المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8222 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

تصور الفقه الجنائي لطبيعة البراءة
24-3-2016
Prosodic features of Australian and New Zealand English
2024-06-27
نبات السيكلامن
2024-08-11
التحام الجيشين في حرب الجمل.
2023-10-22
آثار عقد النقل في نقل الشيء
10-3-2016
إسماعيل بن بشار البصري.
8-10-2020


الإستصحاب الكلّي  
  
1409   07:13 صباحاً   التاريخ: 20-5-2020
المؤلف : الشيخ محمد علي الأراكي
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج‏2، ص: 314
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / الاستصحاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016 889
التاريخ: 23-8-2016 810
التاريخ: 26-5-2020 1392
التاريخ: 1-8-2016 1003

من جملة أقسام الاستصحاب ما كان المستصحب فيه كليّا، وهذا القسم له ثلاثة أقسام.

 

الأوّل: أن يكون الشكّ في الكلّي منشائه الشكّ في بقاء الفرد، كما لو كان الزيد موجودا في الدار فشكّ في بقائه فيها فشكّ في بقاء الانسان من جهته.

الثاني: أن يكون الشكّ في بقاء الكلّي منشائه تردّد الفرد الموجود بين القصير والطويل وانقضاء الزمان الذي بعده يزول الفرد القصير، كما لو كان الموجود في الدار مردّدا بين البقّ والفيل ومضى الزمان الذي يبقى البقّ بمقداره فيشكّ في بقاء الحيوان لذلك.

والثالث: أن يكون الشكّ في الكلّي منشائه الشكّ في وجود فرد آخر مع الفرد المتيقّن أوّلا أو مقارنا لارتفاعه، كما لو كان الزيد موجودا في الدار فعلم بخروجه منها واحتمل وجود عمر ومعه من الأوّل أو دخوله مقارنا لخروجه فيشكّ في عدم خلوّ الدار عن الإنسان من جهة ذلك.

أمّا القسم الأوّل فلا إشكال في تحقّق الشكّ في بقاء الكلّي بواسطة الشكّ في بقاء الفرد، كما أنّه يتحقّق القطع بحدوث الكلّي بواسطة القطع بحدوث الفرد، وحينئذ فلا إشكال في استصحاب الكلّي لو كان هناك أثر مترتّب على الكلّي، فلو كان أثر وجود الإنسان في الدار وجوب صلاة ركعتين فلا مانع من استصحاب الإنسان عند الشكّ في بقائه بواسطة الشكّ في بقاء زيد بملاحظة هذا الأثر.

وهل يكتفي بهذا الاستصحاب في ترتيب الأثر المترتّب على الخصوصيّة؟ فلو كان لخصوص وجود زيد في الدار أثر كوجوب التصدّق بدرهم، فهل يكتفي باستصحاب الانسان لترتيب هذا الأثر، أو لا بدّ في ترتيبه من استصحاب آخر في نفس الجزئي؟ الحقّ هو الثاني، ووجهه أنّه وإن كان بقاء الكلّي في الواقع لا يمكن إلّا مع بقاء الفرد الخاصّ لمكان الاتحاد بينهما في الخارج بحسب الفرض، فلا يمكن الانفكاك بينهما في الخارج، ولكنّ التفكيك بينهما بحسب التعبّد ممكن، فلا ملازمة بين التعبّد بآثار الإنسان وبين التعبّد بآثار الزيد، فالأصل الدالّ على الأوّل لا يدلّ على الثاني. إلّا بالأصل المثبت، فلا بدّ في ترتيب أثر الجزئي من استصحاب آخر في نفس الجزئى وهل يكتفى بهذا الاستصحاب في ترتيب الأثر المترتّب على الكلّي؟

التحقيق أنّ هنا صورتين.

الاولى: أنّ ترتّب الأثر على الكلّي على وجه الاستغراق لتمام وجوداته الخاصّة بحيث كان الأثر غير منفكّ عن شي‏ء من وجوداته، وذلك كقولنا: اكرم العالم فإنّ معناه أن وجوب الإكرام لا ينفكّ عن شى‏ء من وجودات العالم، ففي هذه الصورة يكتفى باستصحاب الخاص لترتيب الأثر المترتّب على الكلّي، ووجهه أنّ وجود الخاص حينئذ ذو أثرين، أحدهما حاصل من ناحية نفس الخاص، والآخر من ناحية الكلّي، فالزيد مثلا ثبت له حكمان، أحدهما من جهة أنّه زيد، والآخر من جهة أنّه عالم، فاستصحاب وجوده كاف لإثبات كلا أثريه.

ومن هنا شاع استصحاب وجود الزيد مثلا لترتيب أحكام الزوجية مع أنّه لم يرتّب هذه الأحكام في دليل من الأدلّة على عنوان الزيد، بل على عنوان الزوج.

الصورة الثانية أنّ ترتّب الأثر على الكلّي بلحاظ صرف الوجود الغير القابل للوحدة والتعدّد، كما لو كان الأثر لوجود الإنسان بالمعنى الذي لا يتفاوت فيه القليل والكثير والزيد والعمرو والبكر وغيرهم، ففي هذه الصورة لا يكتفى باستصحاب الخاص لترتيب أثر الكلّي، وجهه أنّه وإن كان بقاء الجزئي في الخارج ملازما لبقاء الكلّي فيه، ولكن حيث إنّهما ينحلّان في ظرف التحليل إلى‏ أمرين متغايرين، وفي هذه الملاحظة يقع الكلّي محلّا للعرض فلا وجه لسراية عرضه هذا إلى الجزئي، بل يصحّ سلب الأثر عن الجزئي فيقال: إنّ الأثر لوجود الإنسان لا للزيد والعمرو والبكر.

والفرق بين هذه الصورة والصورة الاولى أنّ الكلّي في الصورة الاولى عبرة للوجودات الخاصّة، فالوجودات الخاصّة ملحوظة إجمالا وتكون هي الموضوع للأثر في الحقيقة، والكلّي جهة تعليليّة، وأمّا في الصورة الثانية فالكلّي ملحوظ على وجه الاستقلال بحيث يمكن أن تكون الوجودات الخاصّة مغفولا عنها بالمرّة، وغير ملتفت إليها رأسا، وهذا المعنى قد ينطبق على الزيد دون غيره، وقد ينطبق على العمر ودون غيره، وقد ينطبق على غيرهما، وقد ينطبق على القليل، وقد ينطبق على الكثير، فكيف يكون الأثر المترتّب على هذا المعنى مضافا إلى الزيد مثلا؟ وهذا بخلاف الحال في الصورة الاولى؛ فإنّ كلّ مصداق لوجود الكلّي اشير إليه يكون ملحوظا اجمالا، فيكون واجدا لأثر من جهة إضافته إلى الكلّي، ولأثر آخر من جهة إضافته إلى الفرد.

وأمّا القسم الثاني فالاستصحاب الكلّي فيه صورتان.

الاولى: أن يكون الشكّ في بقاء الكلّي من جهة الشكّ في المقتضي، والثاني:

أن يكون من جهة الشكّ في الرافع، فالأوّل كالمثال المعروف من تردّد الحيوان الموجود في الدار بين البقّ والفيل ومضى زمان ينقضي اعداد عمر البقّ بمضيّه؛ فإنّ الشكّ في بقاء أصل الحيوان بعد القطع بحدوثه يكون ناشئا من الشكّ في أنّ المقتضي لوجود أصل الحيوان هل يكون له استعداد البقاء إلى هذه الحال أولا؟.

والثاني كما لو خرج من المتطهّر من الحدثين رطوبة مردّدة بين البول والمني فأتى برافع أحدهما، فإنّ الشكّ في بقاء أصل الحدث بعد القطع بأصل حدوثه يكون ناشئا من الشكّ في أنّ الحدث الموجود هل هو ممّا يكون رافعه هذا المأتيّ به، أو أنّ له رافعا آخر، مع القطع بأنّ المقتضي لوجوده لو لا وجود الرافع حاصل على أيّ حال، لكن كون هذا المثال من موارد استصحاب الكلّي مبنيّ على القول‏ بأنّ الأثر وهو عدم جواز الدخول في الصلاة إلّا بعد إيجاد الرافع يكون لمطلق الحدث، والأثر المجعول لموجبات الأصغر تعيين هذا الرافع في الوضوء، ولخصوص موجبات الأكبر تعيينه في الغسل.

وأمّا إن قلنا بأنّ الحكم من الابتداء قد قسّم في الأدلّة على قسمين، فجعل عدم جواز الدخول في الصلاة إلّا بعد الوضوء أثرا لموجبات الأصغر، وعدمه إلّا بعد الغسل أثرا لموجبات الأكبر، غاية الأمر أنّ علّة تشريع هذا الحكم إيجاب تلك الموجبات للحدث، وإيجاب الوضوء والغسل لرفعه، فلا محلّ لاستصحاب الكلّي في هذا المثال رأسا؛ لعدم الأثر للكلّي، وإنّما هو لأفراده.

فهذا نظير ما إذا قال المولى: يجب عليك شرب السكنجبين أو شرب ماء الرمّان؛ فإنّ الأثر الذي هو الوجوب يكون لنفس هذين الخاصّين لا لما هو منطبق عليهما ويكون علّة لتشريع حكمها وهو عنوان المزيل للصفراء، فهنا أيضا الموضوع هو الحدث الأصغر بخصوصيّته، والحدث الأكبر كذلك، والحكم وجوب الوضوء ووجوب الغسل، لا أنّ الموضوع هو الحدث والحكم وجوب رفعه، كما أنّ الأمر كذلك بحسب ملاك التشريع.

وكيف كان فلا إشكال في جريان استصحاب الكلّي في القسم الثاني، ولا يضرّ تردّده بين ما هو مقطوع العدم في الحال وهو الفرد القصير، وبين ما هو مشكوك الحدوث وهو الفرد الطويل بعد فرض تحقّق القطع بالحدوث والشكّ في البقاء في نفس الكلّي.

فتحقّق أنّ الإشكال في هذا الاستصحاب من جهة اختلال الأركان غير وارد، وكذلك من جهة أمر خارج لو كان الإشكال كون مورده الشكّ في المقتضي.

بقي إشكال اخرى قد تعرّض لها بعض السادة من أساتيد العصر أدام اللّه تعالى أيّام إفادته في حاشيته على المكاسب، فإنّه قد تمسّك شيخنا المرتضى في بحث بيع المعاطاة على لزوم المعاطاة وعدم فسخها برجوع أحد المتعاطيين إلى ملكه الأصلي باستصحاب الملكيّة السابقة، ثمّ استشكل على نفسه بأنّها مردّدة بين‏ الملك اللازم والجائز، والملك اللازم مشكوك الحدوث، والجائز مقطوع العدم بعد الرجوع، فأجاب أوّلا بأنّ اللزوم والجواز من أحكام الملك، لا من أقسامه، وثانيا بعد تسليم كونهما من أقسامه بأنّه يكفي استصحاب القدر المشترك في إثبات اللزوم.

فعند ذلك ذكر المحشّي دام ظلّه بأنّ الحقّ عدم الكفاية وعدم الجريان، وعلّله بأنّ عدم الكلّي مسبّب عن عدم حدوث الفرد الطويل، فأصالة عدم الفرد الطويل لكونه أصلا في السبب حاكم على أصالة بقاء الكلّي، لكونه أصلا في المسبّب، فحال الأصل الأوّل بالنسبة إلى الثاني حال أصالة الطهارة في الماء بالنسبة إلى استصحاب النجاسة في الثوب المغسول به.

وهذا الإشكال وإن نبّه عليه شيخنا المرتضى في الاصول وأجاب عنه بأنّ ارتفاع القدر المشترك من آثار كون الحادث هو الفرد القصير، لا من لوازم عدم حدوث الفرد الطويل، نعم من لوازمه عدم وجود ما هو في ضمنه من القدر المشترك في الزمان الثاني، نعم لازم عدم حدوث الفرد الطويل بحسب الواقع حدوث التقصير ولازمه ارتفاع القدر المشترك وليس هذا إلّا أصلا مثبتا، لكن ما ذكره مدفوع بأنّ الأثر لا يناط في الأدلّة على عنواني البقاء والارتفاع، وإنّما هو منوط على الوجود والعدم.

فالآثار ثابتة لوجود الطهارة والنجاسة ولوجود الحدث وعدمه؛ لا لبقائهما وارتفاعهما بما هما بقاء وارتفاع.

والحاصل تارة يكون مطلوبنا إثبات أحد من عنواني البقاء والارتفاع بالأصل، فلا بدّ لنا من أصل أفاد كون القدر المشترك باقيا أو مرتفعا، ولا شكّ أنّ أصالة عدم حدوث الطويل غير مفيد لا للبقاء كما هو واضح، ولا للارتفاع، بل لعدم وجود القدر المشترك في ضمنه في الزمان الثاني، واخرى يكون مطلوبنا إحراز وجود القدر المشترك وعدمه، غاية الأمر ينطبق على الوجود في الزمان الثاني اتّفاقا عنوان البقاء، وعلى العدم فيه عنوان الارتفاع، لكن ليسا بدخيلين في موضوع الحكم.

وحينئذ يكفي لنا الأصل المحرز لوجود القدر المشترك في الزمان الثاني أو عدمه وإن لم يمكننا إحراز البقاء والارتفاع، ولا يخفي أنّ أصالة عدم حدوث الفرد الطويل يثبت عدم وجود القدر المشترك في ضمنه في الزمان الثاني، والمفروض القطع بانعدام الفرد القصير، فيكون الحاصل من مجموع ما احرز بالأصل والوجدان عدم القدر الجامع في الزمان الثاني.

نعم هذا إنّما يتمّ فيما إذا كان الجامع من الأحكام الشرعيّة، وأمّا لو كان من الموضوعات الواقعيّة الغير الشرعيّة كالحيوان فلا يتمّ ما ذكرنا، فإنّه بعد إحراز عدم القدر المشترك في ضمن كلّ من الطويل والقصير أحدهما بالأصل والآخر بالوجدان لا بدّ لنا من الحكم بانعدام الكلّي رأسا، وهذا أعني ترتّب عدم الكلّي على عدم الأفراد ترتّب عقلي، فيكون داخلا في الاصول المثبتة.

نعم لو فرضنا الكلّي حكما شرعيّا كالحدث تمّ فيه ما ذكرنا، مثلا لو نام واستيقظ وشكّ في الاحتلام، فالحدث الأصغر متيقّن الحدوث مشكوك البقاء، والأكبر مشكوك الحدوث، فالأصل وجود الأوّل وعدم الثاني، فيحكم عليه بوجوب الوضوء، ثمّ بعد الوضوء نقول: ارتفع الأصغر جزما بالوضوء، والجنابة أيضا لم يتحقّق بالأصل، فكلّي الحدث غير متحقّق في هذا الشخص، فيجوز له الدخول في الصلاة، وسرّ ذلك أنّ ترتّب وجود هذا الكلّي على وجود أحد الأفراد، وعدمه على عدمها مستفاد من بيان الشرع؛ فإنّ الأثر ليس للحدث بعنوان كونه جامعا وكليّا حتّى يقال: إنّ الحاكم هو العقل، غاية الأمر أنّه الصغرى بيد الشرع.

ولا يخفي أنّ العقل لا يعلم أنّ الحدث بم يتحقّق وفيم ينعدم، فإذا حكم الشارع بانحصار موارد وجوده في شيئين مثلا فهذا عبارة اخرى عن الحكم بعدم الحدث عند عدمهما ولو لم يبيّن الشرع الانحصار لكان جائزا عند العقل وجود فرد آخر كان لهذا الكلّي، فلم يمكنه الحكم بعدم الحدث فافهم.

ثمّ استشكل المحشّي على نفسه بأنّ أصالة عدم حدوث الفرد الطويل معارضة بأصالة عدم حدوث الفرد القصير، وذلك لأنّ كليها مسبوق بالعدم، فإذا سقط الأصل في طرف السبب بالمعارضة بالمثل، يبقى الأصل في طرف المسبّب وهو أصالة بقاء الكلّى سليما عن المعارض، فأجاب عنه بأنّ أصالة عدم القصير غير جارية؛ لعدم الأثر له شرعا؛ فإنّ عدم الكلّى ووجوده في الزمان المتأخر مسبّب عن عدم الفرد الطويل ووجوده، وأمّا الفرد القصير فهو مقطوع العدم بالفرض، هذا حاصل ما ذكره دام ظلّه.

أقول: بعد تصوير أصل السببيّة والمسببيّة بين الفرد والكلّى مع ما بينهما من الاتّحاد في الوجود الخارجي- بأنّهما في لحاظ التحليل متغايران متباينان والسببيّة والمسببيّة تعرضان لهما في هذا اللحاظ، وبعد فرض محلّ الكلام في الجوامع الشرعيّة من مثل الملكيّة والطهارة والحدث، وأمّا في الجوامع الغير الشرعية كالحيوان ونظائره فلا يتمّ إثبات عدم الكلّي بأصالة عدم الفرد الطويل إلّا بالأصل المثبت كما اعترف هو دام ظلّه به- يرد على ما ذكره من عدم جريان استصحاب الكلّي في القسم الثاني في خصوص الجوامع الشرعيّة.

أوّلا: أنّ نفي الكلّي حدوثا مسبّب عن عدم كلا فرديه، كما أنّ وجوده كذلك مسبّب عن وجود أحدهما، فالفرد القصير والطويل بالنسبة إلى هذا الأثر الذي هو نفي الكلّي حدوثا كلاهما ذو أثر، فيتساقط أصلا عدمهما بالمعارضة، وأمّا نفي الكلّي بقاء فهو مسبّب عن كون الحادث هو الفرد القصير، كما أنّ وجوده كذلك مسبّب عن كون الحادث هو الطويل، وحيث لا أصل في طرف السبب تعيّن أحد الأمرين ويبقى الأصل في طرف المسبّب سليما عن المزاحم، ولعلّه إلى ذلك يشير كلام شيخنا المرتضى قدّس سرّه.

وثانيا: أنّه بعد تسليم أنّ عدم الكلّي في الزمان المتأخّر من آثار عدم الطويل فقط، فعدم جريان استصحاب الكلّي ليس على إطلاقه، بل الحقّ أنّ هنا ثلاث صور.

الاولى: أن لا يكون لشي‏ء من الفرد القصير والطويل أثر آخر غير أثر نفي الكلّي، والثانية: أن يكون لكلّ منهما أثر آخر غيره، ويكون أثراهما كعمريهما قصيرا وطويلا، فيكون أثر قصير العمر قصيرا وأثر طويل العمر طويلا، والثالثة: أن يكون لكلّ منهما أثر آخر مباين للأثر الثابت للآخر.

ففي الصورة الاولى عدم معارضة أصالة عدم الطويل بأصالة عدم القصير مسلّم، لعدم الأثر الشرعي لعدم القصير بالفرض، وكذلك في الصورة الثانية كما لو تردّد نجاسة الثوب بين نجاسة الدم المحتاجة إلى الغسل مرّة، وبين نجاسة البول المحتاجة إلى الغسل مرّتين، فإنّ وجوب الغسل مرّة حينئذ متيقّن على أىّ حال، وإنّما الشكّ في وجوب الغسلة الثانية، فأصالة عدم النجاسة بالدم غير جارية؛ لعدم الأثر الشرعي لها، فيبقى أصالة عدم النجاسة بالبول سليمة عن المعارض.

والسببيّة والمسببيّة في النجاسة والحدث غير مبتنية على السببيّة والمسببيّة بين الكلّي والفرد؛ فإنّ الأشياء الخاصّة أسباب لحصول الحدث وملاقاة الامور العشرة أسباب لحصول النجاسة بلا كلام.

ثمّ القول بأنّ أصالة عدم الملاقاة بالدم لا أثر لها لتيقّن وجوب الغسل مرّة مخدوش؛ إذ ليس من أثر هذا الأصل عدم وجوب الغسل مرّة بالمرّة، بل من جهة النجاسة الدميّة، أ لا ترى أنّه في الشبهة البدويّة ليس من أثر هذا الأصل عدم نجاسة المحلّ بالمرّة، بل المكلّف بعد القطع بعدم ملاقاة سائر الامور وتكفّل هذا الأصل لعدم ملاقاة الدم يحكم بعدم مطلق النجاسة.

وحينئذ فالعدم من جهة لا ينافي أصل الثبوت الذي هو المتيقّن، فتكون أصالة عدم القصير مطلقا جارية ومعارضة لأصالة عدم الطويل، فيبقى استصحاب أصل النجاسة الذي هو الأصل المسبّبي سليما عن الحاكم، فافهم واغتنم.

وأمّا في الصورة الثالثة كما لو كان أثر الحدث الأصغر في المثال المتقدّم وجوب التصدّق بدرهم، وأثر الأكبر وجوب الصوم، فأصالة عدم الطويل معارضة بأصالة عدم القصير بالنسبة إلى هذين الأثرين المتباينين، فإذا سقط أصالة عدم الطويل بالنسبة إلى هذا الأثر تسقط بالنسبة إلى أثره الآخر الذي هو نفي الكلّي، فإنّ وجه عدم إمكان العمل بكلا الأصلين لزوم المخالفة القطعيّة، وبعد رفع اليد عن العمل بكليهما يدور الأمر بين حفظ أصالة عدم الطويل في أثر نفي الكلّي مع طرحها في أثرها الآخر، وطرح أصالة عدم القصير في أثرها، وبين حفظ أصالة عدم القصير في أثرها مع طرح أصالة عدم الطويل في كلا أثريها، وبين حفظ أصالة عدم القصير في أثرها وحفظ أصالة عدم الطويل في أثر نفي الكلّي مع طرحها في أثرها الآخر، وترجيح واحد من هذه الثلاثة على الباقى ترجيح بلا مرجّح.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ استصحاب الكلّي القسم الثاني في الجوامع الغير الشرعيّة جار بلا إشكال، وكذلك في الجوامع الشرعيّة مطلقا، بناء على استواء أصالة عدم الطويل وأصالة عدم القصير في أثر نفي الكلّي وفي خصوص ما إذا كان لكلّ منهما أثر مباين لأثر الآخر بناء على عدم الاستواء.

وأمّا القسم الثالث فإمّا أن يكون الشكّ في بقاء الكلّي مستندا إلى احتمال وجود فرد آخر مقارنا لوجود الفرد المعلوم الحال، كما لو علم بوجود زيد في الدار وخروجه عنها، ولكن احتمل وجود عمرو معه فيها وبقاؤه فيها بعد خروج زيد إلى الآن.

وإمّا أن يكون الشكّ فيه في بقاء الكلّي مستندا إلى احتمال حدوث فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه، وهذا على قسمين؛ لأنّ الفرد الآخر إمّا مباين للفرد المعلوم الحدوث والارتفاع، كما لو علم بوجود زيد في الدار وخروجه منها، ولكن احتمل دخول عمرو فيها مقارنا لخروج زيد، وإمّا مرتبة ضعيفة للفرد المعلوم حاله، وهو مرتبة شديدة للفرد الآخر، فيحتمل تبدّل الشديد بالضعيف، كما لو علم بوجود السواد الشديد وزواله بوصف الشدّة، ولكن تردّد الأمر بين زواله بالمرّة، أو تبدّله بالسواد الضعيف.

وكيف كان فقد ذهب شيخنا المرتضى إلى جريان الاستصحاب في الصورة الثاني من القسم الثاني وعدم جريانه في الصورة الاولى منه.

وحاصل ما يستفاد من كلامه قدّس سرّه في تقريب ذلك أمّا في وجه الجريان في الثاني فهو أنّ الشدّة والضعف عند العرف من عوارض الموضوع، فالشديد المتبدّل بالضعيف متّصلا من دون تخلّل عدم في البين يراه العرف أمرا واحدا مستمرّا قد تبادل فيه الحالتان، فهو كالماء الزائد إذا صار ناقصا، حيث أنّه عندهم أمر واحد مستمرّ قد تبادل فيه الزيادة والنقصان.

نعم بالدقّة العقليّة، الشديد بمرتبته موضوع مغاير للضعيف كذلك، والزائد بمرتبته موضوع مغاير للناقص كذلك، ولكن الاعتبار في باب الاستصحاب بالمسامحة العرفيّة لا بالمداقّة العقيلة، فيجوز استصحاب الوجود ولو كان الشديد معلوم العدم والضعيف مشكوك الحدوث، كما يجوز استصحاب الكريّة مع العلم بانتفاء الزائد وحدوث الناقص.

وأمّا في وجه عدم الجريان في الأوّل فهو أنّ المعتبر في باب الاستصحاب أن يكون الشكّ متعلّقا بنفس المتيقّن سابقا؛ إذ بدونه لا يصدق الشكّ في البقاء، والمتيقّن سابقا في المقام وجود الإنسان مثلا في ضمن الزيد، والمشكوك لا حقا وجوده في ضمن عمرو، ومتعلّق كلّ من اليقين والشكّ غير متعلّق الآخر، فلا يصدق تعلّق الشكّ ببقاء موضوع اليقين، بل بوجود موضوع آخر، هذا ما يستفاد من كلماته قدّس سرّه.

والحقّ جريان الاستصحاب في هذا القسم أيضا وأنّه يصدق تعلّق الشكّ بالبقاء، وذلك لأنّ خصوصيّة الفرد غير ملحوظة في استصحاب الكلّي بالفرض، وقد عرفت أنّ تعلّق الحكم بالطبيعة الكليّة يتصوّر على نحوين، الأوّل أن يكون باعتبار الوجود الساري، والثاني أن يكون باعتبار صرف الوجود، وفي القسم الأوّل يكون الموضوع في الحقيقة هو الأفراد، غاية الأمر من طريق انطباق الكلّي عليها، فاستصحاب الكلّي الغير الملحوظ فيه خصوصيّات الأفراد لا يتمّ إلّا في القسم الثاني الذي يكون الموضوع فيه نفس الكلّي من دون دخالة للأفراد.

وحينئذ نقول: إنّ وجود الإنسان باعتبار صرف الوجود يصدق أنّه باق، ولا يتفاوت الحال في ذلك بين أن يكون المحقّق له فردا واحدا أو أفرادا متعدّدة بأن يكون المحقّق لحدوثه فردا ولبقائه فردا آخر، أ لا ترى أنّه يصحّ أن يقال: إنّ نوع الإنسان باق من أوّل زمان خلقة آدم عليه السلام إلى زماننا هذا، مع كثرة تبدّل الأفراد والأشخاص حسب اختلاف القرون والأعصار؟، هذا.

مع أنّه لا دليل على اعتبار الشكّ في البقاء في باب الاستصحاب؛ إذا الدليل على حجيّة الاستصحاب وهو أخبار عدم نقض اليقين بالشكّ لا إشعار فيه باعتبار ذلك، نعم يستفاد منه اعتبار وحدة متعلّق اليقين والشكّ بحسب الذات، وهذا المعنى متحقّق في المقام قطعا؛ فإنّ اليقين بوجود زيد سابقا يقين بوجود الإنسان قطعا، والشكّ في وجود عمرو في اللاحق شكّ في وجود الإنسان بلا إشكال، فقد صدق اتّحاد متعلّقي اليقين والشكّ سواء صدق الشكّ في البقاء أم لا، ولهذا نقول بجريان الاستصحاب في الامور التدريجيّة الغير القارّة التي توجد فتوجد، من دون أن يكون لها بقاء حتّى يتعلّق الشكّ ببقائها، فيستصحب جريان الماء وحركة الزيد وتكلّمه وغير ذلك.

ومن هنا يظهر ما في تفصيل شيخنا المرتضى بين القسم الأوّل من القسم الثالث وهو ما إذا احتمل وجود عمرو مقارنا لوجود زيد، وبين القسم الثاني منه، وهو ما إذا احتمل وجود عمرو مقارنا لذهاب زيد بالجريان في الأوّل وعدمه في الثاني.

وحاصل تقريبه أنّه لا بدّ من تعلّق البقاء بالأمر الخارجي، فلا بدّ من تعلّق الشكّ ببقاء أمر في الخارج، ومن المعلوم أنّ قضيّة ذلك أن يكون في البين أمر واحد خارجي، وهذا مفقود في القسم الثاني، والجامع وإن كان واحدا لكنّه تعرضه الجامعيّة والوحدة في الذهن عند التعرية من الخصوصيات لا في الخارج، وموجود في القسم الأوّل كما هو واضح.

وفيه أنّ الجامع الذي ينتزعه العقل من الأفراد ويجرّده عن الخصوصيّات يكون موجودا بعينه وذاته في الخارج، غاية الأمر على نحو الاندكاك في‏ الأفراد، لا على نحو الاستقلال كما في الذهن، والعرف أيضا قد يرى الأثر لهذا الأمر المجرّد في بعض الأحيان، فيرى رفع العطش من آثار نفس الماء من غير دخل لخصوصيّة الكون في آنية مخصوصة في ذلك.

وكذلك قد يرى الصلاح في صرف وجود الإنسان في الدار من غير فرق بين الواحد والمتعدّد والشخص الخاصّ في ذلك، وهذا المعنى لا ينثلم وحدته بتبدّل الأفراد المتعدّدة، فلو دخل الزيد في الدار في اليوم الأوّل وخرج منها، وقارن خروجه دخول عمرو فيها في اليوم الثاني، صدق أنّ الدار لم تخل في هذين اليومين عن وجود الإنسان، فاليقين بذلك يقين بعدم الخلوّ المذكور، والشكّ فيه بعد اليقين بالوجود الأوّل شكّ في عدم الخلوّ، فإذا صدق الإبقاء بنظر العرف كفى ذلك في جريان الاستصحاب، مع أنّك عرفت عدم دليل على اعتبار البقاء في الاستصحاب، ومعه يصير الأمر أوضح كما ذكرنا.

نعم لا مجال لاستصحاب بقاء الكلّي إذا كان الحكم متعلّقا بالطبيعة السارية، بل المستصحب حينئذ عدم حدوث الفرد المشكوك حدوثه عند زوال الفرد الآخر، أو وجوده عند وجود الفرد الآخر، فإذا تلطّخ الثوب بالتراب المتنجّس ونفض المقدار المتيقّن وشكّ في بقاء شي‏ء منه، فلا بدّ من ملاحظة دليل مانعيّة المحمول المتنجّس في الصلاة وأنّ المستفاد منه مانعيّة صرف الطبيعة أو الطبيعة السارية.

وتظهر الثمرة فيما لو اضطرّ إلى حمل المتنجّس في الصلاة، فعلى الأوّل لا فرق بين القليل والكثير، وعلى الثاني يجب الاقتصار على مقدار الضرورة، فإن كان على الوجه الأوّل فيجب النفض في المثال ما دام الشكّ بمقتضى استصحاب بقاء الكلّي، وإن كان على الوجه الثاني لا يجب نفض الزائد على المقدار المتيقّن بمقتضى استصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك، فافهم ذلك واغتنم.

ومن هنا يظهر منع ما ذكره بعض الأساتيد قدّس سرّه من منع جريان الاستصحاب في كلا القسمين بتقريب أنّ وجود الطبيعي وإن كان بوجود فرده إلّا أنّ وجوده في ضمن أفراده متعدّدة ليس نحو وجود واحد له، بل وجود كلّ فرد منه نحو وجود له عقلا وعرفا، فإذا شكّ في أنّه في الزمان الأوّل كان موجودا بوجود واحد أو اثنين وفي ضمن فرد أو فردين لم يكن الشكّ في نحو وجوده، بل الشكّ في وجوده بنحو آخر غير ما علم من نحو وجوده، فما علم من وجوده فقد علم ارتفاعه، وما شكّ فيه فقد شكّ في أصل حدوثه، فاختل أحد ركني الاستصحاب فيه على كلّ حال، ومنه يظهر الحال في القسم الثاني، بل الأمر فيه أظهر.

وجه المنع أنّا لو أغمضنا عن الكلام الأوّل من عدم ابتناء صدق البقاء على عدم تعدّد أنحاء الوجود فلا محيص عن القول بجريان الاستصحاب في القسم الأوّل وعدم جريانه في القسم الثاني، كما ذكره شيخنا المرتضى قدّس سرّه، وذلك لتماميّة أركانه في القسم الأوّل وعدم تماميّتها في القسم الثاني، فإنّ القطع بوجود أصل الإنسان قد حصل بواسطة القطع بوجود الزيد، والشكّ في وجود عمرو في الزمان الثاني شكّ في بقاء أمر واحد خارجي واستمرار وجود واحد كذلك حقيقة، وبذلك يتمّ الشكّ في بقاء أصل الإنسان الذي قد فرض القطع بأصل وجوده.

وهذا بخلاف القسم الثاني، لوضوح أنّه ليس لنا في البين أمر واحد مستمر خارجي، وإنّما نشكّ في حدوث وجود آخر مقارنا لزوال الوجود الأوّل، فالقطع بحدوث أصل الإنسان وإن كان حاصلا ولكنّ الشكّ في بقائه غير حاصل، نعم لو قيل باعتبار كون الشكّ متعلّقا ببقاء ذاك الوجود الخاص المتيقّن سابقا، كان الأمر كذلك في القسم الأوّل أيضا، ولكن لا دليل على اعتبار ذلك.

فتحقّق من جميع ما ذكرنا أنّ استصحاب الكلّي لا مانع منه في كلا القسمين من جهة اختلال الأركان.

نعم هو محكوم لاستصحاب عدم الفرد المشكوك، فإنّ الشكّ في بقاء الكلّي مسبّب عن الشكّ في حدوثه، وترتّب عدم الكلّي على عدم أفراده وإن كان ترتّبا علقيّا، ولكنّه غير مسلّم في مثل النجاسة من الجوامع الشرعيّة، فإنّ الحكم غير معلّق على عنوان الكلّي والجامع، وإنّما ذلك مفهوم ينتزعه العقل، والأثر ثابت‏ لنفس ذات النجاسة، وليس للعقل حكم بأنّ هذه الذات في أىّ موضع يتحقّق وفي أيّ موضع ينعدم وإن كان له حكم بأنّ الكلّي ينعدم بانعدام أفراده، لكن هذا غير مربوط بموضوع الحكم.

وحينئذ فإذا قطع بملاقاة الثوب للدم وشكّ في ملاقاته للبول مقارنا لملاقاته مع الدم فبعد الغسل مرّة واحدة يشكّ في بقاء أصل النجاسة، وهذا الشكّ مسبّب عن الشكّ في حدوث نجاسة البول، فإذا أجرينا أصالة عدم حدوثها والمفروض حدوث النجاسة بالدم وجدانا كان من أثره شرعا رفع أصل النجاسة عقيب الغسل مرّة واحدة، وهذا حكم استفدناه من الشرع وليس للعقل سبيل إليه.

ثمّ إنّ شيخنا المرتضى قدّس سرّه استثنى من عدم الجريان في القسم الثاني ما إذا كان الشكّ في تبدّل المرتبة الشديدة إلى المرتبة الضعيفة، كما إذا شكّ في تبدّل الشديد من السواد إلى الضعيف منه أو انقلابه إلى البياض، فإنّ العرف يعدّون السواد الضعيف مع السواد الشديد شيئا واحدا وإن كانا بنظر العقل شيئين متغايرين.

وذكر بعض الأساتيد قدّس سرّه في حاشيته أنّا لو قلنا بأصالة الماهيّة فالسواد الضعيف والشديد ماهيّتان مختلفتان، وإن قلنا بأصالة الوجود فالوجود واحد وإن صار منشئا لانتزاع ماهيّتين مختلفتين حسب اختلافه شدّة وضعفا. فالموضوع حينئذ واحد حتّى بالدقّة العقليّة.

أقول: إن قلنا في الجسم الواحد أنّه مركّب من أجزاء صغار كثيرة مجتمعة متلاصق بعضها مع بعض، فلا شبهة في أنّه لو انفصل بعض تلك الأجزاء عن الباقي فوجود الأجزاء عين وجودها السابق، لكن هذا قول بالجزء الذي لا يتجزّى، وإن قلنا بأنّه موجود بوجود واحد وليس لكلّ جزء منه وجود فعلي، نعم له وجود تقديري بمعنى أنّه لو انفصل يكون موجودا فحينئذ أيضا لا شبهة في أنّه لو انفصل بعض الأجزاء عن الباقي كان كلّ من المنفصلين موجودا غير الموجود المشار إليه في الأوّل، وهذا الكلام بعينه جار في السواد الشديد والضعيف.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.