أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-1-2020
1942
التاريخ: 18-1-2020
1838
التاريخ: 4-6-2017
62946
التاريخ: 18-1-2020
1432
|
ومما يجب توطيده وتقديمه، قبل الذي أريد أن أتكلم فيه، أن المعاني كلها معرضة للشاعر، وله أن يتكلم منها، فيما أحب وآثر، من غير أن يحظر عليه معنى يروم الكلام فيه، إذ كانت المعاني بمنزلة المادة الموضوعة، والشعر فيها كالصورة، كما يوجد في كل صناعة من أنه لا بد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور منها، مثل الخشب للنجارة، والفضة للصياغة.
وعلى الشاعر إذا شرع في أي معنى كان، من الرفعة والضعة، والرفث والنزاهة، والبذخ والقناعة، والمدح والعضيهة، وغير ذلك من المعاني الحميدة والذميمة: أن يتوخى البلوغ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة.
ومما يجب تقديمه أيضاً أن مناقضة الشاعر نفسه في قصيدتين أو كلمتين، بأن يصف شيئاً وصفاً حسناً، ثم يذمه بعد ذلك ذماً حسناً أيضاً، غير منكر عليه ولا معيب من فعله، إذا أحسن المدح والذم، بل ذلك عندي دليل على قوة الشاعر في صناعته واقتداره عليها.
وإنما قدمت هذين المعنيين، لما وجدت قوماً يعيبون الشعر إذا سلك الشاعر فيه هذين المسلكين، فإني رأيت من يعيب امرأ القيس في قوله:
فمِثْلُكِ حُبْلى قد طرَقْتُ ومُرْضِعٍ ... فَأَلهيْتُها عنْ ذِي تَمائِمَ مُحْوِلِ
إذا ما بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ بِشِقٍّ وتَحْتِي شِقُّهَا لَمْ يُحَوَّلِ
ويذكر أن هذا معنى فاحش، وليس فحاشة المعنى في نفسه مما يزيل جودة الشعر فيه، كما لا يعيب جودة النجارة في الخشب مثلاُ رداءته في ذاته.
وكذلك رأيت من يعيب هذا الشاعر أيضاً في سلوكه للمذهب الثاني الذي قدمته، حيث استعمله اقتداراً وقوة، وتصرف فيه إحساناً وحذاقة، وذلك قوله في موضع:
فلَوْ أنَّ ما أَسْعَى لأَدْنَى معِيشَة كَفانِي ولم أطْلُبْ قليلٌ مِنَ المَالِ
ولَكِنَّمَا أَسْعى لِمَجْدٍ مُؤثَّلٍ ... وقَدْ يُدْرِكُ المجْدَ المُؤثَّلَ أَمْثالِي
وقوله في موضع آخر:
فَتَمْلَأ بَيْتَنا أقِطاً وسمْناً ... وَحَسْبُك من غِنىً شِبَعٌ وَرِيُّ
فإن من عابه، زعم أنه من قبل المناقضة، حيث وصف نفسه في موضع بسمو الهمة وقلة الرضى بدنئ المعيشة، وأطرى في موضع آخر القناعة، وأخبر عن اكتفاء الإنسان بشبعه وريه.
وإذ قد ذكرت ذلك، فلا بأس بالرد على هذا العائب في هذا الموضع، ليكون في ما احتج به بعض التطريق لمن يؤثر النظر في هذا العلم إلى التمهر فيه، فأقول: إنه لو تصفح أولاً قول امرئ القيس حتى تصفحه لم يوجد ناقض معنى بآخر، بل المعنيان في الشعرين متفقان، إلا أنه زاد في أحدهما زيادة لا تنقض ما في الآخر، وليس أحد ممنوعاً من الاتساع في المعاني التي لا تتناقض، وذلك أنه قال في أحد المعنيين: فلو أنني أسعى لأدنى معيشة كفاني القليل من المال.
وهذا موافق لقوله:
وحسبك من غنىً شبع ورى
لكن في المعنى الأول زيادة ليست بناقضة لشيء، وهو قوله: لكنني لست أسعى لما يكفيني، ولكن لمجد أؤثله.
فالمعنيان اللذان ينبئان عن اكتفاء الإنسان باليسير في الشعرين متوافقان، والزيادة في الشعر الأول، التي دل بها على بعد همته، ليست تنتقض واحداً منهما ولا تنسخه.
وأرى أن هذا العائب ظن أمرأ القيس قال في أحد الشعرين: إن القليل يكفيه، وفي الآخر: إن القليل لا يكفيه.
وقد ظهر بما قلناه أن هذا الشاعر لم يقل شيئاً من ذلك ولا ذهب إليه، ومع ذلك فلو قاله وذهب إليه ما كان عندي مخطئاً من أجل أنه لم يكن في شرط شرطه يحتاج إلى أن لا ينقض بعضه بعضاً، ولا في معنى سلكه في كلمة واحدة، ولو كان فيه لم يجر مجرى العيب، لأن الشاعر ليس يوصف بأن يكون صادقاً، بل إنما يراد منه، إذا أخذ في معنى من المعاني كائناً ما كان أن يجيده في وقته الحاضر، لا أن يطالب بأن لا ينسخ ما قاله في وقت آخر.
ومع ما قدمته، فإني لما كنت آخذاً في استنباط معنى لم يسبق إليه من يضع لمعانيه وفنونه المستنبطة أسماء تدل عليها، احتجت أن أضع لما يظهر من ذلك أسماء اخترعتها، وقد فعلت ذلك، والأسماء لا منازعة فيها إذ كنت علامات، فإن قنع بما وضعته وإلا فليخترع لها كل من أبى ما وضعته منها ما أحب، فليس ينازع في ذلك.
وإذ قدمت ما احتجت إلى تقديمه فأقول: إنه لما كان الشعر على ما قلناه لفظاً موزوناً مقفى يدل على معنى، وكان هذا الحد مأخوذاً من جنس الشعر العام له وفصوله التي تحوزه عن غيره، كانت معاني هذا الجنس والفصول موجودة فيه، كما يوجد في كل محدود معاني حده، لأن الإنسان مثلاً يحد بأنه حي ناطق ميت، فمعنى الحياة التي هي جنس للإنسان موجود في الإنسان، وهو التحرك والحس، وكذلك معنى النطق - الذي هو فصله مما ليس بناطق - موجود فيه، وهو التخيل والذكر والفكر، ومعنى الموت - الذي في حد الإنسان - وهو قبول بطلان الحركة، فكذلك أيضاً معنى اللفظ الذي هو جنس للشعر موجود فيه، وهو حروف خارجة بالصوت متواطئاً عليها، وكذلك معنى الوزن، ومعنى التقفية، ومعنى ما يدل عليه اللفظ.
وإذ كان ذلك كما قلنا، فالشعر إنما هو ما اجتمع من هذه الأسباب التي يحيط بها حده.
ولما كان كل مجتمع، وكل مؤلف من أمور، وللأمور تألف من بعضها مع بعض، يزيد عددها فيه وينقص على حسب كثرة الأمور وقلتها، وجب أن يكون الشعر أيضاً لما كان مجتمعاً من أسباب أن تكون أقسام تأليف هذه الأسباب بعضها إلى بعض جارياً هذا المجرى، وأن يكون تعديد هذه التأليفات إذا استوعب وأضيف ذلك إلى عدة الأسباب المفردات من غير تأليف، فقد أتى على جميع الأسباب التي يجب الكلام فيها من أمر الشعر، فأقول: إنه لما كانت الأسباب المفردات التي يحيط بها على حد الشعر على ما قدمنا القول فيه أربعة، وهي اللفظ، والمعنى، والوزن، والتقفية، وجب - بحسب هذا العدد - أن يكون لها ستة اضرب من التأليف، إلا أني وجدت اللفظ والمعنى والوزن تأتلف، فيحدث من ائتلافها بعضها إلى بعض معان يتكلم فيها، ولم أجد للقافية مع واحد من سائر الأسباب الأخر ائتلافاً، إلا أني نظرت فيها فوجدتها، من جهة ما، أنها تدل على معنى لذلك المعنى الذي تدل عليه ائتلاف مع معنى سائر البيت، فأما مع غيره فلا، لأن القافية إنما هي لفظة مثل لفظ سائر البيت من الشعر، ولها دلالة على معنى، كما لذلك اللفظ أيضاً، والوزن شيء واقع على جميع لفظ الشعر الدال على المعنى، فإذا كان ذلك كذلك فقد انتظم تأليف الثلاثة الأمور الأخر ائتلاف القافية أيضاً، إذ كانت لا تعدو أنها لفظة كسائر لفظ الشعر المؤتلف مع غيره.
فأما من جهة ما هي قافية، فليس ذلك ذاتاً يجب لها أن يكون لها به ائتلاف مع شيء آخر، إذ كانت هذه اللفظة إنما قيل فيها: إنها قافية من أجل أنها مقطع البيت وآخره، وليس أنها مقطع ذاتي لها، وإنما هو شيء عرض لها بسبب أنه لم يوجد بعدها لفظ من البيت غيرها، وليس الترتيب، وأن لا يوجد للشيء تال يتلوه، ذاتاً قائمةً فيه، فهذا هو السبب في أن لم يكن للقافية من جهة ما هي قافية تأليف مع غيرها.
فأما من جهة ما تدل عليه، فإن ذلك تأليف معنى إلى ما يتألف معه، إلا أني نسبته في هذا الكتاب إلى القافية على سبيل التسمية، وإن أراد مريد أن ينسب ذلك إلى أنه تأليف معنى القافية إلى ما يتألف معه لم أضايقه، فصار ما حدث من أقسام ائتلاف بعض هذه الأسباب إلى بعض: أربعة، وهي: ائتلاف اللفظ مع المعنى، وائتلاف اللفظ مع الوزن، وائتلاف المعنى مع الوزن، وائتلاف المعنى مع القافية، وصارت أجناس الشعر ثمانية، وهي: الأربعة المفردات البسائط التي يدل عليها حده، والأربعة المؤلفات منها.
ولما كان لكل واحد من هذه الثمانية صفات يمدح بها، وأحوال يعاب من أجلها، وجب أ، يكون جيد ذلك ورديئه لاحقين للشعر، إذ كان ليس يخرج شيء منه عنها، فلنبدأ بذكر أوصاف الجودة في واحد واحد منها، ليكون مجموع ذلك إذا اجتمع للشعر كان في نهاية الجودة، ونعقب ذلك بذكر العيوب، ليكون أيضاً مجموع ذلك إذا اجتمع في شعر كان في نهاية الرداءة، ولا محالة أنه إذا كان هذان الطرفان مشتملين على جميع النعوت والعيوب التي نذكرها، ولم يكن كل شعر جامعاً جميع النعوت أو جميع العيوب، وجب أن تكون الوسائط التي بين المدح والذم تشتمل على صفات محمودة وصفات مذمومة، فما كان فيه من النعوت أكثر، كان إلى الجودة أميل، وما كان فيه من العيوب أكثر كان إلى الرداءة أقرب، وما تكافأت فيه النعوت والعيوب كان وسطاً بين المدح والذم، وتنزيل ذلك إذا حضر ما في الطرفين من النعوت والعيوب لا يبعد على من أعمل الفكر وأحسن سبر الشعر.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|