أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-5-2017
1224
التاريخ: 2-5-2017
1218
التاريخ: 2-5-2017
936
التاريخ: 9-5-2017
1250
|
ولد الاستاذ طه باقر عام ١٩١٢م في مدينة الحلة ، واكمل هناك دراسته الابتدائية والمتوسطة والعائلة التي ولد فيها كانت معروفة بسعة علمها وقدراتها الادبية ، ولذلك لم تكتف عائلته بما كان يدرسه في المدارس الرسمية ، لهذ ا حرصت على تدريسه بشكل خاص علاوة على واجباته المدرسية الموضوعات اللغوية على الطريقة القديمة ، فدرس النحو والصرف على يد عمه ووالده وبعض مشايخ الحلة ، فأنهى نتيجة ذلك دراسة ما يسمى بالأجرومية والقطر (قطر الندى لابن هشام) وألفية ابن مالك المعروفة.
وهذه الدراسة الواسعة للأستاذ طه باقر وهو لا يزال في سن مبكرة ، ما هي في حقيقتها الا العامل الاساسي للإنجازات الدراسية والوظيفية والمعلمة التي تمكن من تحقيقها في حياته . وتعليل ذلك يعود الى أن الدماغ كما نعلم هو كأي عضو من اعضاء الجسم فان دربناه على شيء اجاد اداء ذلك الشي ء ولتوضيح هذا الموضوع نشير الى ان لاعب الجمناستك على سبيل المثال لا يختلف جسمه من الناحية الفيزيولوجية عن أجسامنا بشي ء ، ولكنه مع ذلك يستطيع تأدية حركات رشيقة لا تقدر على تأديتها اجسامنا ، وسبب ذلك معلوم طبعا لان لاعب الجمناستك قد درب جسمه على تأدية تلك الحركات ونحن لم نفعل مثله وكذلك احال مع الدماغ فان دربناه منذ الصفر على التفكير والاستنتاج ، تدرب على ذلك وان اهملناه فلا يقدر على ذلك وتتحدد بذاك امكاناته.
واضافة الى ما تقدم فان امكانات الاستاذ طه باقر العقلية لم تعتمد على سعة دراسته المبكرة فقط ، وانما اعتمدت ايضا على العائلة التي ولد فيها ، حيث هناك قانون في الوراثة ينص على ان الصفات المكتسبة من المجتمع بمرور الزمن تصبح وراثية . وبما ان الثقافة والعلم صفات يكتسبها الافراد من المجتمع ، فالعائلة التي تمارس الثقافة والعلم لفترة طويلة من الزمن تصبح الثقافة والعلم فيها صفة وراثية ، اي بمعنى ان بعضاً من اطفال هذه العائلة يلدون وهم يحملون في د اخلهم القدرة على الثقافة والعلم ، وبناء على ذلك فلا بد ان امتلك الاستاذ طه باقر القدرة على الثقافة والعلم ، منذ ولادته .وخير مؤشر على هذه القدرة المتوارثة في الاستاذ طه باقر ، هو انه قد أكمل دراسته الثانوية في الثانوية المركزية في بغداد على نفقة وزارة المعارف آنذاك في الفرع العلمي، لأنه كان من الاوائل عندما انهى دراسته في المدرسة المتوسطة .
والقدرة العقلية التي كان يتمتع بها الاستاذ طه باقر مكنته من ان يجتاز دراسته الثانوية عام ١٩٣١ _ ١٩٣٣ م بتفوق متميز ، حيث كان واحدا من بين الطلاب الاربعة الاوائل على ثانويات العراق . وهذه الانجازات المتميزة وهو لايزال في بداية شبابه قد منحته ولاشك الثقة بالنفس علاوة على قدراته العقلية . وامتلاك الثقة بالنفس يعتبر من ابرز الشروط التي تتمتع بها الشخصيات في ات الدور البارز في المجتمع .
وبعد تخرجه من الثانوية المركزية اختير كأحد طلاب البعثة وتقرر دراسته لعلم الآثار على نفقة وزارة المعارف في المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة . وقبل سفره الى أمريكا رشح ضمن طلاب بعثة آخرين لنيل شهادة ما يسمى بـ ماتريكوليشن _ Matriculation ) الانكليزية في مدينة صفد في فلسطين . وبعد ذلك نقل ومن معه من طلاب البعثة الى الجامعة الامريكية في بيروت لاجتياز مرحلة (السوفومور_ Sophomore)، وهي عبارة عن فترة دراسية تحضيرية .
وبعد ان انهى مرحلة الدراسة التحضيرية سافر الى امريكا مع زميله المرحوم الاستاذ فؤاد سفر لدراسة مادة الآثار واللغات القديمة في المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو . وبعد فترة دراسية دامت أربع سنوات حصل خلالها على شهادة البكلوريوس والماجستير .
والموضوعات التي درسها اثناء بعثته تمثلت بعلم الانثروبولوجي (علم الانسان) ومواد الآثار والتنقيب والتاريخ القديم واللغات التي كتبت بالخط المسماري كالسومرية والأكدية وفروعها البابلية والآشورية وايضا اللغة العبرية ، وعلاوة على ذلك فقد كان له الالمام الكافي باللغتين الالمانية والفرنسية . هذا وقد مارس الاستاذ طه باقر اعمال الحفر والتنقيب عن الآثار وهو لايزال في امريكا ، حيث ساهم في تنقيب احدى المستوطنات القديمة في الولايات المتحدة الامريكية مع طلاب قسم الانثروبولوجي في جامعة شيكاغو .
شخصية طـه باقر:
بحكم وظائفه التي تسلمها كمعاون لمدير الآثار العام للفترة من 1951 – 1958، ومدير الاثار العامة للفترة ١٩٥٨ - ١٩٦٣ ، جعلته يشرف على معظم اعمال الصيانة التي قامت بها مديرية الآثار القديمة في المواقع الاثرية المختلفة ، ولكن من القرارات التي سجلت باسمه ، هو القرار الذي اتخذه بخصوص صيانة بوابة نركال ، احدى بوابات سور نينوى ، حيث ان العاملين على اعادة بناء البوابة المذكورة قد اتفقوا عل اقامتها بنصف ارتفاعها الحقيقي ، وذلك من ابل الاقتصاد بالنفقات والوقت ، الا ان الاستاذ طه باقر رفض هذه الفكرة تماما ، ووضح وجهة نظره بقوله : لو بنينا هذه البوابة بنصف حجمها الحقيقي فسوف تفقد البوابة هيبتها من جهة ومن الجهة الاخرى فان نوارها ومشاهديها سوف يعتقدون بان الارتفاع الذي يرونه أمامهم هو الارتفاع الحقيقي للبوابة ، وبذلك تكون مديرية الآثار القديمة العامة قد أساءت الى سور نينوى وقدمت للناس معلومات آثارية خاطئة بخصوص اعظم عاصمة من العواصم الآشورية .
وللأستاذ طه باقر الكثير من هذه المواقف الجريئة والمفيدة ، غير ان ما تميز به هو اهتمامه الخاص بأعمال الصيانة التي جرت في موقع بابل للفترة المحصورة ما بين عام ١٩٥٦ _ ١٩٦٢ ، حيث كان يحضر أسبوعيا الى موقع العمل ليقدم آراءه وارشاداته . ومن قراراته البارزة بخصوص اعمال الصيانة في بابل هو قراره الخاص بإعادة بناء معبد الالهة ننماخ كاملا ليتمكن زوار هذه المدينة الشهيرة ان يتصوروا معابد العراق على طبيعتها القديمة .
والشيء اللطيف في الاستاذ طه باقر هو انه يتحول بعد انتهاء ساعات العمل الى موظف بسيط من موظفي الآثار فيلتقي بالعاملين في مجال الحفر والصيانة في بابل لقاءات غير رسمية ، فيبدو فيها ذلك الانسان البسيط المتواضع المرح المحب للطرفة ، بحيث ان أجمل ساعات المشتغلين في بابل ، كانت تلك الساعات التي يلتقون بها مع مديرهم العام خارج اوقات الدوام الرسمي.
والشيء الملفت للنظر في شخصية الاستاذ طه باقر، أننا كنا نجده مديرا عاما بكل ما تعنيه كلمة مدير عام من معنى اثناء ساعات العمل ، ونجده أيضا صديقا وفيآ ولطيفا في اوقات الراحة والاستجمام ، ولذلك كانت شخصيته باستمرار في ذات صفتين اساسيتين ، الاول انها مهابة ومحترمة جدا ، والصفة الثانية انما محبوبة من القلب ...
(مواقفه المتميزة):
قبل ان ابدأ الحديث عن هذا الموضوع اود ان اخبر القارئ الكريم : هو انني لست على علم بجميع المواقف المتميزة التي وقفها الاستاذ طه باقر في حياته، ولذلك فان ما سأعرضه في هذا المجال، هو افقط تلك المواقف التي شاءت الصدف ان اسمع عنها من خلال زملائه في العمل او من طلابه, وبالرغم من قلة هذه المواقف، إلا انه خير مؤشر على شخصية هذا الرجل وعلى سلوكياته اثناء الدراسة واثناء تأدية واجباته الوظيفية.
فأولى هذه المواقف منشورة في الجزء الثاني، من المجلد الرابع من مجلة سومر وعلى الصفحات 293 – 295، وتتلخص بان شركة النفط في كركوك قد تعرضت لموقع اثري اثناء قيامها ببناء مساكن لعمالها في موقع الشركة ، وعندما وصل الخبر الى مديرية الآثار العامة ، طلب الاستاذ طه باقر من الشركة ان توقف العمل في الحال. ولم يكتف بذلك بل وجه جهوده نحو المسؤولين ليسندوه على ضرورة ايقاف الشركة من الاستمرار في تعرضها للموقع الاثري . وهذه الجهود المكثفة التي بذلها الاستاذ طه باقر قد أثمرت فعلا ، حيث ان الشركة قد وافقت على ايقاف العمل لحين اجراء الكشف الموقعي والقيام أيضا بتنقيب هذا الموقع ، وفي الحال الف الاستاذ طه باقر هيئة لهذا الغرض تكونت من السيد بشير فرنسيس مفتش الآثار والسيد محمد علي مصطفى ومن الاستاذ طه باقر رئيسا لها . فتحرت هذه الهيئة الموقع ووجدته يحتوي على آثار ترجع بتاريخها الى الالف الثالث قبل الميلاد ، ولذلك قامت الهيئة بأجراء تنقيبات أصولية في الموقع واستطاعت ان تبين بأنه كان مشغولا خلال فترة عصور فجر السلالات وخلال الفترة الاكدية ، اي انه كان مسكونا خلال الالف الثالث قبل الميلاد . والفترة المذكورة هي من الفترات المهمة في تاريخ العراق وخاصة في المنطقة المحيطة بمدينة كركوك . ولولا جهود الاستاذ طه باقر المشكورة لذهبت عنا هذه المعلومات ال الابد .
والموقف الثاني المشهود للأستاذ طه باقر وهو نقلا عن زميلي الاستاذ علي محمد مهدي ، ويتلخص ، بان زار العراق قائد القوات البريطانية في منطقة الشرق الاوسط وكان من جملة برنامج زيارته مشاهدة معروضات المتحف العراقي ولهذا السبب اتصل نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك بالأستاذ طه باقر مباشرة ولم يتصل بمدير الآثار العام ، المرحوم الدكتور ناجي الاصيل بسبب وبود شيء من الكراهية فيما بين الاثنين ، واخبره بانه وضيفه قادمان لزيارة المتحف . ولأسباب غير معروفة وصل السيد نوري السعيد وضيفه البريطاني ال المتحف العراقي من بعد الدوام الرسمي ، ولهذا كما روي لي رفض الاستاذ طه باقر أن يفتر المتحف معتذرا بان التعليمات تمنع فتر المتحف العراقي خارج اوقات الدوام الرسمي بالرغم من مكانة الشخصين اللذين يريدان زيارة المتحف.
واضافة الى ذلك قال الاستاذ طه باقر للسيد نوري السعيد: لو ان موظفي المتحف البريطاني مستعدين لفتح متحفهم خارج اوقات الدوام الرسمي لأي شخصية من الشخصيات العراقية، لكنت على استعداد لفتحه الان ولكنهم لا يفعلون ذلك، ولهذا لابد لنا وان نعاملهم بالمثل. وفي النهاية اضطر السيد نوري السعيد وضيفه الى التراجع والاقلاع عن زيارة المتحف العراقي.
هذا وقد يجوز ان ما فعله الاستاذ طه باقر كان بالاتفاق مع المرحوم ناجي الاصيل ، المدير العام لمديرية الآثار القديمة، لان السيد نوري السعيد كان البادئ بالخطأ عندما اهمل مدير الآثار العام ولم يخبره برغبته في زيارة المتحف العراقي مع ضيفه البريطاني، بل اخبر معاونه. ومهما تكن الحقيقة فان ما فعله الاستاذ طه باقر يدل على صلابة موقفه ويدل أيضا على رفضه لأية سلوكية خاطئة، حتى لو كانت تلك السلوكية صادرة من نوري السعيد , ومن التصرفات الاخرى التي تدل على حرصه الشديد على سمعته وعلى اخلاصه في العمل ، هو الموقف التي اتخذه اتجاه منقب البعثة الالمانية في مدينة الوركاء الاستاذ هاينرش لينزين ، حيث اراد هذا المنقب ان يقدم الى الاستاذ طه باقر عندما كان مديرا عاما للآثار وساما من معهد الآثار الالماني في برلين على جهوده العلمية والادارية المتميزة ، الا ان الاستاذ طه باقر رفض تسلم ذلك الوسام ، بالرغم من استحقاقه له ، حيث لم يكن في العراق آنذاك من بذل جهودا علمية بقدر الاستاذ طه باقر ، وخير شاهد على ذلك مؤلفاته وابحاثه التي مر ذكرها . وسبب الرفض طبعا كان خوفه من ان يعتقد بأنه سيكون متسامحا ومتساهلا مع الالمان ومع بعثتهم المنقبة في الوركاء ، لانهم قد منحوه وساما .
ومعلوماتي في هذا الخصوص هي نقلا عن الاستاذ محمد علي مصطفى، أحد زملاء الاستاذ طه باقر .
ومن مواقف الاستاذ طه باقر الاخرى والتي هي نقلا عن الاستاذ علي محمد مهدي ترجع بتاريخها الى فترة دراسته في الولايات المتحدة الامريكية وقد ذهب اليها وهو متزوج منذ ايام دراسته الثانوية . وهناك احبته احدى الطالبات الغنيات ، ونتيجة هيامها به قد اغرته بكثير من الوعود، ان تزوجها وبقي مها في امريكا ، الا ان وفاء الاستاذ طه باقر لزوجته ولوطنه رفض هذه الوعود المغرية ولم يخن العهد والوطن .
(الجملة ذات المفعولين كالمرأة المتزوجة برجلين):
لقد ذكرت فيما تقدم بان الاستاذ طه باقر كان جديا عند اللزوم ومرحا عند الحاجة الى السرور ، ولهذا فأن احاديثه الاعتيادية مع زملائه ومع طلابه كانت لا تخلو اطلاقا من الطرافة والدعابة . وعلى ما اتذكر انني قدمت له يومآ مسودة مقالة قمت بكتابتها وطلبت منه قراءتها وابداء وجهة نظره بما . وبعد لحظات من بدئه القراءة هز رأسه وقال لي مبتسما : هذه الجملة لا تعجبني لاحتوائها عل مفعولين ، لان الجملة التي تحتوي على مفعولين كالمرأة المتزوجة من رجلين) ، وبلا شك اشاعت هذه الدعابة جو المرح في الغرفة التي كنا فيها ، وعلى ما اتذكر كانت احدى غرف قسم الآثار في كلية الآداب.
تدرج طـه بـاقر العلمي و الوظيفي:
بعد فترة قصيرة من عودة الاستاذ طه باقر مع زميله المرحوم الاستاذ فؤاد سفر من الولايات المتحدة تعين بدرجة خبير فني في مديرية الآثار القديمة العامة، التي كان مديرها العام يومئذ المربي المعروف ، المرحوم الاستاذ سراط بو الحصري . واستمر بوظيفة خبير فني حتى عام ١٩٤١ ، حيث تقلد في العام المذكور منصب أمين المتحف العراقي .
ومن خلال لقاء شخصي مع عائلة الراحل الكريم في بيته تبين لي انه قبل ان يتسلم المنصب المذكور ، التحق بالخدمة العسكرية ومنح رتبة ضابط احتياط في الجيش العراقي ، وانه قد شارك في ثورة مايس التحررية . وكان آنذاك ضمن القوات العراقية المقاتلة في موقع التاجي .
وعندما وصلت القوات البريطانية الى الموقع المذكور وبات سقوط مدينة بغداد امراً لا مفر منه وقيام اعضاء الحكومة والجيش بترك مدينة بغداد ، اصبح الجيش المقاتل بلا موجه ، لذلك تراجع افراده من دون خطة مرسومة ، ولهذا قام الاستاذ طه باقر بعبور نهر دجلة عند موقع التاجي سباحة كي يتفادى وقوعه بأيدي القوات البريطانية .
وبعد ان انتهت ثورة مايس وعادت الامور الى مجاريها يبدو أن الأستاذ طه باقر قد تسرح من الجيش وعاد الى مديرية الآثار العامة وتسلم فيها منصب أمين المتحف العراقي . والاستاذ طه باقر يعتبر أول شخص درس فعلا الآثار والملفات القديمة ، يتقلد منصب أمين المتحف العراقي ولذلك لم يتقلده من بعده. الا من كان متخصصا فعلا في موضوع الآثار او اللغات القديمة .
وبعد قضائه بوظيفته أمين متحف مدة قدرها إحدى عشرة سنة تقلد في عام ١٩٥١ منصب معاون مدير الآثار العام ، واستمر فيه حتى عام ١٩٥٨ م، حيث تم تعينه في هذا العام بمنصب مفتش الآثار العام ، ولكنه لم يستمر ي هذ ا المنصب الجديد سوى شهور معدودة ، حتى عين في نفس العام مدير الآثار العام ، واستمر في هذا المنصب حتى عام ١٩٦٣.... .
وعلاوة على ما تقدم فقد كان الاستاذ طه باقر عضواً في هيئة تحرير مجلة سومر منذ تأسيسها في عهد المرحوم ناجي الاصيل ، مدير الآثار القديمة العام في عام 1955م. وفي عام ١٩٥٨ م. عندما عين مديرا عاماً للآثار اصبح رئيساً لتحريرها و استمر حتى عام ١٩٦٣ م.
أما نشاطاته في مجال التدريس فكثيرة، كانت بدايتها في عام ١٩٤١ م. عندما قام بتدريس مادة التاريخ القديم والحضارة في كلية دار المعلمين العالية سابقا (كلية التربية حاليا) واستمر فيها حتى عام 1960 م. وقيامه بتدريس مادة التاريخ القديم لم يكن بسبب رغبته في مهنة التدريس ، وانما كان يهدف من خلالها بث الوعي الآثاري في العراق . وقد توضحت لي هذه الحقيقة من خلال برنامج سيرة وذكريات حيث ذكر في هذا البرنامج بأنه قد تطوع لعمل برامج اذاعية ليبث من خلالها الوعي الآثاريين الناس ، وان دلت هذه الأمور على شيء فإنما تدل على الجهاد المتواصل الذي بذله الاستاذ طه باقر من اجل الفات انظار المسؤولين والشعب نحو الآثار واهميتها . ودرس أيضاً مادة التاريخ القديم واللغات القديمة في قسم الآثار في كلية الآداب ، وللأستاذ طه باقر طبعاً يرجع الفضل الكبير في تأسيس هذا القسم ، واستمر في التدريس فيه منذ تأسيسه في عام ١٩٥١ م وحتى عام ١٩٦٣ م. وضمن هذه الفترة تقع سني دراستي في كلية الآداب في قسم الآثار ، وفترة دراستي مكنتني من التعرف عن قرب على الاستاذ طه باقر, فمن الناحية العلمية كان بإجماع الطلاب والطالبات من الاساتذة اصحاب العلم الغزير، وكان أيضا من افضلهم في توصيل المادة الى طلابه، على الرغم من انه كان يدرسنا اصعب مادة تدرس في قسم الآثار الا وهي اللغة السومرية . واضافة الى ذلك علمنا كيف نشغل ادمغتنا ونستنتج من المادة التي ندرسها، ولم يعودنا على الاطلاق على ترديد ما نحفظه بل يجب ان نعلل ونستنتج . وهذا ولا شك هو الاسلوب العلمي في التدريس ، في الوقت ألذي كان فيه معظم الاساتذة لا يطلبون من طلابهم سوى حفظ ما كتبوه لهم عن ظهر غيب ، كما لو ان الطلاب اجهزة تسجيل لا أكثر .
في عام ١٩٥١ حصل الاستاذ طه باقر على درجة استاذ في كلية الآداب ، واستمر بهذه الدرجة حتى عام ١٩٥٩ ، حيث حصل فيه على درجة الاستاذية . واضافة الى ذلك فقد كان عضوا في المجلس التأسيسي لجامعة بغداد للفترة ما بين ١٩٥٧ _ ١٩٥٨ م ، وعضوا في مجلس جامعة بغد اد بهيئة ممثل عن وزارة المعارف للفترة ١٩6٠ _ ١٩٦٧ م ، وعلاوة على ذلك فقد أشغل خلال هذه الفترة ايضا منصب نائب رئيس جامعة بغد اد .
هذا والاستاذ طه باقر كما بينا فيما تقدم انسان درب مخه على التفكير منذ مرحلة الطفولة ، واصحاب الادمغة المدربة يمتلكون عادة ذهنية متفتحة ، بحيث انهم يتمكنون من الابداع في أكثر من مجال واحد . ومما يؤكد ذلك هو انه قد ساهم اضافة الى وظائفه ومشاغله الكثيرة بالأعمال الفنية الخاصة بإعادة عرض المتحف العراقي عام ١٩٤١ م ، وقد استخدم في ذلك لأول مرة مبدأ التسلسل التاريخي في عرض المواد الاثرية، وسبب ذلك يعود الى انه كان آنذاك احد اثنين ممن درسوا علم الآثار في الولايات المتحدة الامريكية ، اي انه كان يجيد تصنيف الآثار حسب تسلسلها الزمني . ولم يكتف الاستاذ طه باقر بذلك بل اشرف على عدة تحريات وتنقيبات آثارية . كما وانه قد ترأس الهيئات الآثارية التي نقبت في مدينة واسط ولى موقع تل الدير (قرب اليوسفية) عام ١٩٤١ ، وفي موقع عقرقوف (الاسم القديم دور كوري كالزوو) ١٩٤١ _ ١٩٤٧ م، والهيئة التي نقبت في موقع تل حرمل ، الواقع في بغد اد الجديدة للفترة ١٩٤٥ _ ١٩٦١ م، وفي موقع تل الضباعي ، القريب من تل حرمل عام ١٩٦٠م، واشرف أيضاً على التحريات الأثرية الواسعة في منطقتي دوكان للفترة ١٩٥٦ _ ١٩٥٩م ومنطقة شهرزور لانقاذ الآثار وتسجيل الادوار التاريخية فيها على اثر انشاء مشروعي السدين دوكان ودربندخان..... .
إنجازات طـه بـاقر العلمية الخارجية:
مما يزيد في اهمية الاستاذ طه باقر هو انه لم يخدم بعلمه الواسع القطر العراقي فقط ، بل امتدت فائدته الى القطر الليبي ، حيث بعد احالته على التقاعد في عام 1962م قدمت له عدة عروض من بعض الدول العربية للعمل فيها ومن بين هذه الدول كانت المملكة العربية السعودية وشرقي الاردن وليبيا، الا ان الاستاذ طه باقر فضل الاشتغال في ليبيا وذلك لعلمه المسبق بان مصلحة الآثار في ليبيا بحاجة ماسة الى من يعينها في مهمتها لأنها تفتقر تماما الى الاختصاصيين بالآثار والتاريخ ، لذلك عين عام 1965م بمنصب خبير فني في مصلحة الآثار الليبية . وفي عام 1966م اعطي منصب مستشار في المصلحة ذاتها واستمر في هذا المنصب حتى عام ١٩٧٠م.
وأثناء ممارسته العمل في مصلحة الآثار الليبية واجه في بداية الأمر مشكلة ليست بسيطة اعترضت خطته الخاصة بتدريب الفنيين من اللبيين على اعمال الحفر والتنقيب عن الآثار ، لأن هؤلاء الفنيين كانوا يأنفون من القيام بأعمال التنقيب بأيديهم . ومن اجل ان يغير هذه السلوكية اتجاه العمل كان يقوم بنفسه بأعمال الحفر اثناء التدريب ويشرح لهم أيضا كيفية استخراج الآثار والطرق المختلفة المتبعة في عملية استخراج كل نوع من انواع الآثار . وبمرور الوقت تمكن من أن ينتزع من المتدربين عدم حبهم للعمل ، واخذوا يمارسون أعمال التنقيب بحيث خلق منهم مدرسة تدرب كل من ينتمي الى المصلحة ويروم الاشتغال في مجال الآثار .
واضافة الى مهام التدريب فقد قام بالإشراف على مختلف اعمال التنقيب والصيانة الاثرية في ليبي، وعلى اعمال المسح الآثاري أيضا ، كما قام بإصدار عدة نشرات آثارية عن المواقع الاثرية الشهيرة في ليبيا ، مثل لبده وخبرانا وغيرهما من المواقع الاخرى . وترأس هيئة تحرير المجلة الآثارية الموسومة بعنوان (ليبيا القديمة) للسنوات ١٩٦٥ _ ١٩٧٠ م. وعلاوة على كل ذلك فقد اسهم في نشر عدة بحوث ومقالات باللغتين العربية والانكليزية .
وفي عام ١٩٧٠ م طلب اليه رسميا العودة الى العراق من بعد قضاء مده خمس سنوات في ليبيا . ومن خلال برنامج سيرة وذكريات تبين لي بان الحكومة العراقية قد خيرته في نوعية العمل الذي يرغب القيام به وعرض عليه رئاسة مديرية الآثار العامة ، التي كان مديرها العام آنذاك الدكتور عيسى سلمان ، أحد طلاب الاستاذ طه باقر لذلك عز عليه ان يحل محل تلميذه ، لذلك فضل التعيين كأستاذ في قسم الآثار في كلية الآداب من جامعة بغداد . وفي عام ١٩٧١م عين أيضا عضوا عاملا في المجمع العلمي العراقي. واشرف أيضا على الطلاب في قسم الآثار لنيل درجة الماجستير منذ عام ١٩٧٢ م ، ومن بينهم كانت زوجتي السيدة راجحة خضر عباس النعيمي . وفي عام ١٩٧٧ م عين أيضا عضوا في ادارة مركز احياء التراث العلمي العربي العائد الى جامعة بغداد.
( مساهماته في المؤتمرات الآثارية وغيرها ):
شارك الاستاذ طه باقر في عدة دورات لمؤتمرات الآثار التي درجت الادارة الثقافية في جامعة الدول العربية على اقامتها . في ترأس في عام ١٩٤٧ م الوفد العراقي لذلك المؤتمر ، الذي كان اول مؤتمر ، وكان الوفد يضم في حينه الاستاذين فؤاد سفر وبشير فرنسيس .
وفي عام ١٩٥٧م بعث من جانب وزارة المعارف على رأس وفد لبلاد المغرب لأجراء المفاوضات الثقافية وانشاء دار المعلمين في القطر المغربي على نفقة الحكومة ألعراقية . وشارك أيضاً في المؤتمرات التي شاركت فيها مصلحة الآثار الليبية ، مثل مؤتمر الآثار لجامعة الدول العربية ، الذي انعقد في القاهرة عام 1968م، ومؤتمر التاريخ الليبي ، الذي انعقد في بنغازي عام ١٩٩٧ _1968.
واشترك أيضا في مؤتمر الآثار الذي اقيم في ليبيا عام ١٩٧٢ _ ١٩٧٣ م. وكان في هذا المؤتمر ممثلا لجامعة بغداد....
مؤلفاته وآثره العلمية:
من يطلع على كثرة الوظائف والمناصب التي تقلدها الاستاذ طه باقر في حياته الوظيفية ، لابد وان يقول مع نفسه بان هذه الوظائف والمناصب قد اثرت على كمية انتاجه العلمي، لان ادارة تلك الوظائف وتمشية مهام المناصب التي شغلها قد اخذت من وقته الشي ء الكثير وشغلت باله باستمرار، غير ان واقع عكس الحال عكس ذلك فبالرغم من ضيق وقت الاستاذ طه باقر ، الا ان انتاجاته كانت كثيرة ، بحيث لم يوازه في حياته لا من الآثاريين ولا المؤرخين احد، وان دلت هذه الحقيقة على شيء فإنما تدل على ان امكانية البحث والتحليل عنده ليست صفة مكتسبة من خلال دراسته . بل انها امكانية تسري في عروقه ، وتبرز كلما قال قولا او كتب بحثا او كتابا. وهذا يؤكد على ان هذه الامكانية متوارثة فعلا عن عائلته ذات العلم الواسع وعن منطقته بابل التي سادت فيها علوم الحضارة البابلية العظيمة.
وان مديرية الآثار القديمة العامة (المؤسسة العامة للاثار والتراث حاليا ) لم تشهد باحثا غزير الانتاج مثلما شهدت الاستاذ طه باقر ومن بعدد زميله المرحوم فؤاد سفر. وفيما يلي. سأحاول عرض جميع نتاجاته العلمية ، ولكنني سوف ابدأ هذا العرض بالكتب التي قام بتأليفها :
( مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ).
(ملحمة كلكامش).
( المرشد الى مواطن الآثار والحضارة).
( مقدمة في أدب العراق القديم ):
(عصور ما قبل التاريخ في ليبيا وعلاقتها بأصول الحضارات القديمة )
موجز في تاريخ العلوم والمعارف في الحضارات القديمة والحضارة العربية الاسلامية .
من تراثنا اللغوي القديم ما يسمى في العربية بالدخيل.
( الكتب التي ترجمها ):
1- بحث في التاريخ .
2 - الواح هن سومر.
3- الرافدان.
4- الانسان في فجر حياته.
5- تاريخ العلم.
(كراساته الخاصة بالمواقع الاثرية):
علاوة على الاجزاء الستة الخاصة بالمرشد الى مواطن الآثار والحضارة، للأستاذ طه باقر كراستان : الأولى تعرف ببقايا مدينتي بابل وبور سبأ وظهرت عام 1959، أما الكراسة الثانية فخاصة بموقع شاديوم، وهو الاسم القديم لموقع تل حرمل، طبع عام 1959 أيضاً.
[اضافة الى عشرات البحوث والمقالات التي نشرت في اكثر من مكان]
( الراحل الذي لم يغادر):
في بداية عام ١٩٨٣ أصيب بنكسة ثانية في صحته مما اضطر ذلك عائلته ان تستنجد بالحكومة العراقية. ولذلك فان الحكومة قد حولته وفق الاصول المرعية الى مستشفى أبن البيطار أولا لبيان امكانية معالجته في المستشفى المذكورة ام لا ,وحسب ما استعلمته من عائلة الفقيد ان الرأي قد استقر في النهاية على ارساله ال خارم العراق ، والى اي بلد يختاره الاستاذ طه باقر نفسه ، ولكن للقدر احكامه فانتقل الاستاذ طه باقر الى اجله كما يقول البابليون : في اليوم الثامن والعشرين من شهر شباط عام ١٩٨٤ . وفي اليوم التالي تم دفنه في المقبرة الخاصة بالعائلة في النجف الاشرف ، بعد ان شيع جثمانه في بغداد ذلك التشييع الذي يليق ومكانة الفقيد .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|