أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2019
2184
التاريخ: 26-10-2019
2883
التاريخ: 24-5-2021
2571
التاريخ: 29-7-2019
2696
|
ذكر نعيم بن مسعود
حدثنا عبد الله بن عاصم الأشجعي، عن أبيه قال: قال نعيم بن مسعود: كانت بنو قريظة أهل شرف وأموال، وكنا قوماً عرباً، لا نخل لنا ولا كرم، وإنما نحن أهل شاةٍ وبعير. فكنت أقدم على كعب بن أسد، فأقيم عندهم الأيام، أشرب من شرابهم وآكل من طعامهم، ثم يحملونني تمراً على ركابي ما كانت، فأرجع إلى أهلي. فلما سارت الأحزاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سرت مع قومي، وأنا على ديني، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عارفاً، فأقامت الأحزاب ما أقامت حتى أجدب الجناب وهلك الخف والكراع، وقذف الله عز وجل في قلبي الإسلام. وكتمت قومي إسلامي، فأخرج حتى آتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المغرب والعشاء وأجده يصلي، فلما رآني جلس ثم قال: ما جاء بك يا نعيم؟ قلت: إني جئت أصدقك وأشهد أن ما جئت به حق، فمرني بما شئت يا رسول الله، فوالله لا تأمرني إلا مضيت له؛ قومي لا يعلمون بإسلامي ولا غيرهم. قال: ما استطعت أن تخذل الناس فخذل! قال، قلت: أفعل، ولكن يا رسول الله أقول فأذن لي، قال: قل ما بدا لك فأنت في حل. قال: فذهبت حتى جئت بني قريظة، فلما رأوني رحبوا وأكرموا وحيوا وعرضوا علي الطعام والشراب، فقلت: إني لم آت لشيءٍ من هذا؛ إنما جئتكم نصباً بأمركم، وتخوفاً عليكم؛ لأشير عليكم برأي، وقد عرفتم ودي إياكم وخاصةً ما بيني وبينكم. فقالوا: قد عرفنا ذلك وأنت عندنا على ما تحب من الصدق والبر. قال: فاكتموا عني. قالوا: نفعل. قال: إن أمر هذا الرجل بلاء - يعني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - صنع ما قد رأيتم ببني قينقاع وبني النضير، وأجلاهم عن بلادهم بعد قبض الأموال. وكان ابن أبي الحقيق قد سار فينا فاجتمعنا معه لنصركم، وأرى الأمر قد تطاول كما ترون، وإنكم والله، ما أنتم وقريشٌ وغطفان من محمدٍ بمنزلةٍ واحدة؛ أما قريشٌ وغطفان فهم قومٌ جاءوا سيارةً حتى نزلوا حيث رأيتم، فإن وجدوا فرصةً انتهزوها، وإن كانت الحرب، أو أصابهم ما يكرهون انشمروا إلى بلادهم. وأنتم لا تقدرون على ذلك، البلد بلدكم فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، وقد غلظ عليهم جانب محمد، اجلبوا عليه أمس إلى الليل، فقتل رأسهم عمرو بن عبد، وهربوا منه، مجرحين وهم لا غناء بهم عنكم؛ لما تعرفون عندكم. فلا تقاتلوا مع قريشٍ ولا غطفان حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم تستوثقون به منهم ألا يناجزوا محمداً. قالوا: أشرت بالرأي علينا والنصح. ودعوا له وتشكروا، وقالوا: نحن فاعلون. قال: ولكن اكتموا عني. قالوا: نعم، نفعل. ثم خرج إلى أبي سفيان بن حرب في رجالٍ من قريشٍ فقال: يا أبا سفيان، قد جئتك بنصيحةٍ فاكتم عني. قال: أفعل. قال: تعلم أن قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وأرادوا إصلاحه ومراجعته. أرسلوا إليه وأنا عندهم: إنا سنأخذ من قريشٍ وغطفان من أشرافهم سبعين رجلاً نسلمهم إليك تضرب أعناقهم وترد جناحنا الذي كسرت إلى ديارهم - يعنون بني النضير - ونكون معك على قريشٍ حتى نردهم عنك. فإن بعثوا إليكم يسألونكم رهناً فلا تدفعوا إليهم أحداً واحذروهم على أشرافكم، ولكن اكتموا عني ولا تذكروا من هذا حرفاً. قالوا: لا نذكره. ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان، إني رجلٌ منكم فاكتموا عني، واعلموا أن قريظة بعثوا إلى محمد - وقال لهم مثل ما قال لقريش - فاحذروا أن تدفعوا إليهم أحداً من رجالكم. وكان رجلاً منهم فصدقوه، وأرسلت اليهود غزال بن سموأل إلى أبي سفيان بن حرب وأشراف قريش: إن ثواءكم قد طال ولم تصنعوا شيئاً وليس الذي تصنعون برأي، إنكم لو وعدتمونا يوماً تزحفون فيه إلى محمد، فتأتون من وجهٍ وتأتي غطفان من وجهٍ ونخرج نحن من وجهٍ آخر، لم يفلت من بعضنا. ولكن لا نخرج معكم حتى ترسلوا إلينا برهان من أشرافكم يكونون عندنا، فإنا نخاف إن مستكم الحرب وأصابكم ما تكرهون شمرتم وتركتمونا في عقر دارنا وقد نابذنا محمداً بالعداوة. فانصر الرسول إلى بني قريظة ولم يرجعوا إليهم شيئاً، وقال أبو سفيان: هذا ما قال نعمي. فخرج نعيم إلى بني قريظة فقال: يا معشر بني قريظة، أنا عند أبي سفيان حتى جاء رسولكم إليه يطلب منه الرهان، فلم يرد عليه شيئاً فلما ولى قال: لو طلبوا مني عناقاً ما رهنتها! أنا أرهنهم سراة أصحابي يدفعونهم إلى محمدٍ يقتلهم! فارتأوا آراءكم حتى تأخذوا الرهن، فإنكم إن لم
تقاتلوا محمداً وانصرف أبو سفيان تكونوا على مواعدتكم الأولى. قالوا: ترجو ذلك يا نعيم؟ قال: نعم. قال كعب بن أسد: فإنا لا نقاتله. والله، لقد كنت لهذا كارهاً ولكن حيي رجلٌ مشئوم. قال الزبير بن باطا: إن انكشفت قريش وغطفان عن محمدٍ لم يقبل منا إلا السيف. قال نعيم: لا تخش ذلك يا أبا عبد الرحمن. قال الزبير: بلى والتوراة، ولو أصابت اليهود رأيها ولحم الأمر لتخرجن إلى محمدٍ ولا يطلبون من قريشٍ رهناً، فإن قريشاً لا تعطينا رهناً أبداً، وعلى أي وجهٍ تعطينا قريشٌ الرهن وعددهم أكثر من عددنا، ومعهم كراعٌ ولا كراع معنا، وهم يقدرون على الهرب ونحن لا نقدر عليه؟ وهذه غطفان تطلب إلى محمدٍ أن يعطيها بعض تمر الأوس وتنصرف، فأبى محمدٌ إلا السيف، فهم ينصرفون بغير شيء. فلما كان ليلة السبت كان مما صنع الله تعالى لنبيه أن قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إن الجناب قد أجدب، وهلك الكراع والخف، وغدرت اليهود وكذبت، وليس هذا بحين مقامٍ فانصرفوا! قالت قريش: فاعلم علم اليهود واستيقن خبرهم. فبعثوا عكرمة بن أبي جهل حتى جاء بني قريظة عند غروب الشمس مساء ليلة السبت فقال: يا معشر اليهود إنه قد طال المكث وجهد الخف والكراع وأجدب الجناب، وإنا لسنا بدار مقامة، اخرجوا إلى هذا الرجل حتى نناجزه بالغداة. قالوا: غداً السبت لا نقاتل ولا نعمل فيه عملاً، وإنا مع ذلك لا نقاتل معكم إذا انقضى سبتنا حتى تعطونا رهاناً من رجالكم يكونون معنا لئلا تبرحوا حتى نناجز محمداً، فإنا نخشى إن أصابتكم الحرب أن تشمروا إلى بلادكم وتدعونا وإياه في بلادنا ولا طاقة لنا به، معنا الذراري والنساء والأموال. فرجع عكرمة إلى أبي سفيان فقالوا: ما وراءك؟ قال: أحلف بالله إن الخبر الذي جاء به نعيم حقٌّ، لقد غدر أعداء الله. وارسلت غطفان إليهم مسعود بن رخيلة في رجالٍ منهم بمثل رسالة أبي سفيان، فأجابوهم بمثل جواب أبي سفيان. وقالت اليهود حيث رأوا ما رأوا منهم: نحلف بالله إن الخبر الذي قال نعيم لحقٌّ. وعرفوا أن قريشاً لا تقيم فسقط في أيديهم، فكر أبو سفيان إليهم وقال: إنا والله لا نفعل، إن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت اليهود مثل قولهم الأول، وجعلت اليهود تقول: الخبر ما قال نعيم. وجعلت قريشٌ وغطفان تقول: الخبر ما قال نعيم. ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، واختلف أمرهم، فكان نعيمٌ يقول: أنا خذلت بين الأحزاب حتى تفرقوا في كل وجه، وأنا أمين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على سره. فكان صحيح الإسلام بعد اتلوا محمداً وانصرف أبو سفيان تكونوا على مواعدتكم الأولى. قالوا: ترجو ذلك يا نعيم؟ قال: نعم. قال كعب بن أسد: فإنا لا نقاتله. والله، لقد كنت لهذا كارهاً ولكن حيي رجلٌ مشئوم. قال الزبير بن باطا: إن انكشفت قريش وغطفان عن محمدٍ لم يقبل منا إلا السيف. قال نعيم: لا تخش ذلك يا أبا عبد الرحمن. قال الزبير: بلى والتوراة، ولو أصابت اليهود رأيها ولحم الأمر لتخرجن إلى محمدٍ ولا يطلبون من قريشٍ رهناً، فإن قريشاً لا تعطينا رهناً أبداً، وعلى أي وجهٍ تعطينا قريشٌ الرهن وعددهم أكثر من عددنا، ومعهم كراعٌ ولا كراع معنا، وهم يقدرون على الهرب ونحن لا نقدر عليه؟ وهذه غطفان تطلب إلى محمدٍ أن يعطيها بعض تمر الأوس وتنصرف، فأبى محمدٌ إلا السيف، فهم ينصرفون بغير شيء. فلما كان ليلة السبت كان مما صنع الله تعالى لنبيه أن قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إن الجناب قد أجدب، وهلك الكراع والخف، وغدرت اليهود وكذبت، وليس هذا بحين مقامٍ فانصرفوا! قالت قريش: فاعلم علم اليهود واستيقن خبرهم. فبعثوا عكرمة بن أبي جهل حتى جاء بني قريظة عند غروب الشمس مساء ليلة السبت فقال: يا معشر اليهود إنه قد طال المكث وجهد الخف والكراع وأجدب الجناب، وإنا لسنا بدار مقامة، اخرجوا إلى هذا الرجل حتى نناجزه بالغداة. قالوا: غداً السبت لا نقاتل ولا نعمل فيه عملاً، وإنا مع ذلك لا نقاتل معكم إذا انقضى سبتنا حتى تعطونا رهاناً من رجالكم يكونون معنا لئلا تبرحوا حتى نناجز محمداً، فإنا نخشى إن أصابتكم الحرب أن تشمروا إلى بلادكم وتدعونا وإياه في بلادنا ولا طاقة لنا به، معنا الذراري والنساء والأموال. فرجع عكرمة إلى أبي سفيان فقالوا: ما وراءك؟ قال: أحلف بالله إن الخبر الذي جاء به نعيم حقٌّ، لقد غدر أعداء الله. وارسلت غطفان إليهم مسعود بن رخيلة في رجالٍ منهم بمثل رسالة أبي سفيان، فأجابوهم بمثل جواب أبي سفيان. وقالت اليهود حيث رأوا ما رأوا منهم: نحلف بالله إن الخبر الذي قال نعيم لحقٌّ. وعرفوا أن قريشاً لا تقيم فسقط في أيديهم، فكر أبو سفيان إليهم وقال: إنا والله لا نفعل، إن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت اليهود مثل قولهم الأول، وجعلت اليهود تقول: الخبر ما قال نعيم. وجعلت قريشٌ وغطفان تقول: الخبر ما قال نعيم. ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، ويئس هؤلاء من نصر هؤلاء، واختلف أمرهم، فكان نعيمٌ يقول: أنا خذلت بين الأحزاب حتى تفرقوا في كل وجه، وأنا أمين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على سره. فكان صحيح الإسلام بعد فحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، قال: لما قالت قريظة لعكرمة بن أبي جهل ما قالت، قال أبو سفيان بن حرب لحيي ابن أخطب: أين ما وعدتنا من نصر قومك؟ قد خلونا وهم يريدون الغدر بنا! قال حيي: كلا والتوراة، ولكن السبت قد حضر ونحن لا نكسر السبت، فكيف ننصر على محمدٍ إذا كسرنا السبت؟ فإذا كان يوم الأحد اغدوا على محمدٍ وأصحابه بمثل حرق النار. وخرج حيي بن أخطب حتى أتى بني قريظة فقال: فداءكم أبي وأمي، إن قريشاً قد اتهمتكم بالغدر واتهموني معكم، وما السبت لو كسرتموه لما قد حضر من أمر عدوكم؟ قال: فغضب كعب بن أسد، ثم قال: لو قتلهم محمدٌ حتى لا يبقى منهم أحدٌ ما كسرنا سبتنا. فرجع حيي إلى أبي سفيان بن حرب فقال: ألم أخبرك يا يهودي أن قومك يريدون الغدر؟ قال حيي: لا والله، ما يريدون الغدر، ولكنهم يريدون الخروج يوم الأحد. فقال أبو سفيان: وما السبت؟ قال: يوم من أيامهم يعظمون القتال فيه، وذلك أن سبطاً منا أكلوا الحيتان يوم السبت فمسخهم الله قردةً وخنازير. قال أبو سفيان: لا أراني أستنصر بأخوة القردة والخنازير! ثم قال أبو سفيان: قد بعثت عكرمة بن أبي جهل وأصحابه إليهم فقالوا: لا نقاتل حتى تبعثوا لنا بالرهان من أشرافكم. وقبل ذلك ما جاءنا غزال بن سموأل برسالتهم. قال أبو سفيان: أحلف باللات إن هو إلا غدركم، وإني لأحسب أنك قد دخلت في غدر القوم! قال حيي: والتوراة التي أنزلت على موسى يوم طور سيناء ما غدرت! ولقد جئتك من عند قومٍ هم أعدى الناس لمحمدٍ وأحرصهم على قتاله، ولكن ما مقام يومٍ واحدٍ حتى يخرجوا معك! قال أبو سفيان: لا والله ولا ساعة، لا أقيم بالناس انتظار غدركم. حتى خاف حيي ابن أخطب على نفسه من أبي سفيان، فخرج معهم من الخوف حتى بلغ الروحاء، فما رجع إلا متسرقاً لما أعطى كعب بن أسد من نفسه ليرجعن إليه، فدخل مع بني قريظة حصنهم ليلاً ويجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد زحف إليهم ساعة ولت الأحزاب.
فحدثني صالح بن جعفر، عن أبي كعب القرظي، قال: كان حيي بن أخطب قال لكعب بن أسد حين جاءه، وجعل كعب يأبى فقال حيي: لا تقاتل حتى تأخذ سبعين رجلاً من قريشٍ وغطفان رهاناً عندكم. وذلك من حيي خديعة لكعب حتى ينقض العهد، وعرف أنه إذا نقض العهد لحم الأمر. ولم يخبر حيي قريشاً بالذي قال لبني قريظة، فلما جاءهم عكرمة يطلب منهم أن يخرجوا معه السبت قالوا: لا نكسر السبت، ولكن يوم الأحد، ولا نخرج حتى تعطونا الرهان. فقال عكرمة: أي رهان؟ قال كعب: الذي شرطتم لنا. قال: ومن شرطها لكم؟ قالوا: حيي بن أخطب. فأخبر أبا سفيان ذلك فقال لحيي: يا يهودي، نحن قلنا لك كذا وكذا؟ قال: لا والتوراة، ما قلت ذلك. قال أبو سفيان: بل هو الغدر من حيي. فجعل حيي يحلف بالتوراة ما قال ذلك.
حدثني موسى بن يعقوب، عن عمه قال، قال كعب: يا حيي لا نخرج حتى نأخذ من كل أصحابك من كل بطن سبعين رجلاً رهناً في أيدينا. فذكر ذلك حيي لقريشٍ ولغطفان وقيس. ففعلوا وعقدوا بينهم عقداً بذلك حتى شق كعبٌ الكتاب. فلما أرسلت إليه قريشٌ تستنصره قال: الرهن! فأنكروا ذلك واختلفوا؛ لما أراد الله عز وجل.
وحدثني معمر، عن الزهري قال، سمعته يقول: أرسلت بنو قريظة إلى أبي سفيان أن ائتوا فإنا سنغير على بيضة المسلمين من ورائهم. فسمع ذلك نعيم بن مسعود، وكان موادعاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان عند عيينة حين ارسلت بذلك بنو قريظة إلى أبي سفيان وأصحابه. فأقبل نعيم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره خبرها وما ارسلت به قريظة إلى الأحزاب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فلعلنا أمرناهم بذلك. فقام نعيم بكلمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك من عند رسول الله. قال: وكان نعيم رجلاً لا يكتم الحديث، فلما ولى من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذاهباً إلى غطفان قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، ما هذا الذي قلت؟ إن كان أمرٌ من الله تعالى فامضه، وإن كان هذا راياً من قبل نفسك فإن شأن بني قريظة هو أهون من أن تقول شيئاً يؤثر عنك. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بل هو رأي رأيته الحرب خدعة. ثم أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أثر نعيم، فدعاه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أرأيت الذي سمعتني قلت آنفاً؟ اسكت عنه فلا تذكره! فانصرف من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى جاء عيينة بن حصن ومن معه من غطفان، فقال لهم: هل علمتم محمداً قال شيئاً قط إلا كان حقاً؟ قالوا: لا. قال: فإنه قال لي فيما ارسلت به إليكم بنو قريظة: " فلعلنا نحن أمرناهم بذلك " ، ثم نهاني أذكره لكم. فانطلق عيينة حتى لقي أبا سفيان بن حرب، فأخبره خبر نعيم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال لهم: إنما أنتم في مكر بني قريظة. فقال أبو سفيان: نرسل إليهم الآن فنسألهم الرهن، فإن دفعوا الرهن إلينا فقد صدقونا، وإن أبوا ذلك فنحن منهم في مكر. فجاءهم رسول أبي سفيان فسألهم الرهن ليلة السبت فقالوا: هذه ليلة السبت ولسنا نقضي فيها ولا في يومها أمراً، فأمهل حتى يذهب السبت. فخرج الرسول إلى أبي سفيان فقال أبو سفيان، ورءوس الأحزاب معه هذا مكر من بني قريظة، فارتحلوا فقد طالت إقامتكم. فآذنوا الرحيل، وبعث الله تعالى عليهم الريح، حتى ما يكاد أحدهم يهتدي لموضع رحله، فارتحلوا فولوا منهزمين.
ويقال إن حيي بن أخطب قال لأبي سفيان: أنا آخذ لك من بني قريظة سبعين رجلاً رهناً عندك حتى يخرجوا فيقاتلوا، فهم أعرف بقتال محمدٍ وأصحابه. فكان هذا الذي قال إن أبا سفيان طلب الرهن. قال ابن واقد: وأثبت الأشياء عندنا قول نعيم الأول.
وكان عبد الله بن أبي أوفى يحدث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا على الأحزاب فقال: اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب! اللهم اهزمهم! فحدثني كثير بن زيد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله، قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأحزاب في مسجد الأحزاب يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، فاستجيب له بين الظهر والعصر يوم الأربعاء. قال: فعرفنا السرور في وجهه. قال جابر: فما نزل بي أمرٌ غائظٌ مهمٌّ إلا تحينت تلك الساعة من ذلك اليوم، فأدعو الله فأعرف الإجابة.
وكان ابن أبي ذئب يحدث، عن رجلٍ من بني سلمة، عن جابر بن عبد الله، قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجبل الذي عليه المسجد، فدعا في إزارٍ ورفع يديه مداً، ثم جاءه مرةً أخرى فصلى ودعا.
وكان عبد الله بن عمر يقول: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخريق القابل الصاب على أرض بني النضير، وهو اليوم موضع المسجد الذي بأسفل الجبل. ويقال إنه صلى في تلك المساجد كلها التي حول المسجد الذي فوق الجبل. قال ابن واقد: وهذا أثبت الأحاديث.
وقالوا: لما كان ليلة السبت بعث الله الريح فقلعت وتركت وقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي إلى أن ذهب ثلث الليل، وكذلك فعل ليلة قتل ابن الأشرف، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا حزبه الأمر أكثر الصلاة. قالوا: وكان حصار الخندق في قرٍ شديدٍ وجوع، فكان حذيفة بن اليمان يقول: لقد رأيتنا في الخندق مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلةٍ شديدة البرد، قد اجتمع علينا البرد والجوع والخوف، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من رجلٌ ينظر لنا ما فعل القوم جعله الله رفيقي في الجنة. فقال حذيفة: يشرط له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجنة والرجوع، فما قام منا رجلٌ! ثم عاد يقول ذلك ثلاث مرات، وما قام رجلٌ واحدٌ من شدة الجوع والقر والخوف. فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك لا يقوم أحد، دعاني فقال: يا حذيفة! قال: فلم أجد بداً من القيام حين فوه باسمي، فجئته ولقلبي وجبان في صدري، فقال: تسمع كلامي منذ الليلة ولا تقوم؟ فقلت: لا، والذي بعثك بالحق، إن قدرت على ما بي من الجوع والبرد. فقال: اذهب فانظر ما فعل القوم، ولا ترمين بسهمٍ ولا بحجر، ولا تطعن برمح، ولا تضربن بسيفٍ حتى ترجع إلي. فقلت: يا رسول الله، ما بي يقتلوني ولكني أخاف أن يمثلوا بي. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليس عليك بأس! فعرفت أنه لابأس علي مع كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأول. ثم قال: اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يقولون. فلما ولى حذيفة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم، احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته! فدخل عسكرهم فإذا هم يصطلون على نيرانهم؛ وإن الريح تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قراراً ولا بناء. فأقبلت فجلست على نارٍ مع قوم، فقام أبو سفيان فقال: احذروا الجواسيس والعيون، ولينظر كل رجلٍ جليسه. قال، فالتفت إلى عمرو بن العاص فقلت: من أنت؟ وهو عن يميني. فقال: عمرو بن العاص. والتفت إلى معاوية بن أبي سفيان فقلت: من أنت؟ فقال: معاوية بن أبي سفيان. ثم قال أبو سفيان: إنكم والله لستم بدار مقام؛ لقد هلك الخف والكراع، وأجدب الجناب، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، وقد لقينا من الريح ما ترون! والله، ما يثبت لنا بناءٌ ولا تطمئن لنا قدر، فارتحلوا فإني مرتحل. وقام أبو سفيان، وجلس على بعيره وهو معقول، ثم ضربه فوثب على ثلاث قوائم، فما أطلق عقاله إلا بعد ما قام. ولولا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلي: " لا تحدث شيئاً حتى تأتي " ثم شئت، لقتلته. فناداه عكرمة ابن أبي جهل: إنك رأس القوم وقائدهم، تقشع وتترك الناس؟ فاستحيى أبو سفيان فأناخ جمله ونزل عنه، وأخذ بزمامه وهو يقوده، وقال: ارحلوا! قال: فجعل الناس يرتحلون وهو قائمٌ حتى خف العسكر، ثم قال لعمرو ابن العاص: يا أبا عبد الله، لابد لي ولك أن نقيم في جريدةٍ من خيلٍ بإزاء محمدٍ وأصحابه، فإنا لا نأمن أن نطلب حتى ينفذ العسكر. فقال عمرو: أنا أقيم. وقال لخالد بن الوليد: ما ترى يا أبا سليمان؟ فقال: أنا أيضاً أقيم. فأقام عمرو وخالد في مائتي فارس، وسار العسكر إلا هذه الجريدة على متون الخيل.
قالوا: وذهب حذيفة إلى غطفان فوجدهم قد ارتحلوا، فرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره. وأقامت الخيل حتى كان السحر، ثم مضوا فلحقوا الأثقال والعسكر مع ارتفاع النهار بملل، فغدوا إلى السيالة. وكانت غطفان لما ارتحلت وقف مسعود بن رخيلة في خيلٍ من أصحابه، ووقف الحارث بن عوف في خيلٍ من أصحابه، ووقف فرسان من بني سليم في أصحابهم، ثم تحملوا جميعاً في طريقٍ واحدة، وكرهوا أن يتفرقوا حتى أتوا على المراض ، ثم تفرقت كل قبيلةٍ إلى محالها.
حدثني عبد الله بن جعفر، عن عثمان - يعني ابن محمد الأخنسي - قال: لما انصرف عمرو بن العاص قال: قد علم كل ذي عقلٍ أن محمداً لم يكذب. فقال عكرمة بن أبي جهل: أنت أحق الناس ألا يقول هذا. قال عمرو: لم؟ قال: لأنه نزل على شرف ابيك وقتل سيد قومك. ويقال: الذي تكلم به خالد بن الوليد، ولا ندري، لعلهما قد تكلما بذلك جميعاً. قال خالد بن الوليد: قد علم كل حليمٍ أن محمداً لم يكذب قط. قال أبو سفيان بن حرب: إن أحق الناس ألا يقول هذا أنت. قال: ولم؟ قال: نزل على شرف أبيك، وقتل سيد قومك أبا جهل.
حدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: كان محاصرة المشركين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخندق بضعة عشر يوماً. وحدثني الضحاك بن عثمان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر ابن عبد الله، قال: عشرين يوماً. ويقال خمسة عشر يوماً، وهذا أثبت ذلك عندنا. فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخندق أصبح وليس بحضرته أحدٌ من العساكر، قد هربوا وذهبوا. وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الثبت أنهم انقشعوا إلى بلادهم، ولما أصبحوا أذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للمسلمين في الانصراف إلى منازلهم، فخرجوا مبادرين مسرورين بذلك. وكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تعلم بنو قريظة رجعتهم إلى منازلهم، فأمر بردهم، وبعث من ينادي في أثرهم، فما رجع رجلٌ واحد. فكان ممن يردهم عبد الله بن عمر، أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال عبد الله: فجعلت أصيح في أثرهم في كل ناحية: إن رسول الله أمركم أن ترجعوا، فما رجع رجلٌ واحدٌ منههم من القر والجوع. فكان يقول: كره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى سرعتهم، وكره أن يكون لقريشٍ عيون. قال جابر بن عبد الله: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أردهم، فجعلت أصيح بهم فما يرجع أحد، فانطلقت في أثر بني حارثة، فوالله ما أدركتهم حتى دخلوا بيوتهم، ولقد صحت فما يخرج إلي أحدٌ من جهد الجوع والقر، فرجعت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فألقاه في بني حرام منصرفاً، فاخبرته فضحك (صلى الله عليه وآله وسلم).
حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبي وجزة، قال: لما ملت قريش المقام، وأجدب الجناب، وضاقوا بالخندق، وكان أبو سفيان على طمعٍ أن يغير على بيضة المدينة، كتب كتاباً فيه: باسمك اللهم، فإني أحلف باللات والعزى، لقد سرت إليك في جمعنا، وإنا نريد ألا نعود إليك أبداً حتى نستأصلك، فرأيتك قد كرهت لقاءنا، وجعلت مضايق وخنادق، فليت شعري من علمك هذا؟ فإن نرجع عنكم فلكم منا يومٌ كيوم أحد، تبقر فيه النساء. وبعث بالكتاب مع أبي أسامة الجشمي، فلما أتى بالكتاب دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبي بن كعب، فدخل معه قبته، فقرأ عليه كتاب أبي سفيان. وكتب إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من محمد رسول الله إلى أبي سفيان بن حرب... أما بعد، فقديماً غرك بالله الغرور، أما ما ذكرت أنك سرت إلينا في جمعكم، وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمرٌ الله يحول بينك وبينه، ويجعل لنا العاقبة حتى لا تذكر اللات والعزى. وأما قولك: من علمك الذي صنعنا من الخندق، فإن رسول الله ألهمني ذلك لما اراد من غيظك به وغيظ أصحابك، وليأتين عليك يومٌ تدافعني بالراح، وليأتين عليك يومٌ أكسر فيه اللات، والعزى، وإساف، ونائلة، وهبل، حتى أذكرك ذلك. قال أبو عبد الله: فذكرت ذلك لإبراهيم بن جعفر فقال: أخبرني أبي أن في الكتاب ولقد علمت أني لقيت أصحابك بأحياء وأنا في عيرٍ لقريش، فما حصر أصحابك منا شعرةً، ورضوا بمدافعتنا بالراح. ثم أقبلت في عير قريش حتى لقيت قومي، فلم تلقنا، فأوقعت بقومي ولم أشهدها من وقعة. ثم غزوتكم في عقر داركم فقتلت وحرقت - يعني غزوة السويق - ثم غزوتك في جمعنا يوم أحد، فكانت وقعتنا فيكم مثل وقعتكم بنا ببدر، ثم سرنا إليكم في جمعنا ومن تألب إلينا يوم الخندق، فلزمتم الصياصي وخندقتم الخنادق.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|