أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-1-2023
1377
التاريخ: 5-10-2014
1463
التاريخ: 24-11-2015
1809
التاريخ: 5-10-2014
1440
|
إنّ الديمقراطيّة التي يعنى منها حكومة الشعب على الشعب عن طريق انتخاب النوّاب والحكام وذلك على النمط الغربيّ الذي يعتمد على تغليب الأكثريّة وترجيح آرائها ، ينطوي على ثلاثة معايب رئيسيّة :
أوّلاً : إنّ الحاكم المنتخب يكون تابعاً للناس ، وليس تابعاً للمصالح والحقائق ، فإنّ الحاكم الذي يعتمد على آراء الناس وأصواتهم ( لا الضوابط والمؤهّلات والمعايير ) سيحاول دائماً أن يفعل ما يرضيهم ، ويخطب ودّهم ويحقّق ما يشاؤون حقّاً كان أو باطلاً ، وسيحاول مثل هذا الحاكم والنائب أن يكيِّف نفسه وفق أهواء ناخبيه ، لا أن يهديهم ويرشدهم إلى مصالحهم الحقيقيّة ، ويعمل بما يقتضيه الواقع في شأنهم ، فما أكثر النوّاب الذين تجاهلوا نداءات الضمير إرضاءً للناس وإبقاءً على تأييدهم وكسباً لآرائهم وأصواتهم في المراحل التالية والدورات الاخرى. وما أكثر الأشخاص الصالحين الذين أرادوا أن يتّبعوا الحقّ والمصلحة الحقيقيّة لإرضاء الناس فخسروا تأييد الناس ، وخسروا أصواتهم.
ثانياً : إنّ الشرط الأساسيّ لصحّة الانتخاب الشعبيّ ، هو أن يكون الناخبون على درجة من الرشد الفكريّ والوعي والبصيرة حتّى لا يقعوا فريسة العواطف الرخيصة والحادّة عند اختيار النوّاب أو الحكّام.
فلو توفر مثل هذا الشرط كان الانتخاب انتخاباً صحيحاً ، ومفيداً.
ولكنّ المشكلة هي أنّ الأكثريّة الساحقة والتي هي الملاك في النظام الديمقراطيّ تفقد مثل هذه البصيرة والوعي والرشد الفكريّ ، فإنّ الوعي والتفكير يختصان بطبقة خاصّة دون جمهرة الناس وسوادهم ، فهي وحدها تفعل على بصيرة وبوعي ، وأمّا الأكثرية الساحقة ، فتتّبع في فعلها وتركها الأهواء الشخصيّة والتوجيهات التي يقوم بها اللاعبون خلف الستار من السياسيين ومحترفي السياسة.
فهل يمكن أن ننسى ما يعمله المرشّحون للنيابة أو الرئاسة لكسب هذه الأكثريّة من التوسل بجميع الوسائل الإغرائيّة ، والأجهزة الدعائيّة والإعلاميّة ؟ فهم يستخدمون كل وسيلة رخيصة حتّى الفتيات والراقصات والأفلام الخليعة وإعطاء الوعود الخلاّبة ، لاكتساب المزيد من أصوات الناس ، إذ بهذه الاُمور يمكن الاستحواذ على عواطف أكثرية الجماهير ، واستمالتهم ، تلك الأكثريّة التي تتألف ـ في الأغلب ـ من السذّج ، والبسطاء وغير المثقفين ، فكيف يمكن أن تكون هذه الأكثرية ملاكاً لصحّة الانتخاب ومشروعيّته ؟
ثالثاً : إنّ تغليب الأكثريّة ولو بصوت واحد لا يكون ( عدلاً ) مضافاً إلى أنّه لا يجعل ما اختارته الأكثريّة ( حقاً ) لا نقاش فيه.
وإنّما لا يكون عدلاً ، لأنّ تغليب هذه الأكثريّة ـ حتّى لو حصلت باسلوب صحيح بعيد عن المؤثّرات والإغراءات والاحتيالات ـ تجاهل لحقّ ما يقارب نصف المجتمع ومصالحه وإجحاف بحقّهم ... وهو إجحاف أدركه الغرب نفسه وتفطّن له كبار مفكّريه ، وحقوقيّيه ، واجتماعيّيه ، ولكنّه لم يجد مفرّاً منه لأنّه لايعرف نهجاً بديلاً عنه ، ولأجل ذلك لا يكون حقاً أيضاً.
هذه بعض معايب الديمقراطيّة وانتخاب الشعب لحكّامه ونوّابه على النهج الشائع في الأنظمة الديمقراطيّة ... وهو قليل من كثير.
وهي معايب واُمور يعاني الغرب من تبعاتها وآلامها أشدّ العناء ، ويتحمّل بسببها أشدّ الأذى. ولذلك يبدو ؛ أنّ الانتخاب الشعبيّ للحاكم لا يكون مثالياً ولا صالحاً.
غير أنّ ما يقرّره النظام الإسلاميّ عار عن هذه المعايب ؛ وخال عن هذه المؤاخذات وذلك لوجوه هي :
أوّلاً : أنّه لا شكّ في أنّ أفضل أنواع الحكومات هو ( الحكومة التنصيصيّة الإلهيّة ) وإنّما الكلام هو فيما إذا لم يمكن التوصّل إلى هذا النوع فإنّه لن يكون سوى طريق واحد هو ، قيام الاُمّة بانتخاب حكامها ، بدلاً من أن يتسلّط على مصيرها ومقدّراتها بالقوّة ، من يستبدّ برأيه ، ويستأثر بفيئها ، ولا يكون للناس في الأمر أي إرادة وكلمة.
ثانياً : انّ هذه الاعتراضات والمؤاخذات إنّما ترد على الانتخاب على النمط الغربيّ ، والذي يجري في المجتمعات والبيئات الغربيّة التي لا تتمتّع بتربية أخلاقيّة ودينيّة رفيعة ، والتي لا تخضع لأيّ شروط أو مواصفات موضوعيّة ومنطقيّة لا في الناخب ولا في المنتخب ، ولا يعتبر سوى المزيد من الآراء والأصوات التي تباع وتشترى ، وتكتسب بالأبواق وأجهزة الإعلام ، وتحت تأثير الدعايات البرّاقة والوعود المنمّقة ، لا ما يجري في البيئة الإسلاميّة وعلى النمط الإسلاميّ ، الذي يشترط فيه للحاكم شروط ومواصفات تجعله رجلاً مثالياً في الأخلاق ، نموذجيّاً في الإدراة ، ويشترط على المنتخب ، أن لا يختار إلاّ من تتوفّر فيه الشرائط المعتبرة في الحاكم المثاليّ (1) ، إذ لولا ذلك لكان عمله من باب الركون إلى الظالم الذي أوعد الله عليه بالعذاب الأليم وبالنار إذ قال : { وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ } ( هود : 113).
فيكون الانتخاب ـ في ظل النظام الإسلاميّ على العكس من النظام الديمقراطيّ ـ مسؤوليّةً للناخب والمنتخب ، وليس لعبةً سياسيّة.
ثالثاً : إنّ الأدلّة الإسلاميّة تدلّ على أنّه يجب على الفقيه العادل ، بل على كلّ مسلم ملتزم إذا رأى بدعةً شائعةً ، وحكومةً منكرةً القيام ضدّها ، ورفض شرعيّتها ، وشجب عملها بل والإعلان عن إلغائها ، بحكم ماله من الولاية التي له من جانب الله سبحانه كما يقول الإمام الحسين (عليه السلام) : « أيُّها الناس إنّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلُّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقُّ من غيّر » (2).
وقال الإمام عليّ (عليه السلام) : « لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارُّوا على كظّة ظالم ، ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها » (3).
وبهذا يأمن المجتمع الإسلاميّ من مخاطر الانتخاب الشعبيّ ، ويسلم من تبعاته وسيئاته.
إنّ افتقاد الانتخاب الشعبيّ على النهج الديمقراطيّ الغربيّ ، الضمانات التي أقامها الإسلام في الانتخاب ، هو الفارق الكبير بين الانتخابين ( الإسلاميّ والغربي ) وهو بالتالي يكون سبباً لفشل الديمقراطيّة الغربيّة بخلاف الإسلام.
إنّ المجتمع الإسلاميّ الذي يرسم القرآن ملامحه في آيات عديدة ويلخِّصها في قوله : { مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ( الفتح : 29 ).
إنّ مجتمعاً كهذا ، من الجدير أن لا ينتخب لإدارة شؤونه إلاّ ( حكومةً ) رشيدةً أمينةً رساليّةً مؤمنةً ، وفيّةً للدين ، ملتزمةً بالإسلام ، ومخلصةً لمصالح الاُمّة وذلك على العكس من النظام الديمقراطيّ.
إنّ الأخذ بالضوابط والمقاييس التي ذكرها واشترطها الإسلام للقادة والزعماء ، كفيل أيضاً بأن يزيل جميع الاعتراضات الواردة على الانتخاب الشعبيّ ... ويحقّق أفضل حكومة من نوعها بين الحكومات.
_____________________
(1) ففي الحديث : « إنّما الإمام هو الحاكم بالكتاب الحابس نفسه على ذات الله ... إلى آخره » وسوف توافيك تلك الشروط في محلّها في الفصول القادمة من هذا الكتاب.
(2) الطبري 4 : 304.
(3) نهج البلاغة : الخطبة (3)
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|