المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

إنتاج الزيت العطري للموالح
2023-11-23
الدعاية الأفقية
17-1-2021
مواعيد زراعة القرع
30-4-2021
ابن مفرغ
8-1-2021
فوائد حليب الام
9-05-2015
طـه بـاقر
12-9-2016


قصة عيسى  
  
1974   05:42 مساءاً   التاريخ: 2-06-2015
المؤلف : د. محمود البُستانِي
الكتاب أو المصدر : دراسات فنية في قصص القران
الجزء والصفحة : ص108-117
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة نبي الله عيسى وقومه /

قال تعالى : {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران : 52 ، 54]

إن كلا من قصة إمرأة عمران ، وقصة زكريا ، وقصة يحيى ، وقصة مريم... هذه القصص الاربع في سورة آل عمران ، ستكون ممهدة ، للدخول الى قصة اكبر حجما ، وأوسع دلالة ، إنها قصة عيسى ـ عليه السلام ـ فيما ولد بلا اب بشري... وهذه القصة نفسها ، ينبغي ان تضعها في ذهنك لا بما أنها تشكل هدفا بذاتها ، بل ينبغي عليك ان تجعلها وسيلة إنارة لا اكثر ، تضيء الهدف الذي رسمه القرآن الكريم في هذه السورة التي ستنقل لك جانبا من حياة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في جهاده مع الأعداء ، وفي مواصلة اضطلاعه بمهمة الرسالة الاسلامية ، فيما أحتفت بأشواك ومتاعب ، يعلمنا القرآن الكريم من خلالها ، نمط التعامل الذي نخطه لأنفسنا في متابعة الوظيفة العبادية.

ويهمنا الآن أن نتابع القصة الخامسة من قصص سورة آل عمران ، وهي قصة عيسى عليه السلام ، لملاحظة موقعها الفني من هذه القصص ، وموقعها الفني من السورة بأكملها ، ثم موقعها ـ وهذا هو الهدف الرئيسي من عملية القص ـ من الرسالة الاسلامية عبر اضطلاع النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بها ، وعبر الوظيفة التي يتعين علينا ممارستها في هذا الصدد.

لقد لحظت كيف أن سلسلة الاحداث والمواقف في القصص الاربع ، قد أبتدات من امرأة عمران ، ثم إنجابها لمريم. ثم قصة زكريا وانجابه ليحيى ،... كما لحظت انجاب مريم ـ عليه السلام ـ لعيسى عليه السلام... ثم صلة يحيى ـ عليه السلام ـ بعيسى أيضا...

ولابد انك تتذكر كيف ان يحيى سيكون مصدقا لرسالة عيسى الذي بشرت مريم به ، وجيها في الدنيا والآخرة ، ومن المقربين ، ويكلم الناس في المهد ، وكهلا ، ومن الصالحين... وكيف ان السماء ستعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل ،... وكيف انها ستبعثه رسولا الى العصر حينذاك... ثم كيف أنه سيجيء بممارسة أكثر من معجزة بأذن الله من خلقه من الطين كهيئة الطير ، وإبرائه الاكمه والابرص ، وإحيائه الموتى ، وأخباره بما يأكل الناس ويدخرونه في بيوتهم... كل أولئك ، ستقف عليه عندما نحدثك مفصلا عن قصة عيسى عليه السلام ، وما يواكبها من مواقف واحداث شتى...

الا اننا الآن ، نعتزم أن نلفت انتباهك الى اكثر من ملحظ ، لا مناص لنا من اقتطافه من القصص الاربع التي حدثناك عنها ،... لان هذه الملاحظ ذات صلة وثيقة بهذه القصة ، وبما يلحقها من احداث ومواقف...

فقد لحظت منذ البداية ان الأمر يتصل بممارسات عبادية وفقا لمفهوم الخلافة الانسانية على الارض... فامرأة عمران تمارس ظاهرة النذر لتحقيق مهمة عبادية لوليدها ،... وابنتها تتمحض للعبادة بالنحو الذي وقفت عليه ،... وزكريا بدوره ، يتجه الى مناشدة السماء أن تهبه ذرية طيبة... وذريته التي تمثلت في يحيى قد حققت المناشدة العبادية المذكورة كما عرفت... وزكريا نفسه ، قد مارس الكفالة لمريم ـ وهي مهمة تربوية عبادية خطيرة ـ ، فضلا انه تمحض لفترة ما ، لممارسات عبادية خاصة ، إمتثالا لأمر السماء...

هذا كله ، ينبغي ان تضعه في ذهنك وانت تتابع سلسلة المواقف في تحركات الشخوص المذكورة ـ في صعيد الممارسة العبادية ـ.

واذا انتقلت بذاكرتك الى (الاحداث) ، للحظت ، أنها قد تتابعت وهي تحمل نمطا متماثلا في عملية الإنجاب وما واكبها من الظواهر ،... فانت تجد نفسك أمام أبوة وبنوة... امام اب وابن ، أو اب وبنت ، أو أم وبنت أو ام وإبن... ستجد نفسك أمام امرأة عمران وابنتها ،... وأمام مريم وابنها ، وأمام زكريا وابنه... وكل هذه السلسلة الإبوية والنبوية ، تبدأ : إما من الدعاء بطلب ذرية ، أو التحقيق لها بنحو غير مباشر... لكنك في الحالتين ، تلاحظ ان الاعجاز هو الطابع الوحيد الذي غلف كل هذه السلسلة من عمليات (الانجاب)... فيما بدأت من (العقم) أو (الكبر) ، ثم انتهت الى أخطر ظاهرة في الانجاب ألا وهي الولادة بلا اب متمثلة في شخصية عيسى التي انتهت القصص إليها ، ومهدت لها ،... لكي يتسلم القارئ أو المستمع شخصية عيسى عليه السلام ، وقد رسمها النص أيضا سلسلة من الاحداث والمواقف المعجزة كما سترى...

هنا نطالبك بملاحظة الاحداث والمواقف ، وشدها بعضها بالآخر ، وبخاصة بين ولادة عيسى ـ عليه السلام ـ بلا أب...[وهي ظاهرة إبداع خاصة] ، ثم ممارسات عيسى نفسه [وهي ظواهر ابداعية خاصة أيضا]...

وهذه الظواهر الخاصة ، رسمها القرآن الكريم لعيسى ـ عليه السلام ـ في مستويات ثلاثة ، تجسد قوى الشخصية ، فيما تستكمل بها كل معالمها التي تنتزع التقدير عادة.

هذه القوى الثلاث هي : العلم ، والاقتدار ، والتعبير.

ومن الواضح ، ان هذه السماة الثلاث ، تكتسب المزيد من التقدير ، بقدر ما يضخم حجمها عند الشخصية. ولقد رسمها القرآن الكريم ، جميعا ، على أشد ما يمكن تصوره في الشخصية ،... رسمها في أقصى الامكانات الخاضعة للتخيل البشري... فقد صور السمة التعبيرية ـ أي اكلام ـ متمثلة في التحدث مع الآخرين ـ والشخصية لا تزال في المهد ـ في حين أن الطفل لا يقوى في مرحلته النمائية المذكورة ، حتى على مجرد النطق ، فضلا عن ان يكون له ثروة لغوية يحاور بها الآخرين...

وأما السمة العلمية ، فقد رسمها لعيسى ـ عليه السلام ـ على النحو الذي يحيط من خلاله علما حتى بما يدخره الناس في بيوتهم أو يأكلونه مثلا...

ولا تعقيب ـ بطبيعة الحال ـ على مثل هذه الإحاطة التي تمد عن الامكان في التجربة البشرية العادية...

وأما سمة الاقتدار ، فقد رسمها القرآن الكريم لشخصية عيسى عليه السلام ، بنحو لا يحتاج الى التعقيب ايضا ، ما دام هذا الاقتدار ، قد تجاوز مجرد عملية التطبيب : من إبراء الاكمة والابرس ، الى عملية إبداع وإحياء... إبداع للجنس الحيواني ، متمثلا في صنع هيكل طائر ، يبعث فيه الروح ،... وإحياء للجنس البشري ، متمثلا في نفخ الروح فيه من جديد... بأذن الله.

لو تابعت قصة عيسى ـ عليه السلام ـ ـ وهي القصة الخامسة من قصص آل عمران ـ ، للحظت ان السمات الاعجازية الثلاث التي قدمها عيسى ـ عليه السلام ـ للجمهور... ونعني بها سمات العلم والاقتدار والكلام ، إنما جاءت امتدادا لما سبقها من القصص ـ كما وقفت على ذلك .

وارهاصا لما سيجيء من احداث ومواقف في قصته ، وفي قصة الرسالة الاسلامية كما سنرى.

وقبل ان نتابع هذا الامتداد والارهاص ، ينبغي علينا ان نلفت نظرك إلى ان كلا من السمات المعجزة الثلاث ، لا ينحصر رسمها في استقطابها لقوى الشخصية التي تنتزع التقدير فحسب ، بل في القاءها الضوء أيضا على اكثر من موقف وحدث... فسمة الكلام جاءت ـ أي تكليم عيسى وهو في المهد ـ لتعمق القناعة بالحدث المعجز لولادته ، من خلال مسح أي تشكيك أو ضبابية أو سوء تفسير في ولادته ،... فكان نطفه بالحقائق ـ وهو في مهده ـ رد على أي لغط يصدر عن الآخرين في الصدد...

وأما سمة [الخلق والإحياء]... أي خلقه من الطين هيئة طائر ـ بإذن الله ، ثم إحياؤه للميت ـ بإذن الله... هذه السمة ، لا تحتاج الى التعقيب في صلتها فنيا ونفسيا بكل ما تحمله القصص الأربعة السابقة على قصة عيسى عليه السلام ، من (أفكار) تتصل جميعا بقدرات السماء في عملية التوليد البشري...

إن قدرات السماء في الانجاب من العقم ، وفي الانجاب بلا فحل ، شكلت رسما كان بمثابة العصب الذي يمتد في هياكل القصص اربعة جميعا... فجاءت عملية التوليد والاحياء ـ باذن الله ـ في شخصية عيسى ، تتويجا ، وتفسيرا ، للقدرات المذكورة... مع اضافة عنصر جديد هو (الاحياء) في قصة عيسى عليه السلام.

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار ، ان احياء الآدميين بعد موتهم ، يشكل القطب الآخر من استدلال السماء على قدراتها ، وانسحاب ذلك على ظاهرة (الاقناع) التي تحرص السماء على توفيره للمتلقي... حينئذ ادركنا قيمة العنصر الجديد الذي رسمته السماء لشخصية عيسى عليه السلام ، في احياءه الموتى باذن الله...

وهذا يعني ان السماء مهدت بهذا العنصر ، إضفاء صفة (القناعة) على العملية الاخرى للتجربة البشرية... وهي عملية إحياء البشر بعد موتهم ، والتهيؤ للمرحلة الخالدة في الحياة الآخروية...

ولسوف نرى صدى هذا العنصر على بقية أجزاء السورة في متابعتنا لها.

وأما انعكاس هذا الرسم ، على سياق رسالة عيسى ، فواضح كل الوضوح ، إذا أخذنا بنظر الاعتبار ، ما تقوله لنا النصوص المفسرة من أن أي حدث معجز يواكب رسالة شخصية ما ، انما يتساوق مع طابع العصر ومعطياته الحضارية... فيما كان الطب ـ كما تقول النصوص المفسرة ـ طابع العصر الذي واكب عيسى ، فكان إبراء الاكمه والابرص ، تجسيدا معجزا لطابع العصر ،... ثم كان الخلق والاحياء ـ بإذن الله ـ تتويجا عاليا ، وتجسيدا لأعلى قمم التصرف بالمصائر البشرية وولادتها...

وأما السمة العلمية ، فقد جاءت تأكيدا آخر لظاهرة الرسالة ، بصفة ان العلم حتى بدقائق الامور من نحو ما يدخره الناس في البيوت ، وما يتناولون من طعام... هذا النمط من الاحاطة العلمية ، يعد ـ دون ادنى شك ـ عنصرا بالغ الأثر في تحقيق ظاهرة (الاقناع) بمشروعية الرسالة ، وانتسابها الى قدرات خارجة عن الاطار القاعدي للتجربة البشرية...

أولئك جميعا ، رسمته السماء ، من خلال تحقيق مهمتين مزدوجتين ،... تحقق اولاهما عنصر التجانس فنيا ونفسيا في اطار القصص المرسومة التي تمهد بكل احداثها ومواقفها ، لرسالة عيسى... وتحقق الاخرى عنصر الارهاص بما يمكن أن تحققه مرحلة الرسالة ذاتها...

وبالفعل ،... نلحظ من هنا ، كيف ان النص القرآني بدأ برسم مرحلة الرسالة التي اضطلع بها عيسى ، فيما بدأها بمطالبة الجمهور ، بالانصياع الى رسالته ، بعد أن توج ذلك كله ، بالالماح الى الرسالة السابقة عليه ـ وهي رسالة موسى ـ من أنه جاء مصدقا بها من خلال ما تضمنته من التبشير برسالة عيسى...

هنا ، ينبغي ان لا تفوتنا الاشارة ، الى ان رسم التبشير برسالة عيسى ، سيترك وقعه الفني والنفسي على التبشير الذي ستصوغه رسالة عيسى بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فيما تمثل هذه الرسالة ، خاتمة المبادئ للسماء ،... وفيما يستهدف النص القرآني من وراء الرسم المذكور ، ترسيخ القناعة بمشروعية الرسالة الاسلامية في خاتمة المطاف...

وعلى أية حال ، فان الاحداث والمواقف ، تبدأ من الآن فصاعدا ، تتخذ مسارا جديدا هو : نمط استجابة الجمهور لرسالة عيسى عليه السلام ،... ثم تعامله وإياهم ،... وأخيرا : كيفية إنهاء حياة عيسى... وانسحاب اولئك جميعا على الرسالة الاسلامية.

ولنقف عند هذه الملاحظ الاربعة... تعامل الجمهور ، تعامل عيسى ، خاتمة حياته ، إنسحاب ذلك على الرسالة الاسلامية...

ولنقف مع الملحظ الأول والثاني :

لقد رسم القرآن الكريم ، بيئة الرسالة التي اكتنفت عيسى عليه السلام ، منحصرة في موقف الرفض لرسالته ، وموقف المساندة لها من قبل حوارييه... دون أن يرسم تفصيلات الاحداث والمواقف ،... فمثل هذه التفصيلات سوف لن يكون لها أثر على مجرى الاحداث في رسالة محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيما رسمت قصة عيسى لتلقي الضوء على البيئة التي تكتنف الرسالة الاسلامية ، كما هو واضح.

ولنقرأ الآيات الثلاث التالية ، فيما رسمت الموقفين المذكورين ، أي : الرفض بعامة ، والمساندة من الصفوة :

{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ

مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ؟؟

قَالَ الْحَوَارِيُّونَ :

نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ .

رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ .

وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}

إن هذه الآيات الثلاث ، تلخص بيئة الرسالة ، مختزلة كل التفصيلات التي كان من الممكن أن يرسمها القرآن... إلا أن الانتقاء كان لهذه المواقف التالية فحسب ، وهي :

1 ـ الجمهور يرفض الرسالة.

2 ـ عيسى يناشد الآخرين بمساندته ، فيستجيب له عدد ضئيل من الشخصيات.

3 ـ الرافضون ـ وهم كفار بني إسرائيل ـ يحوكون مؤامرة ضد عيسى.

4 ـ السماء تئد المؤامرة ، وتسحقها من الأساس.

وتقول النصوص المفسرة... ان المتمردين كانت مؤامرتهم تتحدد في محاولة لقتل عيسى ، إلا ان السماء ألقت على صاحب المحاولة : أي الذي أراد قتل عيسى ، ألقت عليه الشبه ، فقتل من قبل أصحابه ، ورفع الله عيسى الى السماء.

والهم ، ان القرآن الكريم ، اكتفى بالاشارة إلى عملية محاولة القتل ، اكتفى بقوله تعالى (ومكروا). واكتفى من عملية انقاذ عيسى بقوله تعالى {وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.. واكتفى أساسا من موقف الرفض ، بقوله تعالى {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} . إلا انه فصل الحديث عن [أنصار عيسى] فحسب.

ترى... ما هو المبنى الفني لهذا التفصيل ، وذلك الاختزال؟؟

لقد اختزل القرآن الكريم ـ في قصة عيسى ـ رسم الحوادث والمواقف المتصلة برفض دعوته ، وبالمؤامرة التي دبرت حياله ، وبالقضاء على المؤامرة ، مكتفيا بالاشارة العابرة لها ،... لكنه فصل في موقف المساندين لعيسى وهم اثنا عشر رجلا ، خلع النص عليهم إسم (الحواريين)... هؤلاء الحواريون رسمهم النص بأنهم [أنصار الله] وانهم [آمنوا بالله] وأنهم (مسلمون) وانهم [آمنوا بما أنزلته السماء على الرسل] وانهم [اتبعوا الرسول] وانهم في نهاية المطاف اكدوا مبدأ ذا خطورة ، وكرروه مرتين ، ألا وهو ظاهرة (الإشهاد) : الاشهاد بأنهم مسلمون ، والمطالبة بأن يكتبوا مع الشاهدين...

إن رسم هذه التفاصيل لشخصيات الحواريين ، يحمل دلالة فنية ونفسية ، تتمثل في القاءها الضوء على (الأفكار) المطروحة في سورة آل عمران... وسنجد فيما بعد عند حديثنا عن سائر أجزاء السورة ، كيف ان كلا من (الإشهاد) و(الايمان) و(الإسلام) الذي يعني (الانقياد)... سنرى كيف ان هذه الظواهر الثلاث قد كررها النص في أكثر من موقع من السورة ، فيما سبقت العنصر القصصي ولحقته أيضا ، وهذه الظواهر الثلاث رسمها النص في سائر أجزاء السورة ، عبر سياقات متنوعة تتصل بالجهاد ، وبمواقف المؤمنين الذين ساندوا النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في معركته ضد الكفر ، وبمواقف خاصة وعامة ، جاء من خلالها رسم هذه الظواهر الثلاث بنحو لافت للنظر ، من نحو آية (شهد الله أنه لا إله إلا هو...) وآية (إن الدين عند الله الإسلام) وآية {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ} وآية {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ.. } [آل عمران : 7] الخ...

هذه الآيات تشكل العصب الذي يمتد إلى جزيئات كبيرة من السورة بنحو تتآزر وتتساند فيما بينها وبين سائر الأفكار المطروحة ، فيما يستهدف النص القرآني من رسمها بهذا النحو المتناسق ، إحداث تأثير خاص في المتلقي يتصل بطبيعة الاستجابة البشرية لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، والتلميح بخاصة إلى ذلك النفر المجاهد الذي كرس حياته لرسالة الإسلام ، بعد أن نفض عنه كل تراكمات البيئة الملتوية ، واتجه الى السماء ، بكل كيانه في ضوء فحصه الموضوعي للحقائق...

اذن : جاء التفصيل في رسم شخوص الحواريين ، بتلك السمات التي وقفنا عليها ، متجانسا مع السمات التي ركز القرآن الكريم عليها عبر رسمه لشخوص المؤمنين الذين واكبوا رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومطلق المؤمنين الذين رسمهم القرآن بالسمة المذكورة... وهذا التجانس يتمثل في مستويين : أولهما : العناية بالتفاصيل والآخر : العناية بشخوص متميزين... وكلاهما متصل بالتفاصيل وبالشخوص الذين رسمهم القرآن في كل أجزاء السورة....

اذن : للمرة الأخرى ، يتعين علينا أن نؤكد خطورة هذا الرسم للحواريين ، وتفاصيل سماتهم... بصفة ان هذا الرسم المفصل (جزء) من (أفكار) السورة التي يحوم الرسم القصص موظف لانارة الأفكار المطروحة في السورة...

وبعامة ، فان متابعتنا لقصة عيسى ، لا تزال في مرحلتها غير المنتهية... فلقد كان الشطر الأول من القصة ، يتجسد في ولادة عيسى بالنحو الذي وقفنا عليه... وكان الشطر الثاني من القصة ، يتجسد في الاعلان عن دعوته عبر الاشارة إلى الظواهر المعجزة التي قدمها للجمهور من إبراء الأكمه والأبرص ، وخلق الطير ، واحياء الميت ـ بإذن الله ـ والعلم بدقائق الظواهر....

ثم كان الشطر الثالث من قصة عيسى ، يتجسد في استجابة الجمهور حياله ، حيث تميزت الاستجابة بالرفض ، وحيث أعلن عن مناشدته للنصرة ، فيما سانده الحواريون ، وحيث أعدت مؤامرة لقتله ، وحيث احبطت المؤامرة....

وإذن : لقد تابعنا مراحل ثلاثا من قصة عيسى....

ولكن... لا تزال هذه القصة ، ذات مراحل أخرى ، رسمها القرآن الكريم وفق بناء معماري خاص... يتعين علينا متابعته ، فنقول :

الشطر الرابع من قصة عيسى ، يجسد إنهاء حياة هذه الشخصية ،... فلقد رأينا كيف أن الملتوين ـ كفار بني إسرائيل ـ دبروا مؤامرة لقتله ، وانهاء حياته... إلا ان السماء هنا ، تدخلت لأنهاء حياته ، وإنقاذها من القتل ، فيما أنهتها بنحو آخر ، ترسمه الآية التالية :

(إذ قال الله يا عيسى : إني متوفيك ورافعك إلي ، ومطهرك من الذين كفروا ، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ، ثم إلي مرجعكم فاحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون).

إن إنهاء حياة عيسى ، من قبل السماء ، بهذا النحو الذي رسمته الآية ، ينطوي على (إثارة) بالغة المدى ،... فكما كانت ولادته محفوفة بلاثارة ، والانبهار ، والدهشة ، فكذلك كانت نهايته محفوفة بالإثارة ، والانبهار ، والدهشة... لقد أوجدت السماء عيسى بنحو (معجز) مثير ، وانهت حياته بنحو معجز مثير... فقد ولد بلا أب ، وتوفي بلا أرض.

إنه لم يمت بالنحو الاعتيادي ، كما لم يولد بالنحو الاعتيادي... في الحالتين ، تخطت قصته قوانين الأرض التي رسمتها السماء لكل الآدميين ـ ما عدا البعض....

لقد رفعت السماء عيسى ، إليها... بعد أن خيل للمتآمرين أنهم قد نجحوا في اغتيال عيسى عليه السلام...

ومثل هذه الحادثة تحمل أكثر من دلالة فنية ونفسيه...

فلقد دحضت هذه الحادثة أسطورة (الصلب) التي لا يزال صداها الأسطوري حاضرا في بعض الأذهان ، وكأنه حقيقة تأريخية ... كما أن هذه الحادثة ـ من جانب ثان ـ ألقت الضوء على مساندة السماء لأية شخصية تجاهد في سبيل الله ، من نحو شخصية إبراهيم ـ عليه السلام ـ مثلا فيما ساندتها السماء عبر إنقاذها من النار التي أراد المتآمرون إحراقه فيها ، فيما جعلها الله بردا وسلاما على إبراهيم...

ومن جانب ثالث ، فإن هذه الحادثة تحقق مبدأ التجانس في الرسم القصصي للشخصيات ولادة وحياة وموتا... فقد تجانست الولادة بلا أب ، مع الوفاة بلا موت.. ، فكما أرسلت السماء روحا لانجاب عيسى ، فكذلك رفعته إليها دون أن تميته على الأرض... ومثل هذا التجانس ينطوي على خطورة فنية ونفسيه لا يتحسسها إلا من استخدم ذائقته الفنية بنحو دقيق مستأن... هذا فضلا عن سائر مبادئ التجانس في السمات (المعجزة) التي لحظناها ، تتتابع مع القصص الخمس التي شكلت جزء من السورة وقفنا على تفصيلاتها ، فيما لا حاجة الى إعادة القول فيها ، ما دام التجانس واضحا كل الوضوح في كل السمات التي رسمها القرآن الكريم لشخصيات عيسى وزكريا ومريم وامرأة عمران ، وفي كل الخصائص التي اكتشفت رسم الاحداث والمواقف ، والبيئات التي كانت الشخوص المذكورة تتحرك من خلالها.

إلى هنا ، فان قصة عيسى في مراحلها الأربع ، تكون قد أوشكت على النهاية ، لولا ان أصداءها لا تزال ، تلقي على الأحداث والمواقف ، أكثر من دلالة... كما أن التمهيد لها باكثر من قصة ، كان له صداه ـ كما رأينا ـ في القصص الأربع...

ولكن ما هي الأصداء المذكورة...؟؟

إن هذه الأصداء تنعكس على رسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وما واكبها من أحداث ومواقف وشخوص وبيئات ، حيث قلنا أن العنصر القصصي ـ بحكاياته وقصصه الخمسة ـ وظف من أجل إنارة البيئة الاسلامية في هذا الصدد... وأن النص القرآني يستهدف من التوظيف المذكور ، إحاطة المتلقي بطبيعة رسالة السماء ، ومشروعيتها ، وضرورة الإيمان بها ، وتعميق اليقين بذلك...




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .