أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2018
2225
التاريخ: 29-12-2019
1574
التاريخ: 17-12-2019
1943
التاريخ: 27-2-2020
1558
|
حوار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الخليفة الرابع
س1 ـ هل يمكننا أن نتعرّف عليكم؟
ج ـ أنا أبو الحسن علي بن أبي طالب ـ واسمه عبد مناف ـ بن عبد المطلب ـ واسمه شيبة الحمد ـ بن هاشم (عمرو) بن عبد مناف ابن قصي.
وكان ابني الحسن يدعوني في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) أبا الحسين.
ويدعوني الحسين أبا الحسن.
وكانا يدعوان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أباهما.
فلمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعواني بأبيهما.
وكنّاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأبي تراب، وكان قد وجدني نائماً على تراب قد سقط عنّي ردائي وأصاب التراب جسدي، فجاء حتى أيقظني، وجعل يمسح التراب عن ظهري.
ويقول لي: اجلس، إنّما أنت أبو تراب، فكانت من أحبّ الأسماء التي كنتُ أفرح إذا دُعيت بها(1).
وكانت بنو أُميّة ترغّب خطباءها أن يسبّوني بها على المنابر، وجعلوه نقيصة لي ووصمة عليَّ، فكأنّما كسوني بها الحلي والحلل، كما قال الحسن البصري(2).
وكان اسمي الأوّل الذي سمّتني به أمي (حيدرة) باسم أبيها أسد بني هاشم.
والحيدرة: هو الأسد، فغيّر أبي اسمي وسمّاني عليّاً(3).
ودُعيت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لوصيّته إليّ بما أراد.
وأُمّي: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وهي أوّل هاشمية ولدت لهاشمي، وكنت أصغر بنيها، وجعفر أسنّ منّي بعشر سنين، وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين، وفاطمة بنت أسد أُمّنا جميعاً.
وأُمّي فاطمة أسلمت بعد عشرة من المسلمين، فكانت الحادية عشرة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكرمها ويعظمها ويدعوها (أُمّي).
وأوصت إليه حين حضرتها الوفاة، فقبل وصيتها، وصلّى عليها ونزل في لحدها وأضطجع فيه قبل دفنها، ثمّ البسها قميصه.
فقال له أصحابه: إنّا ما رأيناك صنعت يا رسول الله بأحد ما صنعت بها، فقال: "إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها، إنّما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، وأضطجعت معها ليهون عليها ضغطة القبر"(4).
وفاطمة أُمّي هي أوّل امرأة بايعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من النساء(5)، ولِدْتُ في الكعبة، وأنا أوّل وآخر إنسان يولد بها منذ بناها نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) للناس.
وعندما صار عمري ستّ سنوات أصاب قريشاً قحط، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمّيه حمزة والعباس: "ألا نحمل ثقل أبي طالب في هذا المحل"، فجاؤوا إليه وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفّوا أمرهم، فقال: دعوا عقيلا وخذوا من شئتم، فأخذ العباس طالباً، وأخذ حمزة جعفراً، وأخذني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال لهم: "قد اخترت من اختاره الله لي عليكم ـ عليّاً"(6).
فكنت في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ كان عمري ستّ سنوات.
لذلك عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأُمّة سبع سنين، وقد كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعاً، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حينئذ صامت ما أُذن له في الإنذار والتبليغ.
وذلك لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أظهر دعوته وعمري ستّ سنوات، لذلك عبدت الله قبل الناس أجمعهم ـ إلاّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة ـ بسبع سنين(7).
قاتلت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كلّ معاركه وغزواته إلاّ غزوة تبوك، فقد استخلفني في أهله فقلت: أتخلّفني في الصبيان والنساء؟
فقال: "ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي"(8).
س2 ـ مولاي أمير المؤمنين، سؤالي التالي ليس سؤال مستنكر ولكن سؤال مستفهم، وناقل الكفر ليس بكافر فبعد الإذن منك، يقول إخواني من المسلمين بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يوصِ لك بشيء، ويستدلون على ذلك بحديث أُمّ المؤمنين عائشة وهي كما يقولون أحبّ زوجاته إليه وأفضلهن تقول: لقد رأيت النبيّ وإنّي لمسندته إلى صدري فدعا بالطست، فأنخنث فمات.. فكيف أوصى إلى عليّ؟(9)
ج ـ أوّلا: إنّ لأُمّ المؤمنين عائشة فضلها ومنزلتها، غير أنّها ليست بأفضل أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وكيف تكون أفضل مع ما صح عنها إذ قالت: "ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، خديجة ذات يوم فتناولتها، فقلت: عجوز حمراء الشدقين، قد أبدلك الله خيراً منها.
قال: ما أبدلني الله خيراً منها، لقد آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدّقتني حين كذّبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها"(10).
وقالت غير مرّة: "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلاّ عجوزاً، قد أبدلك الله خيراً منها، فغضب حتى أخذ مقدم شعره من الغضب.
ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء...)(11).
وربما كانت ترى أنّها أفضل من غيرها، فلا يقرّها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما اتفق هذا مع أم المؤمنين صفية بنت حيي، إذ دخل النبيّ (صلى الله عليه وآله) عليها وهي تبكي، فقال لها: "ما يبكيك"؟
قالت: بلغني أنّ عائشة وحفصة تنالان منّي، وتقولان: نحن خير من صفية.
قال (صلى الله عليه وآله): "ألا قلت لهن: كيف تكّن خيراً منّي، وأبي هارون، وعمّي موسى، وزوجي محمّد"(12).
فأفضل أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) خديجة الكبرى صدّيقة هذه الأُمّة، وأوّلها إيماناً بالله وتصديقاً بكتابه، ومواساة لنبيّه.
وقد أُوحي إليه (صلى الله عليه وآله) أن يبّشرها ببيت لها في الجنة من قصب(13)، ونصّ على تفضيلها فقال: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران"(14).
وقال (صلى الله عليه وآله): "خير نساء العالمين أربع" ثمّ ذكرهن(15).
وقال: "حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية امرأة فرعون"(16).
ثانياً: إنّ أُمّ المؤمنين عائشة لا تطيب لي نفساً بخير وهي التي قالت ذلك:
لما ثقل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واشتد وجعه خرج وهو بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض، بين العباس بن عبد المطلب ورجل آخر....
قال المتحدث عنها ـ وهو عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ـ فأخبرت عبد الله بن عباس عمّا قالت عائشة، فقال ابن عباس: هل تدري من الرجل الذي لم تسمّه عائشة؟
قال: لا.
قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب.
ثمّ قال: إنّ عائشة لا تطيب له نفساً بخير(17).
وكانت لا تمنع الناس من الوقوع فىّ:
جاء رجل أعرابي فوقع فىّ عند عائشة، فقالت: أمّا عليّ فلست قائلة لك فيه شيئاً وأمّا عمّار فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فيه: لا يُخيّر بين أمرين إلاّ اختارا أشدهما(18).
فالتي لا تطيب نفساً بذكري لسيري مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا تمنع من يقع فىّ، فهل تطيب نفسها بإفشاء الوصية وفيها كلّ الخير؟!
ثمّ هل كان رأيها أنّ الوصية لا تصحّ إلاّ عند الموت; كلا، ولكن حجّة من يكابر الحقيقة داحضة كائناً من كان، وقد قال الله تعالى مخاطباً نبيه الكريم في محكم كتابه الحكيم: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصيَّةُ}(19).
فهل كانت أم المؤمنين تراه لكتاب الله مخالفاً؟ أو لأحكامه صادفاً؟
معاذ الله! وحاشا لله، بل كانت تراه يقتفي أثره، ويتبع سوره، سباقاً إلى التعبّد بأوامره ونواهيه، بالغاً كلّ غايات التعبّد بجميع ما فيه، ولا شكّ في أنّها سمعته يقول: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به أن يبيت ليلتين إلاّ ووصيته مكتوبة عنده"(20).
أو سمعت نحوه، فإنّ أوامره الشديدة بالوصية ممّا لا ريب في صدوره منه، ولا يجوز عليه ولا على غيره من الأنبياء، أن يأمروا بالشيء ثمّ لا يأتمرون به أو يزجرون عن شيء ثمّ لا ينزجرون عنه، تعالى الله عن إرسال من هذا شأنه علواً كبيراً.
على أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستحيل أن يترك دين الله وهو في مهد نشأته إلى الأهواء، ويترك حفظ الشرع على الآراء من غير أن يوصي بشؤون الدين والدنيا إلى أحد.
وهم أهل الأرض في الطول والعرض كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، ليس لها من يرعاها حقّ رعايتها، ومعاذ الله أن يترك الوصيّة بعد أن أوصي بها إليه فأمر أمته بها وضيّق عليهم بها.
وقد أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلىّ في مبدأ الدعوة الإسلاميّة قبل ظهورها في مكّة حين أنزل الله سبحانه: {وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الأَقْربينَ}(21).
ولم يزل يكرّر وصيّتة لي ويؤكّدها مرّة بعد مرّة بأحاديثه، حتى أراد وهو محتضر ـ بأبي هو وأُمّي ـ أن يكتب وصيّته لي تأكيداً لعهوده اللفظيّة وتوثيقاً لعرى نصوصه القولية، فقال: "ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع، فقالوا (قال عمر): هجر رسول الله ـ معاذ اللّه ـ وعندها علم أنّه لم يبق ـ بعد كلمتهم هذه ـ أثر لذلك الكتاب إلاّ الفتنة، فقال لهم: قوموا عنّي، فمات وهو غاضب عليهم; لأنّهم منعوه من كتابة وصيّته واكتفى بعهوده اللفظية، ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث: أن يولّوني عليهم، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه.
لكن السلطة والسياسة وأُمّ المؤمنين يومئذ ما أباحت للمحدّثين أن يُحدّثوا بوصيّته الأولى، فزعموا أنّهم نسوها (22).
استسلام عائشة لعواطفها:
س3 ـ سيّدي، عرفنا بأن أُمّ المؤمنين كانت لا تطيب لك ذكراً بخير، ولكن ـ كما يقول أهل الخلاف ـ بأنّها لا يمكن أن تتحدث عن رسول اللّه بغير الواقع وتستسلم لعواطفها إيثاراً لغرض في نفسها، وهي زوجة رسول الله وقد أمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن لا تكتم ما ينزل في بيتها؟
ـ إنّ الناس فهموا من كلمة (أُمّ المؤمنين) أنّها فضيلة تخصّ السيّدة عائشة من بين سائر أزواج الرسول (صلى الله عليه وآله)، والحال أنّ الله حرّم على المؤمنين الزواج بنساء النبيّ بعد وفاته بقوله تعالى: {وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً}(23)، وقال أيضاً: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ}(24).
وهذه الآية نزلت في طلحة عندما قال: "إذا مات رسول الله تزوّجت عائشة ابنة عمّي"(25).
فأراد الله سبحانه أن يقول للمؤمنين بأنّ نساء الرسول حرام عليكم كحرمة أُمّهاتكم.
وقد أعلم الله عباده وخاصّة زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) وخاصّة عائشة وحفصة عندما تظاهرتا على رسول الله (صلى الله عليه وآله): {إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ}(26).
في سورة التحريم ليعلمها وبقية المسلمين الذين يعتقدون بأنّ أُمّ المؤمنين تدخل الجنّة بلا حساب ولا عقاب; لأنّها زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأن الذي ينفع ويضرّ عند الله هو الأعمال فقط، قال تعالى ضارباً هذا المثل لهما أيضا: {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوح وَامْرَأَتَ لُوط كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}(27).
وقال الله تعالى ضارباً مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قال: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ}(28).
وبهذا يتبين بأنّ الزوجيّة ليست فضيلة في حدّ ذاتها، إلاّ إذا اتسمت بالأعمال الصالحة، وإلاّ سيكون العذاب مضاعفاً.
ونعود لسؤالك، فإنّ أُمّ المؤمنين السيّدة عائشة كانت تستسلم في معظم أمورها إلى العاطفة والغيرة كما تروي هي عن نفسها، فقد قالت:
"بعثت صفيّة زوج النبيّ إلى رسول الله بطعام قد صنعته له، وهو عندي، فلمّا رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقلني أفكل، فضربت القصعة ورميت بها، قالت: فنظر إلىّ رسول الله فعرفت الغضب في وجهه.
فقلت: أعوذ برسول الله أن يلعنني اليوم.
قالت: قال: أولي.
قلت: وما كفّارته يا رسول الله؟
قال: طعام كطعامها وإناء كإنائها"(29).
ومرّة أُخرى تروي عن نفسها قالت: "قلت للنبيّ: حسبك من صفية كذا وكذا.
فقال لي النبيّ: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته"(30).
وها هي تحكي عن غيرتها مرّة أُخرى قائلة: "ما غرت على امرأة إلاّ دون ما غرت على مارية، وذلك أنّها كانت جميلة جعدة، وأعجب بها رسول الله، وكان أنزلها أوّل ما قدم بها في بيت حارثة بن النعمان وفزعنا لها فجزعت، فحوّلها رسول الله إلى العالية فكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشدّ علينا، ثمّ رزقه الله الولد منها وحرمناه"(31).
وقد تعدّت ذلك من غيرتها حتى طعنت في ولد رسول الله من مارية، قالت: "لما ولد إبراهيم جاء رسول الله إلىّ، فقال: انظري إلى شبهه بي.
فقلت: ما أرى شبهاً.
فقال رسول الله: ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟
قالت: فقلت: من سُقي ألبان الضان ابيضّ وسمن"(32).
وعندما تزوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله) مليكه بنت كعب، فدخلت عليها عائشة، فقالت لها: أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك، فاستعاذت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فطلّقها.
وكما تدلّ هذه الروايات على الأساليب التي اتبعتها عائشة في الخداع والمكر للمؤمنات البريئات وحرمانهم من الزواج برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد سبق لها أن طلّقت أسماء بنت النعمان لما غارت من جمالها وقالت لها: إنّ النبيّ ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له: أعوذ بالله منك(33).
فكانت تستبيح مثل هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ترويجاً لغرضها حتى لو كان تافهاً أو حراماً، وكلّفها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإطلاع على امرأة مخصوصة لتخبره بحالها فأخبرته ـ إيثاراً لغرضها ـ بغير ما رأت(34).
وخاصمته يوماً إلى أبيها ـ نزولا على حكم العاطفة ـ فقالت له: اقصد، فلطمها أبوها حتى سال الدم على ثيابها(35).
وقالت له مرّة في كلام غضبت عنده: أنت الذي تزعم أنّك رسول الله(36) إلى الكثير من الأمثال، وهذا بشكل عامّ.
أمّا عن إعراضها عنّي، فقد كانت كما ذكرت لك آنفاً، أنّها لا تطيب لها نفساً لذكري بخير.
آية الإنذار:
س4 ـ مولاي، تقول: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أوصى لك منذ بدأ الدعوة الإسلاميّة عند الإيذان بالجهر بالدعوة وتعاهد ذلك حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى، فهل لك أن تدلّنا على ذلك؟
ج ـ لما نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}(37)، دعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى دار عمّه أبي طالب، وعرض عليهم الإسلام وفي آخر حديثه (صلى الله عليه وآله) قال: "يا بني عبد المطلب، إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم"؟
فأحجم القوم عنها غيري، وكنت أصغرهم، فقمت وقلت: "أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) برقبتي وقال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا".
فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع(38).
حديث الثقلين:
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء: "يا أيها الناس، إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي"(39).
آية المودة:
قال تعالى: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}(40).
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية، قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟
قال: "علي وفاطمة وولدهما"(41).
آية المباهلة:
وقال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ}(42).
ولما نزلت هذه الآية دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: "اللهمّ هؤلاء أهلي".
وقد أجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما سُئل عن هذا الاختيار بقوله: "لو علم الله تعالى أنّ في الأرض عباداً أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أُباهل بهم، ولكن بالمباهلة مع هؤلاء، وهم أفضل الخلق، فغلبت بهم النصارى"(43).
وقصة هذه الآية كما هو معروف أنّ وفد نجران أتى ليباهل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "موعدنا معكم الغد"، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد غدا محتضناً الحسين أخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وأنا خلفهما وهو يقول: "إذا أنا دعوت فأمّنوا".
فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى القيامة، ورضي أن يدفع الجزية(44).
ودلالة الآية واضحة، فأبناءنا: الحسن والحسين، ونساءنا: فاطمة، وأنفسنا: أنا (علي)، أي جعلني رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه بمحكم التنزيل من ربّ العالمين.
حديث المنزلة:
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد خلّفني في أهله في غزوة تبوك:
"أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي"(45).
ودلالة هذا الحديث أنّ لي كلّ ما كان لنبيّ الله هارون إلاّ النبوّة، يعني كان لي منه استخلافه من بعده كما لا يخفى على المتتبع.
حديث السفينة:
عن ابن إسحاق، عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر الغفاري يقول وهو آخذ بباب الكعبة: أ يّها الناس من عرفني فأنا من عرفتم، ومن أنكر فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق"(46).
وقد عهد إلىّ النبيّ الأُمّي (صلى الله عليه وآله) "إنه لا يحبّني إلاّ مؤمن، ولا يبغضني إلاّ منافق"(47).
وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب"(48).
وقد حاول رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلال مسيرته ودعوته أن يقرن دائماً بيني وبين القرآن وأهل البيت كما يعبر عن ذلك حديث الثقلين المروىّ عند المسلمين جميعاً ولزوم التمسّك بأهل البيت كما هو دلالة حديث السفينة.
والموقع المتميز لنا أهل البيت واضح صريح في آية التطهير وحديث المنزلة والتأكيد على الولاء والحبّ لنا أهل البيت كما تفرض ذلك آية المودة: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}(49).
ولم يكتفِ الباري عزّ وجلّ بهذا، بل أمر رسول الله بالتصريح بالولاية لي والخلافة من بعده في آخر حياته وهو في حجّة الوداع عندما نزلت آية التبليغ.
آية التبليغ:
قال تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(50).
نزلت هذه الآية أثناء العودة من حجّة الوداع.
روى الطبراني عن حذيفة أنّه قال: لمّا صدر رسول الله من حجّة الوداع نهى أصحابه عن سمرات (نوع من الشجر) متفرّقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهن، ثمّ بعث إليهن فقم ما تحتهن من الشوك وعمد إليهن فصلى عندهنّ ثمّ قام خطيباً فقال:
"يا أيها الناس إنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله، وإنّي لأظنّ يوشك أن اُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون"؟
قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً.
قال: "أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله، وإنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ، وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ البعث حقّ بعد الموت، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور".
قالوا: بلى نشهد بذلك.
قال: "اللهمّ اشهد".
ثمّ قال: "يا أيّها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه (يعني أنا) اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه"(51).
وموارد أُخرى ذكرناها سابقاً.
ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزلت هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}(52).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "الله اكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي"(53).
آية الولاية:
قوله تعالى في سورة المائدة: الآية 55:
{اِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ}(54).
س5 ـ مولاي إنّ ما قلته وأوردته من النصوص ممّا لا شكّ فيه ولا يترك مجالا لمشكّك أو مرتاب، ولكن يبقى أمر، وهو أنّ أهل الخلاف يقولون: إنّ الولي في هذه الآية والحديث بمعنى المحبّ والناصر لا بمعنى الإمام والخليفة فما قولك؟
ج ـ للأسف إنّ علماء السوء وفقهاء البلاط على مرّ العصور حاولوا التعتيم على هذه النصوص، ولمّا لم يجدوا ما يناقضها ولتواترها، فقد حاولوا صرف معناها عن مدلولها، وأقول لك: ليس من يقول بذلك بأفقه ولا أعلم ممّن كان على زمننا في عهد رسول الله، فحتى من خالفني وابتزّني حقيّ لم ينكر هذه الصيغة ولم يحورها عن معناها، فهذا عمر بن الخطّاب بعد حديث الغدير قال لي: هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة(55).
وثانياً ـ إن نزول آية التبليغ، وهي تبيّن أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان خائفاً يكتم أمراً فطالبه ربّ العزة أن يفصح عن هذا الأمر الذي أمره فيه وهو يعصمه من الناس، فهل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخشى أن يقول للناس إنّ علياً محبّكم وناصركم، وقد قالها في كلّ يوم من حياته وسيرته؟
ولكن لا يقول ذلك إلاّ من أعمت العصبية بصيرته، لذلك لا يرى إلاّ من حيث تريه نفسه الأمّارة بالسوء، وياليتهم حفظوا لي حتى المحبّة والنصرة؟!
س6 ـ سيّدي ما معنى أنّهم لم يحفظوا لك المحبّة أو النصرة؟
ج ـ ألم تقرأ التاريخ؟!
هل حفظ عمر لي هذه عندما حاول حرق بيتي وفيه فاطمة والحسنان؟!
وهل حفظها عندما قال لي عندما رفضت البيعة: إذاً تقتل؟!
وهل حفظها معاوية عندما أعلن الخروج عليّ وعلى الشرعية ومن ثمّ قتل ولدي الحسن؟!
وهل حفظها يزيد عندما قتل ابني الحسين وأهل بيته وأصحابه في كربلاء؟!
أم أنّهم نسوا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّه لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق(56)؟
وقوله تعالى: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}(57).
وهل حفظتها عائشة أُمّ المؤمنين عندما منعت من دفن ابني الحسن بجوار جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلة: لا تدخلوا بيتي من لا أُحبّ؟
س7 ـ مولاي يحتجّ أهل الخلاف على ثبوت خلافة الخلفاء بمبايعتك لهم، ولو كان عندك نصّ لما بايعتهم؟
ج ـ بشان النصّ فقد بيّنت لك النصوص والآيات الواردة في إمامتي، ولو كان لمن سبقوني نصاً واحداً من هذه النصوص لما أحرقوا سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكتبوها ودوّنوها وتوسّعوا واهتموا بها.
وأمّا بشأن بيعتي للخلفاء فسأذكر لك:
فبيعة أبي بكر تمّت وقد كنّا منشغلين بخطبنا الفادح بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم نعنَ إلاّ بتجهيزه، وما إن واريناه في قبره حتى كان أهل السقيفة قد أكملوا أمرهم وانتهزوا فرصة انشغالنا، فأبرموا البيعة وأحكموا العقدة وأجمعوا أخذاً بالحزم كلّ من يوهن بيعتهم أو يدخل التشويش إلى عامتهم.
وعندما دخلوا إلى المسجد وقال عمر: قوموا بايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعته الأنصار، فقام عثمان ومن معه من بني أُميّة فبايعوا، وقام سعد بن أبي وقاص ومن معه من بني زهرة فبايعوا، أمّا أنا والعباس ومن معنا من بني هاشم فقد انصرفنا إلى رحالنا ومعنا الزبير والمقداد وأبو ذر وعمّار بن ياسر وغيرهم.
وعندما افتقدنا أبو بكر، أمر عمر أن يأتي إلينا، فما كان منه إلاّ أن أتى بعصابة فيها خالد بن الوليد و آخرون فدعا بالحطب وقال:
والذي نفسي بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له: يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة الزهراء؟ فقال عمر: وإن!! فخرج من كان بالدار إلاّ أنا.
ووقفت فاطمة، فقالت: لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقّنا.
وعندما حاولوا إخراجي بالقوة من الدار نادت بأعلى صوتها:
"يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة"(58).
والخلاصة: فعندما قدمت على أبي بكر قال عمر: بايع.
فقلت: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم لا أُبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً؟
ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمّد منكم فأعطوكم المقادة وسلّموا الإمارة، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، نحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً فأنصفونا إن كنت تؤمنون، وإلاّ فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال عمر: إنّك لست متروك حتى تبايع.
فقلت له: احلب له حلباً لك شطره، واشدد له اليوم أمره يرده عليك غدا(59).
وما قلته بحقّ عمر قد تحقّق إذ عيّن أبو بكر عمر خليفة من بعده.
ثمّ قلت: يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.
فقال عمر: إذاً نضرب عنقك.
فقلت: إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله.
قال عمر: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسوله فلا.
فقال أبو بكر: لا أكرهه على شيء ما دامت فاطمة إلى جانبه.
فقال أبو عبيدة ابن الجراح لي: يا بن عمّ رسول الله، إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور.
وهذا القول (التبرير بكبر السنّ) مردود بتعيين النبيّ (صلى الله عليه وآله) أُسامة بن زيد قائداً للجيش، وأمر مشيخة القوم وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بإطاعته.
فقلت لهم: الله الله يا معشر المهاجرين، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به; لأنّنا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الأُمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية؟!
والله إنّه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعداً.
فقال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان.
فقلت: أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته لم يدفن وأخرج أنازع الناس سلطانه؟
فقالت فاطمة (عليها السلام): ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.
ثمّ لحقت بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن قد جفّ بعد وأنا أصيح وأبكي وأنادي:
"يا بن أُمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني"(60).
وقد مرّ معنا احتجاج الإمام علي عند ذكرنا بيعة أبي بكر في أوّل فصل، ومصادرها هناك.
وقد قلت في خطبتي الشقشقية أصف حالي بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله):
"أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً، أرى تُرَاثي نَهْباً"(61).
وكم مرة قلت: "اللَّهُمَّ إنَّي أَسْتَعْدِيكَ عَلى قُرَيْش وَمَنْ أَعَانَهُمْ! فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِي، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي.. وقد قال قائل إنك على هذا الأمر يابن أبي طالب لحريص: فقلت: بَلْ أَنْتُمْ وَاللهِ أحْرَصُ وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ"(62).
ولم أُبايع أبا بكر إلاّ بعد أن توفّيت عنّي فاطمة (عليها السلام)، أي بعد ستة أشهر من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد ماتت كمداً وحسرة على أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما حصل لها ولي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مخالفة قريش علينا، وعندما رأيت الفتن تأتي كقطع الليل المظلم بايعت وقد قلت في ذلك: "فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلاَن يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإسلام، يَدْعُونَ إلى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّد فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإسلام أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّام قَلاَئِلَ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ"(63).
"ولاَ يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ، إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ"(64).
وقد وقفت يوم الشورى (شورى عمر) ثمّ قلت: "لأحتجنّ عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك.
فقلت: أُنشدكم الله أيها النفر جميعاً، أفيكم أحد وحّد الله قبلي؟
قالوا: لا.
قلت: فأُنشدكم الله، هل منكم أحد له أخ مثل جعفر يطير في الجنة مع الملائكة؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: أُنشدكم الله، هل فيكم أحد له عمّ كعمي حمزة، أسد الله وأسد رسوله سيّد الشهداء غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: أُنشدكم بالله، هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء أهل الجنة غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم باللّه، هل فيكم أحد ناجى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشر مرّات وقدّم بين يدي نجواه صدقة قبلي؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره ليبلغ الشاهد الغائب) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك واليَّ وأشدّهم لك حبّاً ولي حبّاً، يأكل معي من هذا الطير، فأتاه وأكل معه) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
فقلت: فأُنشدكم الله، هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لأعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح الله على يده، إذ رجع غيري منهزماً) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم الله، هل فيكم أحد قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لوفد بني وليعة: (لأبعثنّ إليكم رجلاً نفسه كنفسي، وطاعته كطاعتي، ومعصيته كمعصيتي، يقتلكم بالسيف) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال فيه رسول الله: (كذب من زعم أنّه يحبّني ويبغض هذا) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم الله، هل فيكم أحد سلّم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف ملك من الملائكة منهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، حيث جئت بالماء إلى رسول الله من القليب غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم الله، هل فيكم أحد قال له جبرائيل: (هذه هي المواساة، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّه منّي وأنا منه. وقال جبرائيل: وأنا منكما) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم الله، هل فيكم أحد نودي من السماء: (لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبيّ غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنّي قاتلت على تنزيل القرآن وتقاتل على تأويل القرآن) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم الله، هل فيكم أحد رُدّت عليه الشمس حتى صلّى العصر في وقتها غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
فقلت: هل فيكم أحد أمره رسول الله أن يأخذ براءة من أبي بكر، فقال أبو بكر: يا رسول الله، نزل فىّ شيء؟ فقال: (إنّه لا يؤدّي عني إلاّ علي) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ كافر) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم بالله، أتعلمون أنّه تعالى أمر بسدّ أبوابكم وفتح بابي، فقلتم في ذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما سددت أبوابكم ولا فتحت بابه، بل الله سدّ أبوابكم وفتح بابه؟
قالوا: اللهمّ نعم.
قلت: فأُنشدكم بالله أتعلمون أنّه ناجاني يوم الطائف دون الناس، فأطال ذلك فقلتم: ناجاه دوننا، فقال: (ما أنا انتجيته، بل الله انتجاه)؟
قالوا: اللهمّ نعم.
قلت: فأُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الحقّ مع علي وعلي مع الحقّ، يدور الحقّ مع علي كيف دار؟
قالوا: اللهمّ نعم.
قلت: فأُنشدكم بالله، أتعلمون أنّ رسول الله قال: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض؟
قالوا: اللهمّ نعم.
قلت: فأُنشدكم الله، هل فيكم أحد افتدى رسول الله من المشركين بنفسه واضطجع في مضجعه غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم الله هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ودّ العامري، حيث دعاكم إلى البراز غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم بالله هل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهير حيث قال: {اِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله: (أنت سيّد العرب) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا.
قلت: فأُنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما سألت الله شيئاً إلاّ سألت لك) غيري؟
قالوا: اللهمّ لا(65).
س8 ـ مولاي إنّ من استبدّ عليكم بالخلافة كانت حجّته كما قال عمر لابن عباس بأنّ قريش قد كرهت أن تجمع لكم النبوّة والخلافة، فنظرت قريش لنفسها فأصابت، ولو أنّكم وليتموها لتداولها بنو هاشم ولما وصلت إلى قريش، لذلك أزاحوا الأمر عنكم، فما قولك في ذلك؟
ج ـ نعم، لقد صرّح عمر بن الخطّاب بذلك لابن عباس في حوار دار بينهما قائلا: إنّ قريشاً قد كرهت أن تجمع لنا النبوّة والخلافة فنجحف على قومنا بجحاً بجحاً، وهم يعلمون بأنّ رسول الله قد قال: (أنا سيّد النبيّين وعليّ سيّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم عليّ وأخرهم القائم المهدي)(66).
لذلك أرادوا صرفها عنا، وذلك لأنّ قريشاً كانت تنظر إلى الخلافة نظرة الرياسة والزعامة والقيادة، وبنظرة جاهليّة قبليّة، وقد توحّدت بطون قريش لوجود صراع قديم بين أُميّة وهاشم، فقد ساد هاشم بعد أبيه، فحسده أُميّة بن أخيه عبد شمس، فتكلّف أن يصنع ما يصنع هاشم، وقالوا: أنت تتشبه بهاشم وعجز عن مجاراته، فعيّرته قريش، فدعا هاشماً للمنافرة في نفر ونزلوا على الكاهن الخزاعي، فقال الكاهن قبل أن يخبروه خبرهم: والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر ومن منحدر غائر، لقد سبق هاشم أُميّة إلى المفاخر... فبعد هذا عاد هاشم إلى مكّة ونحر الإبل وأطعم الناس، وخرج أُميّة إلى الشام فأقام فيها عشر سنين، فكانت هذه أوّل عداوة بينهما وتوارثها بنوهم بعد ذلك(67).
وكان يقال لهاشم وإخوانه عبد شمس والمطلب ونوفل: أقداح النضار. ويقال لهم: المجبرون، لكرمهم وفخرهم وسيادتهم على العرب.
فقد حاز قصي شرف مكّة، فكان بيده السقاية والرفادة والحجابة والندوة واللواء، وإنّ أكبر أولاد قصي عبد الدار، إذ شرف بزمان أبيه وذهب شرفه كلّ مذهب، ثمّ صارت السقاية لعبد المطلب، ومن بعده لأبي طالب، والقيادة كانت لعبد مناف، ومن بعده لولده عبد شمس، ثمّ لابنه حرب، ثمّ لابنه أبي سفيان، فكان يقود الناس في غزواتهم، ودار الندوة في يد عبد الدار، وقصي هو جماع قريش لذلك سمّي مجمعاً(68).
وكان الأمويون يعتقدون بأنّ مقاليد الأُمور بأيديهم، وهم أصحاب الملك، أليست القيادة في أيديهم؟
وفي أحسن الظروف، فإنّ بني هاشم وبني المطلب من جهة، وبني أُميّة وبني نوفل من جهة أُخرى، كانا كفرسي رهان يتعاوران زعامة قريش، وبالتالي زعامة العرب والسبق فيها.
ولقد فضّل الله هاشماً على أُميّة، وقدّم هاشماً وأخر أُميّة بفضله في ما بعد.
وكان أبو سفيان يعلم مثل غيره أن سيأتي نبي فيأخذ منه شرف القيادة، وهذا النبيّ سيكون من سلالة عبد مناف، وبعد معاناة، اقنع أبو سفيان نفسه بأنّه بالذات سيكون النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأنّه لا يوجد ـ حسب رأيه ـ من هو جدير بالنبوّة سواه.
وأفصح عن هاجسه لبعض الذين يرتاح إليهم.
وأنّه لأمر مشين ـ حسب تفكير أبي سفيان ـ أن تراه بنيات ثقيف يتبع غلاماً من بني عبد مناف وعبثاً حاول ابن أُميّة أبي الصلت أن يغيّر طريقة تفكير أبي سفيان.
فيقول أُميّة مشفقاً: كأنّي بك يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدي، يؤتى بك إليه فيحكم فيك بما يريد، وهذا ما حصل عند فتح مكّة.
ومن سوء طالع أبي سفيان أنّ بني هاشم ـ كافرهم ومؤمنهم ـ احتضنوا محمّداً (صلى الله عليه وآله)، وعندما جهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعوة قاومه أبو سفيان وأركان القيادة في مكة بكل الأساليب.
وعندما لم ينثن محمّد (صلى الله عليه وآله) واحتضنه الهاشميون اتفقت قريش بزعامة أبي سفيان أن يقاطعوا بني هاشم، فقاطعتهم قريش كلّها ومن لفّ لفّها، بما فيهم بنو عدي قبيلة عمر، وبني تيم قبيلة أبي بكر، وتلك حقيقة كالشمس لا يجادل بها أحد.
ولم يستسلم محمّد (صلى الله عليه وآله) ولا الهاشميون، وأبطل الله كيد قريش وزعامتها بعد مقاطعة استمرت ثلاث سنوات.
وتأجّجت الكراهيّة بنجاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالهجرة وفشلت قريش في قتله عندما دخلوا فوجدوني نائماً مكانه.
وجنّ جنون قريش وزعيمهم أبو سفيان، وأعلنت الجوائز لمن يقبض عليه حيّاً أو ميّتاً.
وعندما اشتعلت الحرب الأُولى ببدر بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقريش قتل ثلاث من أجود وأروع شخصيات أُميّة وهم: عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة، وهم سادات بني أُميّة.
والمريع أن الذين قتلوهم من بني هاشم وهم: أنا، وحمزة، وعبيد الله بن الحارث.
وبذلك أصبح محمّد (صلى الله عليه وآله) وبنو هاشم الخطر الحقيقي على الزعامة الأموية; لأنّهم سادات بني أُميّة، وتحوّل حقدهم على محمّد وعترته إلى سواد مظلم وملأ صدورهم وعطل أذهانهم.
انظر إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان كيف لعب برأس الحسين ابني الذي فصل عن جسده وأُحضر إليه في دمشق أنشد قائلا:
جزع الخزرج من وقع الأسل *** ليت أشياخي ببدر شهدوا
وعدلنا ميل بدر فاعتدل *** قد قتلنا القرن من ساداتهم
خبر جاء ولا وحي نزل *** لعبت هاشم بالملك فلا
من بني أحمد ما كان فعل *** لست من خندف إن لم انتقم
وانظر إلى جدّته هند أم معاوية زوجة أبي سفيان، تأمر بقتل حمزة غدراً، ولا تكتفي بالقتل بل تشقّ صدر حمزة عمّ النبيّ وأسد الله وتتناول كبده وتحاول أكلها من شدّة الحقد.
وقد رفضت الزعامة الأمويّة الدين المحمدي ونبوّة محمّد بالذات; لأنّها تكره أن يأتي هذا الدين عن طريق بني هاشم.
وعندما فوجئ أبو سفيان بجند الله قرب مكّة، وذلك حينما أوقفه العباس ليرى جند الله، فدخل الرعب في قلبه، وأفصح قائد حزب الطلقاء عن حقيقة تصوراته لدعوة محمّد (صلى الله عليه وآله)، فيقول: ما رأيت ملكاً مثل هذا، لا ملك كسرى وملك قيصر ولا ملك بني الأصفر.
إذاً هو لا ينظر إلى النبوّة والدين بل إلى ملك!
وجرّه العباس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول: "ويحك يا أبا سفيان ألم يئن لك أنّ تعلم أنّه لا إله إلاّ الله"؟
فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأُمّي ما أحلمك وأكرمك، لقد ظننت أنّه لو كان مع الله إلهاً غيره لما أغنى عني شيئاً.
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يا أبا سفيان ألم يئن لك أن تعلم أنّي رسول الله".
فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأُمّي، أما والله فإنّ في النفس حتى الآن منها شيء.
وهنا صاح العباس: ويحك يا أبا سفيان، أسلم واشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله قبل أن تُضرب عنقك.
وهنا فقط أسلم أبو سفيان بعد ذكر ضرب العنق.
ودهش أبو سفيان وهو ينظر للنبيّ فقال في نفسه: ليت شعري بأيّ شيء غلبتني، فأوحى الله إلى نبيه بما في صدر أبي سفيان.
فقال له الرسول: "باللّه غلبتك"(69).
وكان أبو سفيان ينتظر الفرصة السانحة للانقلاب على هذا الملك الذي تصوّره، وكان ما أراد بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستمالة الخلفاء له بتركهم له ما بيده من الصدقات وتوليه ابنه يزيد ومعاوية على الجيش الذاهب إلى الشام، ومن ثمّ توليتهم ما فتح من بلاد الشام. وهذا ما أسّس لدولة بني أُميّة فيما بعد.
قال الله تعالى: {وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ} (70).
ممّا جعل لأبي سفيان مصلحة بالوقوف ولو مؤقتاً مع السلطة القائمة، وخاصة بعد أن تركوا ما بيده من الصدقات، وعيّنوا ابنه يزيد قائداً عاماً للجيش الذاهب إلى الشام ومعاوية قائداً آخر في الجيش نفسه تحت إمرة يزيد.
وأمّا ما فعلوه بزعمهم أنّه من قبيل حفظ الشرع وعدم وقوع الفتنة كما صرّح عمر; لأنّه كما يرى بأنّ قريش تأبى أن تجمع لبني هاشم النبوّة والخلافة خوفاً من إجحافهم، ولكنّهم وقعوا في أشدّ من ذلك لكي يبعدوني ويبعدوا بني هاشم عن الخلافة، فقد أحرقوا سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) المكتوبة، ومنعوا من رواية الحديث وقالوا: حسبنا كتاب الله.
وعندما طالبتهم فاطمة (عليها السلام) بإرثها واستشهدت عليهم بكتاب الله نبذوه وراء ظهورهم واستشهدوا عليها بحديث لم يسمعه أحد من قبلهم وهو قولهم: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث".
فهم رفضوا سنّة رسول الله أن يحدّث فيها أحد لأنّ فيها الوصيّة لي، وكان ذلك تمسّكاً بحديث موضوع، فهم ينظرون إلى مصلحتهم وما يؤدّي إلى غرضهم.
وهم يعترفون بفضلي وعلمي وقوتي على هذا الأمر، وذلك كما قال عمر لي في مرض موته:
أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحقّ الواضح والمحجّة البيضاء (71).
فهو يعرف بأنّي سوف أُقيم الشرع إذا وليتها، لأنّي لا أنظر إلى الخلافة مثل ما كانوا ينظرون إلى الخلافة، بل أنظر إليها على أنّها إقامة للدين الحنيف واستمرار لنهج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكنّهم أعادوها جاهلية، لذلك صبرت وفي الحلق شجا وفي العين قذى، فاستغلوا صمتي وهضموا حقّي وتناقلوها بينهم.
وعندما وصلت الخلافة إليّ وبايعني الناس بعد مقتل عثمان لم يرق لقريش ذلك، فنكثت طائفة، وقسطت أُخرى، ومرق آخرون، فتحقّق قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ستقاتل من بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين"، فقامت عائشة تحرّض الناس ضدّي، ووقف معها طلحة والزبير وكانا قد بايعاني ثم نكثا بيعتي، وقد زعموا أنّهم يطالبون بدم عثمان، وقد كانوا هم أوّل من حرّض الناس وقاموا ضدّه إلى أن وصل الأمر لقتله، وعائشة كانت هي أوّل من أفتت بقتل عثمان بقولها: اقتلوا نعثلا فقد كفر.
ثمّ قام معاوية معلناً أنّه يطالب بقتلة عثمان، مع أنّه لم ينصره وقد كان يستطيع ذلك، إلاّ أنّه آثر أن يقتل لينازع في أمر ليس هو أهله.
وقد جمع حوله من باع دينه بدنياه، مثل عمرو بن العاص وأمثاله.
وكلّ ما فعلوه كان لخوفهم من أن يتمّ الأمر لي فأعيدهم إلى ما مضى من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكنّهم أبوا إلاّ أن يجعلوها قبليّة جاهليّة.
وبعد أن وصلوا إليها ظهر ما كانوا يخفون، ولم يعد معاوية يطالب بقتلة عثمان بل وقف معاوية وقال: يا أهل العراق ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولكن قاتلتكم لأتأمّر عليكم(72).
فهذا هو ما يريدون أن يتأمروا ليس إلاّ.
وما عشت أراك الله العجب فيمن يصدقهم الآن في زمانكم، بعدما وضحت الأُمور بأجلى صورها، ويصوّروا هذا على أنّه اجتهاد مأجور صاحبه بأجر إن أخطأ وأجرين إن أصاب.
ومنذ وصلت الخلافة إلى عثمان وجمع حوله بني أُميّة، قال له أبو سفيان في مجلسه: تلقّفوها يا بني أُميّة تلقّف الصبيان للكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنّة ولا نار(73).
وهذا ما حصل منذ ولّى عثمان أقاربه وأبناء عمومته على رقاب الناس وقوّى سلطة معاوية في الشام، فبسط يده عليها بعد ما أجازه عليها، كما أجازه أبو بكر وعمر، فصارت بيده يتصرّف بها تصرّف المالك المطلق.
لذلك عندما بايعني الناس، وأحسّ زعيم بني أُميّة معاوية أنّي إن تمّ لي هذا الأمر فسوف يعزل ويصبح كعامة المسلمين، وسوف يخسر ما كان يجهز له منذ ربع قرن، وهو أن يعيد مجد أُميّة ويكون هذا الملك له ولعقبه من بعده والانتقام منّي ومن بني هاشم عموماً; رفض بيعتي.
انظر إلى رسالة محمّد بن أبي بكر إلى معاوية وردّ معاوية عليه:
من محمّد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر:
سلام على أهل طاعة الله، ممّن هو سلم لأهل ولاية الله.
أما بعد، فإن الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته، خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوته، ولا حاجة به إلى خلقهم، لكنه خلقهم عبيداً وجعل منهم غوياً ورشيداً، وشقيّاً وسعيداً، ثمّ اختار على علم فاصطفى وانتخب محمّداً (صلى الله عليه وآله) فاختصه برسالته واختاره لوحيه
وإئتمنه على أمره، وبعثه رسولا ومبشراً ونذيراً، مصدّقاً لما بين يديه من الكتب، ودليلا على الشرائع، فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان أوّل من أجاب وأناب وآمن وصدّق وأسلم وسلّم أخوه وابن عمّه علي بن أبي طالب، صدّقه بالغيب المكتوم وآثره على كلّ حميم، ووقاه بنفسه كلّ هول وواساه بنفسه في كلّ خوف، وحارب حربه وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل ومقامات الردع، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده، ولا مقارب له في فعله.
وقد رأيتك تساميه، وأنت أنت، وهو هو، السابق المبرز في كلّ خير، أوّل الناس إسلاماً وأصدق الناس فيه، وأفضل الناس ذرّية وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عمّ، أخوه الشاري لنفسه يوم مؤتة، وعمّه سيّد الشهداء يوم أُحد، وأبوه الذاب عن رسول الله وعن حوزته، وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله وتبذلان الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال وتؤلّبان عليه القبائل، على هذا مات أبوك وعلى ذلك خلّفته، والشاهد عليك بذلك من تدُني، ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق والشقاق لرسول الله.
والشاهد لعليّ ـ مع فضله المبين، وسابقته القديمة ـ أنصاره الذين معه، الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن ففضلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار منهم معه كتائب وعصائب يجادلون حوله بأسيافهم، ويهرقون دماءهم دونه يرون في اتباعه والشقاء في خلافه.
فكيف يالك الويل! تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله ووصيه وأبو ولده، وأوّل الناس له اتباعاً وأقربهم به عهداً، يخبره بسره ويطلعه على أمره، وأنت عدوّه وابن عدوّه؟!
فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في غوايتك، فكأنّ أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، وسوف تبين لك لمن تكون عاقبة العليا!
واعلم أنّك إنّما تكايد ربّك الذي أمِنت كيده، وآيست من روحه وهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور، والسلام على من اتبع الهدى.
ـ ردّ معاوية:
من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر:
سلام على أهل طاعة الله.
أما بعد، فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه، وما احتفى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع كلام كثير الفّته، ووضعته لرأيك فيه تضعيف ولأبيك فيه تعنيف.
ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله ونصرته له ومواساته إياه في كلّ هول، فكان احتجاجك علىَّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك، فاحمد رباً صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك.
فقد كنّا وأبوك معاً في حياة نبيّنا نرى حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلما اختار الله لنبيّه (صلى الله عليه وآله) ما عنده، وأتمّ له ما وعده، وأظهر دعوته، وأفلح محبّه، وقبضه الله إليه (صلى الله عليه وآله)، كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حقّه، وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا، ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما، فهمّا به الهموم، وأرادا به العظيم ثمّ إنّه بايعهما وسلم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرّهما، حتى قبضهما الله، وانقضى أمرهما، ثمّ قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بمسيرتهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، فطلبتما له الغوائل حتى بلغتما فيه مناكما، فخذ حذرك يا ابن أبي بكر، فسترى وبال أمرك، وقس شبرك بفترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزيد الجبال حلمه ولا تلين على قسر قناته ولا يدرك ذو مدى أناته.
أبوك مهّد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوّله، وإن يكن جوراً فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه. فبهديه أخذنا، وبفعله اقتدينا، ولولا ما فعل ذلك به قبلنا، ما احتذينا واقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدا لك أو دع، والسلام على من أناب ورجع عن غوايته وتاب(74).
ولمّا قتل الحسين ابني، كتب عبد الله بن عمر رسالة إلى يزيد بن معاوية جاء فيها:
أما بعد، فقد عظمت الرزيّة وجلّت المصيبة، حدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين.
فكتب إليه يزيد:
أما بعد، يا أحمق، فإنّا جئنا إلى بيوت مجدّدة وفرش ممهّدة، ووسائد منضّدة، فقاتلنا عنها. فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا، وإن كان الحقّ لغيرنا، فأبوك أوّل من سنّ هذا واستأثر بالحقّ على أهله.
والغاية من إيرادي لرسالة محمّد بن أبي بكر ورد معاوية عليه، ورسالة عبد الله بن عمر وردّ يزيد عليه، إنّما هو لاعترافهم. بأنّ من أوصل لهم هذا الأمر هو من ابتزّني الخلافة وغصبني حقّي من بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا اعتراف من زعمائهم بذلك.
____________
(1) صحيح البخاري 4: 208، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 12.
(3) شرح صحيح مسلم للنووي 12: 185.
(4) الاستيعاب لابن عبد البرّ 4: 189، أسد الغابة لابن الأثير 5: 517، سير أعلام النبلاء للذهبي 2: 119.
(5) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 14.
(6) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 15.
(7) سنن ابن ماجه 1: 44 وقال المحقّق: "في الزوائد: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال وقال: صحيح على شرط الشيخين".
(8) صحيح البخاري 4: 208، و 5: 129، صحيح مسلم 7: 120 و 121، كتاب الفضائل، باب فضائل علي (رضي الله عنه).
(9) صحيح البخاري 5: 143، كتاب المغازي، باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
(10) الاستيعاب لابن عبدالبر 4: 1824، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 224 وقال: "رواه أحمد وإسناده حسن"، الإصابة لابن حجر 8: 103، وغيرها من المصادر.
(11) مسند أحمد 6: 117، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 224، المعجم الكبير للطبراني 23: 13، الإصابة لابن حجر 8: 103، الوافي بالوفيات للصفدي 13: 182، الاستيعاب لابن عبد البرّ 4: 1824، أسد الغابة لابن الأثير 5: 435.
(12) سنن الترمذي 5: 367، الاصابة لابن حجر 8: 211، الاستيعاب لابن عبدالبر 4: 1872، أسد الغابة لابن الأثير 5: 491، المستدرك للحاكم 4: 29، سير أعلام النبلاء للذهبي 2: 223.
(13) صحيح البخاري 2: 203، كتاب الكسوف، باب طواف الوداع، صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل خديجة.
(14) مسند أحمد 3: 135، مستدرك الحاكم 2: 497، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 223، فتح الباري لابن حجر 6: 321.
(15) صحيح ابن حبان 15: 402، المعجم الكبير للطبراني 22: 402، الاستيعاب لابن عبد البرّ 4: 1821، موارد الضمآن للهيثمي 7: 168.
(16) مسند أحمد 3: 135، سنن الترمذي 5: 367، مستدرك الحاكم 3: 157، فتح الباري لابن حجر 6: 340، المصنّف للصنعاني 11: 430، صحيح ابن حبان 15: 464.
(17) إرواء الغليل 1: 178، الطبقات الكبرى لابن سعد 2: 232، مسند أحمد 6: 228.
(18) مسند أحمد 6: 113، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 43: 407.
(19) البقرة: 180.
(20) صحيح البخاري 3: 186، كتاب الوصية باب الوصايا، صحيح مسلم 5: 70، كتاب الوصية، باب الوصية.
(21) الشعراء: 214.
(22) قال البخاري 4: 31، كتاب الدعاء، باب دعاء النبي، في آخر الحديث المشتمل على قولهم: هجر رسول الله: "وأوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزه، ثمّ قال: ونسيت الثالثة"، صحيح مسلم 5: 75، كتاب الوصية، باب ترك الوصية.
(23) الأحزاب: 53.
(24) الأحزاب: 6.
(25) تفسير القرطبي 14: 228، الدر المنثور للسيوطي 5: 214.
(26) التحريم: 4.
(27) التحريم: 10.
(28) التحريم: 11 ـ 12.
(29) مسند أحمد بن حنبل 6: 277، كنز العمال للمتقي الهندي 15: 7.
(30) سنن أبي داود 2: 450، تفسير ابن كثير 4: 229.
(31) الإصابة لابن حجر 8: 311، امتاع الاسماع للمقريزي 5: 336.
(32) الطبقات الكبرى لابن سعد 1: 37، متاع الاسماع للمقريزي 5: 336.
(33) مستدرك الحاكم 4: 37، عمدة القارئ للعيني 20: 229، سير أعلام النبلاء للذهبي 2: 259.
(34) الطبقات الكبرى لابن سعد 8: 161.
(35) كنز العمال 13: 696، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 30: 215.
(36) مجمع الزوائد للهيثمي 4: 322.
(37) الشعراء: 214.
(38) إنّ هذا الحديث قد جاء في مصادر كثيرة بهذه الصيغة أو قريب منها مثلا:
1 ـ تاريخ الطبري 2: 62 ـ 64.
2 ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي 2: 63.
3 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: 211.
4 ـ البداية والنهاية لابن كثير 3: 53.
5 ـ كنز العمال للمتقي الهندي 13: 133.
6 ـ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 49.
7 ـ السنن الكبرى للبيهقي 5: 126.
8 ـ تفسير الثعلبي 7: 182.
9 ـ الدر المنثور للسيوطي 5: 97.
10 ـ جامع البيان للطبري 19: 149.
11 ـ خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 8.
12 ـ نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: 83.
13 ـ حياة محمّد لمحمد حسنين هيكل: 104، الطبعة الأولى سنة 1354هـ لأنّه حذفها من الطبعة الثانية واستعاض عن "أخي ووصيي وخليفتي فيكم" بـ "كذا وكذا وكذا" وهذا من أمانته في سرد التاريخ!
(39) وجاء هذا الحديث بعدّة صيغ منها:
ـ جاء في سنن الترمذي 5: 329 عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله: "إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما".
ـ جاء في مسند أحمد بن حنبل 5: 182 عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله: "إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ـ أو ما بين السماء إلى الأرض ـ وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
ـ وجاء في مسند أحمد بن حنبل 3: 17 عن أبي سعيد الخدري: قال عن النبيّ: قال: "إنّي أُوشك أن اُدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما".
ـ جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 3: 109 عن زيد ابن أرقم قال: لمّا رجع رسول الله من حجّة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقمن، فقال: "كأنّي دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إن الله عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن ـ ثمّ أخذ بيد عليّ فقال ـ: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه".
ـ جاء في صحيح مسلم 7: 123، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي (رضي الله عنه) عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثمّ قال: " أما بعد، ألا أ يّها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به "، فحثّ على كتاب الله، ورغب فيه ثم قال: " وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي".
ـ وجاء في إحياء الميت للسيوطي: 145، أخرج البزار عن علي قال: قال رسول الله: "إنّي مقبوض، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنّكم لن تضلّوا بعدهما".
وفي نفس المصدر 57، 58: أخرج الطبراني عن المطلب بن عبدالله بن حنطب عن أبيه قال: خطبنا رسول الله بالجمعة، فقال: "ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنّي سائلكم عن اثنين: عن القرآن، وعترتي".
ـ وجاء في الصواعق المحرقة لابن حجر 2: 368، الباب التاسع، الفصل الثاني: عن رسول الله قال: "يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة اليكم، إلاّ أنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجلّ، وعترتي أهل بيتي، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها فقال: هذا عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض، فأسألهما ما خلّفت فيهما".
ـ وجاء في مجمع الزوائد للهيثمي عن أبي هريرة 9: 163: قال: قال رسول الله: "إنّي خلّفت فيكم اثنين، لن تضلّوا بعدهما أبداً: كتاب الله ونسبي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض".
وحديث الثقلين الآنف الذكر قد ذكرته جل كتب الحديث والتفسير وبلغ حدّ التواتر، وقد سجّلت مصادره في إفادة عمر بن الخطاب، فيمكن الرجوع إلى مصادره هناك أيضاً.
ـ ومن النصوص التي قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي تضمنّت لفظ (الإمام):
1 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أُوحي إليّ في علي ثلاث: إنّه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين" مستدرك الحاكم 3: 138 وقال: "هذا حديد صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
2 ـ وقال أبو نعيم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: "مرحباً بسيّد المسلمين وإمام المتّقين" حلية الأولياء 1: 63.
ـ عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليوال عليّاً، وليوال وليه، وليقتدِ بالأئمة من ولده من بعده فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي، فويلٌ للمكذبين بفضلهم من أُمّتي لا أنالهم الله شفاعتي" كنز العمال للمتقي الهندي 12: 104، تاريخ مدينة دمشق 36: 313.
ـ عن ابن طفيل بن وائلة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا علي أنت وصيّي، حربك حربي، وسلمك سلمي، وأنت الإمام وأبو الأئمة الأحد عشر المطهرون" المصدر السابق 1: 172.
ومن النصوص التي تضمّنت لفظ الوصي:
ـ عن محمّد بن حميد الرازي، عن سلمة البرش، عن ابن إسحاق، عن شريك، عن أبي الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "لكلّ نبيّ وصيّ ووارث، وعليّ وصيّي ووارثي" ينابيع المودة 2: 79.
ـ عن أبي ذر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
"أنا خاتم النبيين وأنت يا علي خاتم الوصيين إلى يوم الدين" ينابيع المودة 1: 236.
ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المؤاخاة والمنزلة: "والذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلاّ لنفسي، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي، وأنت أخي ووارثي، فقلت: وما أرث منك؟ قال: ما ورث الأنبياء قبلي، كتاب ربّهم وسنّة نبيهم" نظم درر السمطين للزرندي: 95، ينابيع المودة 1: 160.
ـ ونزلت بي وبأهل بيتي عدة آيات منها:
1 ـ آية التطهير: {إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} الأحزاب: الآية 33.
ـ عن أم سلمة (رض) قالت: "إن النبيّ كان في بيتها فأتت فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها: ادعي زوجك وابنيك.
قالت: فجاء عليّ والحسن والحسين فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على مكان تحته كساء له خيبري.
قالت: وأنا أُصلي في الحجرة فأنزل الله عزوجل هذه الآية: {إنّما يريد الله...}.
قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها السماء ثمّ قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت وأنا معكم يا رسول الله؟
قال: إنك إلى خير، إنك إلى خير" مسند أحمد 6: 292، فتح القدير للشوكاني 4: 279، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 13: 205.
(40) الأنعام: 90.
(41) مجمع الزوائد للهيثمي 11: 351، شواهد التنزيل للحسكاني 2: 191، الدر المنثور للسيوطي 6: 7، فتح القدير للشوكاني 4: 537.
(42) آل عمران: 61.
(43) ينابيع المودة 2: 266.
(44) تحفة الأحوذي للمباركفوري 8: 279.
(45) صحيح مسلم 7: 120، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي (رضي الله عنه)، سنن الترمذي 5: 302 و 5: 304، مستدرك الحاكم 2: 337، و 3: 109، السنن الكبرى للبيهقي 9: 40، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 109.
(46) مجمع الزوائد للهيثمي 9: 168، المعجم الصغير للسيوطي 1: 139، و 2: 22، الجامع الصغير للسيوطي 1: 373، كنز العمال للمتّقي الهندي 12: 94.
(47) سنن الترمذي 5: 306، مسند أحمد 1: 95، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 133، أسد الغابة لابن الأثير 4: 26، تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 10.
(48) المستدرك للحاكم 3: 126، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 114، الجامع الصغير 1: 415، كنز العمال للمتّقي الهندي 13: 148، تذكرة الموضوعات للفتني: 95، كشف الخفاء للعجلوني 1: 203، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي، للغماري، وهو كتاب كامل في حديث الباب.
(49) الشورى: 23.
(50) المائدة: 67.
(51) المعجم الكبير للطبراني 3: 180.
(52) المائدة: 3.
(53) شواهد التنزيل للحسكاني 1: 201.
(54) المائدة: 55.
(55) مسند أحمد 4: 281، المصنّف لابن أبي شيبة 7: 503.
(56) صحيح مسلم 1: 61، كتاب الفضائل، باب مناقب علي (عليه السلام)، سنن ابن ماجة 1: 42 و 255، سنن الترمذي 5: 306.
(57) الشورى: 23.
(58) الإمامة والسياسة 1: 30.
(59) المصدر السابق.
(60) الإمامة والسياسة 1: 29.
(61) نهج البلاغة 1: 31، الخطبة: 3 المعروفة بالشقشقية.
(62) نهج البلاغة 2: 202 الخطبة: 217.
(63) نهج البلاغة 3: 119 الخطبة: 62.
(64) نهج البلاغة 4: 41، المختار من حكم أمير المؤمنين.
(65) شرح إحقاق الحقّ للمرعشي 5: 28.
(66) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 2: 316.
(67) الطبقات الكبرى لابن سعد 1: 76.
(68) الطبقات الكبرى لابن سعد 1: 2.
(69) السيرة الحلبية 3: 55.
(70) آل عمران: 144.
(71) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 186، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للباقلاني: 510.
(72) البداية والنهاية لابن كثير 8: 140، سير أعلام النبلاء للذهبي 3: 147.
(73) نحوه في الاستيعاب لابن عبد البرّ 4: 1679.
(74) أنساب الأشراف للبلاذري: 394، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 189.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|