أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-7-2016
2479
التاريخ: 2023-12-30
1109
التاريخ: 27/10/2022
1528
التاريخ: 19-1-2016
2264
|
قال الإمام علي (عليه السلام): (كفى بفعل الخير حسن عادة) (1).
في داخل كل إنسان نفخة من الروح، وطينة من الحمأ المسنون، خيراً كان أو شريراً. فحتى ذلك الشرير حينما تخاطب جذور الخير والدوافع النبيلة فيه، ويتوسل بها في التعامل معه، فإنه يشعر في قرارة نفسه أن مخاطبه ذو فضل عليه، وأن مخاطبه يقدره، ويحترمه، وبالتالي فإنه يخجل من أن لا يتعامل مع مخاطبه بطريقة لائقة. هذا بالنسبة للإنسان الشرير، فكيف بالخير؟
بلا ترديد، ان الدوافع النبيلة، ودوافع الخير والفضيلة (*)، أكثر استيقاظاً في الإنسان الخير، منه في الشرير، ذلك لأن الأول هو البيئة الصالحة للخير. وحيث أن الأمر كذلك، فإن التوسل بالدوافع النبيلة والخيرة في الناس ومخاطبتها، قاعدة لا يستهان بها في جذبهم، وكسبهم، والتأثير فيهم، وتغيير طباعهم. وكم من أناس أشرار انتقلوا من جحيم الشر، إلى جنة الخير بفعل من توسل بدوافع الخير والفضيلة والنبل فيهم! فكان هذا التوسل هو بمثابة إنقاذ الغريق من أحضان الموت.
وقد يسأل السائل: كيف التوسل بدوافع الخير والفضيلة في الناس؟ إن ذلك يتم بمخاطبة جانب الخير في الإنسان وإثارته.
ومثال على ذلك: أن يقول المرء لشخص: انني أثق بك، وأصدق وعودك فإنه حتى لو كان هذا الشخص ممن ليسوا ثقة وغير صادقي الوعود، لا بد أنه سيحاول أن يحتفظ بتلك الصورة التي ارتسمت للمرء عنه. وكما يقال: حينما تبني للإنسان قصراً من الزجاج في قلبك، فلن يحاول أن يرميه بحجر!
وحينما تطلب من إنسان القيام بعمل، وتبدأ طلبك بأن تقول له: إنني أتوسم فيك الخير، وإني لواثق من أنك لن ترد طلبي، فإنه سيقوم بالعمل لك، ولن يردك خائباً.
وقد تسأل: لماذا؟ والجواب: لأنك رسمت له صورة جميلة في ذهنك وقلبك، وتوسلت بدوافع الخير والنبل والنجابة في أعماقه.
وما من إنسان إلا ويحب الخير في قرارة نفسه، خيراً، أو بالغاً ما بلغ من الشر. والتعامل معه على أساس استشارة دوافع الخير والنبل، لا بد وأن يثير فيه الرغبة فعلا، ويجعل كل خلية من خلاياه تتجه نحو العمل الصالح. بل أن قسماً من الأشرار لا يحتاجون في إصلاحهم سوى تقديرهم، والتوسل لدوافع الخير فيهم. والإنسان حتى لو كان شريراً فقد لا يعترف بأنه كذلك، ولربما يعتقد أو يدعي بأنه يتوسّل في معاملاته مع الناس بطريقة صالحة، أفلا تكون مخاطبة أصل الخير فيه وسيلة لائقة لإصلاحه، وإصلاح معاملته الناس؟
وعن تأثير هذا الأسلوب في الشخص الآخر، يقال أن صحفياً أراد أن يلتقط صورة فوتوغرافية لأحد المشاهير في حالة غير لائقة، فالتفت إليه الأخير، وقال له: إن مثل هذه الصورة لن تروق لأمي، ولن ترضيها. وسرت هذه الكلمات في مسامع الصحفي، وحركت مشاعره، فامتنع عن التقاط الصورة. والسبب أن الآخر توسل بدافع خير ونبيل في الإنسان، وهو حبه لأمه، ومحاولته جلب رضاها.
إن الناس الأمناء المخلصون، ومنهم ليسوا كذلك. وحتى هؤلاء الأخيرين يستحيلون إلى أناس من نوع آخر حينما يعاملون على أنهم منصفون مخلصون. وكم من أناس مشاكسين عنيدين تحولوا إلى منصفين بفعل مخاطبة دوافع الخير والفضيلة والنبل فيهم، والتوسل إليها! ومن أولئك: المستأجر المشاكس، فماذا كانت قصته؟
يقال أنه كان لدى صاحب شركة كبيرة مستأجر مشاكس، لا يفتأ يهدده بإخلاء مسكنه بين آن وآخر. وقبل انقضاء عقد الإيجار بأربعة شهور، أنذر هذا المستأجر بأنه سيخلي مسكنه، بغض النظر عن العقد المبرم بينهما. قال السيد صاحب الشركة وهو يروي القصة: قضى هذا الرجل في بيتي فصل الشتاء بطوله، وهو أسوأ فصول السنة، وأكثرها ازدحاماً براغبي السكن، ومن ثم أيقنت أنه إذا أخلى مسكنه، فسيتعذر علي ايجاد بديلا منه قبل حلول الشتاء الثاني. ورأيت بعين خيالي مائتين وعشرين دولاراً ـ هي المبلغ المتبقى في عقد الإيجار ـ تذروها الرياح. وكنت في حالة كهذه أهرع إلى المستأجر، وأنصحه ساخراً، أن يقرأ العقد مرة ثانية، فإذا اعتزم إخلاء المسكن، وجب أن يدفع باقي الإيجار نقداً وعداً!
ولكنني بدلا من تمثيل هذا المشهد، قررت أن أجرب أسلوباً آخر. فذهبت إلى المستأجر العنيد، وبدأت حديثي معه كالتالي: لقد أستمعت إلى قصتك، ولكنني ما زلت مستريباً في أنك تنوي الانتقال حقاً. إن خبرة أعوام طويلة في تأجير المنازل قد علمتني شيئاً عن الطبيعة الإنسانية، وقد توسمت فيك ـ من البداية ـ رجلا يحافظ على وعده، وما زلت عند حسن ظني بك. ولهذا أقترح عليك أن تنحي قرارك جانباً لبضعة أيام، وتفكر في الأمر، فإذا أتيت إلي في أول الشهر المقبل - عندما يحل موعد الإيجار ـ وأخبرتني أنك ما زلت مصراً على الانتقال، فإني أعدك أن أتنازل عن حقوقي كافة، وأسلم بأني: كنت مخطئاً في ظني! على أنني ما زلت أعتقد أنك رجل يحافظ على كلمته، ويقوم بتنفيذ وعـده، إذ نحن آخر الأمر، إما آدميون أو قردة، والخيار عادة متروك لنا.
(فلما أقبل الشهر التالي، أتى الرجل ودفع الإيجار، ثم حدثني بأنه تناقش وزوجته في الموضوع، فقر رأيهما على أنه أكرم لهما وأشرف أن يوفيا بتعهداتهما لي!).
وثمة نقطة من المهم ذكرها، أن بعض الناس تحت تأثير ظروف خاصة - كتحقيق منافع، أو كسب رضا السلطان، أو التزلف له ـ قد يطفئ جذوة الخير ويميت دوافع النبل فيه، فيمسي يخالف عقله مهما توسّلت بالدوافع النبيلة فيه، فلا يستجيب لنداء العقل ويصر في عناده وتعنته.
والآن إذا شاء المرء تغيير طباع الناس إلى الأفضل، وجعلهم يفعلون ما يريدهم ان يفعلوه من أعمال الخير، خليق به أن يخاطب دوافع الخير والفضيلة والنبل فيهم، وأن يتوسل إليها، فهذه قاعدة هي من الأهمية بمكان في معاملة الناس واستصلاحهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغرر والدرر.
(*) مما هو جدير بالإشارة اليه أن التوسل الى دوافع الخير والفضيلة لدى أصحاب الضمائر الحية، من الأساليب المهمة والمؤثرة في الدفاع عن حقوق الإنسان، وايقاف الانتهاكات لتلك الحقوق.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
أكثر من 23 ألف نازح لبناني يستفيدون من خدمات مستشفى العتبة العباسية الميداني في سوريا
|
|
|