أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
1445
التاريخ: 17-10-2014
1514
التاريخ: 17-10-2014
1898
التاريخ: 18-11-2014
1517
|
يقودنا التطواف في دراسات الباحثين ممّن طرق موضوع التحريف وتقصّاه بالدراسة والبحث قديما وحديثا، إلى رصد ثلاثة مناهج اتبعوها في الاستدلال، هي :
أ- المنهج العقلي أو الكلامي :
وهو الذي يأخذ حججه من العقل، وأشهر أدلّتهم على هذا الصعيد هي معجزيّة القرآن. فما دام القرآن هو المعجزة الدائمة لخاتم النبيّين، فلا بدّ وأن يكون مصونا ومحفوظا من الزيادة أو النقيصة، وإلّا فإنّ أي ثلب في هذه المعجزة، يعرّض النبوّة نفسها إلى الخطر ومن ورائها الإسلام (1). هذا الدليل يلخّصه أحد الباحثين المعاصرين، بقوله : «إنّ القرآن نزل على سبيل الإعجاز الدائمي، فوجب حفظه تأبيدا» (2).
سعى بعضهم للاستدلال عقليا على عدم التحريف من خلال المقاصد الأساسية للقرآن. وملخّص استدلالهم أنّ القرآن الواقعي الذي أنزله اللّه (سبحانهـ) على رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتوفّر على جملة من الصفات ككونه قولا فصلا، ورافعا للاختلاف، وذكرا وهاديا ونورا، ومبيّنا للمعارف الحقيقية والشرائع الفطرية وآية معجزة. فمن جهة المعارف الحقيقية مثلا يصف القرآن اللّه (جلّ جلالهـ) بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، ويصف سنّته في الصنع والإيجاد، ويصف ملائكته وكتبه ورسله، ويصف شرائعه وأحكامه، ويصف ما ينتهي إليه أمر الخليقة في المعاد ورجوع الكلّ إليه سبحانه، ويبيّن تفاصيل ما يؤول إليه أمر الناس من السعادة والشقاء والجنة والنار وما إلى ذلك ممّا يدخل في مطلق الذكر. وما دام القرآن الذي بين الدفتين يحوي ذلك جميعا، ويتصف بهاتيك الصفات الكريمة بأكملها، فإذن هو القرآن الواقعي النازل من اللّه (جلّ جلالهـ) إلى نبيّه الكريم، دون نقص أو زيادة، وهو المطلوب (3).
يمكن أن نضيف إلى ذلك، ما ألفته البحوث الاصولية من التأسيس لحجّية الظهور، وما ساقته من دراسات انتهت إلى حجّية ظهور الكتاب، إذ لا معنى لحجّية نصوص كتاب محرّف، وإنّما يستقيم القول بحجّية نصوصه بعد التسليم بتمام صحّته، وهذا ما هو حاصل من بحث حجّية الظواهر في الكتب الاصولية (4).
ب- المنهج النقلي :
وهو أكثر ذيوعا من الأوّل، وقد لجأ فيه الباحثون إلى مناقشة المرويات التي تومئ إلى وجود النقيصة على اعتبار أنّ هناك إجماعا على نفي الزيادة، فأشبعوها تفكيكا وتحليلا وبحثا على مستوى السند والدلالة، لينتهوا إلى أنّ هذه الأحاديث ضعيفة الأسناد، فهي مراسيل أو مقطوعة الإسناد أو ضعيفتها، لا تفيد علما ولا عملا. وما يسلم منها من هذه العلل- وهو قليل- فهو قاصر الدلالة.
ثمّ عارضوها بما هو أضبط منها سندا وأقوى دلالة وأكثر عددا، لتنتهي بهم حصيلتهم البحثية إلى وجود المجاميع الحديثية التالية :
1- مجموعة الأحاديث التي لها دلالة قطعية على نفي التحريف؛ وهي تكفي لمعارضة ما يسلم من أحاديث الطائفة الاولى، لما تفيده من أنّ القرآن الموجود بين الناس هو القرآن النازل من عند اللّه سبحانه.
2- الأحاديث النبويّة الآمرة بالرجوع إلى القرآن عند الفتن، ولحل عقد المشكلات، ولا معنى لهذه الإحالة مع افتراض عدم سلامة القرآن.
3- كما استدلوا بحديث الثقلين على سلامة القرآن، إذ لا معنى للأمر بالتمسّك بكتاب محرّف.
4- كما استدلّوا أيضا بالأخبار الآمرة بعرض الأحاديث والروايات على القرآن، واتخذوها دليلا على سلامة النص القرآني وبقائه بعيدا عن التحريف.
5- ممّا استدلوا به كذلك مجموعة حاشدة من الروايات تؤسّس للحكم الفقهي الذي يفيد بوجوب قراءة سورة كاملة من القرآن في الفريضة بعد سورة الحمد، حتّى ذكر بعضهم أنّ هذا وحده يكفي دليلا على صيانة القرآن من التحريف.
6- تبرز على هذا الصعيد مجموعة واسعة من الأخبار تتضمّن تمسّك أئمّة أهل البيت عليهم السّلام بمختلف الآيات القرآنية بما يوافق القرآن الموجود بين أيدينا، والاستدلال أو الاحتجاج أو الاستشهاد بها، ممّا يعطي مؤشرا حاسما على سلامة النص القرآني.
من المؤشرات المهمّة الاخرى التي لجأ المنهج النقلي إلى استخدامها في بحث الروايات التي تفيد التحريف، هو احتمال الدسّ فيها، خاصّة وأنّ هذا الاحتمال قريب جدا تؤيّده الشواهد والقرائن، الأمر الذي يدفع حجّية روايات التحريف ويفسد اعتبارها، فلا يبقى لها لا حجّية شرعية ولا عقلانية، حتّى ما كان منها صحيح السند، لأنّ «صحّة السند وعدالة رجال الطريق إنّما يدفع تعمّدهم الكذب دون دسّ غيرهم في اصولهم وجوامعهم ما لا يروونه» (5).
على ضوء ذلك كلّه انتهى المنهج النقلي الذي عالج الروايات التي تفيد التحريف تصريحا أو تلميحا، إلى إسقاط هذه الروايات عن مستوى الاستدلال لأنّ الضعف والكذب والتدليس واضح الأمارات في الرواة، والاضطراب والتناقض متوافر في الأسانيد، وما يسلم منها عن ذلك، فهو أخبار آحاد متناثرة هنا وهناك لا تصلح دليلا في قضية ولا برهانا على دعوى (7)، ومن ثمّ فهي لا تفيد علما ولا عملا (8)، ومصادمة للضرورة : «فالحديث عن سلامة القرآن وصيانته من البديهيات، والاعتقاد بخلوّه من الزيادة والنقصان من الضروريات» (8).
ج- المنهج التأريخي :
النقطة الأساسية التي يرتكز إليها هذا المنهج تتمثّل في أنّ القرآن قد جمع على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وكتب في حياته وظلّ يتناقل بين المسلمين متواترا جيلا بعد جيل، بصيغته التي جمع عليها في العهد النبوي دون زيادة أو نقيصة.
لقد استدلّوا على ذلك بأدلّة متعدّدة منها طائفة من الروايات الدالّة على ذلك، وإطلاق لفظ الكتاب على القرآن كما في حديث الثقلين وما فيه من دلالة على أنّه كان مكتوبا مجموعا لأنّ لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزّأ غير مجتمع (9).
كما استدلّوا على جمعه في عهد النبي بحكم العقل، انطلاقا ممّا للقرآن من عظمة في نفسه، واهتمام النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بحفظه وقراءته، واهتمام المسلمين بما يهتمّ به نبيّهم، إذ كلّ ذلك يملي عقلا المبادرة إلى جمعه وتدوينه ولا يسوّغ إهمال أمره مطلقا.
ممّا استدلّوا به أيضا إجماع قاطبة المسلمين على أن لا طريق لإثبات القرآن إلّا بالتواتر.
ومن ثمّ فإنّ التسليم بالروايات التي تقول بأنّ القرآن جمع فيما بعد على عهد أبي بكر أو عثمان بشهادة شاهدين وما أشبه يخرم الاجماع المذكور ويعرّض مقولة لزوم التواتر في القرآن إلى المسألة والشكّ، وهذا ما لا يلتزم به أحد.
كما أضافوا إلى ذلك آيات التحدّي التي تحدّى فيها القرآن المشركين وغيرهم بالإتيان بمثله أو بعشر سور أو بسورة من مثله، ممّا يدلّ على أنّ القرآن كان بمتناول أيديهم معروف لهم بآياته وسوره، وسوره مشهورة معروفة متميّزة بعضها عن بعض في الخارج (10)، بحيث يمكن لأي واحد منهم تناولها بيسر، وإلّا كان التحدّي بغير الموجود وهو لا يصحّ (11).
على هذا يخلص الدليل التأريخي إلى أنّ القرآن الكريم كان مجموعا على عهد النبي مدوّنا في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لتسقط بذلك الروايات التي تفيد أنّ جمعه قد تمّ في عهد الخلفاء لتناقضها فيما بينها من جهة، ولمعارضتها للكتاب والسنّة والإجماع والعقل فيما دلّت عليه من أنّ القرآن كان مجموعا في العهد النبوي من جهة اخرى (12).
أجل يسلّم أصحاب المنهج التأريخي بأنّ عثمان قد جمع القرآن في زمانه، بيد أنّ هذا الجمع لم يكن بمعنى جمع الآيات والسور في مصحف، بل بمعنى جمع المسلمين على قراءة واحدة هي التي كانت متداولة بين المسلمين. وقد يقدّمون قراءات اخر لمعنى جمع أبي بكر القرآن لا تتعارض مع مرتكز نظريتهم الدالّة على أنّ القرآن كان مجموعا على عهد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم (13).
على أساس هذه البذرة الصلبة يؤسّس المنهج التأريخي لديموميته، وهو يسجّل أنّ القرآن بقي متواترا بين المسلمين منذ العهد النبوي حتّى الآن، ينتقل فيمن بعدهم جيلا بعد جيل دون أن تطال وثاقته التاريخية شائبة أو يتمّ الطعن بتواتره :
«أمّا القرآن الكريم فقد ظلّ ينتقل من جيل إلى جيل بطريقة متقنة فذّة فريدة، تعارف الناس عليها، حتّى انتشر من أقصى بلاد المسلمين في شمال غربي إفريقيا، إلى أقصى البلاد الإسلامية في جنوب شرقي آسيا. ولم يتفق لكتاب من التواتر ودقّة النقل ما اتفق للقرآن الكريم» (14).
ومن النقاط الدقيقة التي سنلمسها في نصوص الإمام الخميني، استناده إلى الدليل التأريخي في تحديد وضع بعض المفردات والألفاظ القرآنية، كما ذهب إليه مثلا في الجزم بأنّ القراءة الراجحة بل المتعيّنة في سورة الفاتحة هي «مالك» في قوله سبحانه : {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[ الفاتحة : 4] دون لفظ «ملك»؛ والكلام نفسه يجري في لفظ «كفوا» من قوله سبحانه : {وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[ الإخلاص : 4] ، إذ الثابت هو {كُفُواً} بالفاء المضمومة والواو المفتوحة بدلا من كُفُواً بضمّ الفاء والهمزة، على ما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء اللّه.
على أساس التركيب بين هذه المنهجيات الثلاث في الاستدلال والجمع بينها انتهى البحث القرآني عند المسلمين إلى أنّ : «حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلّا من ضعف عقله، أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمّل ...
وأمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته» (15).
وبقدر ما بقي بحث مسألة التحريف وفيّا لمنهجيات الاستدلال الكلامية والنقلية والتاريخية، فقد برز عدد من الباحثين خاصّة بين المتأخّرين يسعى للوصول عبر المنهج الاستقرائي إلى ما يشبه الإجماع في نفي التحريف. كما لا يشترط في الباحث الواحد أن يستخدم منهجا واحدا من المنهجيات المذكورة، وإنّما مالت الغالبية إلى الأسلوب المركّب الذي يلجأ فيه الباحث إلى المزاوجة بين تلك المنهجيات لما يحقّق الغاية المنشودة.
(2)- تأريخ القرآن : 170.
(3)- الميزان في تفسير القرآن 12 : 104- 133 بتلخيص. كما يلخّصه في كتاب آخر بقوله : «أوضح دليل على أنّ القرآن الذي بأيدينا اليوم هو القرآن الذي نزل على النبي الكريم، ولم يطرأ عليه أي تحريف أو تغيير، أنّ الأوصاف التي ذكرها القرآن لنفسه موجودة اليوم فيه كما كان في السابق. يقول القرآن : إنّني نور وهداية ... إنّني ابيّن ما يحتاج إليه الإنسان ويتفق مع فطرته ... إنّني كلام اللّه تعالى، ولو لم تصدّقوا فليجتمع الإنس والجنّ للإتيان بمثله ... إنّ هذه الأوصاف والمميزات باقية في القرآن».
راجع : القرآن في الإسلام : 175- 176، لكن هذا الاستدلال يواجه إشكالا يرتبط بمصدر الصفات التي أخذها للقرآن وجعلها معيارا للقرآن الواقعي؟ إذ لا ريب أنّه أخذها من القرآن الموجود الذي يدور من حوله البحث، والذي يراد إثبات عدم تحريفه، ليواجه الدليل مشكلة الدور، إلّا أن يلجأ إلى ما لجأ إليه الآخرون من إثبات صحّة هذه الآيات التي أخذ عنها الأوصاف والمعايير المذكورة، عن طريق أئمّة أهل البيت، ثمّ الانطلاق منها لإثبات صحّة بقية ما بين الدفتين.
(4)- بالنسبة إلى الإمام راجع : تهذيب الاصول 2 : 162 فما بعد، أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية 1 : 239- 247.
(5)- الميزان في تفسير القرآن 11 : 115.
(6)- راجع : تأريخ القرآن : 159 فما بعد.
(7)- راجع بهذا الشأن : آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1 : 53- 71، البيان في تفسير القرآن : 246- 254، الميزان في تفسير القرآن 11 : 107- 108، ومواضع اخرى من بحثه التفصيلي عن صيانة القرآن من التحريف، التحقيق في نفي التحريف : 66 فما بعد، ومصادر كثيرة اخرى ممّا توفر على معالجة هذه المسألة قديما وحديثا.
(8)- تأريخ القرآن : 153.
(9)- البيان في تفسير القرآن : 271.
(10)- نفس المصدر.
(11)- موجز علوم القرآن : 157.
(12)- راجع أيضا : تأريخ القرآن : 42.
(13)- نفس المصدر : 42 فما بعد، وخاصة الفصل الثامن الذي ذكر فيه أسماء من جمع القرآن على عهد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
(14)- موجز علوم القرآن : 167.
(15)- البيان في تفسير القرآن : 278.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|