المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16642 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


ابن جرير الطبري  
  
2381   02:41 صباحاً   التاريخ: 26-02-2015
المؤلف : الشيخ سالم الصفار
الكتاب أو المصدر : نقد منهج التفسير والمفسرين
الجزء والصفحة : ص173-183.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التفاسير وتراجم مفسريها / تراجم المفسرين /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19/10/2022 1207
التاريخ: 10-10-2014 1501
التاريخ: 14-11-2014 2026
التاريخ: 2-12-2014 1851

هو أبو جعفر بن جرير بن يزيد الطبري ولد بطبرستان سنة 224 هـ وتوفي فيها سنة 310 هـ . كان فريد عصره، ووحيد دهره علما وعملا، وحفظا لكتاب اللّه ومعرفة بمعانيه وخبرته بالآيات ناسخها ومنسوخها، ومعرفة بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها، وبأحوال الصحابة والتابعين ‏(1).

وتفسيره هو«جامع البيان في تفسير القرآن» ويعتبر من أقدم التفاسير وأشهرها، وقد صار مرجعا للمفسرين الذين اهتموا بالتفسير النقلي ، وإن كان فيه جانب من التفسير بالرأي والاجتهاد - على طريقتهم في إغماض العين والتغافل عن المساوئ وتصغيرها - وذكر شي‏ء من الإعراب واستنباط بعض الأحكام. وقد شهد العلماء المعتبرون بعظيم قيمة هذا التفسير، فقال السيوطي  : وكتابه أجلّ التفاسير وأعظمها (2).

وقال النووي في التهذيب  : كتاب ابن جرير لم يصنف أحد مثله ‏(3).

وقال أبوحامد الأسفراييني شيخ الشافعية : لورحل أحد إلى العين ليجعل تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيرا عليه ‏(4)؟! وفيه صواب التوجيه- والقول كما في كيف نفهم القرآن ‏(5)- والاستشهاد عليه باللغة والحديث الشي‏ء الكثير. وقد يصرح برأي يخالف ما روى؟! ولا سيما في الأمور التي لا يلزم من الجهل بما جهل الدين - أي كما فعل غيره بالتفسير بالإسرائيليات ، بعد تعديلهم وتزكيتهم لرواتها -؟! ومن أمثال هذا قوله - بعد ذكر الروايات المختلفة في بعض البقرة الذي زعموا أن قتيل بني إسرائيل ضرب فاستيقظ من موتته : والصواب من القول في تأويل قوله : عندنا «فقلنا اضربوه ببعضها» أن يقال أمرهم اللّه جلّ ثناؤه أن يضربوا القتيل بعض البقرة ليحيا المضروب، ولا دلالة في الآية ولا خبر تقوم به حجة على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا، القتيل به، وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضربوا به هوالفخذ ، والذيل ، أوغضروف الكتف، وغير ذلك من أبعاضها، ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل ولا ينفع العلم به‏ (6).

ويمكن مناقشة ذلك بما يلي  :

أ- أنهم اعتبروا ذلك فتحا وميزة للطبري على غيره من المفسرين الذين فسروا بالإسرائيليات ؟!

ب- كيف اعتبروا ذلك فضيلة وقد خالف فيه برأيه- وهوالمعروف بالنقل- الصحيح بإجماع أهل السنة والجماعة ، وأمثالها من الروايات الإسرائيلية ؟!

ت- وقد مرّ عليك ما يدل على أن كثرة الإسرائيليات والموضوعات في تفاسيرهم، تفرض عليهم العمل بها فإن تخطى بعضهم البعض أوارتكس في بعض كثير ؟! كما حصل للطبري نفسه ؟! وكأنهم لم يلحظوا عليه شيئا مهما- وهذا شأنهم في التستر على رجالهم - سوى قول بعضهم :

غير أن الذي يؤخذ على ابن جرير أنه يذكر أحيانا أخبارا بالأسانيد غير صحيحة  ؟! ثم لا ينبه على عدم صحتها. وله العذر في ذلك وهوذكر السند في زمن توافر الناس فيه على معرفة أحوال الرواة (7).

ومما نلاحظه هنا  :

أ- اعترافهم بعدم أمانة الطبري بأخباره بالأسانيد غير الصحيحة، وعدم تنبيهه عليها.

ب- عدم أمانة وموضوعية ما ذكروه عن الطبري، سواء في المرور على هكذا جناية بكل برودة أعصاب ولا مبالاة، إذ قد تكون مما يتوقف عليها إحقاق حق وإبطال باطل أوما يتعلق بالعتبة والمصير والاستكانة والانحراف ... الخ.

أوالإغفال عن أمور خطيرة جدا، وكأن التعصب لرجالهم يعمي ويصمّ عن كشفها، تعصبا على رجالهم لا غيرة أوخشية من اللّه ورسوله وملائكته ورسله ...!

فانظر لتفسير الطبري لقوله تعالى  : { وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى‏ مُلْكِ سُلَيْمانَ } [البقرة  : 102] أورد الطبري قصة إسرائيلية - هي من الخرافات ونسج الخيالات - والتي كما ذكرنا قد سودوا بها صحائف كتبهم وعدلوا رواتها اليهود وسموها صحاحا - تخل بصفات الأنبياء وتطعن بمقامهم‏ (8) إن لم نقل بعصمتهم؟! وقد ساق الطبري الرواية بسندها كاملا فقال  : ... عن ابن عباس قال  :

كان الذي أصاب سليمان بن داود في سبب أناس من أهل امرأة يقال لا جرادة، وكانت من أكرم نسائه عليه، قال  : فكان هدى سليمان أن يكون الحق لأهل جرادة فيقضي لهم، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدا، قال : وكان سليمان بن داود إذا أراد أن يدخل الخلاء أويأتي شيئا من نسائه، أعطى الجرادة خاتمه، فلما أراد أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به، أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه، فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هات خاتمي، فأخذه فلبسه، فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس، قال : فجاءها سليمان ، فقال لها : هات خاتمي ، فقالت : كذبت لست بسليمان، قال  :

نعرف سليمان أنه بلاء ابتلى به، قال : فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر؟! ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ثم أخرجوها فقرءوها على الناس وقالوا : إنما كان سليمان يقلب الناس بهذه الكتب قال : فبرئ الناس من سليمان وأكفروه ؟! حتى بعث اللّه محمدا فأنزل جل ثناؤه : { وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى‏ مُلْكِ سُلَيْمانَ } [البقرة : 102]  يعني كتب الشياطين من السحر { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا } [البقرة : 102] فأنزل اللّه جل وعز عنده‏ (9) ؟!! فإن دل على شي‏ء فإنما يدل علي :

أ- تفسير الطبري بالإسرائيليات الصحيحة - أي التي يصححها كغيره برأيه - فقد قال سابقا : لا ينفع بأي جزء من البقرة ضربوا الميت ففاق ... لكنه يعمل بما صح عنده ولوبأمانة وتكفير الأنبياء عليهم السّلام وسيجي‏ء حتى ما يمس مقام الرسالة وشخصية المقدس صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ؟! بل وعدم تنزيه اللّه تعالى واتهام المنزّهين!!

ب- كأنه وغيره يخاطبون اللّه تعالى بأن‏ {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف : 155] ‏ بإنزال مثل هذه الآيات، والتي لا نجد لها تفسيرا - بعد تركنا لأهل الذكر من أهل البيت - إلا في الإسرائيليات، فلا حجة لك علينا لأنك يا ربنا فتنتنا بمثل هذه الآيات ؟!

ت- الحق ما يراه الطبري ، لأنه أخذه عن السلف- الصحابة والتابعين- ومن الصحاح، وهوما عليه أهل السنة والجماعة، وإن خرج في تأويله عن الكتاب والسنة والعقل وما دونه البدع والزندقة والرفض !

ث- أ لم يدرك الإمام الطبري ؟!! وكل الذين ساروا على منهجه إن ظاهرة الطعن وتوهين مقام الأنبياء، هي من أبرز كفريات وضلال اليهود، بسبب تحريف التوراة، ولوأنهم أخذوا من الزنادقة والغلاة - الذين نتبرأ منهم - لكان أفضل، لأنهم قد يبالغون لصالح الأنبياء عليهم السّلام بما يتعدى الحدود ؟!

ج- ما ذا ترك الطبري وأمثاله بأخذهم بالإسرائيليات أخذ المسلمات، فما ذا تركوا لأهل البدع والزندقة والروافض، إذا فسروا قوله تعالى‏ { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن : 19] إذا وصفهم المفسر أن البحرين هما : علي وفاطمة ! هذا إذا علمنا أن عمدة التفسير هوالمأثور، ومدى صحته، وبيانه لتفسير معاني ومقاصد وأهداف القرآن الكريم ؟! وإلا فإن دور بقية الأمور تكاد تكون ثانوية، فاللغة حيث كان الشارع الإسلامي بل البدوي يحسن إجادتها ، أما الاجتهاد بالرأي - الذي لا نقول به - فهو متوافر للجميع إلى يومنا هذا، بل حتى التفسير الكلامي يكاد يكون ذا صلة بالمأثور؟! هكذا نرى وكأن مرض الروايات الإسرائيلية قد استحكم كسنة صحيحة، لا يمكن الخروج عن عهدتها عند العامة عموما، والطبري خصوصا.

فلم يكتف الطبري بتلك القصة الإسرائيلية، حتى أعقبها بقصة الغرانيق التي تمس مقام الرسالة المحمدية صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حين ذكر في سبب نزول قوله تعالى  :

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ } [الحج  : 52] جاء في تفسيرهم : جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في ناد من أندية قريش وفيه جمع كبير، فتمنى عندئذ أن لا يأتيه من اللّه شي‏ء ينذرهم عنه‏ (10) ؟! فأنزل اللّه عليه سورة النجم فقرأها عليهم- وهوكاره لذلك- حتى إذا بلغ‏ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم : 19، 20] ألقى عليه الشيطان كلمتين؟! : «تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى» فقرأها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ثم أتم قراءة السورة فسجد في آخرها وسجد القوم جميعا ورضي المشركون بذلك‏ (11) ؟!! فلما أمسى النبي أتاه جبريل، فقال له : يا محمد ما ذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به من اللّه‏ (12) ؟!! فحزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حزنا شديدا وقال : افتريت على اللّه- أعطونا إحصائية بعدد الافتراءات النبوية من مروياتكم الإسرائيلية- وقلت على اللّه ما لم يقل!! وما زال مغموما مهموما حتى نزلت عليه هذه الآية تسليه‏

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج : 52] ؟!! وكأن اللّه تعالى يخاطبه بحسرة وتأسف بأنك لم تكن الأول، فكل الذين بعثتهم عصوني مع الشيطان، لولا أنني تداركت الأمر لكنت للشيطان رسولا؟!! وقد أخرجها الطبري في تفسيره من تسعة طرق‏(13) ! فإن هذه القصة وأمثالها هي التي تستحكم بجذورها، تابع عن تابع، وإلا اللّه أكبر تطعن بالإمام (...) الطبري، وبالصحاح التي زكت تلك الإسرائيليات .. الخ.

وهكذا تصبح أمثال هذه الأباطيل والكفريات هي الأساس والأصل الذي على ضوئه يفهم القرآن الكريم، وتكاد لا تنفع بل تقمع وتموت كل الأصوات المعارضة لها، وهي بلا شك ممن كان على شاكلتهم ممن حسبوه على أهل السنة والجماعة، وإلا الشيعة والروافض فهم خارجون تخصصا وبلا نقاش ؟! فقد طعن فيها بعض رجالهم : منهم أبوبكر البيهقي، وابن كثير، والقاضي عياض ‏(14).

وأحب أن أشير أن هذه القصة والتي قبلها وأمثالهما لا موقع لها قاطبة في تفاسير من نبزوهم بالرافضة وأهل البدع و... و... الخ، لأنها منافية لأصل العصمة الملازمة لعقيدة النبوة، وإلى أصل العصمة في التبليغ خاصة ؟! وقد مرّ عليك كم هان لهم بتخطئة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وتدخله في أمور لا يعرفها، وكونه مجتهدا كبقية المجتهدين .. الخ.

وعليه ترى أنهم يحاربون أهل التنزيه، والقائلين بعصمة الرسل عليهم السّلام، تراهم يعطون لرجالهم من الإطراء والتعظيم مما يجعلهم يوهنون الكتاب والسنة ويستخفون بعقول المسلمين بل ويحاربون ويسقطون كل من يقول خلاف ذلك ؟! رغم أنه قد تظهر شطحات أوإظهار الحق على ألسنة بعض رجالهم مما يناقض به دين أهل السنة والجماعة، عند ما يكفرون ويزندقون من يقول بالعصمة ؟! منهم ما أستند به القاضي عياض ‏(15) في العصمة في إبطال قصة الغرانيق الخرافية اليهودية! وكذلك بعض فلتات الرازي، عند ما يضرب تراث سلفه عرض الحائط، ويجتهد برأيه الشخصي في البراهين العقلية، والتي كاد أن يخرجه ابن تيمية والذهبي من أهل السنة والجماعة ؟! عند ما يصرح بخصوص مسألة الغرانيق بقوله : إنا لوجوّزنا ذلك لارتفع الأمان عن شرعه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وجوّزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك‏ (16) ؟! هذا كما قلنا : إن جلّ المفسرين بالرأي كانوا عيالا على كتاب الرازي، تفسر القول بقوله : بأن جلّ المفسرين بالمأثور هم عيال على تفسير الطبري؟! وكما ذكرت سابقا أن كل شي‏ء مبرر ومؤول لكل من حسب على أهل السنة والجماعة حيث يغفر له، وغايته أن يتحفظ في كلمات بحثه بغاية الرقة خشية أن يمس مقامه مثل قولهم : والعجب، كيف يصدر هذا عن الطبري وهوإمام التفسير ووحيده والذي ... الخ.

أوكأن لسان حالهم يقول : وبما ذا أخطأ- وحشاه- الإمام الطبري ؟! فهوفي كل ذلك مأجور؟! لأنه فسر وفق منهج أهل السنة، وإلا لولم يتصد الإمام الطبري للتفسير لجاءتنا تفاسير الزنادقة وأهل البدع والرفض لعنهم اللّه تعالى ... فهؤلاء لا ولن يصدر عنهم أي شي‏ء من الحق، لأنهم لا سلف لهم في التفسير كالإمام الطبري والإمام الرازي وغيرهم! بل كل ما ينقلوه هوالغلوبعلي وأهل البيت لما لم يصح عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؟! أما أهل السنة فلهم سلف صالح ينقلون عنهم الصحاح رضوان اللّه عليهم أجمعين، ومنهم أخذوا أسس عقائدهم، وصحاحهم وبالتالي تفاسيرهم كل ذلك وفق منهج أهل السنة والجماعة، ولكن بدون تعصب وغلوكما يفعله أصحاب الفرق الفاسدة لعنهم اللّه تعالى.

فإمام التفسير الطبري مثلا بعد أن تجرد عن المبالغات والغلووابتعد عن تفاسير أهل البدع والضلال، سلك منهج السلف في تفسيره الصحيح؟! بحيث أعطى الصورة الحقيقة الواضحة التي لم يأت بها ولم يلتفت إليها غيره عن هؤلاء من أهل المعاصي والظلم والجور، الذين يحكمون بغير الحق تبعا لأهوائهم، وهم الأنبياء ...؟!

ولم يكن بذلك قد تطاول عليهم بل لأنهم هم هكذا أصحاب ذنوب ومعاصي، أتباع الشياطين بسبب مللهم من اللّه تعالى وتكاليفهم الشديدة التي لا تعطيهم فرصة الأنس في أجواء الشياطين ولانفتاح عليهم وأخذ شيئا منهم، وفي قصة الغرانيق التي أراد هذا النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يتخفف من ظلم اللّه وملاحقته بالآيات، فتمنى أن يأنس بمجالس أندية الشرك ويناجي الشيطان ويأخذ منه ويتلوآياته لا كلها آيات اللّه فقط ... الخ.

ولم يقف الطبري عند هذا الحدّ، من كشف أسرار الآيات والتي لم يسبقه أحد غيره، الأمر الذي جعل تفسيره قدوة وإماما لأهل السنة والجماعة؟! وكيف لا وقد فضح لنا أسرار غيب الآيات، عن اللّه المبتلى وغير القادر على ضبط حالات التمرد والعصيان ممن اتخذهم أنبياء - كما مرّ- وحتى الملائكة ؟! فاستمع إلى تفسيره لقوله تعالى‏ {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة : 102] أنه : لما كثر الفساد من أولاد آدم عليه السّلام عيّرتهم الملائكة، فقال اللّه تعالى : «أما أنكم لوكنتم مكانهم وركّبت فيكم ما ركبت فيهم، لعملتم مثل أعمالهم، فقالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا ذلك، قال فاختاروا ملكين من خياركم؟! فاختاروا هاروت وماروت، فأنزلهما إلى الأرض فركب فيهما الشهوة، فما مرّ بهما شهر حتى فتنا بامرأة وراوداها عن نفسها فأبت إلا أن يدخلا في دينها، ويقتلا، ويشرب الخمر فأجاباها ...؟!» (17).

هذا بالإضافة ما ذكرنا سابقا في قصة يوسف عليه السّلام عند ما حلّ سراويله حتى أليته ، وجلس منها مجلس الخائن ‏(18) ؟! فما أروع تفسير الإمام الطبري (رض) هذا، حيث كشف لنا أسرار تمرد واقتحام المعاصي والشهوات من قبل الأنبياء جميعا حتى خاتمهم محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بل والملائكة المقربين، فما ذا يمكننا أن نصنع نحن البشر غير المعصومين، وقد جاءنا اللّه يقر أنه ظلما وتعسفا بالتكاليف والأوامر الكثيرة المتشددة التي لا يطيقها حتى الملائكة والأنبياء عليهم السّلام، تلك التي عرفنا من اللذات والتمتع بالدنيا والشهوات والإباحيات وذلك بالدعوة إلى ما لا طاقة لنا على تركه؟!

فضلا عن الحجر علينا بأن لا نعبد ولا نستمع إلا إلى آيات اللّه، مع منعنا من الذهاب إلى أماكن اللهوواللعب الحرام، والاستماع إلى آيات الشيطان ..؟!

وكل ذلك ينسب إلى السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، لأنهم لا يعتمدون إلا مادح من الأحاديث الصحاح، ولم يأخذوا من تفاسير أهل البدع والزندقة والرافضة لعنهم اللّه؟! هذا إن علمنا أن من طبيعة منهج الطبري هوالتعقيب على كل ما يمر عليه، ويقوم بعد ذلك بالمناقشة والترجيح، دون هذه الإسرائيليات فقد كتب وفسر على ضوئها، وكانت أولى من غيرها بالتعقيب والبحث لخطورة ما ذكر فيها من كفريات وأباطيل وافتراءات، بحيث لا تخرج صاحبها عن السنة والجماعة بل عن دين الإسلام إلى اليهودية التي فسر بتوراتها القرآن الكريم وكأن سكوته دليل الرضى عن ذلك، أن لا مقدس قرآني إسلامي لدى الطبري إمام تلك الإسرائيليات التي جاءت من سلف الصحابة والتابعين رضوان اللّه عليهم أجمعين بما فيهم المنافقين- الذين ذكرهم القرآن- والمرتدين، وأهل الكتاب واليهود المتسترين بالدين، والزنادقة والوضاعين والكذابين، والخوارج والباغين والمارقين.

__________________

(1) انظر ترجمته في : وفيات الأعيان 2/ 232، لسان الميزان 5/ 100، معجم الأدباء 18/ 40، التفسير والمفسرون 1/ 205.

(2) الاتقان 2/ 324.

(3) المرجع السابق نفسه.

(4) معجم الأدباء 2/ 24.

(5) كيف نفهم القرآن ص 205.

(6) تفسير ابن جرير الطبري : 1/ 386.

(7) تفسير الطبري 16/ 13، وطبقات المفسرين للداودي ص 23.

(8) وأمثال هذا كثير من سنة رواة الإسرائيلية، ويغفر للائمة الرواة لهم انتمائهم لأهل السنة والجماعة، وأن الرواية صحيحة لورودها في الصحاح، أويبرون كل ذلك لنقلتهم من رجالهم، ومن يطعن بذلك فهوزنديق، من أهل البدع رافض! هذا بالإضافة أن لواتهم شخص بأنه مس رجلا من رجالهم لقامت الدنيا وقعدت وسالت لأجله الدماء إلى يومنا هذا؟!

(9) الطبري- جامع البيان- 2/ 406 وما بعدها.

(10) تشبه علاقة اليهودي بربه، وكأن اللّه تعالى يلاحق رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالآيات ولا يعطيه مجالا للتفرغ مع الشياطين.

(11) أي طعن وهناك بافتراء وكذب لمقام النبوة العظيم بخنجر يهودي من قبل إمام التفسير لأهل السنة والجماعة ؟!

(12) ربما أنهم يجيزون نسخ الكتاب بالنسبة، وكذلك نقول لهم : على ضوء ذلك يمكنكم التشكيك بالقرآن الذي اختلط مع آيات الشيطان ، وخاصة التي لا تناسب مروياتكم الإسرائيلية تلك !!! ومما يقوي ذلك ولكم بتحريف القرآن، والاجتهاد بالرأي فيه، وجعله على نسق التوراة والإنجيل المحرفين ؟!!

(13) تفسير الطبري : 10/ 186- 189.

(14) تفسير القرطبي 12/ 55.

(15) تفسير القرطبي 12/ 55.

(16) تفسير الرازي 23/ 50.

(17) الطبري - جامع البيان - 2/ 431.

(18) الطبري المصدر نفسه 16/ 35.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .