أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-08
1047
التاريخ: 20-7-2019
2088
التاريخ: 17-6-2021
3234
التاريخ: 24-5-2021
2581
|
غزوة الرجيع
في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً حدثني موسى بن يعقوب، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلّم) أصحاب الرجيع عيوناً إلى مكة ليخبروه خبر قريش، فسلكوا على النجدية حتى كانوا بالرجيع فاعترضت لهم بنو لحيان.
حدثني محمد بن عبد الله، ومعمر بن راشد، وعبد الرحمن بن عبد العزيز، وعبد الله بن جعفر، ومحمد بن صالح، ومحمد بن يحيى بن سهل ابن أبي حثمة، ومعاذ بن محمد، في رجالٍ ممن لم أسم، وكل قد حدثني ببعض الحديث، وبعض القوم كان أرعى له من بعض، وقد جمعت الذي حدثوني، قالوا: لما قتل سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي مشت بنو لحيان إلى عضل والقارة، فجعلوا لهم فرائض على أن يقدموا على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلّم) فيكلموه، فيخرج إليهم نفراً من أصحابه يدعونهم إلى الإسلام. فنقتل من قتل صاحبنا ونخرج بسائرهم إلى قريش بمكة فنصيب بهم ثمناً، فإنهم ليسوا لشيءٍ أحب إليهم من أن يؤتوا بأحد من أصحاب محمدٍ، يمثلون به ويقتلونه بمن قتل منهم ببدر. فقدم سبعة نفرٍ من عضل والقارة وهما حيان إلى خزيمة مقرين بالإسلام، فقالوا لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلّم): إن فنيا إسلاماً فاشياً، فابعث معنا نفراً من أصحابك يقرئوننا القرآن ويفقهوننا في الإسلام. فبعث معهم سبعة نفر: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وخالد بن أبي البكير، وعبدالله بن طارق البلوى حليفٌ في بني ظفر، وأخاه لأمه معتب بن عبيد، حليفٌ في بني ظفر، وخبيب بن عدي بن بلحارث بن الخزرج، وزيد ابن الدثنة من بني بياضة، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. ويقال كانوا عشرة وأميرهم مرثد بن أبي مرثد، ويقال أميرهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. فخرجوا حتى إذا كانوا بماءٍ لهذيل يقال له الرجيع قريب من الهدة خرج النفر فاستصرخوا عليهم أصحابهم الذين بعثهم اللحيانيون، فلم يرع أصحاب محمد (صلى الله عليه واله وسلّم) إلا بالقوم، مائة رامٍ وفي أيديهم السيوف. فاخترط أصحاب (صلى الله عليه واله وسلّم) أسيافهم ثم قاموا، فقال العدو: ما نريد قتالكم، وما نريد إلا أن نصيب منكم من أهل مكة ثمناً، ولكم عهد الله وميثاقه لا نقتلكم. فأما خبيب بن عدي، وزيد ابن الدثنة، وعبد الله بن طارق، فاستأسروا. وقال خبيب: إن لي عند القوم يداً. وأما عاصم بن ثابت، ومرثد، وخالد بن أبي البكير، ومعتب ابن عبيد، فأبوا أن يقبلوا جوارهم ولا أمانهم. وقال عاصم بن ثابت: إني نذرت ألا أقبل جوار مشركٍ أبداً. فجعل عاصم يقاتلهم وهو يقول:
ما علتي وأنا جلدٌ نابل ... النبل والقوس لها بلابل
تزل عن صفحتها المعابل ... الموت حقٌّ والحياة باطل
وكل ما حم الإله نازل ... بالمرء والمرء إليه آثل
إن لم أقاتلكم فأمى هابل
قال الواقدي: ما رأيت من أصحابنا أحداً يدفعه. قال: فرماهم بالنبل حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم بالرمح حتى كسر رمحه، وبقي السيف فقال: اللهم حميت دينك أول نهاري فاحم لي لحمي آخره! وكانوا يجردون كل من قتل من أصحابه. قال: فكسر غمد سيفه ثم قاتل حتى قتل، وقد جرح رجلين وقتل واحداً. فقال عاصم وهو يقاتل:
أنا أبو سليمان ومثلى رامي ... ورثت مجداً معشراً كراما
أصبت مرثداً وخالداً قياما
ثم شرعوا فيه الأسنة حتى قتلوه. وكانت سلافة بنت سعد بن الشهيد قد قتل زوجها وبنوها أربعة، قد كان عاصم قتل منهم اثنين، الحارث، ومسافعاً، فنذرت لئن أمكنها الله منه أن تشرب في قحف رأسه الخمر، وجعلت لمن جاء برأس عاصم مائة ناقة، قد علمت ذلك العرب وعلمته بنو لحيان فأرادوا أن يحتزوا رأس عاصم ليذهبوا به إلى سلافة بنت سعد ليأخذوا منها مائة ناقة. فبعث الله تعالى عليهم الدبر فحمته فلم يدن إليه أحدٌ إلا لدغت وجهه، وجاء منها شيءٌ كثيرٌ لا طاقة لأحد به. فقالوا: دعوه إلى الليل، فإنه إذا جاء الليل ذهب عنه الدبر. فلما جاء الليل بعث الله عليه سيلاً وكنا ما نرى في السماء سحاباً في وجهٍ من الوجوه فاحتمله فذهب به فلم يصلوا إليه. فقال عمر بن الخطاب ، وهو يذكر عاصماً، وكان عاصم نذر إلا يمس مشركاً ولا يمسه مشرك تنجساً به. فقال عمر: إن الله عز وجل ليحفظ المؤمنين، فمنعه الله عز وجل أن يمسوه بعد وفاته كما امتنع في حياته.
وقاتل معتب بن عبيد حتى جرح فيهم، ثم خلصوا إليه فقتلوه. وخرجوا بخبيب، وعبد الله بن طارق، وزيد بن الدثنة حتى إذا كانوا بمر الظهران، وهم موثقون بأوتار قسيهم، قال عبد الله بن طارق: هذا أول الغدر! والله لا أصاحبكم، إن لي في هؤلاء لأسوةً يعني القتلى . فعالجوه فأبى، ونزع يده من رباطه ثم أخذ سيفه، فانحازوا عنه فجعل يشد فيهم وينفرجون عنه، فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بمر الظهران. وخرجوا بخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة حتى قدموا بهما مكة، فأما خبيب فابتاعه حجير بن ابي إهاب بثمانين مثقال ذهب. ويقال اشتراه بخمسين فريضة، ويقال اشترته ابنة الحارث بن عامر بن نوفل بمائةٍ من الإبل. وكان حجير إنما اشتراه لابن أخيه عقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه قتل يوم بدر. وأما زيد بن الدثنة، فاشتراه صفوان بن أمية بخمسين فريضة فقلته بأبيه، ويقال إنه شرك فيه أناسٌ من قريش، فدخل بهما في شهر حرام، في ذي القعدة، فحبس حجير خبيب بن عدي في بيت امرأة يقال لها ماوي، مولاة لبني عبد مناف، وحبس صفوان بن أمية زيد بن الدثنة عند ناسٍ من بني جمح، ويقال عند نسطاس غلامه. وكانت ماوية قد أسلمت بعد فحسن إسلامها، وكانت تقول: والله ما رأيت أحداً خيراً من خبيب. والله لقد اطلعت عليه من صير الباب وإنه لفي الحديد، ما أعلم في الأرض حبة عنبٍ تؤكل، وإن في يده لقطف عنبٍ مثل رأس الرجل يأكل منه، وما هو إلا رزقٌ رزقه الله. وكان خبيب يتهجد بالقرآن، وكان يسمعه النساء فيبكين ويرققن عليه. قالت، فقلت له: يا خبيب، هل لك من حاجة؟ قال: لا، إلا إن تسقيني العذب، ولا تطعميني ما ذبح على النصب، وتخبريني إذا أرادوا قتلى. قالت: فلما انسلخت الأشهر الحرم وأجمعوا على قتله أتيته فأخبرته، فوالله ما رأيته اكترث لذلك، وقال: ابعثي لي بحديدةٍ أستصلح بها. قال: فبعثت إليه موسى مع ابني أبي حسين، فلما ولى الغلام قلت: أدرك والله الرجل ثأره، أي شيءٍ صنعت؟ بعثت هذا الغلام بهذه الحديدة، فيقتله ويقول رجلٌ برجل. فلما أتاه ابني بالحديدة تناولها منه ثم قال ممازحاً له: وأبيك إنك لجريءٌ! أما خشيت أمك غدرى حين بعثت معك بحديدةٍ وأنتم تريدون قتلي؟ قالت ماوية: وأنا أسمع ذلك فقلت: يا خبيب، إنما أمنتك بأمان الله وأعطيتك بإلهك، ولم أعطك لتقتل ابني. فقال خبيب: ما كنت لأقتله، وما نستخل في ديننا الغدر. ثم أخبرته أنهم مخرجوه فقاتلوه بالغداة. قال: فأخرجوه بالحديد حتى انتهوا به إلى التنعيم، وخرج معه النساء والصبيان والعبيد وجماعةٌ من أهل مكة، فلم يتخلف أحدٌ، إما موتور فهو يريد أن يتشافى بالنظر من وتره، وإما غيره موتور فهو مخالف للإسلام وأهله. فلما انتهوا به إلى التنعيم، ومعه زيد بن الدثنة، فأمروا بخشبة طويلة فحفر لها، فلما انتهوا بخبيب إلى خشبته قال: هل أنتم تاركي فأصلى ركعتين؟ قالوا: نعم. فركع ركعتين أتمهما من غير أن يطول فيهما.
فحدثني معمر، عن الزهري، عن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن العلاء، عن أبي هريرة، قال: " أول من سن الركعتين عند القتل خبيب " .
قالوا: ثم قال: أما والله لولا أن تروا أني جزعت من الموت لاستكثرت من الصلاة. ثم قال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.
فقال معاوية بن أبي سفيان: لقد حضرت دعوته ولقد رأيتني وإن أبا سفيان ليضجعني إلى الأرض فرقاً من دعوة خبيب، ولقد جبذني يومئذٍ أبو سفيان جبذة، فسقطت على عجب ذنبي فلم أزل أشتكي السقطة زماناً.
وقال حويطب بن عبد العزي: لقد رأيتني أدخلت إصبعي في أذني وعدوت هرباً فرقاً أن أسمع دعاءه.
وقال حكيم بن حزام: لقد رأيتني أتوارى بالشجر فرقاً من دعوة خبيب.
فحدثني عبد الله بن يزيد قال: حدثني سعيد بن عمرو قال: سمعت جبير بن مطعم يقول: لقد رأيتني يومئذ أتستر بالرجال فرقاً من أن أشرف لدعوته.
وقال الحارث بن برصاء: والله ما ظننت أن تغادر دعوى خبيب منهم أحداً.
وحدثني عبد الله بن جعفر، عن عثمان بن محمد الأخنسي، قال: استعمل عمر بن الخطاب سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على حمص، وكانت تصيبه غشيةٌ وهو بين ظهري أصحابه. فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فسأله في قدمةٍ قدم عليه من حمص فقال: يا سعيد، ما الذي يصيبك؟ أبك جنة؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكني كنت فيمن حضر خبيباً حين قتل وسمعت دعوته، فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلسٍ إلا غشي علي. قال: فزادته عند عمر خيراً.
وحدثني قدامة بن موسى، عن عبد العزيز بن رمانة، عن عروة بن الزبير، عن نوفل بن معاوية الديلي، قال: حضرت يومئذٍ دعوة خبيب، فما كنت أرى أن أحداً ممن حضر ينفلت من دعوته، ولقد كنت قائماً فأخلدت إلى الأرض فرقاً من دعوته، ولقد مكثت قريش شهراً أو أكثر وما لها حديث في أنديتها إلا دعوة خبيب.
قالوا: فلما صلى الركعتين حملوه إلى الخشبة، ثم وجهوه إلى المدينة وأوثقوه رباطاُ، ثم قالوا: ارجع عن الإسلام، نخل سبيلك! قال: لا والله ما أحب أني رجعت عن الإسلام وان لي ما في الأرض جميعاً! قالوا: فتحب أن محمداً في مكانك وأنت جالسٌ في بيتك؟ قال: والله ما أحب أن يشاك محمدٌ بشوكةٍ وأنا جالسٌ في بيتي. فجعلوا يقولون: ارجع يا خبيب! قال: لا أرجع أبداً.! قالوا: أما واللات والعزى، لئن لم تفعل لنقتلنك! فقال: إن قتلي في الله لقليلٌ! فلما أبى عليهم، وقد جعلوا وجهه من حيث جاء، قال: أما صرفكم وجهي عن القبلة، فإن الله يقول: " فأينما تولوا فثم وجه الله.. " . ثم قال: اللهم إني لا أرى إلا وجه عدو، اللهم إنه ليس ها هنا أحدٌ يبلغ رسولك السلام عني، فبلغه أنت عني السلام! فحدثني أسامة بن زيد، عن أبيه، أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلّم)كان جالساً مع أصحابه، فأخذته غميةٌ كما كان يأخذه إذا أنزل عليه الوحي. قال: ثم سمعناه يقول: وعليه السلام ورحمة الله ثم قال هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام. قال: ثم دعوا أبناءً من أبناء من قتل ببدر فوجدوهم أربعين غلاماً، فأعطوا كل غلامٍ رمحاً، ثم قالوا: هذا الذي قتل آباءكم. فطعنوه برماحهم طعناً خفيفاً، فاضطرب على الخشبة فانقلب، فصار وجهه إلى الكعبة، فقال: الحمد لله الذي جعل وجهي نحو قبلته الذي رضي لنفسه ولنبيه وللمؤمنين! وكان الذي أجلبوا على قتل خبيب: عكرمة بن أبي جهل، وسعيد بن عبد الله بن قيس، والأخنس بن شريق، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن الأوقص السلمى. وكان عقبة بن الحارث بن عامر ممن حضر، وكان يقول: والله ما أنا قتلت خبيباً إن كنت يومئذٍ لغلاماً صغيراً. ولكن رجلاً من بني عبد الدار يقال له أبو ميسرة من عوف بن السباق أخذ بيدي فوضعها على الحربة، ثم أمسك بيدي ثم جعل يطعن بيده حتى قتله، فلما طعنه بالحربه أفلت، فصاحوا: يا أبا سروعة، بئس ما طعنه أبو ميسرة! فطعنه أبو سروعة حتى أخرجها من ظهره، فمكث ساعة يوحد الله ويشهد أن محمداً رسول الله. يقول الأخنس بن شريق: لو ترك ذكر محمد على حالٍ لتركه على هذه الحال، ما رأينا قط والداً يجد بولده ما يجد أصحاب محمد بمحمد (صلى الله عليه واله وسلّم).
قالوا: وكان زيد بن الدثنة عند آل صفوان بن أمية محبوساً في حديد، وكان يتهجد بالليل ويصوم النهار، ولا يأكل شيئاً مما أتى به من الذبائح. فشق ذلك على صفوان، وكانوا قد أحسنوا إساره، فأرسل إليه صفوان: فما الذي تأكل من الطعام؟ قال: لست آكل مما ذبح لغير الله، ولكني أشرب اللبن. وكان يصوم، فأمر له صفوان بعسٍّ من لبن عند فطره فيشرب منه حتى يكون مثلها من القابلة. فلما خرج به وبخبيب في يومٍ واحد التقيا، ومع كل واحد منهما فئامٌ من الناس، فالتزم كل منهما صاحبه وأوصى كل واحدٍ منهما صاحبه بالصبر على ما أصابه، ثم افترقا. وكان الذي ولى قتل زيد نسطاس غلام صفوان، خرج به إلى التنعيم فرفعوا له جذعاً، فقال: أصلي ركعتين! فصلى ركعتين ثم حملوه على الخشبة، ثم جعلوا يقولون لزيد: ارجع عن دينك المحدث واتبع ديننا، ونرسلك! قال: لا والله، لا أفارق ديني أبداً! قالوا: أيسرك أن محمداً في أيدينا مكانك وأنت في بيتك؟ قال: ما يسرني أن محمداً أشيك بشوكة وأني في بيتي! قال: يقول أبو سفيان بن حرب: لا، ما رأينا أصحاب رجل قط أشد له حباً من أصحاب محمد بمحمد. وقال حسان بن ثابت، صحيحة سمعتها من يونس بن محمد الظفري:
فليت خبيباً لم تخنه أمانةٌ ... وليت خبيباً كان بالقوم عالما
شراه زهير بن الأغر وجامعٌ ... وكانا قديماً يركبان المحارما
أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكناف الرجعي اللهازما
وقال حسان بن ثابت، ثبت قديمةٌ:
لو كان في الدار قرمٌ ذو محافظةٍ ... حامي الحقيقة ماضٍ خاله أنس
إذن حللت خبيباً منزلاً فسحاً ... ولم يشد عليك الكبل والحرس
ولم تقدك إلى التنعيم زعنفةٌ ... من المعاشر ممن قد نفت عدس
فاصبر خبيب فإن القتل مكرمةٌ ... إلى جنان نعيمٍ ترجع النفس
دلوك غدراً وهم فيها أولو خلفٍ ... وأنت ضيفٌ لهم في الدار محتبس
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|