المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7461 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


حجيّة الخبر الواحد  
  
2359   08:37 صباحاً   التاريخ: 23-7-2020
المؤلف : الشيخ محمد علي الأراكي
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج‏1، ص: 548
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / مباحث الحجة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-9-2016 900
التاريخ: 5-9-2016 809
التاريخ: 5-9-2016 987
التاريخ: 18-8-2016 771

من الظنون الخارجة عن الأصل خبر الواحد.

 

اعلم أنّ ما له نفع كثير في الفقه من الاصول هو [بحث‏] حجيّة الظواهر وحجيّة الأخبار؛ فإنّه لا بدّ أوّلا من إحراز حجيّة الأخبار وضمّ حجيّة الظواهر إليه، ثمّ ننظر أنّه وصل إلى حدّ يكفينا هذا المقدار في الفقه ويوجب انحلال العلم الإجمالي، أو أنّه‏ لا يصل إلى هذا المقدار، وأمّا حجيّة الظواهر فقط بدون حجيّة الأخبار فلا يكفينا قطعا، فإنّه حينئذ ينحصر الدليل في ظواهر الكتاب والخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعيّة، ومن المعلوم قلّة ذلك بحيث لا يفي بمعظم مسائل الفقه، فيلزم انسداد باب العلم بالنسبة إلى غالب المسائل، فينتهى إلى القول بحجيّة مطلق الظنّ.

وأمّا بعد الفراغ عن حجيّة الظواهر فلو فرغنا أيضا عن حجيّة سند الأخبار ولم يكن الخبر الذي فرغنا عن حجيّته قليل الفرد، نادر الوجود- كما يقول به صاحبا المدارك والمسالك، فإنّهما قائلان بحجيّة فرد مخصوص من الخبر وسمّياه بالصحيح الأعلائي وهو ما يكون جميع رجال السند فيه عدلا إماميّا إلى أن ينتهى إلى المعصوم، فإنّ من المعلوم ندرة وجود ذلك في الأخبار- بل كان شائعا بين الأخبار مثل خبر الثقة، فإنّ الوثوق يجتمع مع فساد المذهب ومع عدم العدالة.

فحينئذ لو رأينا في الفقه أنّه يوجد لنا خبر الثقة بالنسبة إلى غالب الأحكام بحيث ينحّل علمنا الإجمالي ولا يوجب العمل بالأصل في ما عداه خروجا عن الدين فلا يلزم القول بحجيّة الظنّ المطلق.

إذا عرفت هذا فنقول: إذا وجدنا خبر واحد غير مقطوع الصدور وله ظاهر فالحكم بأنّ ما يستفاد منه بحسب ظاهره هو حكم اللّه تعالى يتوقّف على مقدّمات فرغنا عن بعضها في علم الكلام، مثل إثبات الصانع والنبي والوصي، فقول الصادق صلوات اللّه عليه مثلا لكونه مفترض الطاعة يجب العمل به، وبعد المقدّمات المفروغ عنها في الكلام يتوقّف على مقدّمات أربع:

الاولى: أنّ هذا الخبر صادر عن الإمام عليه السلام.

والثانية: إحراز معاني ألفاظ الخبر وما هو المفهوم منها عرفا.

والثالثة: إحراز كون هذا المفهوم والظاهر لدى العرف مراد.

والرابعة: أنّ هذا المراد مطابق للحكم الواقعي اللوح المحفوظي، وبعبارة اخرى:

كان الداعي إلى إظهاره بيان لحكم اللّه الواقعي لا التقيّة والخوف، فإنّه قد يكون‏ الظاهر من اللفظ مستعملا فيه ومرادا جدّيا، لكن الداعي إليه الخوف أو التقيّة دون بيان الواقع اللوح المحفوظي.

فالمقدّمة الثانية قد عرفت حالها وأنّ طريق إحراز الظواهر منحصر في القطع وإثباتها بقول اللغوي محلّ إشكال والمقدّمة الثالثة أيضا قد مرّ البحث فيها في حجيّة الظواهر وأنّ إثباتها بالظواهر لا إشكال فيه. والمقدّمة الرابعة أيضا يمكن إحرازها بالأصل العقلائي، فإنّهم متّفقون على حمل كلام المتكلّم صادرا لغرض بيان المطلوب الواقعي لا لتقيّة أو خوف، وليس هو أصالة تطابق الإرادتين الاستعماليّة والجديّة، بل بعد إجرائها وإحراز التطابق يكون هنا أصل آخر وهو أنّ الداعي إلى إظهار هذا المراد الجدّي هو بيان الواقع دون التقيّة (1) والخوف ونحوهما.

فيبقى المقدمة الاولى هي: إثبات الصدور ولو تعبّدا، وهي التي عقد هذا المبحث لها، ثمّ تعرّض هنا شيخنا المرتضى لإثبات كون المسألة اصوليّة ببيان أنّ البحث راجع إلى أنّه هل السنّة الواقعيّة أعني قول المعصوم وفعله وتقريره التي هي مفروغ عن دليليّته يثبت بخبر الواحد أولا؟ فعلى المشهور من كون مسائل الاصول باحثة عن أحوال الأدلّة بعنوان كونها أدلّة وبعد الفراغ عن ذلك يتّضح كون هذه المسألة اصوليّة، ولا يحتاج إلى جعل الموضوع خبر الواحد الذي هو الموضوع الذي يحتاج إلى البحث عن دليليّته وتجشّم أنّ المراد بالأدلّة في الموضوع ذاتها، ليرجع البحث عن الدليليّة إلى البحث عن أحوال الموضوع.

واستشكل عليه قدّس سرّه بأنّ مسائل العلم لا بدّ وأن يكون باحثة عما يعرض بموضوعه، بعد الفراغ عن وجوده وثبوته، وبعبارة اخرى عمّا يثبت له ثبوت شي‏ء لشي‏ء الذي هو مفاد كان الناقصة، فالبحث عن أصل ثبوت الموضوع الذي هو مفاد كان التامّة يخرج عن المسائل ويندرج في المبادي.

واجيب بأنّ الثبوت الذي هو مفاد كان التامّة إنّما هو الثبوت الوجداني، وأمّا الثبوت التعبّدي الذي هو المبحوث عنه هنا فهو من مفاد كان الناقصة كما هو واضح.

واجيب عن هذا الجواب بأنّ هذا وإن كان مفاد كان الناقصة، لكنّه ليس من عوارض السنّة الواقعيّة المحكيّة بخبر الواحد، بل من عوارض نفس الحاكي الذي هو الخبر، فإنّ معنى الحجيّة أنّه يجب العمل بالخبر والحكم بمطابقة مؤدّاه مع الحكم الواقعي والسنّة الواقعيّة.

قلت: لو سلّمنا عدم ورود هذا الإشكال وأنّ البحث عن الحجيّة يرجع إلى البحث عن أحوال الدليل نقول: إن أمكن إتمام هذا المعنى أعني وجوب إرجاع كلّ مسألة إلى البحث عن أحوال الدليل في تمام مسائل الفن فهو، ولكن لا يتمّ ذلك فإنّ الموضوع في مسألة الاستصحاب وأصل البراءة هو الشكّ في التكليف مع الحالة السابقة أو مع عدمها، أو فعل المكلّف في الحالين، وليس ذلك واحدا من الأدلّة لا بعنوانها ولا بذاتها.

وأيضا فلا بدّ من ملاحظة أنّ موضع الذي نتكلّم فيه ونرد السلب والإثبات عليه في المسألة ما ذا، وهو في مسألة حجيّة خبر الواحد، خبر الواحد، فلا داعي إلى إخراجه عن وضعه وإرجاعه إلى البحث عن أنّ السنّة الواقعيّة هل يثبت بخبر الواحد أولا، بل نسبة هذه المسائل بالمسائل الفقهيّة، فإنّها بحث عن الحكم الفرعي ووجوب العمل بالحالة السابقة أو بمضمون الخبر، أو إباحة الفعل والترك، وهذا الحكم مستفاد من الأدلّة التفصيليّة أيضا من الآية والخبر والعقل، وموضوعها أيضا فعل المكلّف، فينطبق عليها تعريف الفقه الذي هو العلم بالأحكام الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة.

وحينئذ فيجب رفع اليد عن هذا الميزان أعني كون ميزان الاصوليّة رجوع‏ البحث في المسألة إلى البحث عن أحوال واحد من الأدلّة إمّا بعنوانها أو بذاتها والرجوع إلى ميزان آخر وهو أنّ الاصول هو العلم بالقواعد الممهّدة لكشف الحال بالنسبة إلى الأحكام الواقعيّة.

وبعبارة اخرى نتيجة هذه القواعد مفيدة بحال تلك الأحكام إمّا علما بها، وإمّا تنجيزا لها، وإمّا عذرا عنها على تقدير الثبوت، يعني ثبوت الإلزام في الواقع.

أقول: لا بأس بتفصيل الكلام في هذا المرام وإن تقدّم الكلام فيه في أوّل الشروع في الفن، فنقول: إنّ القوم جعلوا موضوع الاصول الأدلّة الأربعة فاستشكل عليهم بأنّه على هذا يلزم خروج جلّ المسائل لو لا كلّها عن كونها مسائل الفن واندراجها في المبادي، وذلك لأنّ البعض الذي يكون مباديا للعلم من قبيل المبادي اللغوية واضح كونها من المبادي.

وأمّا البعض الذي يحسب من المسائل فلا إشكال أنّ البحث في شي‏ء منها ليس عن عوارض الأدلّة بعد الفراغ عن كونها أدلّة، وإنّما يبحث فيها عن الدليليّة إلّا مباحث التعادل والتراجيح، فإنّها باحثة عن أحوال الدليل بعد إثبات دليليّته، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ البحث فيها أيضا عن الدليليّة، ضرورة أنّه يبحث فيها عن أنّ الدليل عند تعارض الدليلين ما هو، هل هو شي‏ء ثالث، أو الأقوى منهما أو الأرجح أو أحدهما، فالبحث إنّما هو عن الدليليّة في هذا الحال، وإذن فلا يبقى من المسائل ما كان مسألة ويلزم اندراج الجميع في جملة المبادي.

فأجاب بعضهم عن هذا الإشكال بأنّ المراد بالأدلّة التي جعلناها موضوعة هي ذواتها لا هي بوصف كونها أدلّة، ولا يشكل بأنّ ذواتها متباينة بالحقيقة، فإنّه يقال:

نعم لكنّها مندرجة تحت جامع مثل عنوان الذوات التي يمكن البحث فيها عن الدليليّة، وعلى هذا فيكون البحث عن الدليليّة بحثا عن عوارض هذه الذوات.

وحاول شيخنا المرتضى تصحيح الحال مع محفوظيّة كون الأدلّة بوصف أنّها أدلّة موضوعة للاصول بدون الحاجة إلى تجشّم أنّ المراد ذاتها بما عرفت من التوجيه.

وفيه أيضا بعد تسليمه أنّ هذا لا يتمّ في الاصول العمليّة؛ فإنّ موضوع مسألة الاستصحاب ليس هو السنة وإن قلنا باعتباره من باب الأخبار، لوضوح أنّه على هذا يكون البحث عن دلالة «لا تنقض» من أجل كونه مدركا للمسألة، وإلّا فليس العنوان الذي هو المطرح في أوّل هذه المسألة أنّه: هل يكون لقوله عليه السلام: «لا تنقض» الخ دلالة أولا؟ بل ما يعنون في صدر الباب أنّ الشكّ في الشي‏ء بعد العلم بتحقّقه سابقا يوجب البناء على بقائه أولا.

ثمّ قد يجعل المدرك للأوّل دلالة هذا الخبر، وقد يجعل العقل، فالموضوع هو الشكّ الذي له حالة سابقة، كيف ولو كان البحث عن دلالة «لا تنقض» موجبا لجعله بحثا عن أحوال السنّة لزم دخول تمام مسائل الفقه، فإنّها أيضا مشتملة على البحث عن دلالة الأدلّة، وكذلك الكلام في سائر الاصول العمليّة.

وحينئذ نقول: قد عرّف الفقه بأنّه العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة، وجعل موضوعه فعل المكلّف، وأنت خبير بأنّه يمكن جعل مسألة الاستصحاب من هذا القبيل، فإنّ البحث فيه عن حكم شرعي مأخوذ عن الأدلّة التفصيليّة وهو وجوب البناء على الحالة السابقة وعدمه، وموضوعه فعل المكلّف وهو البناء على الحالة السابقة. بل يمكن ذلك أيضا في حجيّة الأمارات وحجيّة الظواهر، فإنّ البحث عن حجيّة خبر الواحد مثلا، بناء على أنّ الحجيّة ليست أمرا آخر وراء وجوب العمل على طبق خبر الواحد بحث عن حكم شرعي، وموضوعه عمل المكلّف، وهكذا حجيّة الظواهر.

ونحن نذكر أوّلا ما هو وجه التمييز والفرق بين علمي الاصول والفقه ثمّ نشير إلى ما هو الموضوع لهذا العلم، فنقول: لا إشكال أنّ للّه تعالى في كلّ واقعة حكما واقعيّا ثابتا في اللوح يعبّر عنها بالأحكام الواقعيّة الأوّليّة، وهي مطلوبة بنفسها وليس ما وراءها حكم آخر يكون الغرض من جعلها ملاحظة ذاك الحكم، وإنّما الغرض من جعلها نفسها، مثل حرمة الخمر ووجوب الصلاة، فالشارع جعل حرمة الخمر لأجل نفسه والمفاسد الكامنة في الخمر، وكذا جعل وجوب الصلاة لأجل نفسها والمصالح الكامنة في الصلاة، لا أن كان مطلوبه وملحوظه في جعلهما حكما آخر ورائهما.

ثمّ تبيّن حال المكلّف بالنسبة إلى هذه الأحكام يحتاج إلى مقدّمات مثل النحو والصرف واللغة وحجيّة خبر الواحد، وغير ذلك، فإنّ المكلّف في طريق استكشاف تلك الأحكام يحتاج إلى العلوم الثلاثة لفهم معانى ألفاظ الكتاب والسنّة، وكذلك يحتاج إلى مقدّمات أخر، فإنّه قد لا يظفر بشي‏ء في طريق استكشاف الواقع ويبقى في الشكّ والتحيّر فيحتاج إلى قواعد من الشرع أو العقل تبيّن حاله عند الشكّ والتحيّر.

وعلى هذا فكلّ مسألة متى بلغنا بعد إمعان النظر فيها وبذل الوسع إلى نتيجة تكون هذه النتيجة حكما شرعيّا وليس مجعولا إلّا بملاحظة نفسه لا بملاحظة شي‏ء آخر فهي مسألة فقهيّة، مثل قاعدة كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، فإنّه قاعدة مطلوبة لنفسها وليس المطلوب منها كشف الحال بالنسبة إلى حكم آخر ورائه.

وكلّ مسألة وصلنا بعد طيّ طريق الاحتجاج والاستدلال فيها إلى نتيجة هي مجعولة بلحاظ حكم وراءه لا لأجل نفسه، فهي مسألة اصوليّة مثل مسألة حجيّة خبر الواحد، فإنّا وإن قلنا بأنّ الحجّة ليست إلّا وجوب العمل، لكن لا إشكال أنّه ليس مجعولا على حذو وجوب الصلاة وكون نفسه عملا مطلوبا للشارع، بل هنا واقع محجوب مستور تحت الحجاب، وهذا الخبر إمّا مطابق له، وإمّا مخالف، فالشارع جعل هذا الوجوب ملاحظة لحال ذاك الواقع المستور، فإن طابقه يكون التارك له مستحقّا للعقاب ولا عذر له في ترك الواقع، وإن خالفه يكون العامل به معذورا على ترك الواقع.

وكذلك الاستصحاب، فإنّ البناء على الحالة السابقة ليس له عند الشارع مطلوبيّة نفسيّة، وإنّما جعله واجبا على المكلّف إمّا لسقوط عذره بالنسبة إلى الواقع‏ لو ترك العمل مع الموافقة، أو كونه معذورا لو عمل مع المخالفة، وكذلك البراءة في الشك بعد الفحص، فإنّها أيضا مجعولة لأجل الأحكام الواقعيّة وسقوطها عن المكلّف على تقدير الثبوت.

ومن هنا يعلم عدم تماميّة ما ذكره شيخنا المرتضى قدّس سرّه في مسألة الاستصحاب في مقام تعيين المعيار لكون المسألة اصوليّة أو فقهيّة، من أنّه إن كانت ثمرة المسألة نافعة بحال المجتهد والمقلّد على السواء فالمسألة فقهيّة، وإن لم ينفع ثمرتها إلّا للمجتهد فهي اصوليّة، مثلا حجيّة خبر الواحد لا ينفع للمقلّد إلّا بواسطة التقليد عن المجتهد، وليس له العمل به بلا واسطة، كما هو الحال في حرمة الخمر إذا تلقّاها من المجتهد، فإنّك تعلم أنّ هذا ليس معيارا، فإنّ القاعدة المتقدّمة أعني قولنا: كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، لا إشكال في كونها قاعدة فقهيّة، ومع ذلك لا يمكن رجوع المقلّد إليها، بل هي مرجع للمجتهد لا غير، لأنّه متمكّن من تشخيص صغراها لا غير.

ثمّ نقول في مقام تشخيص الموضوع: إنّ بعض مقدّمات استكشاف الواقع قد دوّنوه في علوم آخر مثل مسائل النحو والصرف واللغة، فإنّهم- شكر اللّه مساعيهم- وإن دوّنوها لأجل غرض آخر، لكن يكفي لمهمّنا، فبقي أشياء أخر نحتاج إليها في تحصيل هذا الغرض، فهي دوّنت في هذا العلم وسميّت بالاصول، وهذه المسائل لها موضوعات شتّى، وحينئذ لا داعي لنا إلى جعل الموضوع شيئا واحدا، بل نجعل هذه المتشتتات موضوعا للاصول، وبينها جامع لا محالة على ما تقرّر في المعقول من عدم إمكان انتهاء غرض واحد ونتيجة واحدة إلى أشياء متعدّدة، ولسنا بصدد تعيين الإسم لهذا الجامع.

ومن هنا علمت أنّ تمايز العلوم ليس بتمايز الموضوعات، كما أنّ وحدتها لا تكون بوحدتها، أ لا ترى أنّ علمي النحو والصرف علمان ومع ذلك يكون لهما موضوع واحد وهو الكلمة والكلام.

فإن قلت: قد جعلوا موضوع الأوّل هما من حيث الإعراب والبناء، وموضوع الآخر هما من حيث الصحّة والاعتلال تحفّظا لتلك القاعدة.

قلت: لا إشكال في أنّ الإعراب والبناء من مسائل النحو، وكذا الصحّة والاعتلال من مسائل الصرف، فكيف يجعل ما هو من المسائل داخلا في الموضوع؟

فالتمايز ليس إلّا بتمايز الغرضين، فالمسائل المدوّنة لأجل غرض واحد يكون علما واحدا وإن كان موضوعها متعدّدا، والمسائل المتعلّقة بموضوع واحد يعدّ علمين إذا كان تدوينها لغرضين، فعلم أنّ في مسألتنا لا حاجة إلى جعل الموضوع ذات الأدلّة ليصير البحث عن الدليليّة بحثا عن أحوال الدليل، ولا إلى جعل الموضوع هو السنّة الواقعيّة، بل الموضوع خبر الواحد.

[استدلال المانعين عن الحجية]

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه قد اختلف في حجيّة خبر الواحد، فالمنقول عن السيّد المرتضى والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدمها، والمشهور على الحجيّة.

واستدلّ للمانعين بالأدلّة الثلاثة، أمّا الكتاب فالآيات الناهية عن العمل بغير العلم والظن، والتعليل الواقع في آية النبأ، حيث يستفاد منه النهي عن كلّ ما يوجب خوف الوقوع في خلاف الواقع وفي الندم، وهو موجود في كلّ ما ليس بعلم.

وأمّا السنّة فأخبار كثيرة بالغة حد التواتر الإجمالي الناهية عن العمل بما لا يوافق الكتاب، وما خالفه، وما ليس له شاهد أو شاهدان في الكتاب أو السنّة المعلومة، فيعلم منها المنع عن العمل بالخبر المجرّد عن القرينة.

وأمّا الإجماع فقد ادّعاه سيّدنا المرتضى حتى أنّه جعل بطلان العمل بخبر الواحد معلوما من مذهب الشيعة كمعلوميّة بطلان القياس.

والجواب أمّا عن الآيات الناهية عن العمل بالظن وما عدى العلم فهو أنّ هذه الآيات ليست إلّا عمومات، والأدلّة التي نقيمها على الحجيّة مخصّصة لها، بل نقول:

إنّ تلك الأدلّة حاكمة على هذه الآيات، فإنّ الخبر بعد ما صار حجّة لا يكون العمل‏ به عملا بغير العلم؛ إذ معنى الحجيّة جعله بمنزلة العلم، فالعمل به عمل بالعلم تنزيلا وإن كان عملا بغيره حقيقة ولغة، فتكون أدلّة الحجيّة حاكمة على تلك الآيات وهو أقوى من المخصّص.

وأمّا عن التعليل فيظهر الجواب عنه عند البحث عن دلالة آية النبإ، ومحصّله أنّ مدلول التعليل ليس إلّا المنع عن العمل السفهائي الناشي عن جهالة، فإنّ صاحب هذا العمل يقع في الندم عند كشف الخلاف، وأمّا إذا كان العمل عقلائيّا فليس متعقّبا بالندم وإن انكشف خلافه، ونحن إذا جعلنا خبر الواحد حجّة بالسيرة أو بناء العقلاء أو التعبّد الشرعي يصير العمل به من الأفعال العقلائيّة، فلا يتعقّبه الندم وإن ظهر الخلاف، فعلم أنّ أدلّة حجيّة الخبر واردة على التعليل المذكور ورافعة لموضوعه حقيقة، وهو اقوى من المخصّص والحاكم.

وأمّا عن الأخبار المذكورة فهي ليست متواترة لا لفظا ولا معنى بأن يكون لفظ واحد منقولا بالتواتر، أو مضمون واحد منقولا بألفاظ مختلفة، كشجاعة الأمير عليه السلام، وهذه ليست لا متواترا بحسب اللفظ ولا بحسب المضمون، نعم هي متواترة إجمالا بمعنى أنّها بالغة عددا يحصل القطع بعدم كذب جميعها، مثلا إذا نقلت إلينا مائة أخبار يحصل لنا القطع بعدم كذب تمام المائة ونقطع بوجود الخبر الصادر في ما بينها، وحينئذ لو لم يكن بين تلك المائة قدر جامع لم ينتج في مقام العمل، وأمّا لو كان يجب العمل بالأخصّ مضمونا من تلك الأخبار، فإنّ الصادر إن كان هو فهو، وإن كان الأعم فالأعمّ موجود في الاخصّ، فالعمل بالأخصّ متعيّن على أيّ حال.

فنقول: هذه الأخبار بين ثلاث طوائف:

الاولى: ما يكون واردا لبيان الحال عند التعارض وأنّ ما لا يوافق الكتاب يجب طرحه.

والثانية: ما اشتمل على طرح ما لا يوافق الكتاب على الإطلاق من دون تقييد بصورة التعارض، فيشمل بإطلاقه الخبر الغير الموافق الذي لا معارض له.

والثالثة: ما يشتمل على الأمر بطرح ما خالف الكتاب.

أمّا الاولى: فالجواب عنها واضح، فإنّ موردها صورة التعارض، فلا عموم ولا إطلاق لها بالنسبة إلى غيرها، فكأنّه قيل: الخبران المتعارضان يجب الأخذ بما يوافق الكتاب منهما، وبعبارة اخرى: لا يلزم من المرجحيّة لدى التعارض سقوط ما لا يوافق عن المرجعيّة مع عدمه، واختصاص المرجعيّة أيضا بما يوافق، فربّما يكون الشي‏ء مرجّحا ولا دخل له في المرجعيّة.

وأمّا الطائفتان الاخريان فالقطع حاصل بوجود الصادر في ما بينها، لكثرة مجموع الطائفتين، فلاحظ الوسائل في كتاب القضاء، وأخصّهما مضمونا هو الطائفة الثانية اعني الآمرة بطرح ما خالف الكتاب، فإنّ عدم الموافقة كما يصدق مع وجود خلاف الحكم في الكتاب، كذلك يصدق مع عدم وجوده ولا وجود خلافه رأسا في الكتاب بحسب ظاهره، دون باطنه الذي علمه لدى الإمام عليه السلام، فيكون هذا المعنى منطبقا على المخالفة أيضا.

فنقول: غاية ما يثبت بتلك الأخبار طرح خبر الواحد الموجود خلاف مضمونه في القرآن، وأين هذا من خبر الواحد الوارد في مسألة الشكّ بين الثلاث والأربع في الصلاة التي لا عين ولا أثر لها في القرآن ونحوها من المسائل الغير الموجودة فيه؟ وهذا المقدار يكفي في المطلوب، فإنّ مطلوبنا إثبات الحجيّة بالإيجاب الجزئي في قبال السلب الكلّي.

وأمّا المخالفة على وجه العموم والخصوص دون التباين الكلّي فربّما يتوهّم شمول هذه الأخبار لها محتجّا بأنّ المخالفة على وجه التباين الكلّي لا يصدر من الكذّابين، ضرورة أنّه لو جاء أحد وقال: إنّ الصادق قال: يا أيّها الذين آمنوا لا يجب عليكم الوفاء بالعقود، لا يسمع منه أحد، فلا يصدر منهم إلّا المخالفة على وجه العموم والخصوص، فلا بدّ من عموم تلك الأخبار لتلك المخالفة، لئلا يلزم الحمل على الفرد النادر أو المعدوم.

وفيه أنّا نقطع بصدور المخالفة على هذا الوجه منهم عليهم السلام كثيرا كما في البيع الغرري، ومنع الزوجة عن العقار، واختصاص الولد الأكبر بالحبوة، وغير ذلك ممّا ورد التخصيص في عموم الكتاب بالسنّة والأخبار المرويّة عن الأئمة عليهم السلام.

فعلى ما ذكر من شمول الأخبار المذكورة للمخالفة على هذا النحو يلزم كون ذلك تخصيصا فيها، وكلّ أحد يعلم أنّها آبية عن التخصيص، فإنّ المعصوم عليه السلام في مقام التحاشي عن التحديث والقول بما لا يوافق الكتاب والأمر باتّقاء اللّه من نسبة ذلك إليهم وكونه زخرفا وباطلا.

وكيف يظنّ أحد إمكان تعقيب هذه المضامين بالاستثناء ولو بالنسبة إلى مورد واحد أو موردين، فكيف بهذه الأخبار الكثيرة في الموارد الكثيرة، فيتعيّن حمل هذه الأخبار على المخالفة بنحو التباين الكلّي، مضافا إلى أنّ الطائفة الآمرة بطرح ما لا يوافق أيضا يمكن إرجاعها بحسب المضمون إلى الطائفة الاخرى، وأنّ المفهوم عرفا من عدم الموافقة هو المخالفة وإن كان بحسب اللغة أعمّ.

ألا ترى أنّه إذا قيل: فلان لا يوافق ميلى في أفعاله، يشمل بحسب اللغة ما إذا لم يكن لك ميل أصلا، أو كان على الخلاف، ولكنّ العرف يفهمون منه الثاني، وحينئذ فتصير متواترة مضمونا ومعنى، ويكون مؤدّى الكلّ لزوم طرح الخبر المخالف للقرآن على وجه التباين الكلّي.

وأمّا ما ذكر في الاحتجاج على شمولها للمخالفة من حيث العموم والخصوص بأنّه يلزم على تقدير عدمه حملها على الفرد النادر أو المعدوم، فالجواب: أنّه لا بعد في صدور المخالفة بنحو التباين الكلّي عن الكذابة إذا كان جعلهم إيّاها بنحو الدّس في كتب أصحاب الأئمّة عليهم السلام، نعم لا يتصوّر صدورها منهم إذا أسندوا الرواية إلى أنفسهم، ولكن بنحو الدسّ ممكن، والداعي لهم إلى ذلك تخفيف الأئمّة في أنظار عوام الشيعة، وإظهار أنّهم عليهم السلام ما كانوا بصيرين بآيات القرآن- العياذ باللّه- حتّى صدر منهم مخالفتها بهذا الوجه.

وأمّا عن إجماع سيّدنا المرتضى فهو أنّ هذه الدعوى ليست ممّا انفرد به السيّد قدّس سرّه، بل كلّ أحد يعترف بها بأدنى تأمّل في حال أصحاب الأئمّة، فإنّهم حيث كانوا مبتلين بمعاشرة العامّة، فلهذا صاروا هم السبب لأن يشتهر وينتشر بين المخالفين أنّهم غير عاملين بخبر الواحد، ولا يجوز ذلك في مذهبهم كالقياس حتّى يصير ذلك مغروسا في أذهان مخالفيهم، حتى إذا جاء أحد منهم بخبر إلى الشيعة عن أئمّتهم، كان عذرهم في عدم قبوله كونه خبر واحد، فهذا الإجماع- أعني عدم جواز العمل بخبر الواحد من دون تقييده بغير الإمامي أو بغير العدل أو الثقة- صدر منهم لمصلحة.

وبهذا يجمع بين إجماع سيّدنا المرتضى، بل دعواه لضرورة المذهب على المنع وبين إجماع شيخنا المرتضى، بل دعواه ضرورة المذهب على الجواز، فإنّهم كانوا مجمعين على منع العمل بخبر الواحد بقول مطلق في الظاهر، وكانوا مجمعين على جواز العمل بخبر الواحد الإمامي في الباطن.

______________

(1) وليعلم أنّ المقصود تقيّة نفس الإمام في بيان الحكم بأن يبين خلاف الواقع لخوفه عليه السلام عن الظالمين، لا أن يكون الداعي تقيّة غيره بأن يبيّن حكم عامّة الشيعة المبتلين بالتقيّة، فتبصّر. منه عفي عنه وعن والديه.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


صدور العدد الحادي والعشرين من مجلّة (أوراق معرفية)
قسم شؤون المعارف ينظّم ورشة لتقييم عمل وحدة فهرسة المخطوطات
جامعة الكفيل تشرع بإجراء الامتحانات النهائية لطلبتها
كلية الصيدلة في جامعة العميد تحتفي بتخرج الدفعة الأولى من طلبتها