المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



تفسير الآية (41-46) من سورة غافر  
  
5403   08:43 صباحاً   التاريخ: 17-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الغين / سورة غافر /

قال تعالى : {وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر : 41 - 46] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {يا قوم ما لي} أي ما لكم كما يقول الرجل ما لي أراك حزينا معناه ما لك ومعناه أخبروني عنكم كيف هذه الحال {أدعوكم إلى النجوة} من النار بالإيمان بالله {وتدعونني إلى النار} أي إلى الشرك الذي يوجب النار ومن دعا إلى سبب الشيء فقد دعا إليه ثم فسر الدعوتين بقوله {تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم} ولا يجوز حصول العلم به إذ لا يجوز قيام الدلالة على إثبات شريك الله تعالى لا من طريق السمع ولا من طريق العقل {وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار} أي إلى عبادة القادر الذي لا يقهر ولا يمنع فينتقم من كل كفار عنيد الغافر لذنوب من يشاء من أهل التوحيد .

{لا جرم} قيل معناه حقا مقطوعا به من الجرم وهو القطع قال الزجاج حكاية عن الخليل هو رد الكلام والمعنى وجب وحق {أنما تدعونني إليه ليس له دعوة} أي وجب بطلان دعوته يقول لا بد إنما تدعونني إليه من عبادة الأصنام أو عبادة فرعون ليس له دعوة نافعة {في الدنيا ولا في الآخرة} فأطلق أنه ليس له دعوة ليكون أبلغ وإن توهم جاهل أن له دعوة ينتفع بها فإنه لا يتعد بذلك لفساده وتناقضه وقيل معناه ليست لهذه الأصنام استجابة دعوة أحد في الدنيا ولا في الآخرة فحذف المضاف عن السدي وقتادة والزجاج وقيل معناه ليست له دعوة في الدنيا لأن الأصنام لا تدعو إلى عبادتها فيها ولا في الآخرة لأنها تبرأ من عبادها فيها .

{وأن مردنا إلى الله} أي ووجب أن مرجعنا ومصيرنا إلى الله فيجازي كلا بما يستحقه {وأن المسرفين} أي ووجب أن المسرفين الذين أسرفوا على أنفسهم بالشرك وسفك الدماء بغير حقها {هم أصحاب النار} الملازمون لها ثم قال لهم على وجه التخويف والوعظ {فستذكرون} صحة {ما أقول لكم} إذا حصلتم في العذاب يوم القيامة وقيل معناه فستذكرون عند نزول العذاب بكم ما أقول لكم من النصيحة {وأفوض أمري إلى الله} أي أسلم أمري إلى الله وأتوكل عليه وأعتمد على لطفه والأمر اسم جنس {إن الله بصير بالعباد} أي عالم بأحوالهم وبما يفعلونه من طاعة ومعصية وأظهر إيمانه بهذا القول .

{فوقاه الله سيئات ما مكروا} أي صرف الله عنه سوء مكرهم فنجا مع موسى حتى عبر البحر معه عن قتادة وقيل إنهم هموا بقتله فهرب إلى جبل فبعث فرعون رجلين في طلبه فوجداه قائما يصلي وحوله الوحوش صفوفا فخافا ورجعا هاربين {وحاق ب آل فرعون} أي أحاط ونزل بهم {سوء العذاب} أي مكروهه وما يسوء منه وآل فرعون أشياعه وأتباعه وقيل من كان على دينه عن الحسن وإنما ذكر آله ولم يذكره لأنهم إذا هلكوا بسببه فكيف يكون حاله وسوء العذاب في الدنيا الغرق وفي الآخرة النار وذلك قوله :

{النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} أي يعرض آل فرعون على النار في قبورهم صباحا ومساء فيعذبون وإنما رفع النار بدلا من قوله {سوء العذاب} وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ((إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي أن كان من أهل الجنة فمن الجنة وإن كان من أهل النار فمن النار يقال هذا مقعدك حين يبعثك الله يوم القيامة)) . أورده البخاري ومسلم في الصحيحين وقال أبوعبد الله (عليه السلام) : ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة لأن في النار القيامة لا يكون غدو وعشي ثم قال إن كانوا يعذبون في النار غدوا وعشيا ففيما بين ذلك هم من السعداء لا ولكن هذا في البرزخ قبل يوم القيامة أ لم تسمع قوله عز وجل {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وهذا أمر لآل فرعون بالدخول أو أمر للملائكة بإدخالهم في أشد العذاب وهو عذاب جهنم .

_________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص444-446 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ويا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} . هذا الكلام وما بعده إلى آخر {إِنَّ اللَّهً بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} يحكيه سبحانه عن المؤمن الناصح ، والمعنى أخبروني أيها المشركون عن حالي معكم : أنا أدعوكم إلى الخير الذي فيه خلاصكم من العذاب والهلاك ، وهو الايمان باللَّه العزيز الذي ليس كمثله شيء ، والغفار لمن تاب إليه وأناب ، وأنتم تدعونني إلى عذاب الحريق ، إلى الشرك الذي لا يغفره اللَّه ، ولا يقره العقل ، ولا يدين به إلا من ضل عن سواء السبيل .

{لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا ولا فِي الآخِرَةِ} . ليس من شك ان الذي تدعونني إلى عبادته كفرعون أو غيره لا شأن له ولا فائدة منه في الدنيا ولا في الآخرة : {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ ولَو سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ ويَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر - 14 ] . . {وأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ} .

كل الخلائق ترجع غدا إلى اللَّه تعالى ، لا إلى فرعون ولا إلى سواه ، ويقفون بين يديه تعالى للحساب والجزاء {وأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ} . نقل الطبري والرازي عن مجاهد ان المراد بالمسرفين هنا سفاكوا الدماء بغير حقها .

{فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ} من الصدق والنصح حين ترون العذاب وتنزل بكم الأهوال {وأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهً بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} . قال محيي الدين بن عربي في الفتوحات المكية ما توضيحه : ان أفوّض هنا مأخوذة من فاض الإناء إذا امتلأ ، ولم يتسع للمزيد . . وإذا حمّل المؤمن أكثر مما في وسعه رجع في الزائد الفائض إلى اللَّه تعالى ، فيتلقى سبحانه الزائد من المؤمن ويخفف عنه ، وهوجل وعز العليم البصير بمن آمن به وتوكل عليه ، ومن يلتجئ في المهمات إلى غيره .

{فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ} . أضمر فرعون السوء لموسى والمؤمن الناصح ، فأنجاهما اللَّه من كيده ، وأغرق فرعون وملأه في اليم . . وهكذا يصرف سبحانه السوء عن المخلصين ، وتدور دائرته على رؤوس المجرمين . هذا قبل الموت ، أما بعد الموت فلهم {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا} . وفي رواية عن الإمام جعفر الصادق : ان ذلك بعد الموت وقبل يوم القيامة لأن هذا اليوم لا غدو فيه ولا عشي ، ولو عذب المجرمون في الغدو والعشي فقط لكانوا بين ذلك من السعداء .

{ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} . كل مجرم يقال له يوم القيامة : ادخل جهنم وساءت مصيرا ، سواء أكان من آل فرعون أم من غيرهم : وإنما خص سبحانه آل فرعون بالذكر لأن الحديث عنهم .

_______________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص455-456 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار - إلى قوله - العزيز الغفار} كأنه لما دعاهم إلى التوحيد قابلوه بدعوته إلى عبادة آلهتهم أوقدرها لهم لما شاهد جدالهم بالباطل وإصرارهم على الشرك فنسب إليهم الدعوة بشهادة حالهم فأظهر العجب من مقابلتهم دعوته الحقة بدعوتهم الباطلة .

فقال : ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة أي النجاة من النار وتدعونني إلى النار وقد كان يدعوهم إلى سبب النجاة ويدعونه إلى سبب دخول النار فجعل الدعوة إلى السببين دعوة إلى المسببين أو لأن الجزاء هو العمل بوجه .

ثم فسر ما دعوه إليه وما دعاهم إليه فقال : تدعونني لأكفر أي إلى أن أكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم أي أشرك به شيئا لا حجة لي على كونه شريكا فأفتري على الله بغير علم ، وأنا أدعوكم إلى العزيز ، الذي يغلب ولا يغلب الغفار لمن تاب إليه وآمن به أي أدعوكم إلى الإيمان به والإسلام له .

قوله تعالى : {لا جرم إنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة} إلخ لا جرم بمعنى حقا أو بمعنى لا بد ، ومفاد الآية إقامة الحجة على عدم كون ما يدعون إليه إلها من طريق عدم الدعوة إليه وفي ذلك تأييد لقوله في الآية السابقة {ما ليس لي به علم} .

والمعنى : ثبت ثبوتا أن ما تدعونني إليه مما تسمونه شريكا له سبحانه ليس له دعوة في الدنيا إذ لم يعهد نبي أرسل إلى الناس من ناحيته ليدعوهم إلى عبادته ، ولا في الآخرة إذ لا رجوع إليه فيها من أحد ، وأما الذي أدعوكم إليه وهو الله سبحانه فإن له دعوة في الدنيا وهي التي تصداها أنبياؤه ورسله المبعوثون من عنده المؤيدون بالحجج والبينات ، وفي الآخرة وهي التي يتبعها رجوع الخلق إليه لفصل القضاء بينهم ، قال تعالى : {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } [الإسراء : 52] .

ومن المعلوم كما قررناه في ذيل قوله تعالى : {هُو الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} [غافر : 13] من السورة أن الربوبية لا تتم بدون دعوة في الدنيا ونظيرتها الدعوة في الآخرة ، وإذ كان الذي يدعوهم إليه ذا دعوة في الدنيا والآخرة دون ما يدعونه إليه فهو الإله دون ما يدعون إليه .

وقوله : {وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار} معطوف على قوله : {إنما تدعونني} أي لا جرم أن مردنا إلى الله فيجب الإسلام له واتباع سبيله ورعاية حدود العبودية ، ولا جرم أن المسرفين وهم المتعدون طور العبودية - وهم أنتم - أصحاب النار فالذي أدعوكم إليه فيه النجاة دون ما تدعونني إليه .

قوله تعالى : {فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد} صدر الآية موعظة وتخويف لهم وهو تفريع على قوله : {وأن مردنا إلى الله} إلخ أي إذ كان لا بد من الرجوع إلى الله وحلول العذاب بالمسرفين وأنتم منهم ولم تسمعوا اليوم ما أقول لكم فستذكرون ما أقول لكم حين عاينتم العذاب وتعلمون عند ذاك أني كنت ناصحا لكم .

وقوله : {وأفوض أمري إلى الله} التفويض على ما فسره الراغب هو الرد فتفويض الأمر إلى الله رده إليه فيقرب من معنى التوكل والتسليم والاعتبار مختلف : فالتفويض من العبد رده ما نسب إليه من الأمر إلى الله سبحانه وحال العبد حينئذ حال من هو أعزل لا أمر راجعا إليه ، والتوكل من العبد جعله ربه وكيلا يتصرف فيما له من الأمر ، والتسليم من العبد مطاوعته المحضة لما يريده الله سبحانه فيه ومنه من غير نظر إلى انتساب أمر إليه فهي مقامات ثلاث من مقامات العبودية : التوكل ثم التفويض وهو أدق من التوكل ثم التسليم وهو أدق منهما .

وقوله : {إن الله بصير بالعباد} تعليل لتفويضه أمره إلى الله ، وفي وضع اسم الجلالة موضع ضميره - وكان مقتضى الظاهر الإضمار إشارة إلى علة بصيرته بالعباد كأنه قيل : إنه بصير بالعباد لأنه الله عز اسمه .

قوله تعالى : {فوقاه الله سيئات ما مكروا} تفريع على تفويضه الأمر إلى الله فكفاه الله شرهم ووقاه سيئات مكرهم ، وفيه إشارة إلى أنهم قصدوه بالسوء لكن الله دفعهم عنه .

قوله تعالى : {وحاق بآل فرعون سوء العذاب - إلى قوله - أشد العذاب} أي نزل بهم وأصابهم العذاب السيىء فسوء العذاب من إضافة الصفة إلى موصوفها وفي التوصيف بالمصدر مبالغة ، وآل فرعون أشياعه وأتباعه ، وربما يقال آل فلان ويشمل نفسه .

وقوله : {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} ظاهر السياق أنه بيان لسوء العذاب وليس من الاستئناف في شيء .

والآية صريحة أولا في أن هناك عرضا على النار ثم إدخالا فيها والإدخال أشد من العرض ، وثانيا : في أن العرض على النار قبل قيام الساعة التي فيها الإدخال وهو عذاب البرزخ - عالم متوسط بين الموت والبعث - وثالثا : أن التعذيب في البرزخ ويوم تقوم الساعة بشيء واحد وهو نار الآخرة لكن البرزخيين يعذبون بها من بعيد وأهل الآخرة بدخولها .

وفي قوله : {غدوا وعشيا} إشارة إلى التوالي من غير انقطاع ، ولعل لأهل البرزخ لعدم انقطاعهم عن الدنيا بالكلية نسبة ما إلى الغداة والعشي .

وفي قوله : {ويوم تقوم الساعة أدخلوا} إيجاز بالحذف والتقدير يقال : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب .

__________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص270-272 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

الكلام الأخير :

في خامس ـ وآخرـ مرحلة يزيل مؤمن آل فرعون الحجب والأستار عن هويته ، إذ لم يستطع التكتم ممّا فعل ، فقد قال كلّ ما هو ضروري ، أمّا القوم من ملأ فرعون ، فكان لهم ـ كما سنرى ذلك ـ قرارهم الخطير بشأنه!

يفهم من خلال القرائن أنّ أولئك المعاندين والمغرورين لم يسكتوا حيال كلام هذا الرجل الشجاع المؤمن ، وإنّما قاموا بطرح «مزايا» الشرك في مقابل كلامه ، ودعوه كذلك إلى عبادة الأصنام .

لذا فقد صرخ قائلا : {ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النّار} .

إنني أطلب سعادتكم وأنتم تطلبون شقائي ; إنني أهديكم إلى الطريق الواضح الهادي وأنتم تدعونني إلى الإنحراف والضلال!

نعم ، إنّكم : {تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفّار} .

نستفيد من الآيات القرآنية المختلفة ، ومن تأريخ مصر ، أنّ هؤلاء القوم لم يقتصروا في عبادتهم وشركهم وضلالهم على الفراعنة وحسب ، وإنّما كانت لهم أصنام يعبدونها من دون الواحد القهار ، كما نستفيد ذلك بشكل مباشر من قوله تعالى في الآية (127) من سورة «الأعراف» حيث قوله تعالى : {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف : 127] والآية تحكي خطاب أصحاب فرعون والملأ من قومه لفرعون .

وقد تكرّر نفس المضمون على لسان يوسف (عليه السلام) ، إذ قال لرفاقه في سجن الفراعنة : {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف : 39] .

لقد ذكّرهم مؤمن آل فرعون من خلال مقارنة واضحة أنّ دعوتهم إلى الشرك لا تستند على دليل صحيح ، والشرك طريق وعر مظلم محفوف بالمخاطر وسوء العاقبة والمصير ، بينما دعوته (مؤمن آل فرعون) دعوة للهدى والرشاد وسلوك طريق الله العزيز الغفّار .

إنّ عبارة (العزيز) و(الغفار) تشير من جانب إلى مبدأ (الخوف والرجاء) ومن جانب ثان تشير إلى إلغاء ألوهية الأصنام والفراعنة ، حيث لا يملكون العزة ولا العفو .

ينتقل الخطاب القرآني ـ على لسان مؤمن آل فرعون ـ إلى قوله تعالى : {لا جرم انما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة} (2) فهذه الأصنام لم ترسل الرسل إلى الناس ليدعوهم إليهم ، وهي لا تملك في الآخرة الحاكمية على أي شيء .

إنّ هذه الموجودات لا تملك الحس والشعور ، إنّها أصنام لا تتكلم ولا تضر ولا تنفع ، وإنّ عليكم أن تعلموا : {وإن مردنا إلى اللّه} .

فهو سبحانه وتعالى الذي أرسل رسله إلى الناس لأجل هدايتهم ، وهو الذي يثيبهم ويعاقبهم على أعمالهم .

ويجب أن تعلموا أيضاً : {وأن المسرفين هم أصحاب النّار} .

وهكذا كشف مؤمن آل فرعون ما كان يخفي من إيمانه ، وبذلك فقد انكشف هنا خطّه الإيماني التوحيدي ، وانفصل علناً عن خط الشرك الملوث الذي يصبغ بآثامه وأوحاله الحكّام الفراعنة ومن يلف حولهم ، لقد رفض الرجل دعوتهم ووقف لوحده إزاء باطلهم وانحرافهم .

في آخر كلامه ـ وبتهديد ذي مغزى ـ يقوله لهم : {فستذكرون ما أقول لكم} .

إنّ ما قلته لكم ستذكرونه في الدنيا والآخرة ، وستعلمون صدقي عندما تصيبكم المصائب ، وينزل بساحتكم الغضب الإلهي ، لكن سيكون ذلك كلّه بعد فوات الأوان ، فإن كان في الآخرة فلا طريق للرجوع ، وإن كان في الدنيا فهولا يتم إلاّ حين يحل بكم العذاب الإلهي ، وعندها ستغلق جميع أبواب التوبة .

ثم تضيف الآية على لسان الرجل المؤمن : {وأفوض أمري إلى اللّه إنّ الله بصير بالعباد} .

لهذا كلّه لا أخشى تهديداتكم ، ولا أرهب كثرتكم وقوتكم ، ولا تخيفني وحدتي بيّن أيديكم ، لأني وضعت نفسي بين يدي المطلق ذي القدرة اللامتناهية ، والمحيط علمه بكل شيء ، وبأحوال عباده أينما كانوا وحلّوا .

إنّ هذا التعبير يستبطن في طياته دعاء مهذباً انطلق من الرجل المؤمن الذي وقع أسيراً في قبضة هؤلاء الأشقياء الظالمين .لذلك طلب بشكل مؤدب من خالقه (جلّ وعلا) أن يحميه بحمايته وينقذه ممّا هو فيه .

الله تبارك وتعالى لم يترك عبده المؤمن المجاهد وحيداً وإنّما : {فوقاه الله سيئات ما مكروا} .

إنّ التعبير بـ (سيئات ما مكروا) يفيد أنّهم وضعوا خططاً مختلفة ضدّه . . . ترى ما هي هذه الخطط؟

في الواقع ، إنّ القرآن لم يذكرها بل تركها مجهولة ، لكنّها ـ حتماً ـ لا تخرج عن ألوان العقاب والتعذيب ينزلونه بالرجل قبل أن يحل به القتل والإعدام ، إلاّ أنّ اللطف الإلهي أبطل مفعولها جميعاً وأنجاه منهم .

تفيد بعض التفاسير أنّ مؤمن آل فرعون انتهز فرصة مناسبة فالتحق بموسى(عليه السلام) ، وعبّر البحر مع بني إسرائيل . وقيل أيضاً : أنّهُ هرب إلى الجبل عندما صدر عليه قرار الموت ، وبقي هناك مختفياً عن الأنظار (3) .

ومن الطبيعي أن لا يكون هناك تعارض بين الرأيين ، إذ يمكن أن يكون قد هرب إلى الجبل أولا ، ثمّ التحق ببني إسرائيل .

وقد يكون من مؤامراتهم عليه ، محاولتهم فرض عبادة الأصنام عليه وإخراجه من خط التوحيد ، إلاّ أن الله تبارك وتعالى أنجاه من مكرهم ورسخ قدمه في طريق الإيمان والهدى .

أمّا القوم الظالمون فقد كان مصيرهم ما يرسمه لنا القرآن الكريم : {وحاق بآل فرعون سوء العذاب}(4) .

إنّ العذاب والعقاب الإلهي أليم بمجمله ، إلاّ أنّ تعبير «سوء العذاب» يظهر أنّ الله تبارك وتعالى انتخب لهم عذاباً أشد إيلاماً من غيره ، وهوما تشير إليه الآية التي بعدها ، حيث قوله تعالى : {النّار يعرضون عليها غدواً وعشياً} (5) ثم : {ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب} .

وهنا نلفت النظر إلى الملاحظات الثلاث الآتية :

أولا : استخدام تعبير (آل فرعون)إشارة إلى العائلة والأنصار والأصحاب الضالين ، وعندما يكون هذا هو مصير الآل ، ترى ماذا يكون مصير نفس فرعون؟

ثانياً : تقول الآية : إنهم يعرضون على النّار صباحاً ومساءً ، ثمّ تقول : في يوم القيامة يكون العذاب أشد ما يمكن . وهذا دليل على أنّ العذاب الأوّل يختص بعالم البرزخ ، وهو ممّا يلي موت الإنسان ومغادرة روحه جسده ، ويقع قبل يوم القيامة . . . إنّ العرض على نار جهنّم يهز الانسان ويجعله يرتعد خوفاً وهلعاً .

ثالثاً : إن تعبير بـ (الغدو) و(العشي) قد تكون فيه إشارة إلى استمرار العذاب . أوقد يفيد انقطاع العذاب البرزخي ليقتصر على (الغدو) و(العشي) أي الصبح والمساء ، وهو الوقت الذي يقترن في حياة الفراعنة وأصحابهم مع أوقات لهوهم واستعراضهم لقوتهم وجبروتهم في حياتهم الدنيا .

وينبغي أن لا نتعجب هنا من كلمتي (الغدو) و(العشي) فنسأل : وهل في البرزخ ثمّة صباح ومساء؟ لأنّ الصبح والليل موجودان حتى في يوم القيامة ، كما نقرأ في قوله تعالى : {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم : 62] .

وهذا الأمر لا يتعارض مع دوام نعم الجنّة واستمرارها ، كما جاء في الآية (35) من سورة (الرعد) حيث قوله تعالى : {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد : 35] حيث يمكن أن تشمل الألطاف الإلهية أهل الجنّة في خصوص هذين الوقتين ، بينما تكون نعم الجنّة دائمة باقية .

________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص80-84 .

2 ـ قلنا سابقاً : إنّ «لا جرم» مركبة من (لا) و(جرم) على وزن (حرم) وهي في الأصل تعني القطع واقتطاف الثمر ، وهي ككلمة مركبة تعني : لا يستطيع أي شيء أن يقطع هذا العمل أو يمنعه . لذلك تستخدم بشكل عام بمعنى (حتماً) وتأتي أحياناً بمعنى القسم .

3 ـ يراجع تفسير مجمع البيان في نهاية الحديث عن الآية مورد البحث .

4 ـ (حاق) بمعنى أصاب ونزل ، ولكن احتملوا أيضاً أن يكون أصلها (حق) فتغيرت إحدى القافين فيها إلى ألف فأصبحت (حاق)

[يلاحظ ذلك في مفردات الراغب كلمة حاق] . ضمناً فإنّ (سوء العذاب) من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف ، إذ كانت في الأصل (العذاب السوء) .

5 ـ «النّار» بدل عن (سوء العذاب) .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .