أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2016
2583
التاريخ: 29-8-2016
1437
التاريخ: 16-10-2016
1627
التاريخ: 8-8-2016
1521
|
افترق القائلون بوجوب مقدّمة الواجب على ثلاثة أقوال:
الأوّل: أنّ الواجب ذات المقدّمة بلا قيد.
الثاني: أنّه هي مقيّدة بالإيصال إلى ذي المقدّمة وترتّبه عليها، فإن لم توصل لم تكن مطلوبة وإن قصد بها التوصل.
الثالث: أنّه هي مقيّدة بالاقتران بقصد التوصّل بها إلى ذي المقدّمة، وإن لم توصل إليه، فإن وقعت مجرّدة عن هذا القصد لم يتّصف بالوجوب وإن أوصلت إلى ذيها.
وليعلم أنّ القائل بوجوب ذات المقدّمة يحتاج في بعض الموارد إلى تقييد الوجوب بصورة وقوع المقدّمة عن قصد التوصّل بها إلى ذيها لداع خارجي، وهو ما إذا تعيّن مقدّمة الواجب في الحرام؛ فإنّه حينئذ يحتاج إلى التقييد المذكور، والداعي له إلى ذلك هو التحرّز عن الوقوع في الحرام مهما أمكن والاكتفاء في تسويغه بقدر الضرورة؛ فإنّه لا شكّ في أنّ صورة الإتيان بالمقدّمة المذكورة لا عن القصد المزبور أشدّ قبحا من صورة الإتيان بها معه بالبديهة الوجدانيّة، والتزام القائل المذكور بهذا التقييد في المورد لا يوجب التزامه به في سائر الموارد التي ليس فيها الداعي المذكور، كما أنّ التزامه بالتقييد بوصف الإجابة لداعي الجمع بين غرضي الآمر فيما إذا تردّد المقدّمة بين مباح وحرام لا يوجب التزامه به في سائر الموارد.
ومن هنا ظهر اندفاع ما أورده على هذا القول، القائل بوجوب المقدّمة الموصلة، وهو أنّه يلزم على هذا القول أنّه لو توقّف فعل واجب على فعل حرام صار هذا الحرام بمجرّد ذلك جائزا بل واجبا بأيّ وجه اتّفق ولو بأن يأتي به المكلّف بدواعيه النفسانيّة من دون أن يتوصّل به إلى ذلك الواجب، وبطلان هذا معلوم بصريح الوجدان، وأنت عرفت أنّ القائل المذكور ملتزم في هذا المورد بالتقييد بقصد التوصّل لا بالإيصال، لما يأتي من عدم إمكان التقييد به من دون أن يصير هذا ملزما له على ذلك في سائر الموارد، هذا.
ولنتكلّم أوّلا في القول بوجوب المقدّمة الموصلة فنقول: المراد من قيد الموصل إمّا أن يكون مصداقه، يعني ما لا ينفكّ وجودها عن وجود ذيها إمّا بإرادة خصوص المؤثّر أعني العلّة التامّة، أو الأعمّ منه ومن ملازم المؤثّر أعني الجزء الأخير من العلّة التامّة، فيكون القيد إشارة إلى التفصيل بين المقدّمات بأحد النحوين، وإمّا أن يكون نفس عنوانه.
وحينئذ إمّا يكون المراد الأمر المنتزع الاستقبالي يعني كون المقدّمة ممّا توصل، وإمّا يكون نفس الإيصال الخارجي، وعلى التقديرين إمّا أن يكون قيدا للطلب أو للمطلوب، فهذه أربعة احتمالات:
الأوّل: أن يكون المراد الأمر المنتزع ويكون قيدا للطلب.
الثاني: هذا الفرض لكن يكون قيدا للمطلوب.
الثالث: أن يكون المراد نفس الإيصال الخارجي ويكون قيدا للطلب.
الرابع: هذا الفرض ويكون قيدا للمطلوب، فتصير هذه مع الاحتمالين السابقين ستّة يلزم من بطلان جميعها بطلان القول المذكور لا محالة.
فنقول: أمّا كون القيد إشارة إلى التفصيل بين المقدّمات بأحد النحوين ففيه: أنّه غير نافع بحال قائله أوّلا؛ إذ الوجوب يسري من الجزء الأخير إلى سابقه ومنه إلى سابقه وهكذا إلى الجزء الأوّل، يسري الوجوب من كلّ لاحق إلى سابقه؛ إذ يصدق على كلّ سابق بالنسبة إلى لاحقه أنّه مقدّمة غير منفكّة لواجب، غاية الأمر أنّ الواجب هنا مقدّمي وقد كان المقصود هو التفصيل بين الجزء الأخير وسائر الاجزاء، وكذلك تعلّق الوجوب بمجموع الأجزاء في العلّة التامّة يوجب تعلّقه بذات كلّ واحد من الأجزاء لا محالة، وغير ملائم بمذاق هذا القائل ثانيا؛ لأنّه لا يقول بالتفصيل بين المقدّمات بل يردّه.
وأمّا كون الإيصال الانتزاعي قيدا للطلب فهو غير معقول؛ لأنّ التكليف المشروط لا بدّ وأن يكون متعلّقه مع حفظ عنوان الشرط ممكن الوقوع واللاوقوع، مثلا الصلاة في الوقت مع حفظ عنوان كونها في الوقت ممكن الطرفين، وإذا كان الشرط هو الإيصال الذي هو في معنى إتيان ذي المقدّمة المستلزم لإتيان المقدّمة فلا يمكن التكليف بذي المقدّمة ولا بالمقدّمة؛ لأنّهما مع حفظ عنوان هذا الشرط متحقّق الوقوع في الاستقبال لا محالة.
مثلا مع حفظ عنوان كون المكلّف ممّن يضرب لا يتوجّه إليه التكليف بالضرب ولا بمقدّماته، نعم لو كان صورة التكليف هكذا: ايت بالمقدّمة إن كنت ممّن تنتهي إلى ذي المقدّمة على تقدير إتيان المقدّمة سلم من هذا الإشكال؛ لأنّ المقدّمة مع حفظ هذا العنوان ممكن الوقوع واللاوقوع معا كما هو واضح.
لكن يرد عليه أنّه يلزم على هذا عدم توجّه التكليف بالمقدّمة إلى من لا ينتهي إلى ذي المقدّمة على تقدير الإتيان بالمقدّمة في علم اللّه كالعصاة، والقائل المذكور لا يلتزم بذلك؛ فإنّه لا يفرّق في وجوب المقدّمة بين الأشخاص.
وأمّا كون الإيصال الانتزاعي قيدا للمطلوب، ففيه: أنّ نحو تحقّق هذا الأمر الانتزاعي ثابت من الأزل؛ فإنّ من معلومات الباري تعالى كون زيد مثلا سيولد ويكثر ويفعل كذا وكذا، فلا يكون مستندا إلى اختيار المكلّف فيمتنع أخذه قيدا للمطلوب، نعم الامور الانتزاعيّة التي تتحقّق بعد تحقّق منشأ انتزاعها كالفوقيّة والتحتيّة بالنسبة إلى جعل الهيئة الخاصّة وكالاتّصال والانفصال بالنسبة إلى الوصل والفصل تكون مقدورة بالواسطة.
وأمّا كون الايصال الخارجي قيدا للطلب فهو أوضح فسادا من أن يخفى؛ فإنّ مرجع التكليف على هذا يصير إلى أنّه: إذا أتيت بالمقدّمة وذيها فأت بالمقدّمة
وأمّا كون الإيصال الخارجي قيدا للمطلوب ففيه ثلاثة إشكالات:
الأوّل: يلزم أن لا تقع الصلاة مثلا مع الطهارة أبدا؛ وذلك لأنّ الطهارة من آثار امتثال الأمر بالوضوء وهو لا يحصل إلّا بعد الإتيان بالصلاة؛ لأنّ الموصليّة في الخارج التي هي قيد المطلوب لا تحصل إلّا بإتيانها.
ثمّ وجود الطهارة بعد الصلاة أيضا مستلزم للدور؛ لأنّ صحّة الصلاة متوقفة على وجود الطهارة كما هو واضح، وعلى هذا الفرض يكون وجود الطهارة أيضا متوقّفا على صحّة الصلاة، لأنّ قيد الموصليّة الخارجيّة لا يحصل إلّا بترتّب الصلاة الصحيحة على الوضوء مثلا.
الثاني: يلزم تعلّق التكليف المقدّمي بذي المقدّمة؛ وذلك لأنّ الموصليّة في الخارج التي هي قيد المطلوب يتوقّف على وجود ذي المقدّمة، فيجب إتيانه تحصيلا لهذا القيد، فيلزم أن يكون الواجب النفسي واجبا مقدّميا لمقدّمته، وهذا وإن كان لا يمتنع عقلا لكنّه ممّا يضحك به الثكلى.
الثالث: توضيحه يتوقّف على مقدّمة وهي: أنّ كلّ قيد له دخل في المطلوب لا يمكن عقلا أن يكون خارجا من قسمين، الأوّل: أن يكون أخذه لأجل أنّ المصلحة لا يحصل بدونه كما في أخذ وصف الإيمان في الرقبة المأمور بعتقها، الثاني: أن يكون لا لأجل هذا، بل لأجل غرض آخر كالجمع بين غرضي الآمر كما في المقدّمة إذا تردّدت بين الحرام وغير الحرام؛ فإنّ تقييد الوجوب حينئذ بالمقدّمة المباحة ليس لأجل دخل هذا القيد أعني وصف الإباحة في مقتضى الوجوب أعني المقدّميّة؛ لوضوح اشتراك الحرام مع المباح في المقدّميّة، بل إنّما هو لأجل الجمع بين غرضي الآمر.
وكما في الصلاة في الأرض الغصبيّة على القول بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي؛ فإنّ الحكم بفسادها وتقييد الوجوب بالصلاة في الأرض المباحة ليس لأجل دخل هذا القيد أعني: إباحة المكان في حصول المصلحة الصلاتيّة، كما هو الحال في قيد الطهارة؛ ضرورة اشتراك الصلاة معه والصلاة بدونه في وجدان تلك المصلحة، فالموجب للتقييد هو الجمع بين الغرضين؛ ولهذا يجب إعادة الصلاة مع نسيان الطهارة ولا يجب مع إيقاعها في المكان الغصبي نسيانا.
إذا تقرّر ذلك فنقول فيما نحن فيه: إنّ أخذ قيد الإيصال الخارجي في مطلوبيّة المقدّمة لا بدّ وأن يكون إمّا لأجل دخله في اقتضاء المقتضي، وإمّا لأجل غرض آخر، والمفروض عدم غرض آخر في البين؛ لأنّ محلّ الكلام ما إذا لم يكن في البين سوى المقدّمة وذيها، فيتعيّن أن يكون لأجل دخله في اقتضاء المقتضي وإلّا لزم لغويّته.
وحينئذ فنقول: المقتضي لوجوب المقدّمة ليس إلّا المقدّميّة وتوقّف الواجب النفسي عليها، ودخل القيد المذكور في المقدّميّة مستلزم للدور؛ لأنّ وجود ذي المقدّمة يتوقّف على وجود المقدّميّة وتحقّقها كما هو واضح، فلو كان وجود المقدّميّة متوقّفا على الإيصال الذي هو في معني وجود ذي المقدّمة لزم الدور.
ويمكن الذبّ عن الكلّ،
أمّا عن الأوّل فبإمكان أن تكون الطهارة أثرا لجزء المطلوب أعني الغسلتين والمسحتين مثلا لا لامتثال تمام المطلوب،
وأمّا عن الثاني فبأنّه مجرّد استبعاد لا يعتنى به في مقابل حكم الوجدان باعتبار قيد الإيصال.
وأمّا عن الثالث فبالتزام أنّ أخذ قيد الإيصال يكون لأجل دخله في اقتضاء المقتضي، لكن نقول: إنّ المقتضي لوجوب المقدّمة على حسب مدّعى هذا القائل هو المقدّميّة ووصف الإيصال معا، لا المقدّميّة فقط كما هو مدّعى غيره، وبالجملة، فجعل المقتضي هو المقدّميّة فقط ثمّ الإشكال بلزوم الدور ذهول عن مدّعى القائل المذكور.
فينحصر وجه بطلان هذا الوجه الأخير في أنّ الوجدان حاكم بأنّ المقتضي لوجوب المقدّمة ليس إلّا المقدّميّة والتوقّف؛ إذ على هذا لا محيص عن إشكال الدور أو اللغويّة كما عرفت، ومن هنا يتّضح فساد القول باعتبار قصد الإيصال؛ فإنّ اعتباره بعد وضوح عدم مدخليّته في المقدّميّة وعدم غرض آخر في البين لغو.
فقد تلخّص ممّا ذكرنا أنّ التقييد بالإيصال غير ممكن على بعض الوجوه، وخلاف الوجدان على بعض آخر، لكنّ القول بأنّ ذات المقدّمة على وجه الإطلاق مطلوبة أيضا غير ممكن؛ لعدم إمكان الإطلاق بعد عدم إمكان التقييد، وأيضا الوجدان حاكم بأنّ المقدّمة المنفردة غير مطلوبة، فاللازم اختيار وجه لم يخالف هذا الوجدان مع سلامته عن إشكالات التقييد بالإيصال.
وهو بأن يقال: إنّ الآمر والطالب يلاحظ ذوات مقدّمات مطلوبه بدون تقييدها بالإيصال، ولا على وجه الإطلاق، بل على وجه الإهمال، لكنّها متّصفة في ذهنه بترتّب بعضها على بعض وعدم انفكاك البعض عن البعض المستلزم للإيصال إلى ذيها، فالطلب يتعلّق بالذات المهملة لكن في ظرف ترتّب البعض على البعض، وهذا يوجب أن لا يتّصف بالمطلوبيّة في الخارج إلّا المقدّمة التي يرتّب عليها وجود ذيها؛ لأنّها المنطبقة على ما في ذهن الآمر، وأمّا المقدّمة المنفردة فهي مضادّة له في وصف الانفراد وإن كانت مصداقا للذات المهملة.
والحاصل أنّ الطلب يتعلّق في الحقيقة بالمقيّد بالإيصال، وإن لم يكن الملحوظ إلّا الذات المهملة فلا حاجة إلى التقييد، لحصول القيد لبّا، فهذا نظير الأعراض الذهنيّة المتقوّمة باللحاظ الخاصّ كعرض الكليّة؛ فإنّه يعرض على الطبيعة في ظرف التجريد لكن مع قطع النظر عن وصف تجريده؛ إذ لو لوحظ معها هذا الوصف باينت الخارجيّات ومع ذلك لا يسري منها الكليّة إلى الأفراد لما هي عليه من الاحتفاف بالخصوصيّات وعدم الاتّصاف بالتجريد، ولازم هذا الوجه عدم حصول امتثال الأمر بالمقدّمة إلّا مقارنا لحصول امتثال الأمر بذيها.
ويشهد لما ذكرنا أنّ المقدّمات العباديّة المعتبر وقوعها على وجه العباديّة كالوضوء قد اتفق الكلّ على أنّه يعتبر فيها إتيانها بقصد غاية من الغايات التي تطلب هي لأجلها، مع أنّه لو كان الأمر متعلّقا بذات المقدّمة بأيّ وجه اتفقت لكفى في عباديّتها الإتيان بها بداعي الأمر المقدّمي بها ولو مع العزم على عدم إتيان ذيها.
وأمّا على ما ذكرنا فطريق حصول القرب بها وجعلها عبادة هو أن يقصد بإتيانها التّوصل إلى غاية من غاياتها، وحينئذ فإن اتّفق عدم التوصّل حصل القرب من باب الانقياد وإن لم يحصل امتثال تمام المطلوب، وعلى هذا فنقول: إنّ الطهارة تحصل بالغسلتين والمسحتين مع اقترانها بحصول القرب ولو من باب الانقياد.
ويتفرّع على هذا الوجه أنّه بناء على القول بكون ترك أحد الضدّين مقدّمة لوجود الآخر يرتفع إشكال اجتماع الضدّين في العبادة الموسّعة المزاحمة بواجب مضيّق لو كانت مطلوبة، فإن ترك الصلاة مثلا إنّما يطلب مقدّمة للإزالة إذا ترتّب عليه فعل الإزالة، وأمّا الترك المنفرد عنها فليس محبوبا، فلا يمتنع أن يصير مبغوضا، ففعل الصلاة بالإضافة إلى الترك المتوصّل به مبغوض لا محالة، وأمّا بالإضافة إلى الترك الغير المتوصّل به فيمكن أن يصير مطلوبا من دون أن يلزم اجتماع الضدّين.
نعم يبقى إشكال التكليف بما لا يطاق اللازم من اجتماع الأمر بالصلاة والأمر بالإزالة في زمان واحد، فيدفعه بأنّ الأمر بالإزالة متوجّه على وجه الإطلاق، وبالصلاة متوجّه مشروطا بترك الإزالة، واجتماعهما بهذا النحو لا يقتضي الجمع بينهما.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|