أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016
4356
التاريخ: 9-8-2016
1451
التاريخ: 8-8-2016
1194
التاريخ: 8-8-2016
1598
|
ما يطلب التكلّم فيه في هذا الباب ويبحث عمّا وضع هو له أقسام ويطلق على بعضها اسم المطلق.
منها: أسماء الأجناس أعمّ ممّا يكون موضوعا للجواهر كلفظ الإنسان أو للأعراض كلفظ البياض أو للعرضيّات كلفظ الأبيض.
والمحكي عن سلطان العلماء هو القول بكونها موضوعة للطبيعة المهملة والمعنى اللابشرط المقسمي؛ وذلك لوضوح تقسيم الإنسان مثلا إلى ثلاثة أقسام بحسب عالم اللحاظ، الأوّل أن يلحظ الإنسان ولم يكن قيد معه ملحوظا، والثاني أن يلحظ مع قيد وجودي، والثالث أن يلحظ مع قيد عدمي، والأوّل هو المسمّى بالمطلقة والأخيران مسمّيان بالمقيّدة ويسمّى الأوّل أيضا باللابشرط القسمي، والثاني بالمعنى بشرط شيء، والثالث بشرط لا، وكذا الكلام في سائر الألفاظ.
وقد يستشكل على هذا القول بأنّه إن اريد باللابشرط القسمي الماهيّة التي لم يلحظ معها قيد يعني يكون اللابشرطيّة حالة لها، لا أن يكون مأخوذة قيدا ووصفا لها، فما الفرق بينها وبين المقسم، وإن اريد أنّ اللابشرطيّة قيد فيها، وبعبارة اخرى لوحظ وصف التجرّد عن كلّ قيد قيدا لها، فيفترق عن المقسم بأنّ المقسم ما يكون خاليا عن هذا القيد أيضا، فيرد عليه أنّ الطبيعة بهذا القيد لا ينطبق على الخارجيات؛ إذ هي في الخارج لا ينفكّ عن التقيّد بالخصوصيّات الفرديّة، فيلزم أن يمتنع امتثال مثل جئني بإنسان، مع أنّهم يحملون متعلّقات التكاليف على هذا القسم بمقدّمات الحكمة.
والتحقيق أن يقال: إنّا نجد بحسب عالم التصوّر واللحاظ ثلاثة أنحاء من الملاحظة والتصوّر لمفهوم الإنسان، فقد يتصوّر بانضمام قيد وجودي وإن كان هو الإرسال والسيلان بأن يلحظ هذا المفهوم مقيّدا بكونه في أيّ وجود تحقّقت لم يكن منافيا له، وقد يتصوّر بانضمام خصوصيّة عدميّة، وقد يتصوّر هو ولا يتصوّر معه خصوصيّة وجوديّة ولا عدميّة، فهذا القسم يكون قسيما للأوّلين وبقبالهما باعتبار أنّه في الواقع يكون مقيّدا بقيد التجرّد ويكون له حالة التجرّد عن كلّ ضميمة وقيد، وهما يكونان منضمّين إلى ضميمة وإن لم يكن حال التجرّد في الأوّل ملحوظا لكنّه واقعا موجود، فلا يرد أنّه غير منطبق على الخارج وأنّه كلّي عقلي لا موطن له سوى الذهن؛ إذ ذلك إنّما يلزم لو لوحظ وصف التجرّد معه قيدا وحالا، وليس كذلك.
ثمّ إنّ الشخص الآخر إذا لاحظ هذه الأقسام الموجودة في ذهن لاحظ آخر أو نفس هذا اللاحظ إذا لاحظ بعد ملاحظة تلك الأقسام في ذهنه إيّاها بملاحظة ثانويّة ينتزع من هذه الموجودات الذهنيّة جامعا، كما ينتزع من الخارجيّات جامع، والفرق بين هذا الجامع والقسم الأخير أنّ التجرّد مقوّم للثاني، والأوّل يناسب معه ومع الخصوصيّة الوجوديّة أو العدميّة، والموجود في ذهن هذا الشخص المنتزع للجامع لما في الذهن وإن كان ليس خارجا من أحد الأقسام- يعنى أنّ واقع ما يلاحظه ويجعله مقسما وجامعا يكون هو المفهوم اللابشرط فإنّ التجرّد ثابت له واقعا وليس بملحوظ- لكنّه يشير به ويجعله حاكيا ومرآتا لما هو المقسم والجامع بين الأقسام المذكورة.
إذا عرفت ذلك فنقول: المدّعى هو أنّ أسماء الأجناس موضوعة لهذا الجامع، والدليل عليه أنّها لو كانت موضوعة للمفهوم اللابشرط القسمي أعني ما يكون قيد التجرّد مقوّما له يلزم أن يكون الاستعمال في مثل الإنسان الأبيض فيما إذا استعمل اسم الجنس في الماهيّة منضمّة إلى خصوصيّة وجوديّة أو عدميّة مجازيا؛ فإنّه استعمال في غير ما وضع له؛ إذ المفروض أنّه متقوّم بالتجرّد وعدم لحاظ الضميمة والخصوصيّة، والمقطوع بالوجدان خلاف ذلك وأنّ الاستعمال المذكور يكون على وجه الحقيقة كصورة عدم ذكر القيد، فيكون دليلا على أنّ اللفظ موضوع لما هو الجامع بين القسمين.
نعم يلزم على هذا أن يكون حال معاني تلك الأسماء حال معاني الحروف؛ إذ كما أنّ معاني الحروف محتاجة إلى الغير وتكون مندكّة في الغير ولا بدّ عند وضعها أو استعمالها من لحاظ معنى هو واقعا مفهوم مستقل باللحاظ ويشار به إلى ما هو قائم بالغير ووصف وحالة له، كأن يشار بمفهوم الابتداء الملحوظ حالة للغير إلى حقيقة معنى «من» كذلك معاني هذه الأسماء أيضا تكون محتاجة في التصوّر واللحاظ إلى غيرها؛ فإنّ مقسم الأقسام المذكورة لا يوجد في الذهن إلّا مندكّا في أحد تلك الأقسام ولا يمكن لحاظه بدون لحاظ واحد منها، ولا بدّ عند الوضع أو الاستعمال من ملاحظة أحد الأقسام والإشارة به إلى الجامع.
وبالجملة كما أنّ معاني الحروف متّصفة بالاحتياج والافتقار في الوجود الذهني إلى المتعلّقات ويكون معان آلية عاجزة مستندة إلى الغير ومربوطة به كاستناد معنى من البصرة إلى مفهوم السير والبصرة وارتباطه بهما، ولا يكون له وجود إلّا مندكّا في المتعلّقات، كذلك معاني أسماء الأجناس أيضا تكون متّصفة بالاحتياج والافتقار في الوجود الذهني إلى واحد من الأقسام ولا يوجد إلّا مندكّا في أحدها، ولكن لا ضير في الالتزام بذلك إذا ساعده الوجدان.
فيمتاز تلك المعاني عن معاني الحروف بأنّ المعنى الحرفي يحتاج إلى محلّ يقوم به ويكون عرضا وحالة له وخصوصيّة من خصوصيّاته ككون معنى من البصرة خصوصيّة لمفهوم السير، وهذه المعاني تكون مفتقرة إلى شيء آخر يكون هذا الشيء الآخر قائما بتلك المعاني ومن خصوصيّاتها، وهو إمّا وصف التجرّد أو الاقتران بخصوصيّة وجوديّة أو عدميّة، فمفهوم من البصرة يحتاج إلى أن تكون خصوصيّة لمفهوم السير، ومفهوم السير الذي هو معنى للفظ السير يحتاج إلى كون هذه الخصوصيّة خصوصيّة له.
وبالجملة الفرق بين الحروف وهذه الأسماء هو أنّ الاولى موضوعة لمعان يكون أبدا أعراضا في الذهن لغيرها، والثانية لمعان يكون أبدا معروضات لغيرها، فيكون حال معاني أسماء الأجناس في الذهن حال معاني أعلام الأشخاص في الخارج، فكما أنّ موضوعات الأعلام لا ينفكّ في الخارج عن العوارض والحالات الطارئة، كذلك موضوعات هذه الأسماء لا ينفكّ في الذهن عن الخصوصيّات المقسمة.
ومنها: علم الجنس، والمعروف بين أهل الأدبيّة أنّ الفرق بينه وبين اسم الجنس أنّ الثاني موضوع لذات الطبيعة فقط، والأوّل له مع قيد الحضور في الذهن، والحضور وإن كان من لوازم استعمال اللفظ في المعنى ولا يمكن بدونه إلّا أنّه في اسم الجنس يكون من اللوازم العقليّة للاستعمال، وفي علم الجنس يكون مدلولا عليه بجوهر اللفظ.
واستشكل عليه في الكفاية بأنّ الحضور لو كان قيدا في المعنى لما صحّ الحمل على الخارجيّات؛ لوضوح أنّ الطبيعة بقيد حضورها في الذهن كلّي عقلي لا موطن له سوى الذهن فيمتنع حمله على الخارج إلّا مع التجريد عن خصوصيّة هذا القيد والتجوّز باستعمال اللفظ في جزء معناه، والحال أنّا نرى صحّة الحمل في قولنا: هذه اسامة بدون عناية وتجريد وملاحظة علاقة، وقال بمثل ذلك في اسم الجنس أيضا ردّا على قول من قال بوضعه للمطلق اللابشرط القسمي دون المقسمي.
فاستشكل عليه بأنّ التّجرد عن القيد ووصف اللابشرطيّة ملحوظ قيدا في الماهيّة اللابشرط القسمي، فلو كان اسم الجنس موضوعا لها لما صحّ حمله على الخارجيّات؛ لامتناع حمل الكلّي العقلي على الخارجي؛ إذ لا موطن له سوى الذهن وكان الحمل محتاجا إلى التجوّز وتجريد المعنى عن هذه الخصوصيّة، فيلزم التجوّز في عامّة استعمالات اسم الجنس، وهذا مناف لحكمة الوضع، وقال نظير ذلك في القسم الآتي كما يأتي ذكره إن شاء اللّه.
والحقّ أنّه غير تام في الكلّ وإن كان أصل المطلب حقّا في اسم الجنس بحكومة التبادر وشهادة الوجدان، وذلك لأنّ مدّعي الحضور في علم الجنس ليس مراده معنى الحضور بعنوان الاستقلال وبالمعني الاسمي، بل مراده هو الحضور بالمعنى الحرفي الآلي أي الآلة الحاكية لذات الطبيعة، وقد تصوّرنا في الحروف كون المعنى الحكائي المرآتي تمام المعنى، فيمكن كونه جزء من المعنى أيضا، ولا ريب في صحّة الحمل حينئذ، إذا للاحظ حينئذ لا يلحظ إلّا ذات الطبيعة.
ونظيره في المحاورات العرفيّة قولك فيما إذا كان بينك وبين المخاطب صورة إنسان مثلا معهودة، فرأيت هذا الإنسان فتقول: هذا ذاك الرجل، فتشير بهذه الإشارة إلى معقوليّته في ذهنك وذهن مخاطبك سابقا، فهذه الإشارة حاكية عن ذاك التعقّل والحضور الذهني وهو لمّا كان مأخوذا مرآتا صحّ الحمل، فهنا أيضا نقول: هذه اسامة ونشير إلى المعنى المتعقّل المركوز في الأذهان، وأمّا قولك: هذا أسد فحال عن هذه الإشارة، والدال على هذه الإشارة في الفارسيّة ليس هو اللفظ بل الوضع الخاص لليد والعين، وفي العربيّة وضع له لفظ خاص، وكذلك الكلام في اسم الجنس على القول بالوضع للماهيّة اللابشرط القسمي التي هي المسمّى بالمطلق، بأن يقال: إنّ التسوية بين الحالات الطارئة على الطبيعة لا بدّ أن يلحظ قيدا، فلفظ «رجل» يفيد معاني ألفاظ رجل، سواء كان كذا أو كذا أو كذا، فلو استعمل في ماهيّة الرجل مع قيد كان مجازا، فإنّا نعلم بالوجدان صحّة الحمل مع هذه الملاحظة يعني ملاحظة التسوية بين الحالات والخصوصيات.
ووجهه أنّ التعرية والتجريد لم يلحظ قيدا بالمعنى الاسمي الاستقلالي، بل بالمعنى الحرفي على وجه لم يخرج عن حكاية ذات الطبيعة بأن يكون هذا الوصف ثابتا واقعا في الذهن ولم يكن قيدا في اللحاظ، فللقائل المذكور أن يجعله بهذا النحو جزء لما وضع له اسم الجنس لا بالنحو الأوّل حتّى يتوجّه عليه الإيراد.
ويشهد لما ذكرنا أنّ القضايا المطلقة هي ما كان الموضوع فيها هو الطبيعة المطلقة، فإن لم يمكن حمل المطلق على الخارج فكيف يمكن جعله موضوعا للأحكام المحمولة على الخارجيّات، وعلى ما ذكره قدّس سرّه لا بدّ من جعل عامّة القضايا مهملة، فنحن لا بدّ وأن نتصوّر صحّة حمل هذا المعنى وتطبيقه على الخارج حتّى يصحّ ترتيب القضيّة المطلقة، غاية الأمر أنّا نقول في هذه القضايا أنّ اللفظ مستعمل في المهملة، والإطلاق دلّ عليه مقدّمات الحكمة وصار مجموع الطبيعة مع قيد الإطلاق موضوعا للحكم، والقائل المذكور يقول بأنّ المجموع من الطبيعة ووصف الإطلاق مدلول لفظ المطلق.
ومنها: المفرد المحلّى بالألف واللام، والمعروف بين أهل الأدبيّة أنّ اللام أو الهيئة الحاصلة منه ومن المدخول موضوعة لتعريف الجنس أو للعهد بأقسامه الثلاثة من الذهني والذكري والحضوري وللاستغراق، والظاهر أنّ أقسام العهد ليس معاني مختلفة، بل هي راجعة إلى معنى واحد وهو المعهوديّة في الذهن، غاية الأمر أنّ منشأ المعهوديّة في الذهن قد يكون الذكر في الكلام، وقد يكون الحضور، وقد يكون غيرهما، بل نقول: مرجع الجنس والاستغراق أيضا إلى هذا.
وبيانه أن يقال: إنّ اللام أو الهيئة موضوعة للإشارة إلى المعهود في الذهن؛ فإن كان هو الشخص الخاص كان إشارة إليه، وإن كان هو نفس الطبيعة والجنس كان الإشارة إلى نفس الطبيعة والجنس، فيصير الإشارة هنا من قبيل الإشارة الذهنيّة في علم الجنس، وإن كان هو الاستغراق- كما في «أحلّ اللّه البيع»- كان إشارة إلى الاستغراق، ثمّ إن كان الاستغراق مستفادا من المقدّمات كما في المثال فالحال كما ذكر، وإن كان مستفادا من اللفظ كما في الجمع المعرّف باللام فحيث إنّ المتعيّن في الذهن حينئذ ليس هو الاستغراق، بل هو مردّد بينه وبين أقلّ ما يدّل عليه الجمع بالوضع فليس في الذهن أمر متعيّن منهما حتى يكون اللام إشارة إليه، ومن هنا يجيء القول بعدم إفادة الجمع المحلّى للعموم.
ثمّ التعريف باللام كما ذكرنا من قبيل التعريف الذهني في علم الجنس سواء كان داخلا على المفرد أو الجمع، فكما لا يكون هذا التعريف الذهني مانعا هناك عن الحمل على الخارج فكذا هنا بالتفصيل المتقدّم.
وفي الكفاية أورد هنا أيضا الكلام المتقدّم ولهذا جعل الألف واللام مطلقا للتزئين كما في الحسن والحسين فرارا من المحذور الذي تخيّله من امتناع الحمل لو قيل بكون اللام إشارة إلى التعيين الذهني خلافا لعامّة علماء الأدب.
ومحصّل الكلام في المقام أمّا في مقام الثبوت فهو أنّا نتصوّر تعريف الجنس كما في علم الجنس وفي اسم الجنس سواء في المفرد أو في الجمع كما في: فلان يركب الخيل، وإنّما الصدقات للفقراء» الآية.
وتعريف العهد الخارجي حضوريا كان كما في يا أيّها الرجلان وأيّها الرجال، أو ذكريّا كما في «و أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول» وجاءني رجلان أو رجال فأكرمت الرجلين أو الرجال، أو غيرهما كما في جاءني الرجل الذي كان معنا أمس أو الرجلان اللذان كانا أو الرجال الذين كانوا معنا أمس.
وتعريف العموم البدلي- كما في اشتر اللحم- الذي يسمّى بالعهد الذهني في قبال الثلاثة المتقدّمة المسمّاة بالعهد الخارجي، وحقيقة هذا التعريف هي الإشارة إلى الطبيعة الملحوظة في ضمن أحد الوجودات باعتبار تعيّنها في الذهن بهذه الكيفيّة لمعهوديّتها في ذهن المتخاطبين، كذلك في المثال.
وتعريف استغراق الجنس في المفرد كما في «أحلّ اللّه البيع» وهو الإشارة إلى الماهيّة المتعلّقة في الذهن بلحاظ كونها في ضمن كلّ وجود؛ فإنّ هذا نوع تعيّن للطبيعة في عالم الذهن يصلح الإشارة بسببه إلى الطبيعة الملحوظة بهذا النحو.
والفرق بين استغراق الجنس في المفرد واستغراق الأفراد في الجمع أنّ الملحوظ في الأوّل هو الطبيعة باعتبار سريانها في كلّ وجود، فيجري الحكم أوّلا على الطبيعة وبتبعها على الأفراد، وكذا الإشارة أوّلا تكون إلى الطبيعة وثانيا إلى الأفراد، وفي الثاني يكون الملحوظ من الابتداء كلّ فرد بنحو الاستيعاب، والحكم والإشارة متعلّقان من الأوّل إلى الأفراد.
فالتعريف بجميع هذه الأنحاء معقول متصوّر ولا يستلزم القول بوضع اللام له امتناع صدق المعرّف به على الخارج قطعا كما ذكر في علم الجنس.
وعلم ممّا ذكرنا أنّ التعريف في جميع الأقسام معنى وحداني وهو الإشارة إلى المتعيّن في الذهن، فالقول بالاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة في البعض والمجازيّة في الآخر لو قلنا بوضع اللام لهذا المعنى باطل جدّا.
وأمّا في مقام الإثبات فالظاهر ثبوت الظهور للّام في التعريف في العهد الخارجي بأقسامه الثلاثة، وأمّا أنّه حيث لا عهد يكون اللام في المفرد للجنس بمعنى أنّ المفرد المعرّف حيث لا عهد مفيد لمعنى علم الجنس بلا فرق ويتضمّن الإشارة إلى الطبيعة المعقولة المتعيّنة في الأذهان، أو أنّه خالية عن هذه الإشارة ومتّحد مع اسم الجنس في المعنى، فعلى الأوّل معرفة حقيقته معنويّة، وعلى الثاني لفظيّة، كلّ محتمل، وكذا في مقام لا عهد ولا جنس بل يقتضي المقام استغراق الجنس كما في «أحلّ اللّه البيع» و«خلق اللّه الماء طهورا» هل اللام ظاهرة في الإشارة إلى الطبيعة السارية باعتبار تعيّنها الذهني أو اللفظ المعرّف الواقع في هذا المقام متّحد معنى مع المنكّر الواقع فيه كما في «علمت نفس ما أحضرت» و«نمرة خير من جرادة» «و أنزلنا من السماء ماء طهورا»، فكما أنّ مفاد الثاني هو الطبيعة السارية بدون الإشارة إليه فكذا الأوّل، كلّ محتمل.
بقي الكلام في الجمع المعرّف باللام هل هو- حيث ليست جملة من الأفراد معهودة حتّى يكون اللام إشارة إليها كما في الامثلة المتقدّمة- مفيد للعموم الاستغراقي أولا؟، الظاهر الأوّل؛ فإنّ استعماله حينئذ في الجنس وإن كان صحيحا واقعا كما في: فلان يركب الخيل، و{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية، إلّا أنّ الظاهر الأوّلي منه عند الإطلاق هو الاستغراق، وهل هذا بواسطة وضع اللام للاستغراق أو المركّب منه ومن الجميع أو أنّه مستفاد بمعونة دلالة اللام على الإشارة؟ لكل قائل.
والثالث لصاحبي التعليقة والفصول قدّس سرّهما، فذهبا إلى أنّ إفادة الجمع المعرّف للعموم ليست من جهة وضعه له بالخصوص، بل من جهة دلالة اللام على الإشارة، ومن المعلوم اقتضائها لمشار إليه معيّن، فلا محالة تكون عند انتفاء القرائن ظاهرة في الإشارة إلى ما دلّ عليه صريح مدخوله، ولمّا كان وضع الجمع بإزاء خصوص المراتب من الثالثة إلى ما فوقها وليس شيء من المراتب ممّا دون الجميع بمتعيّن، بل كلّ منها يتطرّق فيه الاختلاف الكثير من جهة صدقه على كثيرين مختلفين، وأمّا الجميع فهو كالشخص الواحد متعيّن لا اختلاف فيه، كانت الإشارة إلى الجميع لا محالة لتعيّنه وعدم الإبهام فيه المنافي للتعيين والتعريف دون غيره من المراتب؛ إذ لا معروفيّة لها عند العقل حتّى يشار إليها.
ومنها: النكرة، ولها استعمالان، فتارة يستعمل في معنى له تعيين في الواقع كما في «و جاء رجل من أقصى المدينة» غاية الأمر أنّ هذا المعنى تارة يكون عند المتكلّم معلوما ويخفيه على المخاطب، واخرى يكون عنده أيضا مردّدا، كما لو رأى الشبح من بعيد ولم يعلم أنّه زيد أو عمرو أو غيرهما من أفراد الرجل، وثالثة يكون عنده وعند المخاطب جميعا معلوما والمقصود إخفائه على ثالث، وهذا المعنى له احتمال الصدق على كثيرين، لكن على البدليّة لا في عرض واحد، بمعنى أنّه في حال يحتمل صدقه على زيد غير صادق على غيره، وفي حال يحتمل كونه عمروا أيضا لا يصدق على غيره، وهكذا إلى آخر الأفراد، فلا يصدق في حال الصدق الاحتمالي على كلّ على غيره، فهذا المعنى جزئي بلا إشكال.
واخرى يستعمل في معنى صادق على كثيرين في عرض واحد كما في جئني برجل، فكلّ من أفراد الرجل جيء به كان هو هو، ولا يقال: إنّه هو أو غيره، وفي حال الصدق على فرد يصدق على غيره، ولهذا قد يتوهّم أنّ هذا المعنى كلّي حقيقة على خلاف المعنى الأوّل، بمعنى أنّ مادّة النكرة تدل على طبيعة كليّة والتنوين يدل على مفهوم الوحدة، وهو أيضا كلّي، وضمّ الكلّي إلى كلّي لا يصيّره جزئيّا بل يصير كليّا ثالثا مضيّق الدائرة كما في الإنسان الأسود.
فمعنى «رجل» على هذا طبيعة الرجل مع قيد الوحدة، وهذا معنى كلّي، نعم لا يصدق على اثنين فصاعدا من حيث المجموع؛ إذ حينئذ يخرج عن فرديّته، فكما لا يصدق الإنسان على فرد البقر كذلك لا يصدق هذا المعنى المقيّد بمفهوم الوحدة على ما هو فرد لمفهوم الاثنين أو ما فوقه، نعم يصدق على الاثنين بعنوان أنّه فردان منه، وعلى الثلاثة بعنوان كونها ثلاثة أفراد وهكذا. وبعبارة أخرى الاثنان مثلا يكونان فردين لهذا المعنى، ولا يكون فردا واحدا له.
ولكن يمكن دعوى كون النكرة مستعملة في كلا الموردين في معنى واحد وأنّه لا اختلاف بحسبهما فيما استعمل فيه لفظ النكرة، بل المستعمل فيه في كليهما جزئي حقيقي غير قابل الصدق على الكثيرين.
بيان ذلك أنّه لا إشكال في كون الكليّة والجزئيّة من صفات المعقول الذهني دون الخارج؛ فإنّ المعقول الذهني إن كان بحيث يمكن انطباقه على كثيرين فهو كلّي، وإن امتنع واستحيل أن يصدق وينطبق إلّا على شيء واحد فهو جزئي.
إذا عرفت هذا فلا إشكال حينئذ أنّه لو راى الإنسان شبحا من بعيد وتردّد عنده بين أن يكون بقرا أو إنسانا فالمعقول في ذهنه صورة منطبقة على هذا الشبح محدودة بالحدود المعيّنة، لكن ليس فيه اعتبار الزيديّة ولا العمرويّة بل ولا كونه إنسانا ولا بقرا، وكون أحد هذه الأشياء ثابتا في الواقع لا ربط له بالصورة المنقّشة في الذهن، ومع ذلك فهل ترى صدقه على كثيرين، بل يحكم بأنّ هذه الصورة جزئي لا يصدق إلّا على شيء واحد فقط، فإذا كانت هذه الصورة جزئيّا كما هو الموجود في الاستعمال الأوّل فكذلك الصورة التي نتصوّره أوّلا قبل رؤية شبح في الخارج ونلاحظ له جميع التعيّنات والتشخّصات والحدود بحيث لا يكون صادقا بهذه التشخّصات إلّا على واحد فقط ونجرّده عما يكون الصورة الأوّلي متجرّدة عنه من الزيديّة والعمرويّة والبكريّة، وكذا خصوصيّة تمام الأفراد، فهذه الصورة أيضا لا بدّ أن يكون جزئيّة إذ لا فرق بين هذه وبين تلك إلّا في مجرّد أنّ الاولى كانت منطبقة على شبح خارجي هو مشتمل على الزيديّة، ولكن هذا الا يعقل أن يوجب تفاوتا، إذ لا يعقل دخل ثبوت الزيديّة للأمر الخارجي في جزئيّة ما يتعقّل في الذهن مع كونه معرّى عن وصف الزيديّة، فإذا كان هذه الصورة المعرّاة عن الزيديّة والعمرويّة ونحوها جزئيا، فكذا تلك المعرّاة عن هذه أيضا؛ إذ لا فرق بينهما أصلا، فهذا المعنى لا محالة يكون مصداقه أبدا شيئا واحدا لا أزيد، غاية الأمر أنّه يدور بين تمام الإفراد، وإمكان اشتراك المصداقيّة له بين جميع الأفراد في عرض واحد لا ينافي ذلك؛ إذ الإمكان غير الصدق، فلا يتّصف جميع الأفراد بالمصداقيّة له في عرض واحد، ولكن يتّصف جميعها بإمكان المصداقيّة له كذلك.
ومحصّل ما ذكرنا أنّ تعقّل معنى له تعيين عند اللّه وفي اللوح المحفوظ كما في ما يتصوّر عند رؤية الشبح جزئي بمعنى أنّه غير قابل لأن يتحمّل أن يكون طرفا لزيد وعمرو في عرض واحد كما هو الحال في الكلّي الطبيعي بالنسبة إلى أفراده، فيصحّ أن نقول: هذا هو الإنسان، وهذا هو الإنسان، وهذا هو الإنسان، ولكن لا يصح فيما نتعقّل عند رؤية الشبح المتحرّك من البعيد ولا يتحمّل الأفراد بهذا النحو، فلا يصحّ أنّ زيدا هذا وعمروا هو بكرا هو.
نعم يمكن أن يكون زيدا وعمروا وبكرا، لكن إن كان زيدا لا يكون عمروا وإن كان عمروا لا يكون زيدا وإن كان بكرا لا يكون عمروا ولا زيدا، وهذا معنى صدقه على كثيرين على البدليّة، يعني يصدق على هذا بدلا عن ذاك وعلى ذاك بدلا عن هذا ولا يصدق عليهما معا.
وبعبارة اخرى لا يصدق على كثيرين في واحد بالعطف بالواو، بل يصدق على الكثيرين في الطول وبالعطف بكلمة «أو» وهذا معنى جزئيّته، مع أنّ هذا المعنى المتصوّر خال عن خصوصيّة الزيديّة والعمرويّة وكذا جميع الخصوصيّات، ووجودها في الأمر الخارجي غير مرتبط بالأمر المتصوّر الذهني.
فكما لا يضرّ هذا التجرّد عن تلك الخصوصيّات بالجزئيّة في هذا المعقول فكذا نقول في النكرة الواقعة موضوعا في الإنشاءات فنقول فيها أيضا بتصوّر معنى لا إمكان لأن ينطبق على كثيرين في عرض واحد، بل كان انطباقه على واحد على البدل، فرجل في قولنا: جئني برجل معناه رجل واحد بحيث إن كان زيدا لا يكون عمرا وإن كان عمرا لا يكون زيدا وإن كان بكرا لا يكون زيدا ولا عمرا، فهذا أيضا لا محالة يكون جزئيّا؛ إذ معنى الكلّي أن يكون المعنى ذا سعة لا يأبى بسببها عن الحمل على الكثيرين في عرض واحد، ويتحمّل الطرفيّة للإثنين وما فوق، وهذا منتف فيما فرضناه، ومجرّد أنّ للمعقول في الصورة الاولى وفي الإخبارات واقعا له التشخّص والتعيّن وهنا ليس له واقع كذلك لا يوجب الفرق بينهما؛ إذ الجزئيّة والكليّة من المعقولات الذهنيّة بلا كلام ولا إشكال، فلا يعقل أن يكون للخارج دخل فيهما.
نعم فرق بين المعقول في المقامين من حيث إنّ الأوّل له تعيين عند اللّه وفي الثاني يكون التعيين بيد المكلّف ويكون هو بالخيار في تعيينه، مع أنّه لو جعل الكلّي خصوص ما يصدق على الكثيرين في عرض واحد بحيث لو كان في الطول كان جزئيّا لزم عدم الفرق بين النكرة الواقعة في الإخبارات والواقعة في الإنشاءات في الجزئيّة كما ذكرنا، وإن كان المراد بالكلّي مطلق ما كان صادقا على الكثيرين وإن كان في الطول كان في كلا المقامين كليّا؛ إذ النكرة في الإخبار أيضا له الصدق بهذا النحو، يعني ما تصوّره المستعمل واستعمل اللفظ فيه معنى قابل لأن يصدق على كثيرين على البدل، ففي جاء رجل من أقصى المدينة، المتصوّر هو المعنى المتردّد بين أفراد الرجل والمعرّى عن جميع الخصوصيّات وإن كان الجائي في الخارج هو خصوص الرجل المعهود وهو حبيب النجّار.
وبالجملة، فالتفرقة بين الإخبار والإنشاء بإثبات الجزئيّة للنكرة في الأوّل والكليّة في الثاني غير متّجه، والحقّ كما عرفت هو اختصاص الكليّة بالصدق العرضي على كثيرين، والصدق الطولي على كثيرين لا ينافي الجزئيّة؛ فإنّ الكليّة بمعنى السعة، والجزئيّة بمعنى الضيق، والذي لا يتحمّل إلّا مصداقا واحدا على البدل ضيق، غاية الأمر مردّد بين كثيرين، وهذا معنى كونه جزئيّا مردّدا، فالحقّ عدم الفرق بين النكرة في المقامين في كونه جزئيّا حقيقيّا غير قابل الصدق على كثيرين مردّدا، وأمّا الفرق بين الوحدة المأخوذة في النكرة وما هو مأخوذ في مفهوم الواحد فهو أنّ الوحدة في الثاني كلّي؛ فإنّه عبارة عن جهة جامعة أخذ الذهن من أفراد كثيرة متّصفة بها، وهذا لا يمتنع أن يسع في عرض واحد كثيرين فيقال: هذا واحد وهذا واحد وهذا واحد.
نعم لا يصدق على اثنين، فلا يشار إلى مجموع الشخصين بإشارة واحدة ويقال:
هذا المجموع واحد؛ فإنّه مصداق للإثنين الذي هو ضدّ الواحد، فعدم صدقه عليه كعدم صدق البقر على أفراد الإنسان.
وهذا بخلاف الوحدة في النكرة فإنّها مأخوذة من شخص واحد دون أشخاص كثيرين، كما في ما يوجد في الذهن عند رؤية الشبح من البعيد، فالوحدة مأخوذة فيه من الشيء الخاص المرئي وليس مشتركا بينه وبين ما يشابهه، وكذا في ما يقع موضوعا في الإنشاء أيضا يوجد الوحدة القائمة بالشخص لا القائمة بالأشخاص، والميزان أنّه لو تصوّر المعنى المتقيّد بالوحدة واحد في الذهن على وجه لا يقبل لأن يصدق على هذا إلّا بدلا لذاك، وعلى ذاك إلّا بدلا لهذا فهذا جزئي.
وإن كان قابلا لأن يصدق على هذا وذاك في عرض واحد فهذا كلّي، والنكرة موضوعة لملاحظته على الوجه الأوّل، ومفهوم الواحد موضوع له بالملاحظة الثانية.
ثمّ لو أتى المكلّف بما زاد على الواحد عند توجّه الأمر بالنكرة إليه فإمّا أن يأتي على التدريج أو دفعة، ففي الأوّل يمتثل بأوّل الأفراد وما سواه لغو مطلقا، وعلى الثاني يكون الممتثل به واحدا لا على التعيين لو كان المراد هو الواحد اللابشرط، وإن كان المراد الواحد بشرط لا يعني بشرط عدم الغير فلا يحصل الامتثال في هذه الصورة أصلا.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|