أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-03-2015
3203
التاريخ: 29-03-2015
10179
|
و الجديد في عمل السيرافي أنه أوضح العلاقة الأساسية بين المنطق و النحو من جهة، و استظهر خطوط الاتصال بين أوجه الإعراب النحوي و مقتضيات الأحكام الفقهية، مما يعطي بعدا تطبيقيا للصلة بين مناهج النحاة و مناهج الأصوليين. و سوف نرى أن هذا المنحى
ص178
هو الذي أعطى ابن الأنباري و السيوطي تصورهما النظري، فالمنطق عنده ليس ميزانا مستقلا يعرف به صحيح الكلام من سقيمه، لأن أغراض العقول و المعاني المدركة لا يوصل إليها إلا باللغة الجامعة للأسماء و الأفعال و الحروف، فلا يستطيع أحد أن يعرف منطق اليونان إذا لم يعرف لغتهم. لأن النحو و المنطق و اللفظ و الإفصاح و أنواع الطلب كلها من واد واحد بالمشاكلة و المماثلة. فالمنطق نحو، و لكنه مفهوم باللغة، و النحو العربي منطق و لكنه مسلوخ من العربية و العلاقة بين المعاني المنطقية و الألفاظ اللغوية. إن المعاني ثابتة على الزمان فهي من استملاء العقل الإلهي، و الألفاظ طبيعية بائدة على الزمان تبدل طبيعة بعد أخرى.
و يكفي النحوي أن يفهم عن نفسه ما يقول، و أن يفهم عنه غيره و أن يقدّر اللفظ على المعنى مع أنه ليس في قوة أي لغة أن تحيط بمبسوط العقل، أو تنصب عليه سورا لا يدع شيئا من داخله أن يخرج و لا من خارجه أن يدخل.
و من يرد إدراك منطق باللغة فإنه يحتاج إلى معرفة حركات الألفاظ و سكناتها و وضعها و بنائها على الترتيب الواقع في غرائز أهلها، كما يحتاج إلى توخي الصواب في تأليف الكلام بالتقديم و التأخير.
و لقد عرف النحويون العرب، هذا النسق العام، الذي سماه أبو سعيد بالنعت، و قال إن كل ما زاغ عنه، فلا يخلو أن يكون استعمالا نادرا، أو تأويلا بعيدا، أو خارجا عن عادة القوم الجارية على فطرتهم، أو متعلقا باختلاف لغات القبائل، و كل ذلك محصور بالتتبع و الرواية و السماع و القياس المطرد على الأصل المعروف(1).
لقد كان أبو سعيد فقيها على مذهب أبي حنيفة المشهور بميله إلى القياس، و مارس القضاء مدة خمسين سنة، فأتيحت له الفرص في التفكير الدائب في تنزيل النظريات على الواقع و تطبيق النصوص و تأويلها و استنباط الأحكام منها و القياس عليها فيما لا نص فيه، متأسيا بمن سبقه من أئمة الفقه الذين عناهم بقوله مخاطبا متى بن يونس: (لو عرفت العلماء و الفقهاء و مسائلهم و وقفت على غورهم في فكرهم و غوصهم في استنباطهم و حسن تأويلهم لما يرد عليهم، وسعة تشقيقهم للوجوه المحتملة و الكنايات المفيدة و الجهات الفريدة و البعيدة لحقرت نفسك)(2).
و في هذه المناظرة أعطى أمثلة من مسائل الأحكام التي يتوصل إليها الفقيه بالمهارة في اللغة، فأورد منها قوله:
ص179
-ما هو الحكم حيثما يقال: لفلان من الحائط إلى الحائط؟ أو لفلان عليّ غير قيراط؟ أو لفلان عليّ عشرة دراهم إلا تسعة، إلا ثمانية، إلا سبعة، إلا ستة، إلا خمسة، إلا أربعة، إلا ثلاثة، إلا اثنين، إلا واحدا؟
و ما هو الفرق بين قول القائل: بكم الثوبان المصبوغان؟ و بكم ثوبان مصبوغان؟ و بكم ثوبان مصبوغين(3)؟
هذا و إن مثل هذه الأسئلة يعطي نموذجا عن صلة التعبير اللغوي بالحكم الفقهي و قدرة العلماء، من أمثال السيرافي، على الاستفادة من هذه الصلة.
ص180
_____________________
(1) المعجم الأدباء، في المناظرة التي بين السيرافي و متى بن يونس، ص 894-903.
(2) المصدر نفسه، ص 907.
(3) معجم الأدباء، في المناظرة التي بين السيرافي و متى بن يونس:904 - 906.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|