المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تفسير الاية (97-100) من سورة الأسراء  
  
2957   06:59 مساءً   التاريخ: 24-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الإسراء /

 

قال تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا } [الإسراء: 97 - 100]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قوله تعالى { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} أي: من يحكم الله بهداه فهو المهتد بإخلاصه وطاعته على الحقيقة { ومن يضلل } أي: ومن يحكم بضلاله { فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ} أي: لن تجد لهم أنصارا يقدرون على إزالة اسم الضلال عنهم وقد ذكرنا وجوه الهدى والضلال في سورة البقرة { وَنَحْشُرُهُمْ} أي: نجمعهم.

 { يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} أي: يسحبون على وجوههم إلى النار كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في إهانته وتعذيبه وروى أنس بن مالك أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة أورده البخاري ومسلم في الصحيح {عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} قيل: المعنى عميا عما يسرهم بكما عن التكلم بما ينفعهم صما عما يمتعهم عن ابن عباس أي كأنهم عدموا هذه الجوارح وقيل: يحشرون على هذه الصفة عميا كما عموا عن الحق في دار الدنيا بكما جزاء على سكوتهم عن كلمة الإخلاص وصما لتركهم سماع الحق وإصغائهم إلى الباطل قال مقاتل هذا حين يقال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون وقيل يحشرون كذلك ثم يجعلون يبصرون ويسمعون وينطقون عن الحسن.

 { مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} أي: مستقرهم جهنم كلما سكن التهابها زدناهم اشتعالا فيكون كذلك دائما ومتى قيل كيف يبقى الحي حيا في تلك الحالة من الاحتراق دائما قلنا إن الله تعالى قادر على أن يمنع وصول النار إلى مقاتلهم { ذلك} : ذلك الذي تقدم ذكره من العقاب { جزاؤهم } استحقوه { بأنهم كفروا } ] كذا في النسخ والصواب كفروا [ { بآياتنا } أي: بتكذيبهم ب آيات الله { وقالوا أ إذا كنا عظاما ورفاتا } مثل التراب مترضضين { أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} مر معناه في هذه السورة { أ ولم يروا } أي: أ ولم يعلموا { أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } لأن القادر على الشيء قادر على أمثاله إذا كان له مثل أوأمثال في الجنس وإذا كان قادرا على خلق أمثالهم كان قادرا على إعادتهم إذ الإعادة أهون من الإنشاء في الشاهد وقيل أراد قادر على أن يخلقهم ثانيا وأراد بمثلهم إياهم وذلك أن مثل الشيء مساوله في حالته فجاز أن يعبر به عن الشيء نفسه يقال مثلك لا يفعل كذا بمعنى أنت لا تفعله ونحوه ليس كمثله شيء وتم الكلام هاهنا.

 ثم قال سبحانه: { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ} أي: وجعل لإعادتهم وقتا لا شك فيه أنه كائن لا محالة وقيل: معناه وضرب لهم مدة ليتفكروا ويعلموا فيها أن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة وقيل: وجعل لهم أجلا يعيشون إليه ويخترمون عنده لا شك فيه { فأبى الظالمون } لنفوسهم الباخسون حقها بفعل المعاصي { إلا كفورا } أي: جحودا ب آيات الله ونعمه وفي الآية دلالة على أن القادر على الشيء يجب أن يكون قادرا على جنس مثله إذا كان له مثل وعلى أنه يجب أن يكون قادرا على ضده لأن منزلته في المقدور منزلة مثله وفيه دلالة أيضا على أنه يقدر على إعادته إذا كان مما يفنى وتصح عليه الإعادة.

 ثم قال سبحانه: { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} أي: لو ملكتم خزائن أرزاق الله وقيل: لو ملكتم مقدورات ربي أي ما يقدر عليه ربي من النعم إذ لا يكون له سبحانه موضع يخزن فيه الرحمة ثم يخرج منه كما يكون للعباد ورحمته نعمته { إذا لأمسكتم } شحا وبخلا { خشية الإنفاق } أي: خشية الفقر والفاقة عن ابن عباس وقتادة وقيل: خشية أن تنفقوا فتفتقروا عن السدي والمعنى لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفقر للإنفاق { وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} أي: بخيلا عن ابن عباس وقتادة وهذا جواب لقولهم { لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } ويقال نفقت نفقات القوم إذا نفدت وأنفقها صاحبها أي: أنفدها حتى افتقر وظاهر قوله { وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} العموم وقد علمنا أن في الناس الجواد والوجه فيه أحد أمرين وهو أن يكون الأغلب عليهم من ليس بجواد فجاز الإطلاق تغليبا للأكثر وأيضا فإن ما يعطيه الإنسان وإن عد جوادا بخل في جنب ما يعطيه الله سبحانه لأن الإنسان إنما يعطي ما يفضل عن حاجته ويمسك ما يحتاج إليه والله سبحانه لا تجوز عليه الحاجة فيفيض من النعم على المطيع والعاصي إفاضة من لا يخاف الحاجة .

____________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص296-298.

2- قد خلت المخطوطات مما أوردناه بين المعقفتين ، وكأنه مكتوباً في هامش بعض النسخ ،فأدخله الناسخ في المتن سهواً.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ومَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ومَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ } . هذا تحديد للمهتدي الصالح بأنه من كان كذلك عند اللَّه ، لا من يقول الناس عنه :

انه من أهل الهداية والصلاح ، وكذا الضال ، وفي الحديث : الظاهر للناس ، والباطن للَّه ، وفي نهج البلاغة : { الغنى والفقر بعد العرض على اللَّه } . . وليس لأهل الضلالة والفساد من ناصر ولا شفيع عند اللَّه . . وتقدم نظيره في الآية 178 من الأعراف ج 3 ص 423 . أما عقاب الضالين المضلين فقد أشار إليه سبحانه بقوله : { ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وبُكْماً وصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً } . هذا كناية عن أليم العذاب وشدته على من أنكر الحساب والعقاب ، حتى يعرف ما أنكر : { ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } - 20 السجدة { ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا } بالرغم من وضوحها على وقوع البعث ، جحدوا وأنكروه لا لشيء إلا لمجرد الاستبعاد :

{ وقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً ورُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } . تقدم بالحرف الواحد مع التفسير في الآية 49 من هذه السورة .

{ أَولَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهً الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً } . المراد بأجل هنا أجل البعث والنشر ، وانه كائن لا محالة ، وقد أنكروه ، وهم يرون خلق السماوات والأرض ، ويعترفون بان اللَّه هو الذي خلقها وأبدعها وأتقنها بقدرته ، ولكنهم قالوا : لا يعيدها بعد الفناء لان ذلك صعب عسير . . فقال اللَّه لهم : من قدر على إيجاد الشيء من لا شيء فهو على جمع اجزائه بعد تفرقها أقدر . . وتقدم هذا المعنى في العديد من الآيات ، انظر فقرة : الماديون والحياة بعد الموت ج 4 ص 379 .

وتعال معي لنقرأ هذا الاحتجاج المفحم ، والإلزام الدامغ لمنكري البعث بأروع أسلوب . . ثم قل : ويل للمكذبين :

{ قالُوا أَإِذا مِتْنا وكُنَّا تُراباً وعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ . لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الأَوَّلِينَ } .

{ قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ ومَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .

{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } { قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } { قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ ورَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } .

{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } .

{ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ } .

{ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ . وهُوَ يُجِيرُ ولا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .

{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } .

{ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ } أي تخدعون . - المؤمنون 82 - 89 } .

وهذا شاهد عيان بأن عقيدة الإسلام تقوم على العلم ، وحرية العقل والرأي . .

انظر ج 3 ص 161 فقرة لا دكتاتورية في الأرض ولا في السماء .

{ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفاقِ } .

رحمة اللَّه من حيث هي تعم الإدراك والصحة والأموال وجميع النعم ، ولكن المراد بها هنا المال بالخصوص بدليل قوله تعالى ، { لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفاقِ } أي النفاد . . ولهذه الآية 90 ، وهي { وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعاً } . وبيان الصلة ان اللَّه سبحانه أمر نبيه ان يقول للمحترفين : طلبتم ان يزيد اللَّه في أموالكم وثرائكم بتفجير الأرض أنهارا وعيونا ، وهو يعلم انكم لو ملكتم خزائن السماوات والأرض التي لا نفاد لها لبقيتم على الشح والتقتير خوف النفاد . . وهذا يؤكد ما قلناه من أن المترفين لا يفكرون الا من خلال المال { وكانَ الإِنْسانُ قَتُوراً } من التقتير والتضييق . وعند تفسير الآية 9 من هود ج 4 ص 213 قلنا : ان القرآن لا يريد بمثل هذا الوصف التحديد لحقيقة الإنسان وطبيعته التي تشمل جميع الافراد ، وانما يذكر هذا الوصف تفسيرا لسلوك الإنسان في بعض مواقفه . فراجع .

______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 88-90.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ} إلخ هو - على ما يشعر به السياق - من تتمة الخطاب الأخير للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله:{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} فهو كناية عن أنه تمت عليهم الحجة وحقت عليهم الضلالة فلا مطمع في هدايتهم.

ومحصل المعنى: خاطبهم بإعلام قطع المحاجة فإن الهداية لله تعالى لا يشاركه فيها أحد فمن هداه فهو المهتدي لا غير ومن أضله ولم يهده فلن تجد يا محمد له أولياء من دونه يهدونه والله لا يهدي هؤلاء فانقطع عنهم ولا تكلف نفسك في دعوتهم رجاء أن يؤمنوا.

ومن هنا يظهر أن قول بعضهم: إن الآية كلام مبتدأ غير داخل في حيز{قل} في غير محله.

وإنما أتى بأولياء بصيغة الجمع مع كون المفرد أبلغ وأشمل إشارة إلى أنه لو كان له ولي من دون الله لكان ذلك إما آلهتهم وهي كثيرة وإما سائر الأسباب الكونية وهي أيضا كثيرة.

وفي قوله:{ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} إلخ التفات من التكلم بالغير إلى الغيبة فقد كان السياق سياق التكلم بالغير ولعل الوجه فيه أنه لو قيل: ومن نهد ومن نضل على التكلم بالغير أوهم تشريك الملائكة في أمر الهداية والإضلال فأوهم التناقض في قوله:{فلن تجد لهم أولياء من دونه} فإن الأولياء عندهم الملائكة وهم يتخذونهم آلهة ويعبدونهم.

قوله:{ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} إلى آخر الآيتين العمى والبكم والصم جمع أعمى وأبكم وأصم، وخبو النار وخبوها سكون لهبها، والسعير لهب النار، والمعنى ظاهر.

قوله تعالى:{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} إلى آخر الآية، الكفور الجحود، احتجاج منه تعالى على البعث بعد الموت فقد كان قولهم:{ أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} استبعادا مبنيا على إحالة أن يعود هذا البدن الدنيوي بعد تلاشيه وصيرورته عظاما ورفاتا إلى ما كان عليه بخلق جديد فاحتج عليهم بأن خلق البدن أولا يثبت القدرة عليه وعلى مثله الذي هو الخلق الجديد للبعث فحكم الأمثال واحد.

فالمماثلة إنما هي من جهة مقايسة البدن الجديد من البدن الأول مع قطع النظر عن النفس التي هي الحافظة لوحدة الإنسان وشخصيته، ولا ينافي ذلك كون الإنسان الأخروي عين الإنسان الدنيوي لا مثله لأن ملاك الوحدة والشخصية هي النفس الإنسانية وهي محفوظة عند الله سبحانه غير باطلة ولا معدومة، وإذا تعلقت بالبدن المخلوق جديدا كان هو الإنسان الدنيوي كما أن الإنسان في الدنيا واحد شخصي باق على وحدته الشخصية مع تغير البدن بجميع أجزائه حينا بعد حين.

والدليل على أن النفس التي هي حقيقة الإنسان محفوظة عند الله مع تفرق أجزاء البدن وفساد صورته قوله تعالى:{ وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}: الم السجدة: 11 حيث استشكلوا في المعاد بأنه تجديد للخلق بعد فناء الإنسان بتفرق أجزاء بدنه فأجيب عنه بأن ملك الموت يتوفى الإنسان ويأخذه تاما كاملا فلا يضل ولا يتلاشى، وإنما الضال بدنه ولا ضير في ذلك فإن الله يجدده.

والدليل على أن الإنسان المبعوث هو عين الإنسان الدنيوي لا مثله جميع آيات القيامة الدالة على رجوع الإنسان إليه تعالى وبعثه وسؤاله وحسابه ومجازاته بما عمل.

فهذا كله يشهد على أن المراد بالمماثلة ما ذكرناه، وإنما تعرض لأمر البدن حتى ينجر إلى ذكر المماثلة محاذاة لمتن ما استشكلوا به من قولهم:{ أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} فلم يضمنوا قولهم إلا شئون البدن لا النفس المتوفاة منه، وإذا قطع النظر عن النفس كان البدن مماثلا للبدن، وإن كان مع اعتبارها عينا.

وذكر بعضهم: أن المراد بمثلهم نفسهم فهو من قبيل قولهم: مثلك لا يفعل هذا أي أنت لا تفعله.

وللمناقشة إليه سبيل والظاهر أن العناية في هذا التركيب أن مثلك لاشتماله على مثل ما فيك من الصفة لا يفعل هذا فأنت لا تفعله لمكان صفتك ففيه نفي الفعل بنفي سببه على سبيل الكناية، وهو آكد من قولنا: أنت لا تفعله.

وقوله:{ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ} الظاهر أن المراد بالأجل هو زمان الموت فإن الأجل إما مجموع مدة الحياة الدنيا وهي محدودة بالموت وإما آخر زمان الحياة ويقارنه الموت وكيف كان فالتذكير بالموت الذي لا ريب فيه ليعتبروا به ويكفوا عن الجرأة على الله وتكذيب آياته فهو قادر على بعثهم والانتقام منهم بما صنعوا.

فقوله:{وجعل لهم أجلا لا ريب فيه} ناظر إلى قوله في صدر الآية السابقة:{ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا} فهو نظير قوله:{ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ إلى أن قال أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}: الأعراف: 185.

وجوز بعضهم أن يكون المراد بالأجل هو يوم القيامة، وهو لا يلائم السياق فإن سابق الكلام يحكي إنكارهم للبعث ثم يحتج عليهم بالقدرة فلا يناسبه أخذ البعث مسلما لا ريب فيه.

ونظيره تقرير بعضهم قوله:{ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ} حجة أخرى مسوقة لإثبات يوم القيامة على كل من تقديري كون المراد بالأجل هو يوم الموت أو يوم القيامة، وهو تكلف لا يعود إلى جدوى البتة فلا موجب للاشتغال به.

قوله تعالى:{ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا} فسر القتور بالبخيل المبالغ في الإمساك وقال في المجمع،: القتر التضييق والقتور فعول منه للمبالغة، ويقال: قتر يقتر وتقتر وأقتر وقتر إذا قدر في النفقة انتهى.

وهذا توبيخ لهم على منعهم رسالة البشر المنقول عنهم سابقا بقوله:{ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} ومعنى الآية ظاهر.

______________

1-تفسير الميزان،الطباطبائي،ج13،ص169-171.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

هذه الآية تؤكّد على أن الشخص المهتدي هو الذي قذف الله تعالى بنور الإِيمان في قلبه: { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} أمّا من أظلّه الله بسوء أعماله: { وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ}. فالطريق الوحيد هو أن يرجعوا إِليه ويطلبوا نور الهداية منهُ.

هاتان الجملتان تُثبتان أنَّ الدليل القوي والقاطع لا يكفي للإِيمان، فما لم يكن هُناك توفيق إِلهى لا يستقر الإِيمان أبداً.

هذا التعبير يشبه دعوتنا لمجموعة لأن تفعل الخير بعد أن نشرح لهم أهمية الموضوع بواسطة الأدلة المُختلفة، إِلاَّ أنَّ الحصيلة العملية ستكون موافقة البعض، وامتناع البعض الآخر عن فعل الخير برغم صحة الأدلة. وبذلك لا يكون كل واحد لائقاً لفعل الخير.

وهذه حقيقة فليس كل قلب يليق لأن ينال نور الحق، إِضافة إِلى أنَّ الكلام يُثير المستمع، وقد يحدث أن يترك الشخص بتأثير هذا الكلام عناده ولجاجته ليثبت لياقته للحق ويستسلم له.

وقُلنا مِراراً: إِنَّ الهداية والضلالة الإِلهيتين ليستا شَيْئَيْنِ جبريين، بل تخضعان للأثر المباشر لأعمال الإِنسان وصفاته، فالأشخاص الذين جاهدوا أنفسهم وسعوا بجدية في طريق القرب الإِلهي، فمن البديهي أن الله سيوفقّهم ويهديهم: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}(العنكبوت،69}.

أمّا أُولئك الذين يسلكون طريق العناد والمُكابرة وتتلوَّث فطرتهم وقلوبهم بأنواع الذنوب والمفاسد والمظالم، فإنّهم قد قضوا على أي استعداد أو جدارة لديهم في قبول الحق بالتالي مستحق للضلالة: {ويضل الله الظالمين}(إبراهيم،27). { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}(البقرة،27). { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ}(غافر،34).

أمّا عن سبب مجيء «أولياء» بصيغة الجمع، فقد يعود ذلك للإِشارة إلى تعدُّد الآلهة الوهمية أو تنوع الوسائل التي يلجأون إِليها، فيكون المقصود أنَّ جميع هذه الوسائل وجميع البشر وغير البشر، وكل ما تؤلهون مِن آلهة مِن دون الله، لا يستطيع أن ينقذكم مِن الضلالة وسوء العاقبة.

ثمّ تذكر الآيات ـ بصيغة التهديد القاطع ـ جانباً مِن مصيرهم بسبب أعمالهم في يوم القيامة فتقول: { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} فبدلا مِن الدخول بشكل عادي وبقامة منتصبة، فإِنَّ الملائكة الموكلين بهم يسحبونهم إِلى جهنَّم على وجوههم تعذيباً لهم.

البعض يعتقد أنَّ هؤلاء يُسبحون يوم القيامة بسبب عجزهم في ذلك اليوم عن المشي، لذلك فإِنّهم يزحفون كالزواحف على وجوههم وصدورهم بشكل ذليل ومؤلم.

نعم، فأُولئك محرومون مِن نعمة كبيرة، هي نعمة المشي على الأرجل، لأنّهم لم يستفيدوا مِن هذه الوسيلة في هذه الدنيا في سلوك طريق السعادة والهداية، بل خصصوها لسلوك طرق الذنوب والمعاصي.

ثمّ هم يُحشرون: { عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا}. وهُنا قد يطرح هذا السؤال، وهو: إِنَّ المجزمين وأهل الجحيم ينظرون ويسمعون ويتكلمون، فكيف تقول هذه الآية { عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا}(2)؟

للمفسّرين أقوال مُتعدِّدة في الإِجابة على هذا السؤال، إِلاَّ أن أفضلها جوابان نستطيع إِجمالهما فيما يلي:

أوّلا: إِنَّ مراحل ومواقف يوم القيامة مُتعدِّدة، ففي بعض المراحل والمواقف يكون هؤلاء صُماً وبكماً وعمياً، وهذا نوع مِن العقاب لهم، لأنّهم لم يستفيدوا مِن هذه النعم الإِلهية بصورة صحيحة في حياتهم الدنيا. إِلاَّ أنَّهُ ـ في مراحل لاحقة ـ فإِنَّ عيونهم تبدأ بالنظر، وآذانهم بالسماع، وألسنتهم بالنطق حتى يروا منظر العذاب ويسمعون كلام الشامتين، ويبدأون بالتأوه والصراخ وإِظهار ضعفهم، حيث أن كل هذه الأُمور هي نوع آخر مِن العقاب لهم.

ثانياً: إِنَّ المجرمين وأهل النار محرومون مِن رؤية ما هو سارّ ومِن سماع أُمور تبعث على الفرح، ومِن قول كلام يستوجب نجاتهم، بل على العكس مِن ذلك، فهم لا ينظرون ولا يسمعون ولا يقولون إلاّ ما يُؤذي ويؤلم.

في الختام تقول الآية: {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ}.

لكن لا تظنّوا أنَّ نارها كنار الدنيا تنطفي في النهاية، بل هي: { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}

كيف يكون المعاد مُمكناً؟

في الآيات السابقة رأينا كيف أنَّ يوماً سيئاً ينتظُر المجرمين في العالم الآخر. هذه العاقبة التي تجعل أي عاقل يفكّر في هذا المصير، لذلك فإِنَّ الآيات التي بين أيدينا تقف على هذا الموضوع بشكل آخر.

في البداية تقول: { ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا}.

«رُفات» كما يقول الراغب في «المفردات» هي قِطَع مِن (التبن) لا تتهشم بل تنتشر وتتناثر هنا وهناك. والأمر لا يحتاج إِلى مزيد توضيح، فالإِنسان يتحول تحت التُراب إِلى عظام نخرة ثمّ إِلى تُراب، ثمّ تتلاشى ذرات التراب هذه وتنتشر.

وبعد تعجبهم مِن المعاد الجسماني واعتبارهم ذلك أمراً غير ممكن، يقول القرآن بأُسلوب واضح ومباشر وبلا فصل: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}. وعلى هؤلاء أَن لا يعجلوا فإنّ القيامة وإِن تأخّرت، إلاّ أنّها سوف تتحقق بلا ريب: { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ}.

ولكن هؤلاء الظالمين والمعادين مستمرون على ما هُم فيه رغم سماعهم هذه الآيات: { فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا}.

وحيث أنّهم كانوا يصرخون ويصّرون على أن لا يكون النّبي مِن البشر حسداً مِن عند أنفسهم وجهلا وضلالا، وقد منعهم هذا الحسد والجهل مِن التصديق بإِمكانية أن يُعطي الله كل هذه المواهب لإِنسان، لذا فإِنَّ الخالق جلَّوعلا يُخاطبهم بقوله: { قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ }. ثمّ يقول: {وكانَ الإِنسان قتوراً}.

«قتور» مِن «قَتَرَ» على وزن «قتل» وهي تعني الإِمساك في الصرف، وبما أنَّ (قتور) صيغة مُبالغة فإِنّها تعني شدّة الإِمساك وضيق النظر.

__________________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص417-420.

2 ـ في الآية (53) مِن سورة الكهف نقرأ قوله تعالى: (ورأى المجرمون النار) وفي الآية (13) مِن سورة الفرقان قوله تعالى: (دعوا هُناك ثبوراً) وفي الآية(12) مِن الفرقان نقرأ: (سمعوا لها تغيظاً وزفيراً).




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .