أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-03-2015
1784
التاريخ: 29-03-2015
3742
التاريخ: 3-03-2015
6032
التاريخ: 3-03-2015
3510
|
هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق(1)، من أهل الصيمرة الواقعة بين ديار الجبل وديار خوزستان، نشأ بنهاوند جنوبي همذان، وانتقل إلى بغداد ينهل من حلقات العلماء، ولزم الزجاج البصري وقرأ عليه النحو، ومنه لزمه لقبه الزجاجي. ورحل إلى الشام فأقام بحلب مدة، ثم تركها إلى دمشق واتخذها دار مقام له، وأكب على تصانيفه فيها وإملاءاته للطلاب، وحدث أن خرج إلى طبرية، فمات بها سنة 337 للهجرة، وقيل: بل سنة 340 . وقد خلّف مصنفات كثيرة نشر منها أماليه الوسطى مع تعليقات للشنقيطي وهي تزخر باللغة والأخبار ومجالس العلماء, وهي تحكي محاورات لطائفة كبيرة منهم أكثرها في مسائل لغوية ونحوية. ونشر له أيضا كتاب الإيضاح في علل النحو، وكتاب الجمل وهو مختصر في قواعد النحو نال شهرة مدوية في العصور الوسطى، إذ عكف عليه العلماء بالدرس والشرح حتى قالوا: إن شروحه زادت عن مائة وعشرين شرحا.
وقد استقصى في كتابه الإيضاح علل النحو البصري والكوفي، ونص كما مر بنا آنفا على أن الذين حرروا العلل الكوفية هم ابن الأنباري وأوائل البغداديين: ابن كيسان وابن شقير وابن الخياط، وأضاف أن له في ذلك نصيبا إذ قال: "وأكثر ما أذكره من احتجاجات الكوفيين إنما أعبر عنه بألفاظ البصريين"(2) فهم الذين نهجوا التعبير عن العلل وذللوه ومهدوه. وكان أكثر علم الكوفيين عند الكسائي وثعلب بدون علل، حتى جاء ابن كيسان وخالِفوه، فاستعاروا من البصريين لغتهم وطريقتهم في الاحتجاج وغمسوا فيهما النحو الكوفي.
ومن يقرأ الكتاب يرى الفلسفة والمنطق وعلم الكلام والفقه، أو بعبارة أدق: عللها جميعا
ص252
تمس جوانب التعليل والاحتجاج فيه. وهو يستهله بالحديث عن تقسيم سيبويه الكلام إلى: اسم وفعل وحرف, محتجا لصحة هذا التقسيم. وما يلبث أن يتحدث عن حدود الاسم والفعل والحرف، ويلتمس عند المناطقة تعريفهم للحد، ويقف بإزاء اختلاف النحاة في حدودهم، ويقول: إنه ليس اختلاف تضاد بل هو كاختلاف الفلاسفة في حدهم للفلسفة، ويقابل بين تعريف المناطقة للاسم وتعريف النحاة، بادئا بسيبويه ثم الأخفش ثم ابن كيسان ثم المبرد, ويرتضي تعريفه ناقضا ما يرد عليه من بعض الاعتراضات, وكذلك يصنع بحد الفعل وحد الحرف. ثم يقف عند اختلاف البصريين والكوفيين في المصدر والفعل: أيهما مأخوذ من صاحبه؟ ويفيض في بيان احتجاجات كل فريق، محاولا إضعاف الحجج الكوفية. ويفتح فصلا لدراسة العلل النحوية ويقسمها إلى: تعليمية مثل نصب "زيدا" في قولنا: "إن زيدا قائم" وتعليل ذلك بأنه اسم إن، وقياسية مثل التعليل لعمل إن النصب والرفع في معموليها بالفعل المتعدي لواحد، وجدلية مثل التعليل لتقدم منصوبها على مرفوعها مخالفة بذلك الفعل الذي شبهت أو قيست في عملها به. ويستظهر هنا قاعدة فقهية أصولية، فقد قيست إن على الفعل الذي تقدم مفعوله على فاعله وهو فرع للفعل الذي يتقدم عادة فاعله على مفعوله، والأصل المعروف في الفقه أن يقاس على الأصول لا على الفروع. ويتلو ذلك بفصول عن الإعراب والكلام: أيهما أسبق؟ ولم دخل الإعراب في الكلام؟ وهل الإعراب حركة أو حرف؟ وهل هو أصل في الأسماء والأفعال جميعا، أو هو أصل في الأسماء فرع في الأفعال المضارعة؟ وهل حقا نشأت الأسماء قبل الأفعال وتبعتها الحروف؟ وأي الأفعال أسبق في التقدم؟ وما حقيقة المضارع؟ وما الفرق بين النحو واللغة؟ وما معنى الرفع والنصب والجر؟ وما علة دخول التنوين في الكلام؟ ولماذا ثقل الفعل وخف الاسم؟ وما علة امتناع الأسماء من الجزم؟ وما علة امتناع الأفعال من الخفض؟ وما معنى التثنية والجمع؟ وهل الألف والياء والواو فيهما إعراب أو حروف إعراب؟ وكل مسألة يرى فيها جدالا أو حجاجا بين البصرين والكوفيين يوردها مفصلا القول فيها، وقد يضيف من عنده وجوها من العلل والأقيسة، وهي جميعا تغمس
ص253
في اصطلاحات المناطقة والمتفلسفة والمتكلمين وأصحاب علم الأصول. ونحس في وضوح أنه يقف مع البصريين مناضلا مدافعا، مما يؤكد نزعة بصرية قوية في مباحثه وكأنه كان استهلالا لانصراف البغداديين عن النزعة الكوفية إلى النزعة البصرية التي سادت بعده إلا قليلا.
وكتاب الجمل أفرده لقواعد النحو والصرف، وحظي بشهرة مدوية لدقته ووضوح عبارته واستيعابه لدقائق النحو البصري التي يحتاجها الناشئة, وقد ألحق به فصلا عن الخط والإملاء, وهو فيه بعامة يتبع نظام النحو البصري؛ لأنه فعلا النظام السديد الذي أحكم بناؤه، ومع ذلك نراه يستعير من الكوفيين بعض مصطلحاتهم، فقد سمى -متابعا لهم- نائب الفاعل باسم ما لم يسم فاعله، وسمى الصفة النعت والشركة عطف النسق.
وإذا أخذنا نتعقب آراءه التي تدور في كتب النحاة وجدناه يتابع البصريين غالبا، وقد يتابع الكوفيين على نحو ذهابه مذهبهم في أن كأن إذا كان خبرها اسما جامدا كانت للتشبيه مثل: كأن زيدا أسد، وإذا كان مشتقا كانت للشك بمنزلة ظننت وتوهمت مثل: كأن زيدا قائم، وقد تأتي للتحقيق مثل قول الحارث بن خالد المخزومي:
فأصبح بطن مكة مقشعرا ... كأن الأرض ليس بها هشام
وكان البصريون يذهبون إلى أنها للتشبيه دائما ولا معنى لها سواه(3). وكان يكثر من التوقف بإزاء آراء الكوفيين والبصريين جميعا, محاولا استنباط رأي جديد، من ذلك أن سيبويه كان يذهب إلى أن سوى ظرف مكان دائما، وذهب الكوفيون إلى أنها ظرف متمكن يستعمل ظرفا كثيرا وغير ظرف قليلا، أما هو فذهب إلى أنها ليست ظرفا ألبتة وأنها تقع فاعلا في مثل: جاء سواك, ومفعولا به في مثل: رأيت سواك، وبدلا أو استثناء في مثل: ما جاءني أحد سواك أي: إنه يجوز فيها حينئذ الرفع على البدلية والنصب على الاستثناء(4). وكان جمهور البصريين يذهب إلى أنه إذا وُصلت إن وأخواتها بما بطل عملها ما عدا ليت،
ص254
فيجوِّز فيها الإعمال والإهمال، وأضاف إليها الزجاج لعل وكأن، أما الزجاجي فعمم الإلغاء والإعمال حينئذ لما حكي عن بعض العرب من قولهم: إنما زيدا قائم(5). وهو هنا يصدر عن منهج الكوفيين إذا سمعوا لفظا شاذا، قاسوا عليه وعمموا الحكم.
ولعل في كل ما قدمنا ما يصور بغدادية الزجاجي, على الرغم من أنه كان يسلك نفسه في البصريين(6) ، فقد كان يحيط بآراء المدرستين ووجوه اعتلالاتها واحتجاجاتها على خصائصها، ومع الوفاء بحقوقها، وكان حين يجد الحجة الكوفية تنقصها الدقة المنطقية الشائعة في حجج البصريين لا يزال يداويها ويصلحها حتى تسبك في الصورة البصرية. ومضى في تصانيفه وآرائه النحوية يتوقف بإزاء كثير من المصطلحات والآراء البصرية مختارا لنفسه ما يقابلها عند الكوفيين، وكثيرا ما نفذ إلى آراء جديدة.
ص255
__________
(1) انظر في ترجمة الزجاجي: الزبيدي ص129، ونزهة الألباء ص306, والأنساب للسمعاني الورقة 272، وإنباه الرواة 2/ 160 ، وشذرات الذهب 2/ 357، ومرآة الجنان 2/ 332، وابن خلكان 1/ 389، والنجوم الزاهرة 3/ 302، وبغية الوعاة ص297.
(2) الإيضاح في علل النحو للزجاجي ص80 .
(3) المغني ص209، والهمع 1/ 133.
(4) المغني ص151، والهمع 1/ 202.
(5) الهمع 1/ 144.
(6) الأشباه والنظائر للسيوطي "طبعة حيدر آباد" 2/ 146.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|