المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6253 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



معرفة النفس  
  
2065   03:57 مساءً   التاريخ: 11-7-2021
المؤلف : السيد عبد الاعلى السبزواري
الكتاب أو المصدر : الاخلاق في القران الكريم
الجزء والصفحة : 480-489
القسم : الاخلاق و الادعية / الفضائل / فضائل عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-3-2021 2702
التاريخ: 2024-07-18 515
التاريخ: 2024-09-01 342
التاريخ: 2024-07-25 491

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة : 105].

آية عظيمة في معرفة النفس والرجوع إليها وتهذيبها بالأخلاق الفاضلة وتكميلها بالكمالات الحقيقية، فيأمر عز وجل المؤمنين رحمة بهم بأن يكون شغلهم الشاغل لزوم أنفسهم والنظر فيها ورفع نقائصها ، وأن يصرفوا همهم في التخلية والتحلية ليتجلى لهم الرب فينبئهم بما عملوا ولا يضرهم عمل الغير وضلاله إذا لم يكن قابلا للهداية فلا يمنعكم ضلالهم إذا كنتم على هداية ولا يوحشكم فقدانهم ، وقد بين عز وجل في هذه الآية الكريمة مواقع النفوذ إلى النفس والتسلط عليها ومن ذلك يعلم وجه الارتباط بما سبقها من الآيات التي بينت بعض عيوب النفس والعادات السيئة التي كان عليها أهل الضلال ، وهي من الأمثال القرآنية التي تضرب بها الأمثال.

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة : 105].

خطاب لأهل الإيمان لما فيهم من الأهلية للتخاطب معهم ، وإن لهم القابلية لمراعاة المضمون والالتزام بالمقصود. والمراد بقوله {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [المائدة: 105] أي الزموها بالصلاح والتزكية واحفظوها من اقتراف المعاصي وارتكاب الآثام.

فعليكم من كلم الإغراء وهو اسم فعل أمر ، و { أنفسكم } على النصب مفعوله ،  وقرئ بالرفع فيكون الكلام حينئذ مبتدأ وخبرا أي لازمة عليكم أنفسكم.

قال تعالى : {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة : 105].

أعظم آية في بيان السلوك الذي يسلكه العارف وينقطع إليه القاصد

ويتحراه الميطع الواله ، ومن المعلوم أن الضلال والاهتداء إنما هما من صفات الطريق المسلوك وربما يتصف بهما السالك بالعناية ، فلا بد للإنسان أن يسلك طريقاً فإما طريق الهداية والسعادة والعاقبة الحسنى التي بينها عز وجل في حكم كتابه الكريم ، أو طريق الضلال والغواية والشقاء وبالآخرة سوء العاقبة التي ذكر تعالى خصوصياتها فقد قال تعالى : {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } [البلد: 10]

وقال تعالى : {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3]

ولا ريب أن من التزم طريق الاهتداء سواء قلنا بأنه الصراط المستقيم الذي ذكره عز وجل في الفاتحة وأمرنا بطلب الهداية منه وتوفيقنا بسلوكه فتكون طرق الضلال هي السبل المنحرفة التي تتفرق بنا عن سبيله ، أو قلنا بأن الضلال والاهتداء وصفان لطريق واحد ، فمن لازم متن الطريق يوصله إلى المقصد والغاية المطلوبة ، وإن خرج عن مستواه كان ضلالا فلا يصل إلى الغاية المنشودة ولا يدرك الكمال والعادة المطلوبة ، فمن لزمه نجا ومن تقدم أو تأخر ضل وغوى.

الآية الشريفة تبين أمورا في هذا المجال :

الأول : أنه لا بد من طريق يسلكه الإنسان في حياته العملية وهناك طريقان طريق الهداية وطريق الضلال وكلاهما يرجعان إلى الله تعالى.

وتأمر المؤمنين بلزوم أنفسهم  بحملها على الطاعة والانقياد إلى خالقها والاعتناء شأنها فلا يضيعوها باقتراف المعاصي والآثام.

الثاني : أنه لا بد من غاية في هذا السفر وهي تختلف بحسب اختلاف أفراد الإنسان والجميع يرغب في ثواب الله وإنما يناله المهتدون السالكون طريق الهداية ويحرم عنه الضالون السالكون طريق الضلال فالكل ينتهي إليه سبحانه وتعالى وعنده الغاية المقصودة إلا أن الطرق مختلفة ، فبعضها يوصل الإنسان إلى الفلاح والسعادة ، وآخر يضرب عليه الخيبة والحرمان ويوقعه في الشقاء الأبدي والعناء الدائم ، وتدل على ذلك آيات كثيرة ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6] ، فإذا كان الجمع ساترين إليه وأن الطرق لا بد أن تنتهي إلى ما عنده ولكن باختلاف الغاية كما عرفت ، فلا بد للإنسان أن يسعى في معرفة الطرق الموصلة إلى الغاية المنشودة وتمييزها عن غيرها من الطرق التي لا تنتهي إلا إلى الهلاك والبوار ، وأن على المؤمن أن يشتغل بنفسه ويصلحها ولا يهمه ضلال غيره وما هم عليه من المعاصي والآثام فإنه كفى بنفسه شاغلا ، وقد تقدم في قوله تعالى : {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة : 100] ما يرشد إلى ذلك فإن العاقل اللبيب إذا رأى كثرة المعاصي واهتمام الناس بالخيانة وهتك الحرمات يزداد ثباتاً في وجه الباطل ولا يشغله ذلك وأن كثر أفراد عن التمسك بالحق وإن قل طلابه فإن الجميع سيحاسبون وتعطى كل نفس هداها ، وقد قال عز وجل : {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [البقرة: 134].

الثالث : تطمين المؤمنين المشغولين بأنفسهم المشتغلين بإصلاحها وتهذيبها بالوصول إلى الغاية المرضية وأنه لا يصيبهم ضرر من غيرهم الضالين الذين عكفوا على الضلال وارتكاب الآثام والصد عن الحق فلا يتأثروا من ضلال هؤلاء ولا يوجب ذلك صرفهم عن أهم أمر في حياة الإنسان العملية وهو إصلاح النفوس.

الرابع : إن الآية الشريفة تدل بالدلالة الالتزامية على نهي المؤمنين من التأثر من ضلال الضالين المعاندين للحق الصادين لأهله فلا يحملهم ذلك على ترك طريق الهداية فينشغلوا بهم وينسوا أنفسهم وحينئذ يصيرون مثلهم ثم يتعذرون بأمور واهية ويتعللون بعلل فاسدة ، وقد كان لهم في كل زمان أعذارا ، فطوراً كانوا يقولون بما حكى عنهم عز وجل : {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } [القصص: 57] ، وطوراً آخر يقولون إن الذي يبغون صار بالياً وأن المدنية الحاضرة لا تساعد على ذلك ، وقد قالوا أموراً أخرى جميعها ترجع إلى النكوص عن الحق والابتعاد عنه بوجه من الوجوه مع أن العهد الذي أخذ منهم إنما هو الدعوة إلى الحق بما أراده الله عز وجل وما ورد في الشرع المبين ، وإنما يتحقق ذلك بالطرق المتعارفة العادية التي فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجدال الحسن وغير ذلك من الأسباب المتعارفة ، وأما تحقق المسببات فلا بد من إيكال امرها إلى الله تعالى فليس المؤمن مأموراً بأكثر من ذلك ولا يجب عليه إهلاك نفسه في سبيل إنقاذ غيره ، كما قال تعالى : {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6] ، وغير ذلك من الآيات التي تنهي المؤمنين عن إيقاع أنفسهم في الحرج والمشقة والضرر ، ومن ذلك يعرف أن هذه الآية الكريمة لا تنافي آيات الدعوة إلى الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكيف تكون منافية مع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله من أهم طرق استكمال النفس ومن شؤون الاشتغال بها ؟!

اليس ذلك من أحكام هذا الدين ومن أهم أسسه وقواعده وأركانه، وقد قال عز وجل : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]

وقال تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران : 110] بالشروط المطلوبة فيهما ، من دون إيقاع النفس في المهلكة والضرر فعند ذلك يسقط عنه هذا التكليف.

الخامس : إن الآية الشريفة تدل على أن نفس المؤمن هي الطريق الذي أمر بسلوكه ولزومه والتحفظ عيها أن تكون في طريق الهداية الذي ينتهي به إلى السعادة والفوز بالفلاح ، كما قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 18 - 20] ، وهذه الآيات المباركة تبين كثيراً من الأمور التي تضمنتها الآية التي نحن بصدد تفسيرها وترفع الإجمال الذي فيها ويستفاد منها أن النفس الإنسانية هي الطريق وقد اجتمعت في النفس الإنسانية علل متعددة وإن فيها يتحد الدال والمدلول وأن المقصد من هذا المسير الاستكمالي هو الله تعالى ولا بد من المراقبة التامة والتذكر المستمر لجميع ما له دخل في هذا المسير ، فعلى المؤمن أن يكون دائباً على ذكر ربه ولا ينساه فإنه المقصد والمرجع ، كما عرفت فإن نسيان المقصد والغاية يوجب نسيان الطريق فيفقد الأهلية للتزود بالزاد الذي يهنأ في حياه الأخرى ، ومن ذلك تعرف سر قوله تعالى : {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: 19]. ولا ريب أن الاشتغال بالنفس لا يوجب نسيان الآخرين ومساعدتهم ومعونتهم في أعمال البر كما قال عز وجل : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2] ، فإن المؤمن يرى أن سعادة الآخرين من سعادته بل هي من صميم الدين الذي أمر المؤمنين بإقامته وهو يعتبر أن الإحسان إلى الآخرين من الإحسان إلى النفس ، قال تعالى :

{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7].

السادس : الآية الشريفة تأمر المؤمنين بلزوم أنفسهم إذا اهتدوا ، ومن المعلوم أن الاهتداء هو جعل النفس في المسير الاستكمالي الذي يطلبه الله تعالى ويرتضيه الشرع المبين ، وأن عملية الاهتداء لا بد أن تكون مستمرة تامة صادرة من المؤمن الذي على ذكر ومراقبة للنفس كما عرفت وهي تتحقق في الاعتقادات والأعمال القلبية مع الأعمال الجوارحية ، وبعبارة أخرى هو تطبيق الأعمال الجوانحية والجوارحية على الشرع والسير على ذلك مع المراقبة والذكر ، فالنفس هي الطريق والأعمال هي الزاد ، والغاية والمقصد هو الله عز وجل كما تقدم ، وهذا الطريق ضروري لا بد من أن يسلكه الإنسان في حياته مطلقاً مع اختلاف الأطوار التي يمر بها ويشترك في ذلك المؤمن والكافر سواء كان على التفات أو على غفلة وعمى.

والآية الشريفة تنبه المؤمن على ذلك وإن كان أمراً تكوينياً لا بد منه ، ليكون على التفات ومراقبة تامة للنفس لئلا تضل فتخرج عن الهداية وتغفل عن ذكر ربها فتكون من المنسيين فيتزود من الزاد الذي ينفعها في يوم الجزاء فلا يكون سعيها خائباً نكون من الخاسرين.

فهذه الآية الشريفة من هذه الجهة لا تخرج عن تلك الآيات التي تدل على أن غاية الإنسان ومستقر أمره من حيث السعادة والشقاء والفلاح والخيبة إنما تكون حسب الزاد الذي يتزود به في هذه الدار وما يقدمه من صالح الأعمال أو طالحها ، أو تقوى وفجور كما قال عز وجل : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } [الشمس: 7 - 10].

وقال تعالى : {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } [طه: 123 - 126] ، وغير ذلك من الآيات الواردة في هذا الأمر فهي وإن كانت تبين الجانب الوضعي للأعمال وهو ترتب الجزاء على ما يقدمه الإنسان من أعمال ومعتقدات إلا أنها لا تغفل الجانب التكويني من الإنسان فهي تبين أن الإنسان هو المخلوق السوي الذي لا يخرج عن وضع سائر المخلوقات من أنها واقعة تحت التربية الإلهية وإن الله تعالى هو القيوم عليها يحيطهم بعنايته ويكلؤهم برعايته وتربيته ، فهو الرب العظيم المهيمن عليها لا يفوته شيء منها ، كما قال تعالى : {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [هود : 56] ، وإن جميعها ترجع إليه ، قال تعالى : {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى : 53] .

إلا أنه اختص الإنسان من بين سائر المخلوقات بأن عاقبته ومستقبل أمره إنما يكون تحت اختياره ، فإما أن تكون الحسنى أو الخيبة والخسران وذلك بتزكية النفس أو دسها بعدما ألهمه الله طريق الخير والصلاح وما يوجب الشر والفساد فهو لا يخرج عن هذه الفطرة التكوينية في مسيره ولا يتخطى عنها ، إلا أنه لا بد من التنبه التام والمراقبة الكاملة للنفس حتى لا تحيد عن الطريق الذي يوصله الى المقصد العظيم وهو الفلاح الذي يطلبه بفطرته ويجتهد في مسيرته العملية كما عرفت ، فهذه الآية الكريمة على إيجازها البليغ تشتمل على حقائق واقعية ومطالب عالية تكفلت بيانها عدة آيات أخرى متفرقة في مواضع أخرى من القرآن الكريم.

قال تعالى : {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [المائدة : 105]

بيان المقصد بعد بيان السالك والملوك ، وهي حقيقة من الحقائق الواقعية التي لها دخل في الجانب التكويني من الإنسان كما عرفت سابقا وفي الجانب الوضعي التشريعي منه فإن الإنسان بعدما علم أنه في حياته سائر في مسيرة لا بد من أن يقطعها من أول تكوينه إلى ان ينتهي إلى ربه كما قال عز وجل : {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم : 42] ، وهذا الطريق مما لا مناص للإنسان عن سلوكه ويشترك فيه جميع أفراد الإنسان مطلقا ، ولا ريب ان بيان الطريق والسلوك والسالك يكفي في تعيين المقصد والمنتهى إذ أن كل طريق له بداية ونهاية ، لكن ذكر المقصد فيه خصوصية خاصة لا يمكن دركها في بيان تلك الأمور فإن السالك إذا تنبه إلى حقيقة موقفه من الله تعالى وأن له ميزة خاصة لم تكن لسائر المخلوقات حصل له حالة خاصة يشعر فيها أنه منقطع عن ما سواه مما يحيط به ويتوجه إلى بارئها المدبر لها المحيط بها إحاطة علمية قيومية وسائرة تحت ربوبيته العظمى على خلقه وان هذه الإحاطة التامة التي يشعر بها الفرد المؤمن لكفيلة له بأن ينقطع على ربه ويخلو بنفسه ويخلصها مما يشينها عند ربها ويهذبها ويكملها بما يزينها إذا رجعت إلى الله تعالى فلا يغفل عنها لحظة ، ولعل هذا هو السر في إتيان المقصد والتوجه إليه بعد قوله تعالى : {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} [المائدة: 105] ، وعندئذ يسطع عليها نور من الله بقدر أن يخرج من الظلمات ليدفع به ظلمات الناس المضلين ، وظلمات المعاصي والآثام كما بين عز وجل في قوله : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام : 122] ، وحينئذ يدرك تلك الحقيقة الواقعية وتشعر النفس بحقيقتها وتدرك ما عليه وتهجر كل ما يوجب الظلمات وتهاجر أهل الشرك والكفر وتدخل في مقام العبودية وتستعد لدرك مقام التوحيد وتبعد عنها ما ينافي الوحدانية وتنتهي إلى تكميل النفس بالكمالات الواقعية وتزيل عنها النقائص بعد أن أشرق عليها النور الرباني وأدركتها العناية الإلهية، وهذه المقامات هي حقائق قد لا يدركها الحس إلا أن النفس تشعر بها بأسبابها الخاصة وكيف يمكن أن تدركها الحواس وقد ركنت إلى المادة وخلدت إلى الأرض وأحبت الدنيا التي هي دار اللعب واللهو فلا يمكن لها أن تدرك إلا الزخارف المادية التي استوعبت جميع مشاعر الإنسان ، وقد قال عز وجل : {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم : 30] ، لكن الغور في فهم معاني القرآن والغوص في بحر دقائقه ورموزه يكشف لنا أن وراء ذلك عالماً فسيحاً جداً لا يمكن الوصول إليه ولأدرك حقائقه إلا بالرجوع إلى النفس ولزوم مراعاتها ودرك حقائقها ودوام مراقبتها وجعلها في المسلك الذي عينه الله تعالى والتنبه التام للمقصد الذي ترد عليه والوقوف عنده فهناك تظهر الحقائق وتتبين آثارها ويتم التصديق بها ولا يمكن التغاضي عنها والرجع إلى غيرها وعندئذ يتبين حقيقة قوله تعالى : {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [المائدة : 105] وسر الرجوع إليه عز وجل.

قال تعالى : {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة : 105].

وعد ووعيد للفريقين اللذين مر ذكرهما في ابتداء الكلام ، فهو عز وجل المرجع الذي يرجع إليه في استخبار حال الفريقين فينبئهم بحالهما من الثواب والعقاب بما كانوا يعملونه في الدنيا من أعمال الهداية والضلال فلا يؤاخذ أحد بعمل غيره عقاباً أو ثوابا.

ومما ذكرنا يظهر أن هذه الآية الكريمة من أعظم الآيات في طريق السير والسلوك وأهمها في بيان أركانه من المسلك والمقصد والغاية والسالك وقلنا تبين الآية اتحاد المسلك والسالك واجتمع العلة المادية والفاعلية التي هي النفس، وإن مضمونها من الحقائق التي لها من العمومية والحيطة التي تشمل جميع الأفراد وتضم جميع الأزمان فلا يختص بزمان دون آخر ، فما ذكره جمع كثير من المفسرين في حصر هذه الآية وأن عصرها لم يأت بعد ، أو لم يجيء تأويل لها حتى هذا اليوم ، أو أن مضمونها من المغيبات التي لا يظهر تأويلها إلا بعد عصر التنزيل .

فإن جميع ذلك لا دليل عليه وانما هو تجريد للآية عن المعنى المقصود وتأويلها بالرأي والله العالم وهو المسدد للصواب.

 

 

 

 

 




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.