أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-03-2015
3203
التاريخ: 29-03-2015
10181
|
لقد أجمع العلماء أنه لم يؤلف مصنف في النحو مثل كتاب سيبويه و لم يوضع عليه شرح مثل شرح أبي سعيد السيرافي. فالنحاة الذين من قبله تناولوا الكتاب من عدة أوجه، دون أن يحيطوا بمضامينه، فقد كان المازني يدرسه و يقال إنه مضت مدة طويلة و هو يقرئ أحد تلاميذه و لما انته منه قال له الطالب أما أنت فجزاك اللّه خيرا و أما أنا فلم أفهم منه حرفا، و انتزع منه مباحث التصريف. و حاول المبرد تلخيصه في المقتضب كما اهتم ابن السراج باستخلاص أصوله، غير أن كل هذه الأعمال لم تستوف الكتاب حقه في الشرح و البيان. حتى كتب السيرافي شرحه الموسوعي الذي كان أكثر الشروح إيضاحا و تفصيلا. و كما يقول مازن المبارك فإنه بسط معناه و جلا مبهمه و تمم جزئياته و استقصى موضوعاته و عرض آراء سيبويه و غيره من أعلام اللغة و النحو، كالجرمي و المازني و المبرد و الزجاج و الكسائي و الفراء و ثعلب و ناقش هذه الآراء و وازن بينها(1).
و قد كانت خطته في الشرح تعتمد تصحيح النص و تحقيقه و توضيح غامضه و استكمال جوانبه و الدفاع عن إمام النحاة في أقواله و أرائه،
و من أمثلة توثيق النص نراه يأتي ببيت من شواهد الكتاب و هو:
رأيت بنى مروان يرفع ملكهم ملوك شباب كالأسود و شيبها(2)
ص175
و يتضح منحاه في الإسهاب في الشرح و استكمال قضايا الباب من خلال منهجه في هذا الشرح وسعة الباع في معرفة اللغة و طول النفس في العرض، فكان حريصا على استقصاء المسائل و استكمال القضايا التي لم يتطرق لها الكتاب بالتفصيل. و من بين الأمثلة الكثيرة في هذا الصدد كونه خصص بابا لوجوه القوافي في الإنشاد، و قال: «اعلم أني لو اقتصرت على تفسير ألفاظ سيبويه فيما ذكره من القوافي لسقط كثير مما يحتاج إليه فيها، لأنه لم يستوعب ذكرها و لا قصد استيفاء معرفتها، و ما يتعلق بها، فعملت على أن أتقصى ذكرها و ما يتعلق بها مع شرح كلامه)(3)
و يظهر في هذا الباب حرصه على الاستيعاب و الاستيفاء و التقصي و الشرح، فهذه هي أهدافه في المصنف الموسوعي الذي لم يجاره فيه أحد. و في هذا الباب استعرض كل ما يتعلق بالقوافي و معانيها و استشهد بكثير من أشعار العرب القدامى و المحدثين ممن يستشهد بشعره عند النحويين.
و من عادته أن يفترض الأسئلة حول كل قضية قائلا: فإن قيل كذا فالجواب كذا، كما اعتاد أن يذكر أوجه التخريج الممكنة في كل مسألة. ففي شرحه لقول سيبويه «هذا باب علم ما الكلم من العربية، «يذكر في إعراب» ما (خمسة عشرة وجها)(4)
و في أثناء شرحه نصب نفسه مدافعا عن آراء سيبويه، دفاع عالم متمرس بأساليب الجدل و المناظرات و اعتاد أن يلجأ في حجاجه إلى أدلة يأخذها من معلوماته الواسعة، نذكر من ذلك مثالين، ففي معرض قول الشاعر:
و الذي عندي أن «إلا» أجود لأنها توجب أنهما أعطياه و سألهما في حال، كما حجزه كرمه عنده أنه ما عاب إعطاءهما و لا ألح عليهما في مسألته و شعره يدل على ذلك. قال كثير:
ص176
و من ذلك أن المبرد انتقد سيبويه في قوله إن سدوس اسم أبي القبيلة، قائلا إنها اسم امرأة مستدلا بقول الشاعر:
و في بعض الأحيان يحاول السيرافي التوفيق بين رأيي سيبويه و المبرد، في خلافهما مثلا حول تخريج قول الفرزدق:
ثم حاول أبو سعيف التوفيق بين رأي سيبويه و بين الواقع التاريخي، قائلا أنه يجوز تأول قول سيبويه أنه كان مسجونا غير أنه لم يعد سجنه سجنا لأنه لم يبطل عزه و لم يلحقه ذلّ. كما يقول القائل (تكلمت و لم تتكلم، أي تكلمت بما لم يقع موقعا يؤثر فيه الكلام فكأنه قال و ما أذلوني بالسجن و لكني عزيز بنسبي و محلي) (7).
و مع تقديره لإمام النحاة و دفاعه عنه فإنه استدرك عليه بعض المسائل.
ص177
و لقد عقد الدكتور عبد المنعم فائز فصلا خاصا باستدراكات السيرافي على سيبويه و ذلك في كتابه «السيرافي النحوي في ضوء شرحه لكتاب سيبويه» ، غير أن أكثر هذه الملاحظات تتناول الفروق بين الأسماء و الصفات. و ذكر المؤلف مجموعة من الكلمات و الأوزان اعتبرها سيبويه أسماء، و قال أبو سعيد أنها ترد صفات، و مجموعة أخرى جاءت على عكس ذلك. و من ذلك «عزويت التي يقول سيبويه أنها اسم لموضع، و يقول السيرافي أنها أيضا تقع صفة بمعنى الرجل القصير. و كذلك «الغيلم» ، يذكر سيبويه أنها دابة في البحر و السيرافي أنها أيضا تقال للمرأة الحسناء، و ذكر سيبويه أن «التفعال» في الأسماء فقط، و يذكر السيرافي أنه يأتي صفة مثل «التنبال» و يقول سيبويه إن «الجلف» صفة، و يورد السيرافي أن أصلها الشاة المسلوخة لم تقطع (8).
غير أن هذا النوع من الاستدراك لا يمكن اعتباره انتقادا و تخطئة و إنما هو تذييل و تكملة، مع العلم بالتداخل بين الأسماء و الصفات و كون كل واحد يصح اشتقاقه من الآخر. و هذا من المعروف في خصائص اللغة العربية، حتى قيل إن أكثر نعوتها مأخوذة من أسماء الأشياء الحسية، تنقل من اسم العين، إلى اسم المعنى، و من اسم المعنى إلى الصفة، مما هو مسطور في مجال الاشتقاق.
و أورد شوقي ضيف في كتاب «المدارس النحوية» نقلا عن الهمع و المغني، أن السيرافي خالف سيبويه في ظرفية «كيف» و في إعراب قوله تعالى: (لَوْ لاٰ أَخَّرْتَنِي إِلىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ اَلصّٰالِحِينَ ) (المنافقون- الآية 10) ، فقال إن «و أكن» معطوفة على المحل من «فأصدق» لا على معنى «لو لا أخرتني» ، كما هو رأي سيبويه، كما قال في إعراب «هذا جحر ضب خرب» يعطف «خرب» على «ضب» و ليست مجرورة بالمجاورة، و التقدير «هذا جحر ضب خرب الجحر منه» . و قال في جزم «أكرمك» في قولنا «إتني أكرمك» إنها مجزومة بالنيابة عن لفظ الشرط لا لتضمنها معنى الشرط (9)، و الفرق بين الوجهين غير واضح.
_____________________
(1) الرماني: النحوي، ص 152.
(2) الرماني: النحوي في ضوء شرحه لكتاب سيبويه (عازيا لشرح السيرافي) ، ص:147-148.
(3) السيرافي النحوي في ضوء شرحه لكتاب سيبويه:482. الرماني النحوي:144.
(4) الرماني النحوي:147-عازيا لشرح السيرافي للكتاب.
(5) الرماني النحوي:149-150.
(6) المصدر نفسه:151.
(7) المصدر نفسه:148-149.
(8) السيرافي النحوي:47-48.
(9) المدارس النحوية: 148.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|