أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-10-2019
2205
التاريخ: 1-12-2016
1653
التاريخ: 25-4-2021
2640
التاريخ: 12-1-2020
2279
|
مقتطفات من سيرة الامام
أشرنا في الفصول السابقة الى كثير من الحوادث التي دلت على تمسك الامام بكتاب الله وسنة رسوله فيما يتعلق بتصرفاته العامة والخاصة، في زمن الحرب وفي وقت السلم ، مع أنصاره وخصومه على السواء . وها نحن ننقل الى القارىء بعض آثاره التي رواها كبار المؤرخين المسلمين .
فلسفة الحكم
تتلخص فلسفة الحكم ـ عند الامام ـ في عهده للأشتر الذي ولاه مصر فدس له السم ـ في الطريق ـ احد الاشخاص بتحريض من معاوية وعمرو بن العاص كما يحدثنا الرواة. والى القارىء ملخص العهد (1) :
« هذا ما امر به عبد الله أمير المؤمنين مالك بن الحارث الاشتر في عهده اليه حين ولاه مصر .. أمره بتقوى الله وايثار طاعته واتباع ما امر به في كتابه ..
ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك الى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وان الناس ينظرون من امورك في مثل ما كنت تنظر فيه الى امور الولاة قبلك .
ويقولون فيك ما كنت تقوله فيهم ..
فليكن أحب الذخائر اليك خيرة : العمل الصالح .
أشعر قلبك الرحمة للرعية .. فإنك فوقهم ..
أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك .. وليكن أحب الامور إليك أوسطها في الحق ، وأعمها في العدل ، وأجمعها لرضى الرعية . فإن سخط العامة ، يجحف برضاء الخاصة ، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة ..
وليكن أبعد رعيتك منك .. أطلبهم لمعايب الناس .. إن شر وزرائك من كان قبلك للأشرار وزيراً ، ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة ..
ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بالحق لك .. ألصق بأهل الورع والصدق ، ثم حثهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله ..
ولا يكونن المحسن والمسيء عندك سواء : فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان ، وتدريباً لأهل الإساءة على الإسائة .
والزم كلا منهم ما الزم نفسه ، واعلم أنه ليس شيء أدعى الى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه المؤنات عليهم ..
لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الامة ..
وصلحت عليها الرعية .
ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن ..
وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء ..
واعلم : أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها الا ببعض ولا غنى لبعضها عن بعض ؛ فمنها الجنود ، ومنها كتاب العامة والخاصة ، ومنها قضاة العدل وعمال الإنصاف وأهل الجزية والخراج من أهل الذمة ، ومسلمة الناس ، ومنها التجار وأهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من ذوى الحاجات والمسكنة .
وكل قد سمى الله له سهمه ، ووضع على حده وفرضه في كتابه أو سنة نبيه ..
إن فضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية ..
اختر للحكم بين الناس : أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الامور ولا تمحكه الخصوم .. ثم انظر أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباة وإثرة ..
أسبغ عليهم الارزاق ، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم ، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجة عليهم ان خالفوك أمرك ..
ثم تفقد اعمالهم وابعت العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم .. وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في اصلاحهم صلاحا لمن سواهم .. لأن الناس كلهم عيال على الخراج ..
ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيراً .. واعلم مع ذلك ان في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكماً في البياعات ، وذلك باب مضر للعامة وعيب على الولاة .
فامتنع من الاحتكار ، فمن قارف حكرة بعد نهيك اياه فنكل به وعاقبه من غير اسراف .
ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين ..
إجعل لهم قسما من بيت المال .. ولا تشخص همك عنهم ، ولا تصعر خدك لهم .
وتفقد أمور من لا يصل اليك منهم . ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع لترفع إليك أمورهم ..
واجعل لذوى الحاجات وقتاً تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه ..
وتعقد عنهم جندك وأعوانك من حراسك وشرطك حتى يكلمك مكلمهم غير متعتع .. ثم احتمل الخرق منهم والعيّ ونح عنهم الضيق ..
ولا تطولن احتجاجك عن رعيتك .. فالاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه .. فيشاب الحق بالباطل . وانما الوالي بشر لايعرف ما توارى عنه الناس من الامور . وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب ..
ثم ان للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة انصاف في المعاملة :
فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الاحوال ..
وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد ..
وحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالامانة .. فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس اشد عليه اجتماعاً ـ مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم ـ من تعظيم الوفاء بالعهود ..
ولا تغدرن بذمتك .. واياك والدماء وسفكها بغير حلها .. ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد ..
وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء ..
وإياك والمن على رعيتك بإحسانك ..
أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك .. وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها أو التساقط فيها عند إمكانها ...
فضع كل أمر موضعه .. أملك حمية انفك وسورة حدك وسطوة يدك وغرب لسانك .
واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار » .
حرصه على بيت المال
لقد مر بنا جانب من ذكر حرص الإمام على أموال المسلمين عندما تحدثنا عن موقفه من ولده الحسين في قضية العسل ، ومن أخيه عقيل حين قدم عليه طالباً زيادة حصته من الدقيق .
وإلى القارىء طائفة من الامثلة الاخرى في هذا الباب .
قال هارون بن عنترة عن أبيه : دخلت على علي بالخورنق ـ وهو فصل شتاء ـ وعليه خلق قطيفة وهو يرعد فيه فقلت :
يا أمير المؤمنين إن الله جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيباً ؛ وأنت تفعل هذا بنفسك ؟ فقال :
والله ما أرزأكم شيئا . وماهي الا قطيفتي التي اخرجتها من المدينة » (2) .
ولم ينزل الإمام ـ على ما يحدثنا الرواة ـ « القصر الابيض بالكوفة إيثاراً للخصاص التي كان يسكنها الفقراء . وربما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام .
وروى النضر بن منصور عن عقبة بن علقمة قال : دخلت على علي فإذا بين يديه لبن حامض آذتني حموضته وكسرة يابسة . فقلت : يا أمير المؤمنين أتأكل مثل هذا ؟
فقال لي : يا أبا الجنوب كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ، ويلبس أخشن من هذا ـ وأشار الى ثيابه ـ فإن لم آخذ بما أخذ به خفت الا الحق به » (3) .
وكتب ابن الأثير : ان عاصم بن كليب روى عن ابيه انه قال : « قدم على علي مال من اصبهان فقسمه على سبعة اسهم . فوجد فيه رغيفاً فقسمه على سبعة ودعا امراء الاسباع فأقرع بينهم لينظر ايهم يعطى أولاً .
وذكر يحيى بن مسلمة: أن علياً استعمل عمرو بن مسلمة على أصبهان « فقدم ومعه مال كثير وزقاق فيها عسل وسمن .
فأرسل أم كلثوم بنت على الى عمرو تطلب منه سمناً وعسلاً . فأرسل اليها ظرف عسل وظرف سمن . فلما كان الغد خرج علي واحضر المال والسمن والعسل ليقسم . فعد الزقاق فنقصت زقين . فسأله عنهما . فكتمه وقال : نحن نحضرهما . فعزم عليه الا ذكرهما له . فأخبره . فأرسل الى أم كلثوم فأخذ الزقين منها فرآهما قد نقصا ، فأمر التجار بتقويم ما نقص منهما ، فكان ثلاثة دراهم .
فأرسل اليها فأخذها منها ! ، ثم قسم الجميع ..
وقال سفيان : إن علياً لم يبن آجرة على آجرة ، ولا لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة .
وقيل : إنه أخرج سيفاً الى السوق فباعه وقال : لو كان عندي اربعة دراهم ثمن إزار لم ابعه ، وكان لا يشتري ممن يعرفه ، واذا اشترى قميصاً قدر كمه على طول يده وقطع الباقي ، وكان يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير الذي يأكل منه ويقول :
لا أحب ان يدخل بطني الا ما اعلم » (4) .
تواضعه وعدله
ذكر الشعبي ـ على ما يقول ابن الأثير (5) :
إن علياً وجد درعاً عند نصراني « فأقبل الى شريح قاضيه وجلس الى جانبه يخاصم النصراني مخاصمة رجل من رعاياه ، وقال : انها درعي ولم أبع ولم اهب ، قال شريح للنصراني : ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين ؟
قال النصراني : ما الدرع الا درعي وما أمير المؤمنين بكاذب ؟ !
فالتفت شريح ، الى علي يسأله . يا أمير المؤمنين ، هل من بينة ؟ فضحك علي ..
وقال : اصاب شريح ، مالي من بينة ؟ فقضى بالدرع للنصراني فأخذها ومشى .. وأمير المؤمنين ينظر اليه .. الا ان النصراني لم يخط خطوات حتى عاد يقول : أما أنا فأشهد ان هذه أحكام أنبياء .. أمير المؤمنين يدينني الى قاضيه .. وقاضيه يقضى عليه ، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين » .
وكان الإمام ، لشدة تواضعه وحرصه على إقامة العدل بين رعيته ، اذا أراد أن يشتري شيئا بنفسه ، على ما يذكر الدكتور طه حسين « تحرى بين السوقة رجلا لا يعرفه فاشترى منه ما يريد .
وكان يكره ان يحابيه البائع ان عرف انه أمير المؤمنين ، ثم كان لا يرضى عن نفسه الا اذا أدى للناس حقهم عليه في دينه فأقام لهم صلاتهم وعلمهم بالقول والعمل وقام على اطعام فقرائهم طعام العشاء وتحرى ذوى الحاجة منهم فأغناهم عن المسألة .
وكان يخلو لنفسه اذا كان الليل فينصرف عن الناس الى عبادته الخاصة مصلياً مجتهداً حتى يتقدم الليل ، فإذا اخذ بحظه من النوم غلس بالخروج الى المسجد » (6) .
تحليل لسياسته العامة
« أعلم أن قوماً ممن لم يعرفوا حقيقة فضل علي بن ابي طالب ، زعموا : أن عمر ابن الخطاب كان أسوس منه ، وإن كان هو أعلم من عمر ، وصرح بذلك أبو علي ابن سينا : وعلي بن ابي طالب كان مقيداً بقيود الشريعة مدفوعاً الى اتباعها .
ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير اذا لم يكن للشرع موافقاً .
فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن يلتزم بذلك ، ولسنا ـ بهذا القول ـ زارين على عمر .. ولكن عمر كان مجتهداً يعمل بالقياس ..
ويرى تخصيص عمومات النص بالآراء والاستنباط من أصول تقضى خلاف ما يقتضيه عموم النص ، ويكيد خصمه ويأمر أمراءه بالكيد والحيلة ، ويؤدب بالدرة والسوط ـ من يغلب على ظنه أنه يستوجب ذلك ، ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقون به التأديب .
ولم يكن علي يرى ذلك ، وكان يقف مع النصوص لا يتعداها الى الاجتهاد والاقيسة ، ويطبق امور الدنيا على أمور الدين ويسوق الكل مساقاً واحداً .
ولا يرفع ولا يضع إلا بالكتاب والنص ..
ولم يكن يرى مخالفة الشرع لأجل السياسة سواء اكانت سياسته دينية ام دنيوية .
أما الدنيوية: فنحو أن يتوهم الإمام في انسان أنه يروم فساد خلافته من غير ان يثبت ذلك عليه يقيناً.
فإن علياً لم يكن يستحل قتله ولا حبسه ولا يعمل بالتوهم وبالقول غير المحقق .
وأما الدينية: فنحو ضرب المتهم بالسرقة فإنه لم يكن يعمل به بل يقول: أن يثبت عليه بإقرار أو بينة أقمت عليه الحد والا لم اعترضه .
... واذا كان مذهبه ما قلناه وكان معاوية عنده فاسقاً وقد سبق عنده مقدمة اخرى ويقينية هي : ان استعمال الفاسق لا يجوز ، ولم يكن ممن يرى تمهيد قاعدة الخلافة بمخالفة الشريعة فقد تعين مجاهرته بالعزل ، وإن أفضى ذلك الى الحرب .. وجواب ـ على الاعتراض على عزله معاوية ـ وهو: أنا علمنا أن الاحداث التي نقمت على عثمان.. توليته معاوية الشام مع ما ظهر من جوره وعدوانه ومخالفته احكام الدين .. وقد خوطب عثمان في ذلك فاعتذر ..
فلو أن علياً فتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام واقراره فيه أليس كان يبتدي.
أول أمره بما انتهى اليه عثمان في آخره ؟ ..
ولو كان اقراره معاوية في حكم الشريعة سائغاً والوزر فيه مأموناً لكان غلطاً قبيحاً في السياسة وسبباً قرباً للعصيان والخالفة . ولم يكن يمكن علياً ان يقول للمسلمين .
إن حقيقة رأيي هي : عزل معاوية عند استقرار الامر وطاعة الجمهور .
وإن قصدي ـ بإقراره على الولاية ـ مخادعته وتعجل طاعته .. لان اظهاره لهذا العزم كان يتصل خبره بمعاوية فيفسد التدبير الذي شرع فيه ..
ومما اعترض على علي به: أنه ترك طلحة والزبير حتى خرجا الى مكة وأذن لهما في العمرة، وظهر عنه الرأي في ارتباطهما قبله ومنعهما من البعد عنه ـ في عهد عمر ـ.
وقد روى عن عليّ أنه قال لهما ـ .
والله ما تريدان العمرة وانما تريدان الغدرة وخوفهما بالله من التسرع الى الفتنة .
وأخذ عليهما عهد الله وميثاقه في الرجوع الى المدينة ؛ وما كان يجوز له ـ في الشرع ان يحبسهما ، ولا في السياسة ، فلإنه لو اظهر التهمة لهما ـ وهما من افاضل السابقين وجلة المهاجرين ـ لكان في ذلك من التنفير عنه ما لا يخفى ومن الطعن عليه ما هو معلوم ..
لاسيما وأن طلحة كان اول من بايعه . والزبير لم يزل مشتهراً بنصرته » (7) .
1 ـ الدنيا منتهى بصر الاعمى لا يبصر مما وراءها، والبصير ينفذها بصره ويعلم أن الدار وراءها، فالبصير منها شاخص والاعمى اليها شاخص ، والبصير منها متزود والاعمى لها متزود (8) .
2 ـ ليس لواضع المعروف في غير حقه وعند غير أهله الا محمدة اللئام وثناء الاشرار ومقالة الجهال ما دام منعماً عليهم .
3 ـ إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء اخفى من الحق ولا اظهر من الباطل ولا اكثر من الكذب على الله.. ولا في البلاد شيء انكر من المعروف ولا اعرف من المنكر.
4 ـ اذا أقبلت الدنيا على قوم اعارتهم محاسن غيرهم، واذا أدبرت عنهم سلبتهم محاسن انفسهم.
5 ـ خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم ، وإن عشتم حنوا اليكم .
6 ـ إحذروا صولة الكريم اذا جاع ، واللئيم اذا شبع .
7 ـ هلك فيّ رجلان : محب غال ومبغض قال .
8 ـ احذروا أهل النفاق فإنهم الضالون المضلون ..
يمشون الخفاء ويدبون الضراء .. لهم بكل طريق صريع .
وإلى كل قلب شفيع ، ولكل شجو دموع ، يتقارضون الثناء ويتراقبون الجزاء .
إن سألوا ألحفوا ، وإن عذلوا كشفوا ، وإن حكموا اسرفوا .
وقد اعدوا لكل حق باطلا، ولكل قائم مائلا، ولكل حي قاتلاً، ولكل باب مفتاحاً، ولكل ليل مصباحاً .
9 ـ احذر كل عمل يرضاه صاحبه لنفسه ويكره لعامة المسلمين .
واحذر كل عمل يعمل به في السر ويستحى منه في العلانية .
واحذر كل عمل اذا سئل صاحبه أنكره أو اعتذر منه .
10 ـ فاعل الخير خير منه وفاعل الشر شر منه .
11 ـ الصبر صبران : صبر على ما تكره وصبر عما تحب .
12 ـ من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه .
13 ـ إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان ، فمن احب الدنيا وتولاها ابغض الآخرة وعاداها .
وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماش بينهما كلما قرب من واحد بعد من الآخر .
14 ـ صاحب السلطان كراكب الاسد يغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه .
15 ـ من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته .
16 ـ العدل صورة واحدة والجور صور كثيرة ، ولهذا سهل ارتكاب الجور وصعب تحري العدل ، وهما يشبهان الإصابة في الرماية والخطأ فيها .
وإن الإصابة تحتاج الى ارتياض وتعهد ، والخطأ لا يحتاج الى شيء من ذلك .
17 ـ أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها . ولم يصب صاحبها منها شيئاً إلا فتحت له حرصاً عليها ولهجاً بها .
18 ـ لقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه الا إدباراً والشر فيه الا إقبالاً ... اضرب بصرك حيث شئت من الناس، فهل تبصر الا فقيراً يكابد فقراً أو غنياً بدل نعمة الله كفراً او بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفراً .. أو متمرداً كأن بأذنه عن سمع المواعظ وقراً.. لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له ، والناهين عن المنكر العاملين به .
19 ـ يا أبا ذر : غضبت لله فارج من غضبت له .
إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك ، فاترك في أيدهم ما خافوك عليه ، واهرب منهم بما خفتهم عليه ، فما احوجهم الى ما منعتهم ، وما أغناك عما منعوك !
20 ـ إن لسان المؤمن من وراء قلبه ، وإن قلب المنافق من وراء لسانه ، لأن المؤمن اذا اراد ان يتكلم بكلام تدبره في نفسه ، فإن كان خيراً أبداه ، وإن كان شراً واراه . وان المنافق يتكلم بما اتى على لسانه ، لا يدرى ماذا له وماذا عليه .
21 ـ والله ما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر .
22 ـ ومن وصية له للحسن كتبها اليه بحاضرين من صفين :
من الوالد الفاني .. المستسلم للدهر ...
الى المولود المؤمل ما لا يدرك ، السالك سبيل من قد هلك .. تاجر الغرور ، وغريم المنايا .. وصريع الشهوات .
أوصيك بتقوى الله اي بني ولزوم امره . وامر بالمعروف تكن من اهله ، وانكر المنكر بيدك ولسانك .. ولا تأخذك في الله لومة لائم ..
وخض الغمرات للحق حيث كان .
وتفقه في الدين ، وعود نفسك التصبر على المكروه .
وأخلص في المسألة لربك ..
واعلم : أنه لا خير في علم لا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه ..
اي بني : إني وان لم اكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في اعمالهم ، وفكرت في اخبارهم ، وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم ، بل كأني بما انتهى الى من امورهم قد عمرت مع اولهم الى آخرهم ، فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضرره ، اعلم يا بني ان احب ما أنت آخذ به وصيتي تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك .
يابني اجعل من نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك . فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك او اكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحب ان تظلم ، واحسن كما تحب ان يحسن اليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك .
وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ، ولا تقل ما لا تعلم وإن قَّل ما تعلم .
واعلم : انك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا .. وانت طريد الموت الذي لا ينجو منه هارب .. فكن منه على حذر ان يدركك وانت على حالة سيئة .
وإياك ان تغتر بما ترى من اخلاد اهل الدنيا اليها وتكالبهم عليها .. فإنما أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية يهر بعضها على بعض ويأكل عزيزها ذليلها .. سلكت بهم الدنيا طريق العمى ، فتاهوا في حيرتها .. ونسوا ما وراءها .
واعلم يابني : ان من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وان كان واقفاً ..
واكرم نفسك عن كل دنية وان ساقتك اليه الرغائب ... وما خير ؛ خير لا ينال الا بشر ، وبشر لا ينال الا بعسر .. وتلافيك ما فرط من صمتك ايسر من ادراكك ما فات من منطقك .. والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور .
إحمل نفسك من اخيك عند صرمه على الصلة ، وعند صدوده على اللطف والمقاربة .. وعند جرمه على العذر ، حتى كأنك له عبد .. وإياك ان تضع ذلك في غير موضعه ..
لا تتخذ من عدو صديقك صديقا ، فتعادي صديقك ، وامحض اخاك النصيحة حسنة كانت ام قبيحة .
ولن لمن غالظك فإنه يوشك ان يلين لك .
إن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع اليها إن بدا له ذلك يوما ما ..
ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى ..
استدل على مالم يكن بما قد كان ، فإن الامور اشباه ، ولا تكون ممن لا تنفعه العظة الا اذا بالغت في ايلامه ، فإن العاقل يتعظ بالآداب ، والبهائم لا تتعظ الا بالضرب .
ما ينطبق عليه من آي الذكر الحكيم
سورة النساء : « ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً » .
سورة فصلت : « إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهى انفسكم ولكم فيها ما تدعون »
سورة المنازعات: «وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى:».
____________
(1) ابن ابي الحديد « شرح نهج البلاغة » 4 / 119 ، 152 .
(2) العقاد: «عبقرية الإمام علي» ص 13، وابن الأثير : « الكامل في التاريخ » 3 / 200 .
(3) عباس محمود العقاد « عبقرية الإمام علي » ص 25 .
(4) الكامل في التاريخ 3 / 200 ـ 202 .
(5) الكامل في التاريخ 2 / 201 ، 202 .
(6) الدكتور طه حسين : « الفتنة الكبرى علي وبنوه » ص 159 .
(7) ابن أبي الحديد « شرح نهج البلاغة » 2 / 573 ـ 583 .
(8) هذا القول وما بعده من الاقوال مأخذوة من « شرح نهج البلاغة » لابن ابي الحديد .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|