أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2021
1614
التاريخ: 23-1-2022
1783
التاريخ: 14-11-2020
1434
التاريخ: 23-1-2022
1839
|
حاول أن تشكل هذه النصوص وتقرأها بصوت مرتفع :
( كلمة الكاتب نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب في حفل تكريمه في الأكاديمية السويدية).
سيداتي، وسادتي
في البدء أشكر الأكاديمية السويدية ولجنة نوبل التابعة لها على التفاتها لاجتهادي المثابر الطويل، وأرجو أن تتقبلوا بسعة صدر حديثي إليكم بلغة غير معروفة لدى الكثيرين منكم، ولكنها هي الفائز الحقيقي بالجائزة، فمن الواجب أن تسبح أنغامها في واحتكم الحضارية للمرة الأولى، واني كبير الأمل أن لا تكون المرة الأخيرة، وأن يسعى الأدباء من قومي بالجلوس بكل جدارة بين ادباءكم العالميين الذين نشروا أريج البهجة والحكمة في دنيانا المليئة بالشجن.
سادتي
أخبرني مندوب جريدة أجنبية في القاهرة أنه لحظة إعلان اسمي مقرونا بالجائزة ، ساد الصمت وتساءل كثيرون عمن أكون ، فاسمحوا لي أن أقدم لكم نفسي بالموضوعية التي تتيحها الطبيعة البشرية :
أنا ابن حضارتين تزوجنا في عصر من عصور التاريخ زواجا موفقا، أولاهما عمرها سبعة آلاف سنة، وهي الحضارة الفرعونية، وثانيتهما عمرها ألف وأربعمائة سنة وهي الحضارة الإسلامية. ولعلي لست في حاجة إلى تعريف أي من الحضارتين لأحد منكم، وأنتم من أهل الصفوة والعلم، ولكن لا بأس من التذكير ونحن في مقام النجوى والتعارف.
وعن الحضارة الفرعونية لن أتحدث عن الغزوات وبناء الإمبراطورية، فقد أصبح ذلك من المفاخر البالية التي لا ترتاح لذكرها الضمائر الحديثة والحمد لله. بل لن أتحدث عن إنجازاتها في الفن والأدب وإنجازاتها الشهيرة الأهرام وأبو الهول والكرنك، فمن لم يسعده الحظ بمشاهدة تلك الآثار فقد قرأ عنها وتأمل صورها. دعوني أقدمها بمثابة القصة طالما أن الظروف الخاصة بي جعلتني أن أكون قصاصا ، فتفضلوا بسماع هذه الواقعة التاريخية المسجلة :
تقول أوراق البردي إن أحد الفراعنة قد نمي إليه أن علاقة آثمة نشأت بين بعض نساء الحريم وبعض رجال الحاشية. وكان من المتوقع أن يجهز على الجميع فلا يشذ في تصرفه عن مناخ زمانه. ولكنه دعا إلى حضرته نخبة من رجال القانون وطالبهم بالتحقيق في ما نمي إلى علمه، وقال لهم إنه يريد الحقيقة ليحكم بالعدل.
ذلك السلوك في رأيي أعظم من بناء إمبراطورية وتشييد الأهرامات وأدل على تفوق الحضارة من أي أبهة أو ثراء. وقد زالت الإمبراطورية وأمست خبرا من أخبار الماضي، وسوف تتلاشى الأهرام ذات يوم ولكن الحقيقة والعدل سيبقيان مادام في البشرية عقل يتطلع أو ضمير ينبض.
أما عن الحضارة الإسلامية فلن أحدثكم عن دعوتها إلى إقامة وحدة بشرية في رحاب الخالق تنهض على الحرية والمساواة والتسامح، ولا عن عظمة رسولها، فمن مفكرين من كرسه كأعظم رجل في تاريخ البشرية، ولا عن فتوحاتها التي غرست آلاف المآذن الداعية للعبادة في التقوى والخير على امتداد أرض مترامية، بين مشارف الهند والصين وحدود فرنسا، ولا عن المؤاخاة التي تحققت في حضنها بين الأديان والعناصر في تسامح لم تعرفه الإنسانية من قبل ولا بعد، ولكني سأقدمها في موقف درامي مثالا يلخص سمة من أبرز سماتها : ففي إحدى معاركها الظافرة مع الدولة البيزنطية رد الأسرى في مقابل عدد من كتب الفلسفة والطب والرياضة من التراث الإغريق العتيد، وهي شهادة قيمة للروح الإنسانية في طموحها إلى العلم والمعرفة، رغم أن الطالب يعتنق دينا سماويا، والمطلوب ثمرة حضارة وثنية.
قدر لي يا سادة، أن أولد في حضن هاتين الحضارتين، وأن أرضع لبانهما، وأتغذى على آدابهما وفنونهما، ثم ارتويت من رحيق ثقافتكم الثرية الفاتنة، ومن وحي ذلك كله بالإضافة إلى شجوني الخاصة، ندت عني كلمات أسعدها الحظ باستحقاق تقدير أكاديميتكم الموقرة فتوجت اجتهادي بجائزة نوبل الكبرى، فالشكر أقدمه لها باسمي وباسم العظام الراحلين من مؤسسي الحضارتين.
سادتي
لعلكم تتساءلون : هذا الرجل القادم من العالم الثالث كيف وجد من فراغ البال ما أتاح له أن يكتب القصص ؟ وهو تساؤل في محله، فأنا قادم من عالم ينوء تحت أثقال الديون والمجاعة والفقر والحرمان ... معذرة، رغم كل ما يجري حولنا فإنني ملتزم بالتفاؤل حتى النهاية، لا أقول مع الفيلسوف كانط إن الخير سينتصر في العالم الآخر، فإنه يحرز نصراً كل يوم، بل لعل الشر أضعف مما نتصور بكثير. وأمامنا الدليل الذي لا يجحد، فلولا النصر الغالب للخير لما استطاعت شراذم من البشر الهائمة على وجهها عرضة للوحوش والكوارث والأوبئة أن تنمو وتتكاثر وتكون الأمم، وتكتشف وتبدع وتخترع وتغزو الفضاء وتعلن حقوق الإنسان، غاية ما في الآمر أن الشر عربيد ذو صخب ومرتفع الصوت، وأن الإنسان يذكر ما آلمه أكثر مما سره. وقد صدق شاعرنا أبو العلاء المعري عندما قال :
إن حزنا في ساعة الموت أضعاف سرور في ساعة الميلاد.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|