أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-03-2015
2822
التاريخ: 26-09-2015
11326
التاريخ: 23-03-2015
1634
التاريخ: 22-03-2015
2073
|
يعتبر مرجوليوث D.S. Margoliouth من أوائل المحدثين من المستشرقين ممن أثار منهم الشك في الشعر الجاهلي في مقالة كاملة، خصص صفحاتها الكثيرة للحديث عن هذا الموضوع من جميع أطرافه(1). فقد نشر في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية - عدد يوليو سنة 1925- بحثًا عنوانه "أصول الشعر العربي"(2) رجح فيه أن هذا الشعر الذي نقرأه على أنه شعر جاهلي إنما نظم في العصور الإسلامية ثم نحله هؤلاء الواضعون المزيفون لشعراء جاهليين. وقد بنى رأيه هذا على ضربين رئيسيين من الأدلة: أدلة خارجية، وأدلة داخلية. وسنعرض في هذه الصفحات رأيه، في شيء من التفصيل.
الأدلة الخارجية:
1- بدأ مرجوليوث مقالته بالحديث عن وجود الشعر في الجاهلية؛ فقال(3): إن وجود شعراء في بلاد العرب قبل الإسلام أمر شهد به القرآن، إذ أن فيه سورة واحدة باسمهم، ثم يشير إليهم من حين إلى آخر في مواطن أخرى. ومن بين الأوصاف التي كان خصوم النبي ينعتونه بها أنه كان شاعرًا مجنونًا(4). وكان النبي ينفي عن نفسه هذه الصفة ويجيبهم بأنه إنما "جاء بالحق". ووردت، في سورة أخرى، ثلاث ألفاظ هي كاهن، ومجنون، وشاعر(5)، ويزعم مرجوليوث أن سياق الآية يدل على أن هذه الألفاظ الثلاثة في معنى واحد "مترادفة"، ثم قال: إن الذين وصفوه بأنه شاعر قالوا إنهم سيتربصون ليروا ما سيحدث له! وهو يرى أنه يصح أن يستنتج من ذلك أن من عادة الشعراء آنئذ التنبؤ بالغيب!! وأشار إلى أن القرآن قد ذكر أن لغته ليست لغة شاعر ولكنها لغة رسول كريم(6)، وأن الله لم يعلم النبي الشعر لأنه لا طائل له من ورائه(7)، وأن كلام النبي حقيقة مقررة وعظة واضحة(8) ويستنتج من ذلك أن الشعر كان آنئذ غامضًا مبهمًا!
ويشير إلى أن خلاصة صفات الشعراء مجموعة في السورة التي تحمل اسمهم. وفيها أنهم يتبعهم الغاوون، وأنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون. ويقول إن الآيات التي تلي هذه الأوصاف قد تبدو كأنما تستثنى بعض الشعراء الأتقياء من هذا الحكم، ولكن أسلوب القرآن يجعلنا في شك من أن المقصودين بهذا الاستثناء هم حقيقة الشعراء. ويذهب إلى أنه يجوز لنا أن نستنتج مما تقدم أن الشياطين كانت تتنزل على الشعراء. إذ أن القرآن ذكر أنهم يتنزلون على كل كاذب أثيم، ,أنهم ينقلون إليه أنباء كاذبة في جملتها(9) ويذكر أن هذه الآيات تشير إلى عمل الشياطين المذكور في سورة أخرى وهو: استراقهم السمع في المجالس السماوية، فعوقبوا على هذا الذنب بأن ألقيت عليهم الشهب(10)، وهذا ثانية يصل بين الشعراء والتنبؤ بالغيب!!
ثم يذهب إلى أنه إذا كان المقصود بالشعر هو هذا الشعر الذي عُرف في الأدب العربي بعد ذلك، فإننا نقع في حيرة من الأمر، وذلك أن محمدًا الذي لم يكن يعرف الشعر، كان يدرك أن ما يوحى إليه ليس بشعر، بينما كان أهل مكة -وهم لا شك يعرفون الشعر إذا ما سمعوه أو رأوه- يظنون كلامه شعرًا!
ويخلص مرجوليوث بعد هذا الحديث الطويل الذي لخصنا جملته، إلى أنه"ربما كان ما تبيح لنا الشواهد القرآنية قوله هو أنه كان قبل الإسلام بعض الكهان من بين العرب كانوا يُعرفون باسم "الشعراء"، كانت لغتهم غامضة مبهمة كما هو الشأن دائمًا في الوحي"(11).
2- وبعد أن ينتهي مرجوليوث من حديثه عن الشعر والشعراء كما استنتجه من آيات القرآن الكريم، يبدأ في عرض آراء العلماء المسلمين القدماء ويسميهم(12) Archaelogists. فيثير مشكلة ابتداء الشعر العربي ونشأته، ويقرر أنها أمر في الغاية من الغموض؛ إذ إن القدامى قد ذهبوا فيها مذاهب متباينة. فقد عزا بعضهم شعرًا عربيًّا إلى آدم(13)، بينما أورد آخرون قصائد غنائية عربية منذ عهد إسماعيل(14). ثم يقول إنه يبدو أن الرأي السائد أن الشعر العربي -بصورته التي ثبت عليها بعدُ- بدأ قبيل ظهور الإسلام بأجيال قليلة على أبعد تقدير.
ومع أن الذين يذهبون هذا المذهب يجعلون مهلهلًا أو امرأ القيس أول الشعراء فقد أوردوا شعرًا لشعراء سبقوهما بزمن طويل(15). ثم يختم حديثه هذا ختامًا يكشف عن شكه في كل ما أورد، وذلك قوله(16): "ولو أننا عددنا القصة التي تعزو إلى مهلهل اختراع القصيدة حقيقة تاريخية، فلا بد لنا من أن نُقر بأنه أصبح له مقلدون وأتباع كثيرون، فبين أيدينا عدد وافر من المجلدات التي تشتمل على مجموع أشعار عدد كبير من الشعراء الذين عاشوا في الفترة التي امتدت بين اختراعه وهجرة الرسول! وجميع شعراء المعلقات العشر المشهورين أصحاب دواوين أو مجموعات قصائد طُبع أكثرها وجاء في صفحات كثيرة.
وبجانب هؤلاء شعراء كثيرون يساوونهم في الإكثار ولم يُعدوا من العشرة الخالدين.
وفضلًا عن ذلك فإن القصائد الصادرة عن شعراء من قبائل معينة قد جُمعت في مجاميع، طُبع أحدها. وتدل هذه القصائد بطبيعتها على معرفة بالهجاء، وهي تشير في مواطن كثيرة إلى الكتابة، فلا شك إذن في أن عرب ما قبل الإسلام -الذين كانوا يستخدمون لغة القرآن!- كانوا مجتمعًا أدبيًّا عاليًا! ولا تكاد بلاد الإغريق القديمة تعرض علينا عددًا مثل هذا من عبدة آلهة الفن!".
3- ثم ينتقل إلى الحديث عن حفظ هذا الشعر الجاهلي، فيقول(17): "لو فرضنا أن هذا الشعر حقيقي، فكيف حفظ؟ لا بد أنه حفظ إما بالرواية الشفهية وإما بالكتابة ويبدو أن الرأي الأول "أي الرواية الشفهية" هو الرأي الذي يذهب إليه المؤلفون العرب، مع أنه ليس بالرأي الذي يجمعون عليه كما سنرى". ثم يشك -كعادته- في أن يكون الشعر الجاهلي قد حُفظ بالرواية الشفهية، ويبنى شكه على ثلاثة أسباب، الأول: "إذا كانت قصائد عدة ذات أبيات كثيرة قد حُفظت بالرواية الشفهية فلا يمكن أن يكون ذلك إلا إذا وجد أفراد عملهم أن يحفظوها في ذاكرتهم وينقلوها إلى غيرهم، وليس لدينا ما يدعونا إلى الظن بأن حرفةً مثل هذه قد وُجدت أو أنها بقيت خلال العقود الأولى من الإسلام!" والثاني: ما يذهب إليه المسلمون من أن "الإسلام يجبُّ ما قبله"(18) وما ورد في القرآن من "أن(19) أتباع الشعراء هم الغاوون فحديث القرآن عنهم فيه قسوة عليهم واحتقار لهم. فثمة إذن سبب قوي يدعو إلى نسيان الشعر الجاهلي إذا كان ثمة شعر جاهلي حقيقة!" والثالث مرتبط بالثاني وهو "أن الأعمال التي تخلدها عادة هذه القصائد كانت انتصارات القبائل بعضها على بعض، والإسلام، الذي كان يرمي إلى توحيد العرب ونجح نجاحًا كبيرًا في تحقيق تلك الوحدة، كان يحث على نسيان تلك الحوادث، والقصائد التي من هذا الضرب تثير النفوس وتهيج الدماء(20)".
4- حتى إذا اطمأن إلى أنه قد فند ما ذهب إليه أكثر القدامى من أن الشعر الجاهلي قد حفظ لنا بالرواية الشفهية، قال: "فلم يبق إلا الاحتمال الثاني وهو: أن هذه القصائد حُفظت بالكتابة". ثم يعرض روايات قليلة تشير إلى أن بعض الشعر الجاهلي كان يُكتب(21)، ويستنتج من ذلك أنه "ربما لا يوجد ما يتعارض مع ما تصرح به هذه القصائد إذا تخيلنا أنها كانت تذيع وتنتشر عن طريق الكتابة(22)". ولكنه لا يلبث أن يخضع لما يسيطر عيه من نزعة الشك فيحاول أن ينفي كتابة الشعر الجاهلي من وجهين، الأول: ما يصرح به القرآن نفسه "فإن وجود أدب فصيح قبل الإسلام بلغة القرآن وبالكتابة الحميرية، أو بأي خط آخر، لأمر يبدو مناقضًا كل التناقض لصريح ألفاظ القرآن ولأحكامه التي يقررها بحيث لا يصح أن يوضع هذا الأمر موضع النظر؛ فالقرآن يسأل أهل مكة: {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُون}(23) ويسأل الكفار والمشركين: {أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}(24) وأولئك الذي يخاطبهم القرآن لم ينزل على آبائهم نذير: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}(25). و{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}(26). {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(27). ولم يكن لأحد كتب سماوية إلا لمجتمعين: المجتمع
المسيحي والمجتمع اليهودي: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ}(28) ولم يكن للوثنيين كتاب من هذا الضرب. وهذا أمر من الصعب أن نفترض أن القرآن أخطأ فيه، فإن رسولًا إلى الهندوس قد يحكم على كتبهم بأنها لا قيمة لها وأنها مضللة، ولكنه لا ينكر وجودها. ولو أن الشعر الجاهلي كان مكتوبًا لكان للجاهليين كثير من الكتب "وهي كتب في الحقيقة موحى بها"، قد تكون غير مشذبة أو مصقولة -مع أنها لم تكن جميعًا كذلك كما سنرى- ولكنها مع ذلك كافية لأن تجيب عن أسئلة القرآن بالإثبات؛ ولكن القرآن، لا شك، يزعم أن الجواب بالنفي(29)".
أما الوجه الثاني فهو ما يدعوه "مجرى التطور الأدبي"، وهو، في حديثه هذا، يجمجم في ألفاظه ولا يكاد يبين، ومع ذلك فإن الهدف الذي يرمي إليه واضح، فهو يذهب إلى أن الأدب في تطوره يسير عادة، وربما دائمًا، من الصور الشاذة غير المنتظمة إلى الصور المألوفة المنتظمة، ومن هنا يرى أن الشعر الذي يزعم أنه جاهلي إنما هو مرحلة تالية للقرآن لا سابقة عليه، وذلك قوله(30): "إن الأساليب الأدبية العربية، سواء النثر المسجوع والشعر، فيها مشابه من أسلوب القرآن. وفي القرآن آيات لا ينكر أنها نثر مسجوع إلا الغلاة من المتشددين؛ وفيه أيضًا، في مواطن متعددة، أمثلة على كثير من الأوزان الشعرية. والتطور من الأسلوب القرآني إلى الأسلوب المنتظم Regular يبدو متمشيًا مع المألوف.
وإذا كان القرآن أول أثر في اللغة يظهر فيه الفن الأدبي فإن ما يدعيه لنفسه من الإعجاز في الفصاحة أمر من اليسير على الناس فهمه، وهو لا يختلف بذلك كثيرًا عما يدعيه لأنفسهم أولئك الذين أدخلوا، لأول مرة، النظم في اللغة أو ينسبه إليهم الآخرون. أما إذا كان المستمعون قد تعودوا سماع النثر المسجوع والشعر الكامل المصقول كما يبدوان في أساليب الآثار الأدبية التي تدل في ظاهرها على أنها جاهلية، فإن من العسير إقامة الدليل على هذا الادعاء".
5- ثم يتطرق بعد ذلك إلى الحديث عن الرواة من علماء القرنين الثاني والثالث الهجريين، فيذكر حمادًا، وجناداً، وخلفًا الأحمر، وأبا عمرو بن العلاء، والأصمعي، وأبا عمرو الشيباني، وابن إسحاق صاحب السيرة، والمبرد، فيجمع بعض ما انتثر في الكتب العربية من إشارات تُشيع الشك في بعض ما جمعوا أو أوردوا من الشعر الجاهلي(31)، ثم أضاف إلى ذلك آراء هؤلاء الرواة العلماء بعضهم في بعض، فقال(32): "إن هؤلاء العلماء لم يكن يوثق بعضهم بعضًا، فابن الأعرابي كان يتهم الأصمعي وأبا عبيدة، وربما بادلوه اتهامًا باتهام، ولا شك في أن كلًّا منهم كان يتهم الآخر". وسنورد تفصيل هذه الروايات في الفصل التالي.
وقد ختم حديثه عن هذه النقطة بقوله(33): "وقد نقبل أن بعض العلماء كانوا يشكون، بل كانوا ينقدون، فلم يضعوا ولم ينحلوا، وأدخلوا في مجموعاتهم ما كانوا يعتقدون أنه حقيقة شعر قديم، ولكن هذا يعود بنا إلى التساؤل عن مصادرهم. فقد كانت رسالة محمد حدثًا عظيمًا في بلاد العرب: كانت انفصالًا عن الماضي يندر مثيله في التاريخ. فقد ترك الناس، من جميع أنحاء شبه الجزيرة، مساكنهم ليستوطنوا في بلاد لم يكن إلا القليل منهم يسمع بها. وقد واكبت الإسلام وتلته حروب أهلية في داخل شبه الجزيرة. ولم يكن الإسلام متسامحًا مع الوثنية القديمة حتى ولا تسامح استصغارًا لشأنها، بل كان يناصبها أشد العداء، ولم يقبل أن يلتقي معها في مكان سوى. فإذا كان الشعراء هم لسان الوثنية الناطق، فمن هم أولئك الذين حفظوا في صدورهم، ثم نقلوا إلى غيرهم، تلك الأشعار التي تنتسب إلى نظام أبطله الإسلام؟ ونستطيع أن نتتبع الشعور بهذه الصعوبة في ذلك الحل الذي يقال إن حمادًا قدمه، وهو أن الأشعار كانت مدفونة حينما كانت الحماسة للإسلام في أشدها، ثم اكتشفت مصادفة حينما بردت تلك الحماسة بعض الشيء".
ولكن مرجوليوث لا يطمئن إلى ما انتهى إليه: فلا يكاد يتم حديثه السابق حتى يعقب عليه بقوله إن هؤلاء الشعراء لم يكونوا كما يبدو عليهم "لسان الوثنية الناطق، بل كانوا مسلمين في كل شيء ما عدا الاسم"(34) ومن أجل أن يبرهن على حكمه هذا ينتقل إلى الضرب الثاني من الأدلة التي يرى أنها كفيلة بإشاعة الشك في صحة الشعر الجاهلي، وهي الأدلة الداخلية:
1- وأول هذه الأدلة الداخلية -كما يراها مرجوليوث- هو ما في هذا الشعر الجاهلي من إشارات إلى قصص ديني ورد في القرآن، وما فيه من كلمات دينية إسلامية مثل: الحياة الدنيا، ويوم القيامة، والحساب، وبعض صفات الله. وقد بدأ مرجوليوث حديثه عن هذا الدليل بقوله(35): "إن الشعراء، من جميع الأمم، لا يتركون الناس بعدهم يشكون في أمر ديانتهم، والعرب في نقوشهم واضحون صريحون كذلك في هذا الموضوع، فإن أكثر هذه النقوش تذكر إلهًا أو آلهة وأمورًا تتصل بعبادتها.. ولكن الإشارات إلى الدين في الأشعار التي بين أيدينا قليلة... ولا نجد من الشعر جو الآلهة المتعددة الذي نجده في النقوش. وربما كان هذا الذي أوحى للأب شيخو نظريته في أنهم كانوا جميعًا نصارى، ولكن يبدو أن هذه النظرية غير صحيحة، فإن بعض هؤلاء الذين افترض أنهم نصارى عبروا عن أنفسهم بطريقة تظهر في وضوح أنهم ينتسبون إلى مجتمع آخر مختلف.
فأعشى قيس، وهو مذكور في كتاب شيخو، يتحدث عن المصلين أو العباد متحلقين حول باب حاميهم مشبهًا تحلقهم بتحلق النصارى حول بيت صنمهم(36)، وأحد الأمثلة القليلة التي نجد فيها قسمًا بآلهة وثنية نجده في بيت منسوب إليه(37)".
ثم يمضي مرجوليوث في حديثه فيقول(38): "وحيثما يكن النصارى تكن لهم كتبهم المقدسة، وتتأثر لغتهم وأفكارهم تأثرًا كبيرًا بتعبيرات الأناجيل ورسائل الحواريين والأناشيد، ويتخذ شعرهم في الغالب طابع الترانيم ولكن في الشعر -الذي يفترض أنه شعر جاهلي- ندرة كبيرة في الإشارات إلى الكتاب المقدس وتعاليم المسيحية حتى لدى الشعراء الذين ازدهروا في بلاط مسيحي.. وبالرغم من أن الشعراء الجاهليين يقسمون كثيرًا، فهم لا يكادون يختلفون في قسمهم بالله، وهو قسم شائع حقًّا في دواوينهم، حتى إن عبيد بن الأبرص الجاهلي يقسم بلغة القرآن وذلك قوله(39):
حلفت بالله إن الله ذو نعم لمن يشاء وذو عفوٍ وتصفاح
وفكرتهم عن أعمال الله لا يستنكرها موحد، فهي قد سبقت في التعبير عما يعبر عنه القرآن في كل التفصيلات على وجه التقريب". ثم يمضي مرجوليوث يضرب لنا الأمثلة على ذلك، فيمثل، ببيت ذي الإصبع العدواني الذي يصف فيه الله بأنه "الذي يقبض الدنيا ويبسطها"، ويمثل ببيت جليلة بنت مرة على أن النساء كن يلجأن إلى الله إذا حزبهن أمر كالثكل، وهو قولها:
إنني قاتلة مقتولة ولعل الله أن يرتاح لي
ويتمثل كذلك ببيت عبيد بن الأبرص:
من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب
ويشير إلى أنهم كانوا يخشون ما يغضب الله من الذنوب، ويتمثل ببيت امرئ القيس:
فاليوم أشرب غير مستحقب إثمًا من الله ولا واغل
ويذكر أنهم كانوا يصفون الله بأنه ذو الأمر المقضي، ويشير إلى بيت الحارث بن حلزة:
فهداهم بالأسودين وأمر الـ ـله بلغ تشقى به الأشقياء
إلى آخر ما يورد من أمثلة هذا الباب. ثم يستنتج من ذلك(40) "أن الديانة الوحيدة التي يصح أن يعتنقها هؤلاء الشعراء الجاهليون هي الإسلام". ويقول إن هؤلاء الشعراء لم يكونوا "موحدين متمسكين بالوحدانية حسب، بل إنهم ليكشفون عن معرفتهم بأمور يذكر القرآن أنها لم يكن يعرفها العرب قبل نزول الوحي. ففي سورة رقم 11 آية 51 يذكر أنه لا محمد ولا قومه سمعوا من قبل بقصة نوح(41)، وهذا القول متفق مع ما نستنبطه من النقوش التي لا تشير إلى السلالات العربية الواردة في التوراة والتي تشير إليها هذه القصة". ثم يشير إلى أن النابغة كان يعرف هذه القصة بتفصيلاتها، ويعقب على ذلك بقوله: "ويبدو أن القرآن هو المصدر الوحيد عن هذا الأمر"، ويورد بيت النابغة:
فألفيت الأمانة لم تخنها كذلك كان نوح لا يخون
ويقول: "وهنا إشارة واضحة إلى الصفة "أمين"، وهي في القرآن من صفات نوح(42).
ثم يتحدث عن الألفاظ الإسلامية في شعر عنترة فيقول: "وواضح أن عنترة العبسي كان يعرف وحي القرآن ومصطلحات الإسلام". وذلك لأنه استخدم ألفاظ "قبلة القصاد"(43) و الركوع والسجود"(44) و"حجر المقام"(45) و"الجحيم"(46) و"المحشر"(47) وغيرها، ولذلك قال عنه إنه "لا داعي للشك في أنه كان مسلمًا تقيًّا صالحًا، غير أن حياته انتهت قبل الإسلام!!".
ثم ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن لفظة "الدنيا" فيقرر أن القرآن أول من استعمل لفظ "الدنيا" للدلالة على الحياة أو هذا العالم، ثم يقول(48): "غير أن الشعراء الجاهليين كانوا على معرفة تامة بهذا التعبير". وهنا يمثل بقول عبيد بن الأبرص "طيبات الدنيا"، وقول ذي الإصبع "عرض الدنيا".
وبعد أن يفيض في تفصيل القول وضرب الأمثلة ينتهي إلى قوله(49): "من المحتمل جدًّا أن نتصور أن محمدًا كان له "سابقون" بمعنى أن بعض الأفراد ثاروا قبل عهده على عبادة الأوثان في وسط بلاد العرب؛ ومن الواضح، فضلًا عن ذلك، أن النصرانية سيطرت على أجزاء من شبه الجزيرة. ولو أن الشعراء الجاهليين نظموا كما ينظم النصارى مضمنين المبادئ المسيحية مظهرين معرفتهم بتعاليمها لكان من الجائز أن تواجهنا بعض الصعوبات في قصائدهم وتعترضنا مشكلة نقلها وحملها، أما ديانتهم وحدها فلن تكون حينئذٍ من بين هذه الصعوبات. ولكن حينما نجدهم يتحدثون كالمسلمين، متشددين في توحيدهم كما صار أصحاب النبي بعد ذلك، وحينما كانوا يرددون صدى أي كتاب مقدس كان هذا الكتاب هو القرآن فإنه من الصعب أن نقبل صحة هذه القصائد، إذ لماذا كان للعرب، الممثلين في النقوش، آلهتهم المحلية المتعددة، بينما لم يكن يعرف شعراء البلاد نفسها إلهًا غير الإله الذي دعا محمد إلى توحيده؟ وحتى لو أننا افترضنا أن النقوش قد صدرت عن مجتمعات تختلف عن مجتمعات الشعراء، فماذا يحدث لرسالة محمد إذا كان الناس الذين "أنذرهم" يعتقدون بإله واحد وينتظرون يوم البعث؟ ولو أننا اتبعنا النقوش فلا بد من الاعتراف بأن جدل القرآن قد كان في موطنه الصحيح الحق، وربما كانت مناسك عبادة المكيين وجيرانهم تختلف عن مناسك عبادة الجهات التي فيها النقوش، ولكنها كانت مشابهة لها إذ أنها من أسرة واحدة. ولكن آراء الشعراء الجاهليين في الموضوعات الدينية تبدو مشابهة، بل مماثلة، لتلك التي يعلمنا إياها القرآن".
2- والدليل الثاني من الأدلة الداخلية هو: اللغة. ومدار حديثه في هذا الدليل على أمرين: الاختلاف بين لهجات القبائل المتعددة، والاختلاف بين لغة القبائل الشمالية جملة واللغة الحميرية في الجنوب وهو يذكر أن هذا الاختلاف بنوعيه واضح فيما اكتشف من نقوش في شمال شبه الجزيرة وفي جنوبيها. غير أن هذا الشعر الجاهلي كله كما يشير مرجوليوث(50) "بلغة القرآن، بالرغم من استخدام كلمة أو صيغة في مواطن متفرقة من هذا الشعر يقال عنها إنها لهجة قبيلة بذاتها أو لهجة إقليم. ولو أننا افترضنا أن أثر الإسلام في قبائل بلاد العرب وحد لغتهم... فإنه من الصعب أن نتصور أنه كانت ثمة لغة مشتركة -تختلف عن لغات النقوش- منتشرة في أنحاء شبه الجزيرة كلها قبل أن يهيئ الإسلام هذا العنصر الموحد... وليس بين أيدينا أي دليل على أنه كان في جنوب بلاد العرب شعراء، ومع ذلك فإذا كان ثمة شعراء فلا بد أنهم نظموا بإحدى اللهجات العربية الجنوبية... ولقد اكتشف حقًّا نقش أو نقشان في شمال بلاد العرب بلغة القرآن، ولكن نقوشًا أخرى كشفت عن ثروة من اللهجات تماثل اللهجات التي وجدت في الجنوب، وهنا أيضًا لا وجود للشعر فيما نعلمه ليومنا هذا... وحينما صنع العلماء الأقدمون مجموعاتهم كانت لغة القرآن بفضل الإسلام قد صارت اللغة الفصحى في جنوب بلاد العرب، وهذا نفسه جعلها تسود في أجزاء أخرى من شبه الجزيرة. وليس لدينا حتى الآن ما يجعلنا نفترض أنها كانت لغة أدبية في أي مكان قبل القرآن. ولو أننا نبحث في وثائق نثرية فلربما اطمأننا إلى أحد افتراضين: إما أنها تُرجمت، وإما أنها، على الأقل، نُقلت من طور لغوي إلى طور آخر؛ وذلك يشبه، شبهًا ما، التغير في هجاء الكلمة الذي يحدث تدريجيًّا في الآثار المطبوعة، متفقة مع أحدث استعمال، من غير أن يكون ذلك عن سوء قصد. ولكن هذا التغير مستحيل في الشعر إذ أن فيه من الصنعة المعقدة أكثر مما في أي أسلوب آخر معروف".
ثم ينتهي من حديثه هذا بأن يربط بين هذا الدليل والدليل الذي سبقه فيقول(51):
"وكما أن وجود الأفكار الإسلامية في الآثار المقطوع بجاهليتها دليل على وضعها وزيفها، فإن استخدام لهجة، جعلها القرآن لغة فصحى، أمر يدعونا إلى أن نشك فيها طويلًا... ويبدو أن المسلمين الذين جمعوا قصائد من جميع أنحاء شبه الجزيرة بلغة واحدة، كان عملهم هذا متمشيًا مع عملهم في جعل كثير من هؤلاء الشعراء، بل أكثرهم، يعبدون الله ولا يشركون به: إنهم يسحبون على الماضي ظواهر هم أنفسهم يعرفونها...".
3- وأما الدليل الآخر من الأدلة الداخلية فقائم في موضوعات القصائد نفسها، وحديثه عن هذه النقطة يلفُّه الغموض والإبهام، ولعله يريد أن يستنتج منه أن اتفاق القصائد الجاهلية في التطرق لموضوعات واحدة بعينها تتكرر في كل قصيدة أمر يدل على أنها نظمت بعد نزول القرآن لا قبله، وذلك قوله(52): "فإذا كانوا يبدؤون دائمًا قصائدهم بأبيات في النسيب لأن القرآن يقول إن الشعراء في كل واد يهيمون، وإذا كانوا يصفون أسفارهم وتجوالهم لأن القرآن يقول إنهم يتبعهم الغاوون وهذا يتضمن يقينًا أنهم أنفسهم ضالون غاوون، وإذا كانوا يذيعون وينشرون أعمالهم، وغالبًا ما تكون مخالفة للأخلاق لأن القرآن يقول إنهم يقولون ما لا يفعلون فإننا نستطيع على الأقل أن نقتفي هذه الرتابة إلى مصدرها. ولكن إذا كان هذا الشكر الثابت المقرر أقدم من القرآن فلا بد أنه يرجع إلى نماذج معينة معترف بها، والبحث عن هذه النماذج ينتهي بنا -كما رأينا- إلى آدم!".
وبعد أن يُخيل إليه أنه استوفى أدلته يعود إلى مناقشة الأمر مناقشة كلية فيقول(53): "وإذن إذا كان الشعر -الظاهر أنه جاهلي- مشكوكًا فيه بكلا الدليلين الخارجي والداخلي، فإننا نعود إلى مشكلة ابتداء النظم العربي، وهل هو قديم جدًّا... أو هل نُظم جميعه بعد الإسلام فهو بهذا متطور عن الأساليب التي وُجدت في القرآن؟ ويبدو هذا السؤال في الغاية من الصعوبة. إذ أنه يبدو -من جهة- أن الأمر مستمر متصل: فالشعراء الأمويون يلون شعراء عصر النبي والصحابة، وهؤلاء يتبعون الشعراء الجاهليين... ولذلك فإن افتراض أن العرب نظموا الشعر افتراض مُغرٍ، إلا أننا لا نستطيع أن نطمئن إلى أن بين أيدينا حقًّا شعرًا من قبل الإسلام. بينما نجد من جهة أخرى -فضلًا عن فقدان الشعر في النقوش- أن القرآن لم يشر إلى الموسيقى... فإذا كانت الموسيقى من مستحدثات العصر الأموي فهل نستطيع أن نتصور أن الوزن الشعري قد وُجد عند العرب من قبلُ بهذا الانتظام وبهذه الغزارة؟ إن التسلسل المعتاد لنشأة هذه الأشياء هو: الرقص ثم الموسيقى ثم الشعر..." ثم يقول(54): "لقد كانت الممالك الجاهلية التي نعرفها عن طريق النقوش ذات حضارة باسقة، ولكن لا يبدو أنه كان لها شعر، فهل نصدق أن الأعراب غير المتحضرين كان لهم شعر في مثل هذه الصور المركبة كما يصدق بذلك العلماء الأقدمون من المسلمين؟ وبوجه عام فإن من المرجح احتمال صواب ما افترضناه وهو: أن كلًّا من الشعر والنثر المسجوع كانا في معظمهما مشتقين من القرآن، وأن تلك الجهود الأدبية التي سبقت القرآن كانت أقل فنًّا منه لا أكثر فنًّا".
ثم يختم مرجوليوث مقالته هذه بقوله(55): "وإذا كان يبدو من الحكمة ألا نطلق حكمًا على مشكلة النظم العربي وهل يرجع إلى عهد قديم جدًّا أو هل هو حادث بعد القرآن فإن سبب ذلك تلك الصفات المحيرة التي نجدها فيما بين أيدينا من أدلة. ونحن في أمان حينما نبحث في النقوش، ويصح أن يوثق بالقرآن في بيان حالة العرب الذي أنزل لهم في زمن النبي، أما في تاريخ الشعر العربي فلا بد لنا من الرجوع إلى مصادر أخرى، وهي -في أغلبها- تبحث في أزمنة وأحوال لا عهد لمؤلفيها أنفسهم بها وكانت تجاربهم وخبرتهم تقودهم إلى تصديق أمور كثيرة ضللتهم بالضرورة. ونحن -حينما نحاكم أقوالهم ونبحث فيها- نستطيع أن نذهب في الشك إلى أقصى حدوده، كما نستطيع أن نمضي في التصديق إلى أبعد مذاهبه!".
-2-
ثم تعاور نفر من المستشرقين الحديث عن "صحة الشعر الجاهلي" وكان أكثرهم يرد، فيما يكتب، ما ذهب إليه مرجوليوث، ويفند أدلته وافتراضاته وكان أولهم، فيما نعرف، الأستاذ شارلس جيمس ليال Charles James Lyall الذي أشار في المقدمة التي صدر بها الجزء الثاني من "المفضليات" سنة 1918م، إلى ما جاء به مرجوليوث في مقاله المنشور في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية عدد سنة 1916 ص397، وإلى ما أورده في "معلمة الدين والأخلاق" من حديثه عن "محمد" وما أورده كذلك في الصفحة الستين من كتابه "محمد" سنة 1905.
بدأ ليال حديثه عن "صحة الشعر الجاهلي"(56) بأن أورد ما ينسب إلى المفضل من تجريح حماد الراوية وذلك قوله(57): "قد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبدًا. فقيل له: وكيف ذلك؟ أيخطئ في روايته أم يلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردون من أخطأ إلى الصواب، لا، ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه به مذهب رجل ويدخله في شعره، ويُحمل ذلك عنه في الآفاق، فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد وأين ذلك!".
يقول ليال إن بين ناقل هذا الخبر -وهو أبو الفرج الأصفهاني- وصاحب الحديث -وهو المفضل الضبي- ثلاثة رواة في سند الخبر هم: محمد بن خلف وكيع عن أحمد بن الحارث الخراز عن ابن الأعرابي. فربما زاد هؤلاء أو أحدهم على هذا الحديث شيئًا مما يزيده الرواة، غير أننا لو قبلنا أن هذا الحديث قد قاله المفضل حقًّا وسلمنا بذلك، فلا بد لنا من أن نذكر أن حمادًا كان معاصرًا للمفضل وأنه ربما كان أصغر منه سنًّا، وأن المفضل كان من أعلم الناس بالشعر وأقدرهم على تمييز صحيحه من منحوله، وأن الرواة من العرب -وهم الذين يُزعَم أن حمادًا قد أفسد ما أخذ عنهم من الشعر- كانوا، من قبل أن يفسد حماد روايتهم، قادرين على أن يفتحوا خزائن الشعر الذي يحفظونه ويروونه بين يدي المفضل. ولو أننا سلمنا بصحة ما ذكره هذا الخبر من أمر الوضع والنحل، فإن ذلك ينتهي إلى أن ما زاده حماد كان يشبه لغة الشاعر الحقيقي الأصيل وإحساسه وعاطفته شبهًا يستحيل معه التمييز بينه وبين شعر الشاعر الأصيل.
فإذا كان ذلك كذلك فكيف أمكن أن يُعرف أنها موضوعة منحولة، إذا لم يكن ثمة من يعرف القصيدة في صورتها الأولى من غير ما أضيف عليها من زيادات موضوعة؟ ومن يكون ذلك العالم سوى المفضل نفسه؟
ثم يورد ليال خبرًا آخر عن المفضل وحماد، وهو يصف لنا هذا الخبر بأنه نموذج ومثال للطريقة التي زعم الرواة أن حمادًا أفسد بها الشعر القديم. وذلك قول أبي الفرج(58) عن جماعة من الرواة قالوا: "إنهم كانوا في دار أمير المؤمنين المهدي بعيساباذ، وقد اجتمع فيها عدة من الرواة والعلماء بأيام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها، إذ خرج بعض أصحاب الحاجب، فدعا بالمفضل الضبي الراوية فدخل، فمكث مليًّا ثم خرج إلينا ومعه حماد والمفضل جميعًا، وقد بان في وجه حماد الانكسار والغم، وفي وجه المفضل السرور والنشاط، ثم خرج حسين الخادم معها، فقال: يا معشر من حضر من أهل العلم: إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حمادًا الشاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره، وأبطل روايته لزيادته في أشعار الناس ما ليس منها، ووصل المفضل بخمسين ألفًا لصدقه وصحة روايته، فمن أراد أن يسمع شعرًا جيدًا محدثًا: فليسمع من حماد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضل". ثم يذكر أبو الفرج، عمن روى عنه، سبب ذلك ويفصل ما جرى بين حماد والمفضل في حضرة المهدي من زيادة حماد بيتين قبل مطلع قصيدة زهير:
دع ذا وعد القول في هرم
ويعقب ليال على هذا الخبر بقوله(59): "إن هذه القصة تتضمن أن المهدي كان آنئذ خليفة، وذلك لأن الرواة قالوا إنهم كانوا في دار أمير المؤمنين، ولأن قصره بعيساباذ بناه بعد أن ولي الخلافة. غير أنه يشك في أن يكون حماد قد عاش حتى سنة 158هـ، وهي السنة التي ولي فيها المهدي. فقد ذكر ابن خلكان أن وفاة حماد كانت في سنة 155هـ، وذكر ابن النديم في الفهرست أنها كانت في سنة 156. وفضلًا عن ذلك فإن البيتين اللذين يقال إنهما أضيفا إلى قصيدة زهير ليس فيهما إلا وصف عادي، وفي المجموعات القديمة مئات من القصائد تبدأ بما يشبههما. والقيمة الوحيدة لذكر أسماء المواضع في هذين البيتين هي أنهما يدلان على أن الشاعر ينتمي إلى الموطن الذي توجد فيه هذه المواضع. فإذن لم يكن عملًا جليلًا أن يزاد على قصيدة لزهير -من الواضح أنها ناقصة في أولها- أبيات قليلة وضعت مكان النسيب الناقص؛ ولا ريب أن ذلك لا يدل على مهارة خارقة في الوضع والنحل".
ثم يذكر ليال قصة ثالثة يرويها الرواة ليدلوا بها على خلق حماد. وذلك أن حمادًا مدح بلال بن أبي بردة بقصيدة، وعند بلال ذو الرمة. فقال بلال لذي الرمة: كيف ترى هذا الشعر؟ قال: جيدًا وليس له. ثم اعترف حماد أن الشعر جاهلي قديم لا يرويه غيره وأنه انتحله لنفسه(60).
ثم يعقب ليال على كل ذلك في معرض حديثه عن المفضليات بقوله(61):
إن هذه القصص ذات الدلالات لتوضح لنا -سواء أكانت صحيحة أم موضوعة- أنه ليس ثمة ما يحملنا على الظن أن الشعر الذي جمعه المفضل قد أفسده ما يغزَى إلى حماد من وضع الشعر ونحله.
وبعد أن يعرض ليال لسيرة خلف الأحمر، ولما ينسب إليه من أنه كان يقول الشعر وينحله الشعراء الجاهليين(62)، يقول(63): "إنه لمن الخطأ العظيم أن نعد هذين الرجلين -حمادًا وخلفًا- النموذجين المثليين للرواة المحترفين الذين كانوا يروون أشعار القبائل. فقد كانا كلاهما من أصل فارسي. أما رواة القبائل فكانوا من العرب، يختارهم الشعراء ليكونوا الوسيلة التي تحفظ شعرهم وتخلده في صدور القبيلة والأمة العربية بعامة. وكان من هؤلاء أن أخذ الرواة الجامعون في القرنين الأول والثاني الهجريين ما جمعوا من شعر. وأما أن نذهب، كما ذهب أحد العلماء المحدثين(64)، إلى أن جميع ما نسميه بالشعر العربي القديم موضوع منحول، مستدلين على ذلك بالقصص التي تُروَى عن حماد وخلف، وقد قدمنا نماذج منها فهو مذهب مخالف لجميع وجوه هذه القضية واحتمالاتها. إن حمادًا وخلفًا كانا يحاكيان أسلوبًا للنظم كان قد قُرِّر واتخذ صورته النهائية زمنًا طويلًا قبل الإسلام، وكان قد نظم به شعراء كثيرون كانوا وثنيين، أو غير مسلمين، في زمن محمد ثم أسلموا؛ وقد كثر استخدامه وسُجل بالكتابة لعهد شعراء القرن الأول الهجري "مثل جرير والفرزدق والأخطل وذي الرمة، ولم أذكر إلا الذين خلفوا لنا تراثًا من الشعر كبيرًا". فسلسلة الرواية والنقل لم تنقطع: فقد كانت الطبقة الأخيرة من الشعراء على قيد الحياة ينظمون الشعر حينما كان العلماء يدأبون في جمع الشعر وتدوينه. ولا يمكن أن تعترضنا، في دراستنا لهؤلاء الشعراء مشكلة الوضع والنحل لأن رواتهم قد دأبوا على كتابة القصائد التي تلقى عليهم لنشرها وتخليدها. أما الشعر الجاهلي فربما حاكاه حماد وخلف، ولكن هذه الحقيقة نفسها، المحاكاة، تدل على وجود أصل يحاكى.
أما أن نذيع أن ما بين أيدينا لا يعدو أن يكون الصورة المحكية، وأنه لم يبق شيء من الأصل نفسه فذلك أمر لا يقره الفهم السليم على ضوء هذه الظروف".
ثم يمضي ليال في حديثه فيقول: "إن ما ينبغي أن نستنتجه من هذه القصص عن حماد وخلف ليس رد هذا الشعر القديم ووصمه بأنه موضوع منحول من غير بحث وتمحيص، بل وضع هذا الشعر موضع البحث الدقيق مهتدين بما تقدمه الرواية في ذلك الزمن من الأدلة، وناظرين إلى موضوع القصيدة وأسلوبها والصفات الشخصية المميزة، لنرى بعد ذلك هل فيها ما يوحي على أي وجه بأن فيها زيادات دخيلة، أو تغييرًا في ترتيب الأبيات، أو أنها موضوعة منحولة".
وقد تحدث ليال عن هذا الموضوع حديثًا مفصلًا في موطن آخر، وذلك في مقدمته لديوان عبيد بن الأبرص، قال(65): "أما موضوع صحة هذا الشعر فأمر من الطبيعي أن يختلف فيه الناس. إذ من المؤكد أن شعر الأعراب في الجاهلية العربية لم ينتقل بالكتابة، بل بالرواية. وكانت القبيلة تعد القصائد التي تسجل انتصاراتها أغلى ما تملك، فكانت ترويها جيلًا بعد جيل، وبالإضافة إلى هذه المعرفة العامة المنتشرة في القبيلة، كان هناك الراوي، وعمله أن يحتفظ بمذخور الشعر الذي تعيه ذاكرته. وكان يعتني بالذاكرة -في العصور التي لم تستخدم فيها الكتابة إلا في المدن ولأغراض خاصة - عناية كبيرة، بحيث كانت أكثر قدرة على الاستيعاب منها في العصر الحديث. وليس من الغريب أن تتناقل القصائد بهذه الطريقة قرنين أو ثلاثة.
ومن الطبيعي أن يفترض المرء أن هذه القصائد اعتراها بعض التغيير في أثناء هذا التناقل: فقد تُستبدل بعض الكلمات المترادفة بغيرها، وقد يؤدي عدم تثبت الذاكرة إلى إسقاط أبيات، أو تغيير في ترتيبها، أو وضع عبارات الراوي بدل العبارات التي نسيها. ومثل هذه الظواهر شائعة في كل مكان. غير أننا حين نفحص القصائد ذاتها نجد فيها من الشخصية الفردية ما يكفينا للاستدلال على أن القصائد، في معظمها، من نظم الشعراء المنسوبة إليهم. فالمعلقات السبع مثلًا كلها قصائد ذات شخصية وخصائص واضحة؛ وتعرض لنا سبع شخصيات متميز بعضها من بعض كل التميز. ونجد الأمر نفسه في القصائد الثلاث الباقية "للأعشى والنابغة وعبيد" التي عدها بعض النقاد من المعلقات. فقد تركت شخصية امرئ القبس وزهير ولبيد والنابغة والأعشى طابعها على شعرهم ومن جموح الخيال أن نظن أن معظم القصائد المنسوبة لهم مصنوعة في عصر متأخر، صنعها علماء عاشوا في ظروف مغايرة تمام المغايرة، وفي حياة شديدة الاختلاف عن حياة الأعراب في الصحراء العربية.
والسبب الثاني لاعتقادنا أن الشعر القديم صحيح في جملته، وليس منحولًا، هو أن شعر القرن الأول الهجري يتضمن وجود هذا الشعر الجاهلي ويفترض سبقه عليه: فقد استمر شعراء القرن الأول المشهورون: الفرزدق وجرير والأخطل وذو الرمة، يتبعون تقاليد الشعراء الجاهليين، من غير أن تكون بينهم فجوة؛ ففضلًا عن أنهم ذكروهم في شعرهم، فقد استعملوا ذخيرتهم الشعرية مرارًا متكررة، متناولين الموضوعات نفسها بالأسلوب نفسه: محسنين ومحورين ومقتبسين، ولكنهم ما يزالون متقيدين بالتقاليد نفسها. وليس هناك من شك في أنه قد وصلنا شعر هؤلاء الشعراء صحيحًا، فقد عاشوا في عصر عم استخدام الكتابة فيه لتدوين الشعر وإن كانت الرواية ما تزال أداة نشره بين الجمهور.
وسبب ثالث: هو أن الشعر القديم مليء بألفاظ كانت غربية على العلماء.
الذين كانوا أول من عرض هذا الشعر على محك النقد. فقد كانت تنتمي إلى مرحلة لغوية أقدم من عصرهم، وكانت غير مستعملة في الزمن الذي كتبت فيه القصائد وجمعت الدواوين. ولا بد من أن يتنبه كل من اتصل بالشروح القديمة وعرفها "وهي المادة التي جمعت منها المعاجم الكبيرة فيما بعد" إلى أن الشراح -الذين يختلفون فيما بينهما اختلافًا كبيرًا- توصلوا إلى شرح الصعوبات بمقابلة عبارة أخرى، وبالجدل والنقاش، لا بالرجوع إلى لغة الخطاب التي لم تعد تحوي الألفاظ التي يبحثون عن معناها. وتعتمد المعاجم كل الاعتماد على الشعر القديم وعلى القرآن والحديث، وتفترض صحة الشعر كما تسلم بصحة القرآن والحديث".
-3-
وتحدث جورجيو ليفي دلا فيدا في مقالته "بلاد العرب قبل الإسلام" عن قيمة المصادر التاريخية لهذه الفترة، وعرض في حديثه للشعر الجاهلي من حيث هو مصدر من هذه المصادر، فقال(66): "حين نحاول البحث في العصور الوسيطة في بلاد العرب "يقصد الجاهلية الأخيرة" نواجه المشكلة نفسها التي واجهتنا في دراستنا لبلاد العرب القديمة "أي الجاهلية الأولى". وما نعرفه ليس بالكثير، إذا قيس بما نجهل، والمجال متسع للفروض الظنية. وأيًّا كان، فإن أسباب فقدان القطع واليقين في دراستنا لتاريخ تلك الفترة أسباب مختلفة اختلافًا تامًّا: فإن مصادر تاريخ بلاد العرب في القرون السابقة لظهور الإسلام مباشرةً مصادر أدبية في أغلبها، وليست نقوشًا كمصادر تاريخ بلاد العرب القديمة. وهي غزيرة وافرة، وربما كانت أوفر مما ينبغي فإننا نعاني من كثرتها لا من قلتها. ولكن قيمتها للأسف لا تعادل وفرة عددها، فإن المعلومات التي تنقلها إلينا ليست مأخوذة من وثائق أولية. وهي تشبه -من بعض وجوهها- المصادر التي نعرفها عن التاريخ اليوناني والروماني واليهودي. وأكثر المصادر العربية أخبار جمعها علماء العصور الإسلامية ورتبوها. والأدلة المباشرة يقدمها لنا الشعر الذي وصل إلينا عن طريق ما قام به العلماء المسلمون من اختيار وشرح. أما الأدلة التاريخية، وهي غير مباشرة، فلا يصح أن يعتمد عليها من غير نقد وتمحيص.
ونتائج النقد والتمحيص تجيء -عادة- متباينة. فإن جماعة من العلماء المعاصرين يشكون شكًّا عميقًا أساسيًّا في الرواية العربية، ويذهبون إلى أن أكثرها موضوع زائف، وأنها تمثل الاتجاه الذي نما في القرنين الثاني والثالث الهجريين، حينما نسي العرب ما كانوا يذكرونه عن التاريخ الجاهلي، فحاول اللغويون والإخباريون أن يملئوا الفجوات وذلك بأن يضعوا وزيفوا ما لم يجدوه في الوثائق الأصلية الحقيقية. من أجل ذلك يرون أن الأدب التاريخي العربي ليس أوثق من القصص التاريخية، وأن أكثر الشعر موضوع، فليس من المستطاع اتخاذهما أساسًا سليمًا يُبنى عليه فهم صحيح لما كان يحدث في بلاد العرب في العصر الجاهلي.
وهذا الموقف المتشكك مبالغ فيه -في رأي كاتب هذه المقالة- فإن الرواية التاريخية عن بلاد العرب في عصورها الوسيطة "الجاهلية الأخيرة" ليست أوثق، ولا أضعف، من أية رواية أخرى عن أي عصر تاريخي يعوزنا فيه الدليل المباشر.
فهي ليست أضعف من ليفي Levi -مثلًا- عن القرون الخمسة الأولى من التاريخ الروماني، أو من ساكسو جراماتيكس عن العصر القديم في الدانيمارك.
بل إنها -من بعض الوجوه- خير منهما، بالرغم من أنها لا تخلو من الفجوات والأخطاء. وليس بين أيدينا كل ما كتب عن الجاهلية العربية في القرنين الثاني والثالث الهجريين، إذ أن مؤلفات كثيرة ضاعت، ولم يبق من بعض الكتب الأخرى غير قطع ومختارات... وأهم من كل ذلك أن أكثر الرواية ذات جانب واحد، فبدلًا من أن ترمي الرواية التاريخية إلى التسجيل الشامل للماضي، أصبح لها ثلاثة أهداف: تقديم تفسير لإشارات تاريخية معينة في بعض سور القرآن، وشرح الحوادث التاريخية في الشعر القديم، وأخيرًا خدمة العزة القومية ومطالب أشراف الغرب ووضع أنساب واسعة لأكثر الأسر البارزة وذكر مفاخر قبائلهم.
والمثال يوضح نتائج هذه الطريقة التي نمت فيها الرواية. فقد كانت الخصومات القبلية التي تفوق الحصر هي العنصر الرئيسي في تاريخ الأعراب، ونحن نعرف منها عن قبيلة تميم أكثر جدًّا مما نعرفه عن غيرها من القبائل. والسبب الوحيد لذلك أن مصدرنا عن حروب تميم يرجع -كله تقريبًا- إلى شروح وافية كتبها أبو عبيدة على نقائض جرير والفرزدق... وكلاهما من قبيلة تميم، فكانا دائمًا يذكران في شعرهما أمجاد أسلافهما. ولو كانت لدينا شروح على أشعار لقبيلة أخرى لكانت معرفتنا بتاريخ هذه القبيلة تعادل في وفرتها وكمالها معلوماتنا عن تميم.
لقد بينا أن الشعر الجاهلي مصدر آخر من مصادر معرفتنا ببلاد العرب في العصور التي سميناها "العصور العربية الوسيطة". ولكن، هل الشعر في ذاته مصدر موثوق به؟ لقد بحث هذه المشكلة علماء كثيرون، وهي مشكلة عسيرة دقيقة وقد بولغ في مسألة وضع الشعر الجاهلي ونحله. وحتى لو كانت بعض قصائده موضوعة، فلا ريب في أن مجموع الرواية الشعرية في جملتها صحيحة أصيلة. ومع ذلك فإن الشعر يعجز عن إعطائنا صورة صادقة كاملة عن بلاد العرب، فإن الشعر العرب لم يصوروا لنا تجارب الحياة عند البدو الرحَّل في واقعها ومجموعها، بل صوروا بعض مظاهرها في مُثُل عليا ونموذج رفيعة. وقد كان المثل الأعلى الذي أعجبوا به وتغنوا به في شعرهم مشابهًا -والقياس مع الفارق- للمثل الأعلى لقصيدتي هومر وللقصيدة الفرنسية Chansons de Geste.
هذا المثل الأعلى هو: الفروسية. ولا يصح أن يتهم الشعر الهومري، ولا تلك القصيدة الفرنسية بأنها عمدت عمدًا إلى تغيير الجو التاريخي للعصرين الميسيني والكاروليني، لكن هذين الشعرين يصوران مظهرًا واحدًا حسب، وكذلك فعل الشعر العربي القديم: لقد أبرز لنا الجانب البطولي في الحياة، وأغفل المظاهر الأخرى التي لا تقل عنه قيمة. ومن هذه المظاهر التي أغفلت: الدين...".
وبعد؛ فبحسبنا ما قدمنا من آراء المستشرقين في وضع الشعر الجاهلي ونحله، وفي مدى توثيقهم أو تضعيفهم لروايته. وقد عُنينا بعرض آراء بعض الذين خصوا هذا الموضوع ببحث وافٍ في مقالات خاصة به، وأما أولئك الذين تعرضوا له تعرضًا عابرًا في جمل مقتضبة، في معرض تأريخهم للأدب العربي العام: من مثل جب وبروكلمان وغيرهما فلا حاجة بنا إلى الإشارة إلى آرائهم لشهرتها ودورانها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حصرنا حديثنا في هذه الصفحات في المقالة التي خصصها مرجوليوث للحديث عن وضع الشعر الجاهلي والتشكيك فيه، وقد تحدث مرجوليوث قبل هذه المقالة، عن وضع الشعر الجاهلي، ولكن أحاديثه هناك كانت عبارة مقتضبة، تجيء في ثنايا حديثه عن موضوع آخر.
فمن ذلك ما نشره في "معلمة الدين والأخلاق" Eacyelopaedea of Religion and Ethies
"مادة "محمد" المجلد الثامن ص874" وما ذكره في كتابه عن "محمد وظهور الإسلام".
Mohammed and the Rise of Islam "ط سنة 1905 ص60"، وما نشره في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية سنة 1916 ص397. ومن أمثلة ذلك أنه كان يتحدث في كتابه "محمد وظهور الإسلام" عن لغة القرآن فقال: "لقد رأى العلماء أن في لغة القرآن مشابة كبيرة من لغة الشعر الجاهلي، ومع أنه من العسير علينا أن نكون لنا رأيًا في هذا لموضوع -لأننا نرى أن الشعر الجاهلي في معظمه مصنوع وضع على مثال القرآن- فإنه يصح أن نقبل رأي العرب في ذلك". وكان يتحدث في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية عن الكتب العربية التي ظهرت حديثًا حينئذ، فعرض لكتاب الخصائص لابن جني وأشار إلى ما ورد فيه من أمر اكتشاف الطنوج، وفيها الشعر الذي مدح به النعمان. فقال مرجوليوث إن حماداً هو الذي روى هذا الخبر، وحماد متهم بوضع الشعر الجاهلي ونحله "ولذلك فإن هذه القصة تدق مسمارًا كبيرًا في نعش الشعر العربي القديم" ثم أشار إلى أن القصائد التي ذكرها ابن إسحاق في السيرة يقال إنها قد وضعت وضعًا من أجل ذلك الكتاب، أما غير هذا من الشعر القديم الذي يرويه أهل الكوفة فقد كان من وضع خلف الأحمر!!
(2) D.S. Margoliouth, the origins of Arabic poetry, Journal of the Royal Asiatic Society, July 1925 pp 417- 449.
(3) من صفحة 417 إلى صفحة 419 من المقالة السابقة.
(4) {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 36].
(5) {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ، أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور: 29-30].
(6) {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة: 40-42].
(7) {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69].
(8) {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69].
(9) {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ، تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 221-223].
(10) {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ، وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ، لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ، إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 6-10].
(11) المقالة السابقة: 419-420.
(12) من صفحة: 421.
(13) المسعودي، مروج الذهب 1: 65.
(14) الأغاني 13: 104.
(15) الأغاني 11: 154 "خزيمة بن نهد".
(16) ص422-423.
(17) ص423.
(18) ص424.
(19) ص424.
(20) نفسه
(21) ص424-425.
(22) ص425.
(23) القلم: 37.
(24) القلم: 47.
(25) يس: 6.
(26) السجدة: 3.
(27) القصص: 46.
(28) الأنعام: 156.
(29) المقالة السابقة: 425-426.
(30) ص426.
(31) من صفحة: 428 إلى 434.
(32) ص430.
(33) ص433-434.
(34) ص434.
(35) ص434.
(36) يقصد قول الأعشى:
تطوف العفاة بأبوابه طواف النصارى ببيت الوثن
"ديوانه ق: 2، ب: 51".
(37) انظر الأغاني 20: 139.
(38) ص435.
(39) ديوانه ق: 24، ب: 2.
(40) ص436.
(41) {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].
(42) {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء 105-107].
(43) ص437.
(44) وذلك قوله:
إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له أعادينا سجودًا
(45) وذلك قوله:
عجوز من بني حام بن نوح كأن جبينها حجر المقام
(46) قوله:
كلما ذقت باردًا من لماها خلته في فمي كنار الجحيم
(47) قوله:
ورجعت عنهم لم يكن قصدي سوى ذكر يدوم إلى أوان المحشر
(48) ص438.
(49) ص439-440.
(50) ص440-442.
(51) ص443.
(52) ص443-444.
(53) ص446-447.
(54) ص448.
(55) ص449.
(56) المفضليات "ليال" ج2 ص16 من المقدمة.
(57) الأغاني "دار الكتب" 6: 89.
(58) الأغاني "دار الكتب" 6: 89-90.
(59) مقدمة المفضليات ص18.
(60) الأغاني 6: 88.
(61) مقدمة المفضليات: 19.
(62) مقدمة المفضليات: 19-20.
(63) المصدر السابق: 20-21.
(64) ذكر ليال في الهامش أن المقصود هو الأستاذ مرجوليوث في ما نشره في ص397 من مجلة الجمعية الملكية الآسيوية سنة 1916، وفي مقالته عن "محمد" المنشورة في معلمة الدين والأخلاق ج8 ص874، وفي ما كتبه في ص60 من كتابه "محمد" المطبوع سنة 1905. ثم يقول ليال إن الأستاذ مرجوليوث يذهب مذهبًا يدعو إلى الدهشة والعجب وهو قوله: "إن الشعر القديم هو في معظمه موضوع منحول صيغ على نمط القرآن".
(65) طبعة دار المعارف ص17-19، وانظر المقابلة ترجمة الدكتور حسين نصار في مجلة الثقافة عدد 645، 7 مايو 1951.
(66) Giorgio Levi Della Vida, pre - Islamic Arabia, the Arab Heritage, Now Jarsy, 1944 p. 41-48.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|