لئيم الله الله لا يفترين سيدنا أدام الله فضله فافتراء الكذب على مثلي ذنب يتعثر في أذياله يوم القيامة وليخافن الله الذي لا إله إلا هو وليتذكرن يوما يثاب الصادق فيه على صدقه ويعاقب الكاذب على كذبه والسلام

 فورد على الرشيد جواب عن هذه الرسالة يكون في نحو كراستين يغلظ له في القول ويصرح فيه بالسب والتهمة فكتب إليه الرشيد:

 "بسم الله الرحمن الرحيم": ورد كتاب سيدنا أطال الله بقاءه في دولة مفترة المباسم ونعمة متجددة المراسم مشتملا من الإيذاء والإيحاش، والإبذاء والإفحاش على كلمات بل على ظلمات لو أطفأ أدام الله علوه بعض لهبه وسكن نائرة غضبه ثم عاد إليه متصفحا لألفاظه ومعانيه متفحصا عن مقاطعه ومبانيه لما ارتضى ذلك من دينه وعقله ولما استحسنه من كرمه وفضله إلا أني أعذره فيما قال قصر كلامه أو طال لعلمي أنه أدام الله علوه مسلوب مغلوب جريح أسنة القهر طريح صدمات الدهر عضته أنياب النوائب وخدشته أظفار المصائب نهبت كتبه وأمواله وغصبت رحاله وأثقاله وطالب الثأر يقصد كل راجل وفارس وصاحب الضالة يتهم كل قائم وجالس ولقد علم سيدنا أدام الله علوه أن وقعة مرو عمرها الله كانت واقعة عامة شملت كل جبهة وحافر وطبقت كل صائح وصافر وكان قد لحقت في ذلك الوقت بعسكر خوارزمشاه من طبقات الناس أوزاع وأخياف ومن حشرات الأرض أنواع وأصناف قصارى همهم القتل والإغارة ومنتهى أربهم الإحراق والإبارة وأوباش مرو  أيضا كانوا يخرجون من مكامنهم في الليالي ويتعرضون لبيوت السادات والموالي فليس بمستبعد أن يكون قد ظفر بكتبه من أولئك الأقوام أحد لا يعرف شأنه ولا يعلم مكانه أما أنا فالله تعالى يعلم وقد خاب من استشهده باطلا أني ما فتحت للإغارة بابه ولا نهبت كتابه بل ذهبت يوما على مقتضى إشارته الكريمة لأحمل كتبه إلى المعسكر فلما دخلت داره الرفيعة ورأيت كتبا كثيرة فوق ما يحيط به عد أو يشتمل عليه حد فقلت نقل هذه أمر مشكل وحمل هذه خطب معضل فتركتها بحالتها في أماكنها وخليتها برمتها في معادنها وخرجت كما دخلت خالي الحقائب فارغ الزكائب فإن كنت غصبت يوم وقعة مرو أو قبلها أو بعدها من كتبه أدام الله علوه كتابا أو جزءا أو دفترا أو من سائر أمواله شيئا صغر أو جل كثر أو قل أو رضيت أن يغصبه أحد من أتباعي والمنتمين إلي أو عرفت غاصبا غصبه أو ناهبا نهبه فأخفيت ذلك عنه أو كتمته منه فأنا بريء من الله وهو بريء مني وإن كنت فعلت بنفسي شيئا مما ذكرت أو رضيت أن يفعله أحد من المتعلقين بي أو عرفت فاعلا فعله فعلي لله أن أحج بيته المعظم المكرم راجلا حافيا وعلى عاتقي الزاد والمزادة عشر مرات وإن كنت فعلت شيئا من ذلك أو رضيت أن يفعله أحد من المتعلقين بي أو عرفت فاعلا فعله فكل مال ملكته يميني فهو في سبيل الله على مساكين الحرمين وإن كنت فعلت شيئا من ذلك أو رضيت أن يفعله أحد من المتعلقين بي أو عرفت فاعلا فعله فكل عبد ملكته أو أملكه فهو حر وإن كنت فعلت شيئا من ذلك أو رضيت أن يفعله أحد من المتعلقين بي أو عرفت فاعلا فعله، فكل امرأة تزوجتها أو أتزوجها فهي طالق مني ثلاث طلقات هذه الأيمان والنذور كتبتها ببناني وأجريتها على لساني لا خوفا من غوائله ولا هربا من حبائله فإن الصلح آمن أهله والإسلام جب ما قبله ولكن إظهارا لخلو راحتي وبراءة ساحتي وشفقة عليه أدام الله علوه وصيانة لفاضل مثله لا مثيل له في أقطار الشرق والغرب وأقاصي البر والبحر أن يسلك طريقة غير مستصوبة ويختار شريعة غير مستعذبة. عصمنا الله وإياه مما يورث ذما ويعقب إثما.

 وقد بعث في قران هذه الخدمة خدمة أخرى مفرطة في الطول مجررة للذيول منسوجة على منوال آخر كالكي للداء إذا استحكمت شدته وتطاولت مدته وعجز الأساة عن معالجته والأطباء عن مداواته وهديته أدام الله علوه فيها النجدين وأريته الطريقين ودفعت عنان الاختيار إليه ووضعت زمام الإسار في يديه ليسلك منهما ما يشاء إما ما يسر به وإما ما يساء. وفقه الله للصواب والأصلح وأسعده بالأرشد والأنجح وجعله من الصالحين المصلحين والفائزين المعلمين إن شاء الله تعالى والسلام.

 وكتب إليه مع الكتاب المتقدم ذكره:

 "بسم الله الرحمن الرحيم": صادفني أطال الله بقاك في دولة مشرقة الكواكب ونعمة هاطلة السحائب وسلامة طيبة المشارع والمشارب خطابه الكريم وكتابه الشريف بخوارزم وأنا ناعم البال منتظم الحال ومن النفس في دعة ومن العيش في سعة والحمد لله على ذلك وبه الثقة والحول وله المنة والطول وحين تنسمت من يد حامله رياه وثبت من مكاني مستقبلا إياه ومددت إليه يميني مد معز مكرم. وأخذته بطرف كمي أخذ مجل معظم وقلت في نفسي كرامة ساقها الله تعالى إلي وسعادة ألقت أنوارها علي وأرسلت في الحال قاصدا  ذروات الأشراف وسروات الأطراف وبعثت في الساعة مسرعا إلى رجالات الأخبية والأبنية وساكنة الأباطح والأودية ودعوت من كل حلة رئيسها وزعيمها ومن كل خطة كبيرها وعظيمها حتى اجتمع عندي البدوي والحضري واحتشد في ربعي الربعي والمضري ثم عرضت عليهم كتابا شريفا بختمه وحنيت ظهري لتقبيله ولثمه وطلبت خطيبا مصقعا من بلغاء بني معد صحيح اللسان فصيح البيان ووضعت له في منزلي منبرا من الساج مغشى بالدرر والديباج ليصعد به ذرى الأعواد ويقرأه على رؤوس الأشهاد فرفع الكل أصواتهم يمنة ويسرة وسألوني خفية وجهرة ما هذا الذي تظهره لنا وتعرضه وتوجب علينا سماعه وتفرضه فقلت كتاب إمام لم تلمح عين الزمان لمثله ولم تسمح يد الليالي بشكله كتاب إمام هو في العلم صاحب آيات وفي الفضل سابق غايات إمام تطلع نجوم الجو دون قدره وتحسد رياض الخلد أطايب صدره كتاب إمام تم به حساب العلماء كما تم برسول الله حساب الأنبياء صحيفة فخر حررتها يد بيضاء وقلادة مجد رصعتها همة روعاء ونشرت من معالي سيدنا أدام الله علوه ومفاخره وذكرت من مناقبه ومآثره ما امتلأ بنشره النادي وسال من ذكره الوادي فسكنوا وسكتوا وأصغوا وأنصتوا فلما فضضت ختامه وحدرت لثامه شاهدت في أثنائه من الفزع الأكبر وعاينت في أدراجه من أهوال يوم الحشر ما أطال السهاد وأطار الرقاد وشق جلباب الصبر ومريطاء الجلد، وجرح سواد العين وسويداء الخلد حسبته حلة خسروانية فوجدته حربة هندوانية كتاب لا بل كتائب تفل كل جيش وخطاب لا بل خطوب تكدر كل عيش وكلام لا بل في الأضالع كلام وفصول لا بل في الجوانح نصول وأسجاع مؤنقة لا بل أوجاع موبقة كله كأنه نازلة الدهر وقاصمة الظهر كأنما ألفاظه أنياب الأراقم ومعانيه أظفار الضراغم هو أدام الله علوه دفاع الأمراض بطبه فلم أمرضني بفضائح سبه ونطاسي الجراح بعلمه فلم جرحني بقبائح ظلمه؟! [المتقارب]

 (وممن أرجي شفاء السقام ... ومسقمتي جفوات الطبيب)

ما هذا الإنذار والإيعاد وما هذا الإبراق والإرعاد كأنه صاحب دلدل وفارس يليل أو كأنه من أقيال اليمن وأبطال الزمن أو كأنه ثعبان الحرب وشيطان الطعن والضرب وذكر البول أولى به من ذكر الهول وحديث البراز أولى به من حديث البراز: [مجزوء الرمل]

 (إن للهجر رجالا ... ورجالا للوصال)

قال أدام الله علوه مصصت دمي من عرقي أوليس يدري أن امتصاص الدماء من خصائص بضاعته والتصرف في اللحوم والعظام من لوازم صناعته رحم الله امرأ عرف قدره ولم يتعد طوره وشر ما في بني آدم من الخصال الذميمة والأفعال اللئيمة إيذاء الصغار والكبار وإيحاش العبيد والأحرار. وهذا له أدام الله فضله جبلة فطر عليها وطبيعة استرسل معها وسجية شهر بين العامة والخاصة بها يشتم كل يوم في منزله ومكانه وعلى سدة داره وطرف دكانه خلقا كثيرا وجما غفيرا من الرافعين قصصا إليه والعارضين عللهم عليه فيرجعون وجفونهم تتصوب عبراتها وقلوبهم تتصعد زفراتها لما يلاقون من سوء خلقه ويقاسون من خشونة نطقه ويقفلون وألم ذلك التهجم والإعراض والوقيعة في الأحساب والأعراض أشد عليهم من ألم الأسقام والأمراض ولهذا جعل شخصه وصير نفسه مع أنه أفضل زمانه وأعلم أولاد قرانه ضحكة الأداني والأقاصي وسخرة للأذناب والنواصي حتى صار بحيث إذا مشى في الأسواق تعادى صبيان البلد حوله فيسخرون منه ويضحكون عليه وينعرون في قفاه ولا أقول فيه أدام الله علوه إلا ما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في ابن المقفع حين رأى كمال فضله ونقصان عقله علم وافر وعقل قاصر ومن قصور عقل  ابن المقفع أنه مر ببيت النار وكان من أولاد كسرى فتنفس الصعداء وتمثل ببيت الأحوص بن محمد الأنصاري: [الكامل]

 (يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكل)

 فاتهم بالمجوسية فألقي في تنور مسجور فأحرق وما أصدق من قال: (قيراط عقل خير من قنطار فضل ومثقال حلم أنفع من مكيال علم) أنكر أدام الله علوه رشاد مذهبي وإنكاره ضلال وجحد سداد سيرتي وجحوده باطل محال فيا طير الله جمجمة فرخت فها الأضاليل وباضت ويا أسكت الله شقشقة دفعت منها الأباطيل وفاضت ولا أعني بهذه الجمجمة إلا جمجمته التي لا عقل فيها ولا أريد بهذه الشقشقة إلا شقشقته التي يباينها الصدق وينافيها

 حتى متى يتهمني بظنه وإلى كم يجرعني دردي دنه أيحسب أدام الله علوه أن ظنه الباطل وخياله الفاسد ووهمه الكاذب وحي من السماء إلهي أو إلهام في الحقيقة رباني أو آية نفث بها روح القدس في روعه لا بل هو واحد من أبناء زماننا وهذا شر الأزمنة عجم الشيطان عوده فاستلانه فصير خزانة خياله مكانه فهذه الخطرات التي تختلج في جنانه وتدور حول حسبانه من تلك الخيالات الشيطانية لا من الإلهامات الربانية. ولقد بلغني من أفواه الرواة وألسنة الثقات أنه أدام الله علوه أخذ بعين هذه التهمة الكاذبة قبل هذا واحدا من أعيان جلدته وسكان بلدته وهو مسعود بن المنتخب رحمه الله فأغار على أهله وبيته وتعرض لحيه وميته وخرب دوره ورباعه وغصب أثاثه وباعه من غير حجة صححها ولا بينة أوضحها اللهم اصرع الظالم على الهامة وخذ منه للمظلوم حتى يرضى عنه يوم القيامة ومما أقضي منه العجب أن عهدي به أدام الله عزه قد كان يخرب الأبدان فها هو الآن يخرب الأوطان وما أسرع الدهر إلى تغيير البشر وما أقدره على تبديل الصور والسير!!.

 قرأت في بعض الكتب أن خليفة من الخلفاء رأى في منامه أن واحدا من ندمائه وثب عليه ليقتله فلما أصبح استدعى النديم وأمر بقتله فقال له النديم ماذا فعلت من الذنب حتى استوجبت هذه العقوبة قال الخليفة ما فعلت شيئا ولكني رأيت في المنام أنك تقتلني فقال له النديم إن يوسف بن يعقوب صلوات الله وسلامه عليهما مع كونه صديقا نبيا احتاجت رؤياه إلى تعبير وافتقرت أحاديثه إلى تأويل وتفسير أفتستغني رؤياك عن مثل ذلك فضحك الخليفة وخلاه. وأنا أقول هكذا ظنون جميع ذوي الألباب معرضة للخطأ والصواب كأنه أدام الله علوه تفرد من بينهم بذاته وتوحد بعظمة صفاته فتنزهت ظنونه عن السهو وتقدست أحاديثه عن اللغو عصمنا الله من الكبر البائن والعجب الشائن أما حان أن ينتبه أدام الله علوه من غفلته ويستيقظ من رقدته وقد بلغ غاية شيبه وأخذ الموت بلحيته وجيبه يقرع كل ساعة منادي الفناء في أذنه الصماء أن اترك أوطانك واهجر أهلك وجيرانك وارحل إلى جهنم بخيلك ورجلك فإنها قد أوقدت نيرانها لأجلك وما حرص جهنم على شيء كحرصها على إحراق شيخ  غوي وهم غبي سيئ الخليقة مذموم الطريقة يتظاهر بالإثم والعدوان ويتبع خطوات الشيطان هو أدام الله علوه بلغ ساحل الحياة ووقف على ثنية الوداع وهم بحر عمره بالنضوب ومال نجم بقائه للغروب فما ظنه هل في الحياة طمع وقد بليت جدته وفنيت مدته وتراجع أمره وأربى على الثمانين عمره؟: [الطويل]

 (أيرجو الفتى عودا إلى طيباته ... وقد جاوزت رأس الثمانين سنه)

 كتبت هذه الأحرف على سبيل النموذج والجواب بعد في الجراب والسيف لم يسل من القراب فإن انزجر أدام الله علوه واتعظ وترك الفظاظة والغلظ وعاد إلى كرم العهد وصفاء الود فأنا خادم مخلص وعبد مطيع وتلميذ معتقد: [الطويل]

 (وإلا فعندي للعدو وقائع ... تريه المنايا لا ينادى وليدها) 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.