أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-04-2015
6510
التاريخ: 26-04-2015
1346
التاريخ: 2023-08-31
1611
التاريخ: 4-1-2016
2313
|
ما تبنّاه السيّد الطباطبائي في تفسيره (الميزان) بعد أن ناقش الاتّجاهات المختلفة في تحديد معنى المحكم والمتشابه قال : «إنّ الذي تعطيه الآية في معنى التشابه أن تكون الآية - مع حفظ كونها آية- دالة على معنى مريب مردّد لا من جهة اللفظ بحيث تعالجه الطرق المألوفة عند أهل اللسان كإرجاع العام والمطلق إلى المخصّص والمقيّد ونحو ذلك، بل من جهة كون معناها غير ملائم لمعنى آية اخرى لا ريب فيها تبيّن حال المتشابه.» (1)
وقال في موضع آخر : إنّ المراد بالتشابه كون الآية بحيث لا يتعيّن مرادها لفهم السامع بمجرّد استماعها بل يتردّد بين معنى ومعنى حتّى يرجع إلى محكمات الكتاب فتعيّن هي معناها وتبيّنها بيانا فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة والآية المحكمة محكمة في نفسها. (2)
يمكننا أن نوضح رأي العلّامة الطباطبائي في هذا البحث بالنقاط التالية :
1. إنّ التشابه لا ينشأ من دلالة اللفظ على المعنى حيث يجب أن تكون الآية المتشابهة دالّة على معنى معيّن عرفي.
ويستند هذا الالتزام إلى أنّ التشابه في الآية الكريمة أخذ بالشكل الذي يمكن استغلاله في مجال الفتنة، حيث جرى دأب أهل اللسان في ظرف التفاهم أن لا يتّبعوا ما هذا شأنه من الألفاظ، فلم يقدم على مثله أهل اللسان سواء في ذلك أهل الزيغ منهم والراسخون في العلم. (3)
2. أن تكون الآية المتشابهة دالّة على معنى يتعارض مع مدلول آية أخرى غير مريب وهي الآية المحكمة، ويستند هذا الالتزام إلى أنّ الآيات المحكمة هي أمّ الكتاب وتعني الامومة هذه حل التشابه عند الرجوع إلى المحكمات بالشكل الذي يتعين به مدلول الآية المتشابهة على ضوء مدلول الآية الاخرى المحكمة. وهذا لا يتحقّق إذا لم يكن تعارض بين الآيتين. (4)
3. ان يكون المعنى المدلول للآية المتشابهة مردّدا أو مريبا.
و يستند هذا الشرط إلى ضرورة وجود المقياس الذي نرجع إليه في معرفة الآية المحكمة الامّ من الآية المتشابهة التي نرجع إليها بعد وجود التعارض بينهما، وهذا المقياس هو ريب المعنى في المتشابه واستقراره في المحكم.
4. إنّ ظاهر الآية السابعة من آل عمران هو انقسام الآيات القرآنية بشكل استيعابي إلى المحكم والمتشابه بحيث تنعدم الواسطة. (5)
ويمكننا أن نلاحظ على هذا الاتجاه عدّة ملاحظات :
فأوّلا :
نجد هذا الاتجاه غير قادر على تحديد الموقف تجاه الآيات التي تكون دالّة على معنى مردّد بين معنى مريب ومعنى غير مريب، لأنّ هذه الآيات لا تكون واجدة لميزان المتشابه لفقدانها الظهور اللفظي كما أنّها غير محكمة لما فيها من التردّد في الدلالة على المعنى.
وحين يعجز الاتّجاه عن تحديد موقفه من هذه الآيات نجد النقطة الرابعة غير واردة في المحكم والمتشابه. وقد يتشبّث هذا الاتّجاه بالمذهب الذي يقول بضرورة أن تكون جميع الآيات القرآنية ظاهرة في معان معيّنة على أساس أنّ القرآن الكريم كتاب هدى ونور مبين، وحينئذ فلا يبقى مجال لمثل هذه الفرضية في آيات القرآن الكريم.
ولكن هذه الضرورة القرآنية إنّما يلتزم بها في الحدود التي تقول بعدم وجود آية قرآنية غامضة بشكل مطلق بحيث لا يوجد في القرآن ما يوضحها ويفسّرها وإلّا فمن الممكن الالتزام بوجود آيات قرآنية مجملة الدلالة من ناحية مفهومها اللغوي مع الالتزام بوجود ما يوضحها في القرآن الكريم نفسه. وهذا الالتزام لا يزيد- من حيث الروح- عن الالتزام الذي آمن به هذا الاتّجاه بأن يكون اللفظ ظاهرا في معنى مريب يفسّره المحكم.
وبعد هذا لا مجال لادّعاء أنّ الآية المتشابهة لا بدّ وأن تكون ظاهرة في معنى؛ إذ يكشف هذا عن التزام غريب من القرآن الكريم يتلخّص في أنّه كما أراد معنى غير مريب من لفظ غير ظاهر فيه يستعمل لفظا ظاهرا في معنى مريب ويكشف عن إرادته للمعنى غير المريب بواسطة المحكم، دون أن يستعمل اللفظ في معنى مردّد بين المريب وغير المريب، ويكشف عن هذا التردد بواسطة المحكم.
ثانيا :
إنّ هذا الاتّجاه يلتزم بضرورة قيام الآية المحكمة بدور إحكام الآية المتشابهة بعد إرجاعها إليها، من أنّ الآية المحكمة لا تقوم إلّا بدور تضييق نطاق تصوّر المعنى في الآية المتشابهة على ضوء ما تعطيه الآية المحكمة من معنى، لا أن تجعل من الآية المتشابهة آية محكمة بشكل يتحدّد صورة معناها ويتجسّد مصداقه؛ إذ يكفي في صدق مفهوم الإحكام على الآية أن تقوم بدور الوقاية من تسرّب صور ومصاديق المعاني الباطلة إلى المعنى المتشابه. وهذا يكون في بعض الأحيان نتيجة طبيعية لتصوّرنا للمحكم والمتشابه حيث أخذناه على أساس التشابه في تحديد صورة المعنى ومصداقه لا في تحديد مدلول اللفظ ومعناه.
وبهذا نجد الفرق بين إحكام القرينة اللفظية لذي القرينة بشكل يجعله مختصّا بمعنى خاص وبين إحكام الآية المحكمة للآية المتشابهة. مع أنّنا نتصوّر هذا الشيء في القرينة اللفظية أيضا.
ثالثا :
إنّ هذا الاتّجاه يلتزم بضرورة التعارض المفهومي بين المحكم والمتشابه كما جاء في النقطة الثانية، في الوقت الذي عرفنا أن الآية المتشابهة لا تدلّ على مفهوم لغوي باطل ليلتزم بتعارضه مع المفهوم اللغوي للآية المحكمة؛ وإنّما ينشأ الزيغ من محاولة تأويل الآية المتشابهة الذي يعني تجسيدها في مصداق معيّن وصورة محدّدة، الأمر الذي يفرض علينا الرجوع إلى المحكم في محاولة تحديده وتجسيده. وهو ما يستفاد من معنى الآية الكريمة حيث إنّ الآية المتشابهة لو كانت دالّة بحسب ظهورها على معنى باطل لكان مجرّد اتّباعه زيغا دون محاولة تأويله مع أنّ الآية تقول إنّهم يتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
وننتهي من مجموعة هذه الآراء والمناقشات إلى تلخيص الرأي المختار بالنقاط التالية :
1- إنّ الآية المتشابهة لا بدّ وأن تكون ذات ظهور خاصّ في معنى لغوى معيّن بقرينة قوله تعالى {فَيَتَّبِعُونَ}.
2- إنّ المعنى الذي تدلّ عليه الآية المتشابهة لا يكون بمفهومه اللغوي باطلا وإنّما يكون صحيحا والفتنة والزيغ إنّما يكونان بمحاولة تجسيده في صورة ومصداق باطل.
3- إنّ التشابه إنّما يكون في المعنى نفسه وذلك بتحديد صورة المعنى وتجسيد مصداقه لا في علاقة المعنى باللفظ، والإحكام ما يكون في قبال هذا التشابه بأن تكون صورة المعنى المحكم محدّدة ومصداقه الواقعي مجسّدا بشكل يستقرّ إليه القلب ولا يتردّد فيه.
فأيّ معنى قرآنيّ- إذا لاحظناه- فإن كنّا نتردّد في تحديد صورته وتجسيد مصداقه فهو معنى متشابه والآية التي تتضمّنه آية متشابهة. وإن كنّا لا نتردّد في تحديد صورته وتجسيد مصداقه وإنّما يركن القلب والعقل إلى صورة واضحة ومصداق معيّن فهو معنى محكم، والآية التي تتضمّنه آية محكمة.
___________________________
(1) الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن ، ج3 ، ص 40.
(2) المصدر السابق ، ج3 ، ص 19.
(3) المصدر السابق ، ج3 ، ص 33.
(4) المصدر السابق ، ج3 ، ص 43.
(5) المصدر السابق ، ج2 ، ص 32.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|