أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-8-2022
1469
التاريخ: 19-5-2021
2042
التاريخ: 17/11/2022
1317
التاريخ: 25-5-2021
1750
|
الحرب والجغرافيا
قبل نحو 2500 سنة في كتابه Sun Tze قال المفكر الصيني الشهير سون تزي إن أولئك الذين لا يعرفون أحوال الجبال ": The Art of war القيّم فن الحرب والغابات والأودية الخطرة والسبخات والمستنقعات لا يمكنهم قيادة جيش ".
هناك دور متبادل في كل زمان ومكان بين البيئة أو الجغرافيا الطبيعية المادية وبين المعركة، فقد أدى السعي الدؤوب عبر قرون طويلة لقهر العدو إلى التقدم الكبير في صنع الاسلحة وتطوير التقنيات وبدرجات متفاوتة من اجل ضمان السيطرة على المكان وخطوط الاتصالات وكان للعداوة بين بني البشر ولاستمرار الصراع شه تأكيد في أن المستقبل سيكشف عن ادوات ووسائل اكثر دمارا ورعبا في اي حرب قادمة، وهر جليا ان العناصر الجغرافية الاساسية كانت على الدوام عناصر هامة في ادارة المعركة وفي حصيلة هذه المعركة.
إن دراسة العلاقات والروابط بين عدد من العمليات العسكرية المختلفة، ومكوناتها وعناصرها الجغرافية ستُظهر شواهد على أن الطقس والمناخ والأرض terrainوالتربة والغطاء النباتي هي عوامل مؤثرة بل وأحيانا حاسمة في الصراع، كما سيتبين أن الحرب والبيئة تشتركان بشكل متنوع ومتداخل وغالبا متغير. وإن إجراء المقارنة لمعارك تأثرت بشكل رئيس بأحد عناصر البيئة ستظهر أمور متشابهة وأخرى مختلفة، وفي حين أن بعض الصراعات قد اختلفت أوضاعها ونتائجها كثيرا تبعا لتغير الظروف والتقنيات والآراء، لكن يبقى أمر دون تغيير وهو أن ميزة بيئية معينة تكون لأحد طرفي النزاع كعنصر قوة، لكنها في الوقت نفسه هي سوء طالع للطرف الآخر، ويمكن لوضع كهذا أن ينقلب في ساحة المعركة القادمة.
كان الطقس عاملا هاما على الدوام في الحرب. ومن أمثلة ذلك الأثر السيئ للأعاصير على اسطول قبلاي خان (1216-1294) حفيد جنكيز خان، حين أراد حين أراد عبور مضيق كوريا بهدف غزو اليابان، فقد هبت عواصف أوقفت الغزو، وكانت من القوة أن أطلق عليها المدافعون اليابان " كاميكازي " وتعني " الرياح الإلهية " ومنها جاءت تسمية الطائرات الانتحارية اليابانية في الحرب العالمية الثانية تذكارا لتلك الرياح التي أنقذت اليابان مرتين في العامين 1274 و 1281 . وبعد نحو 6 قرون تجلى اهتمام بالغ برصد حالة الجو في منطقة القنال الإنجليزي عام 1940 حيث كانت تبذل جهود للحيلولة دون إبادة نحو ثلث مليون جندي بريطاني وفرنسي بإخلائهم من ميناء دنكرك- الميناء الوحيد الباقي – على الساحل الشمالي الفرنسي بعد سقوط فرنسا بيد الألمان. وتكرر الاهتمام الكبير بنفس 1944 لتحرير فرنسا من الألمان، /6/ المنطقة عندما تم إنزال الحلفاء في النورمندي في 6 فقد أوضح علماء الأرصاد الجوية الألمان للقيادة الألمانية أن الحالة الجوية (الطقس) غير مناسبة للإنزال الذي يتوقع أن يقوم به الحلفاء عبر القنال الإنجليزي، ومن ثم لم تكن القوات الألمانية مستعدة لذلك، بينما كانت قوات الحلفاء تتابع باهتمام كامل أي فرصة لتحسن الحالة الجوية لإنزال آلاف الجنود المنتظرين، وقد تم الإنزال والهجوم وهُزمت القوات الألمانية لأسباب منها سوء تقديرها لدور الأحوال الجوية السائدة والمتوقعة آنذاك.
كثيرا ما استفاد البادئ بالحرب من ظروف الطقس غير المناسب، ومنها أحوال الجو الضبابي والمتواصل لأيام عدة، والمصحوب بغيوم منخفضة، وتساقط أمطار ونحوها، حيث ساهمت هذه الظروف وبحدة على فعالية الهجوم الألماني في كانون الأول (ديسمبر) 1944 في معركة Bulge في بلجيكا حيث كان آخر هجوم ألماني كبير في الحرب العالمية الثانية، وكذلك الحصار الطويل الذي قامت به قوات الفيت كونغ cong viet واستمر عدة اشهر لقاعدة خي سانة sanh khe الامريكية ابان الحرب الفيتنامية. وعلى النقيض مما سبق فقد سببت بضع ساعات من تساقط المطر غير المتوقع على التربة الغنية بالطين في ولاية فرجينيا في شرق الولايات المتحدة، سببت إيقاف هجوم كبير تماما كانت تقوم به قوات الجيش الاتحادي قبل اشتباك مّدبر مع القوات الجنوبية إبان الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) مما سبب سوء صيت ما سمي Mud March عام 1863.
يلعب المناخ أدوارا عدة في المعركة، ومنها ما سببته الأحوال المناخية المعتدلة نسبيا والرطبة باستمرار على سواحل شمال غرب أوروبا في الحرب العالمية الاولى (1914-1918) إذ جعلت ساحة المعركة في الفلاندرز (مناطق ساحلية منخفضة من فرنسا وبلجيكا) مستنقعات طينية سببت الشقاء للجنود لمدة 4 سنوات، وفي النهاية لم تكن سببا في حسم الأمر لأي طرف في الصراع.
كانت فصول الشتاء الطويلة وشديدة البرد نموذجا للمناطق الداخلية من اقصى شرق قارة أوروبا حيث ساهمت بقدر كبير في معاناة وهزيمة الجيوش غير المجهزة لمواجهة احوال المناخ، والتي قادها شارلز الثاني عشر (1682-1718) ملك السويد، ونابليون بونابرت (1769-1821) امبراطور فرنسا، وأدولف هتلر (1889 – 1945) الزعيم النازي، حيث هاجم كل منهم روسيا، وفشل فشلا ذريعا. وعلى نحو مختلف كانت درجات الحرارة المرتفعة والمصحوبة بالجفاف والرياح والغبار في شمال أفريقيا تشكل مشاكل تعبويه للقادة الذين تحاربوا هناك خلال حرب الصحراء في الفترة (1939 – 1941) إبان الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
كانت النباتات الكثيفة في منطقة العروض الوسطى ذات دور عظيم بشكل عام لكل من القوات الاتحادية (الشمال) والقوات الكونفدرالية (الجنوب) خلال الحرب الأهلية الأمريكية. مثلان حيّان من المعارك التي جرت في المنطقة المسمّاة قفر فرجينيا في عام 1863 ثم في العام التالي، وبعد عقدين من الزمن في منطقة مدارية مماثلة ومطابقة في معظم أحوالها إبان الحرب العالمية الثانية، وخلال الصراع للسيطرة على غينيا الجديدة، وفي عام 1954 وقعت مأساة القوات الفرنسية في ديان بيان فو وهي قرية في شمال غرب فيتنام قرب حدودها مع لاوس، وكانت مركزا للجيش الفرنسي، وقد هزمتهم القوات الفيتنامية بعد حصار طويل، وما حصل عام 1965 من معركة ضارية في وادي إيا درانغ في جنوب فيتنام مع القوات الامريكية.
ومرة أخرى لعب الوقت والأرض دورا عظيما في الحرب عندما قام الجنرال الأمريكي جاكسون والشهير باسم ستونول عام 1861 بمناورات أسطورية في وادي شناندوة، كما كانت طبيعة جبال بلو ردج وامتدادها نحو الشمال الشرقي سببا في توفير التخفية وفرصة للمسير الطويل بموازاتها بقيادة الجنرال الأمريكي لي عامي 1862 و 1963 لغزو ميريلاند وبنسلفانيا إبان الحرب الأهلية الأمريكية. وعلى خلاف ما سبق جرى عام 1916 قتال بين القوات الألمانية والفرنسية قرب فردان verdant وهي قرية ذات موقع استراتيجي حصين على نهر موز Meuse شمال شرق فرنسا، حيث جرى القتال بين الطرفين لمدة تزيد على 10 أشهر بهدف السيطرة على منطقة تلالية غابية وعرة شكلت أحد معاقل الجبهة الغربية، حيث وقع تغير بسيط في خط المواجهة في أرض تعتبر أكثر ما تكون مناسبة للدفاع، وقد خسر الطرفان الكثير، وتشهد على ذلك المقابر والنصب التذكارية الكثيرة جدا هناك.
كانت مناطق المعالم والامتدادات الجليدية المسماة ثلاجات glaciers ساحات معارك، حيث أثّرت بشكل فاعل على مجريات المعارك بحكم تكوينها، وظهر ذلك في معركة ماساتشوستس بانكرهل، والجزء الغربي من لونغ آيلاند في ولاية نيويورك الأمريكية عام 1775 وعل مستوى أكبر كان دور الأرض المرتفعة قليلا والممتدة من وارسو العاصمة البولندية إلى منسك عاصمة روسيا البيضاء إلى سمولنسك في غرب روسيا، إلى ما بعد بوردينو غرب موسكو ونحوها، إذ تشكل هذه المنطقة ارسابات لمواد على حافة قلنسوة ice - cap جليدية واسعة وُجدت من عدة آلاف من السني. وخلال قرون ثلاثة متتالية سارت جيوش ثلاث (سويدية وفرنسية وألمانية) دروبا وطرقا مشابهة، وعلى الإرسابات نفسها، وقطعت مئات الكيلومترات نحو روسيا لتصل إلى نهايتها المحتومة وهي الهزيمة. وفي مكان آخر يختلف تماما عن البيئة السابقة تحاربت قوات نمساوية وإيطالية في الحرب العالمية الأولى في عين المنطقة من جبال الألب، وفي مواقع تغيرت بضع عشرات من الكيلومترات خلال عدة أشهر، شكلت اضطرابات الطقس على ارتفاعات كبيرة، ومناطق وعرة حفرتها كتل الجليد شكلت ساحة هائلة للمعارك.
أما المياه فهي عنصر هام ودائم في الحرب. فقد تأثرت معارك الجُزُر الك برى بالأحوال الجوية البحرية، ومثالها جزيرة تاراوا Tarawa وهي دولة كريباس الحالية، وجزيرة أوجيما Iwo Jima اليابانية ، وكانت العمليات الهجومية البرمائية على منطقة ميناء إنشون Inchon الكوري الجنوبي امثلة لعميات ناجحة جدا. أما أنزيو على ميناء إنشون الساحل الغربي لإيطاليا فقد وقعت فيها هزيمة، إذ كان تأثير الأحوال البحرية بما فيها من مد وجزر وعواصف إضافة لمواد تكوين الشاطئ، وطوبوغرافية الساحل واضحة. وتبدو صعوبة عبور الأنهار بوضوح بما حلّ بنابليون عند برزينا Berezina لدى تقهقره عن روسيا عام 1812 ، وما حدث عند ما يسمى bridge too far عند آرنهايم الهولندية خلال العملية المسماة Garden Market عام 1944 من انزال انجليزي شهير. وعلى النقيض التام كان حسن طالع الحلفاء في الاستيلاء على جسر منعزل متبق على نهر الراين في مدينة رماجن Remagen الالمانية على الضفة اليسرى لنهر الراين قرب مدينة بون. Bonn في اوائل عام 1945، مما حطم الدفاعات الالمانية على امتداد أطول انهار غرب أوروبا. تبين الوقائع والأحداث السابقة أن لمعالم سطح الأرض والظاهرات الطبيعية الأخرى آثارا منفردة أو مجتمعة في تشكيل ظروف الصراع والقتال، وقد تصبح ذات دور حاسم في نتائجهما. ولا يعرف أحد على وجه التأكيد كيف ستجري الحروب القادمة، وفق ظروف قائمة ومحتملة، وأسلحة ومعدات وتقنيات يستمر تحديثا. كما سيبقى دور العناصر الطبيعية للمكان من أرض وأحوال جوية ونبات دورها طالما بقيت قوات برية أو بحرية أو جوية تسعى لاحتلال مكان، وطالما بقي هناك رغبة في كسر إرادة شعب أو أمة ما.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
أولياء أمور الطلبة يشيدون بمبادرة العتبة العباسية بتكريم الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|