مبدأ حسن النية كأساس قانوني لحماية الغير المتعامل مع الشركات التجارية |
8300
08:27 صباحاً
التاريخ: 2-10-2018
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-6-2016
3914
التاريخ: 26-2-2017
2617
التاريخ: 11-10-2017
10292
التاريخ: 2023-04-10
1959
|
ظهر عقد الشركة التجارية في قانون حمورابي، ثم تطورت فكرة الشركات القائمة على التراضي في القانون الرماني، وأصبح من أهم خصائص هذا العقد أنه عقد قائم على خاصية حسن النية بين أطرافه بعد ذلك تطورت هذه الخاصية وتحولت من مجرد مبدأ تفرضه علاقات الثقة والصداقة المتبادلة بين الأفراد المتعاقدة لمبدأ قانوني ملزم في العقود الرضائية (1) لا يتم دراسة مبدأ حسن النية في الشركات التجارية كحق مستقل بل يعتبر مبدأ عقديا يمثل أهم الحقوق التي يتمتع بها الغير المتعامل مع الشركة باعتبارها عقد كسائر العقود (2)، خاصة في العقود القائمة على الاعتبار الشخصي، والتي تمثل الشركة التجارية فيها أهم هذه العقود لأنها قائمة مبدأ التعاون المشترك ونية الاشتراك من أجل نجاح المشروع، حيث يؤدي غياب نية الاشتراك بين الشركاء لانقضاء الشركة وزوالها (3) على الرغم من الدور الجوهري الذي تلعبه النية في العقود لما لها من صلة وثيقة بانصراف الإرادة لإحداث أثر قانوني ودورها المهم في مجال الالتزامات واكتساب الحقوق، إلا أنه لا يوجد تعريف لها أو تحديد لمدلولها سواء في النصوص القانونية أو الاجتهادات القضائية، فضلا عن التعارض الفقهي الذي ظهر عندما حاول الفقه ان يضع مفهوما دقيقا لمبدأ حسن النية، فوقع الخلط بين النية والإرادة والباعث (4) يظهر مفهوم هذا المبدأ من خلال خصائصه، وأهم هذه الخصائص انه التزام مفروض على كلا طرفي العقد، وأنه مبدأ يعتمد على النوايا والبواعث التي تؤدي للكشف عن النية من خلال المظهر الخارجي للإرادة، كما أنه مبدأ أخلاقي يرتكز على ضرورة وجود الثقة والنزاهة والتعاون، إلى جانب كونه مبدأ مفترض في المعاملات العقدية، وقرينة تقبل إثبات عكسها وعلى من يدعي سوء النية إثبات ذلك. أوجد مبدأ حسن النية لإرساء نوع من التوازن بين أطراف العقد خاصة في حالة وجود طرف ضعيف، الى جانب انتشار مبدأ الحرية التعاقدية، فكان لابد من انتشار مبدأ التعاون الثنائي بين الأطراف المتقاعدة (5) ، لكن بعد ان تم إلحاق مفهوم حسن النية بالنظام العام، واعتباره مبدأ قانونيا مستمدا من فكرة النظام العام الذي قيد من الحرية التعاقدية للأفراد، عجز مبدأ النظام العام عن استيعاب مبدأ حسن النية. ان ضبابية مفهوم كل من النظام العام ومبدأ حسن النية (6) ، أدت لإلحاق المبدأ بالعديد من المفاهيم من بينها فكرة العدالة والإنصاف الى ان أصبح مبدأ مستقلا بذاته، حيث لم يعد نظرا للخصائص الهامة التي يتميز بها من نزاهة واستقامة وإنصاف حكرا على العلاقات التعاقدية فحسب، بل أصبح يسيطر على جميعاالات القانونية أهمها مادة الشركات التجارية (7)، فتحول مبدأ حسن النية من فكرة كلاسيكية مصدرها القانون المدني، وفكرة ملازمة لمرحلة إبرام العقد وتنفيذه لفكرة ضرورية لابد أن تتكيف مع خصوصية الالتزامات الناشئة بين المتعاملين في مجال الشركات التجارية. أول مظاهر مبدأ حسن النية في مجال الشركات التجارية هو نية الاشتراك، حيث لا توجد شركة تجارية دون وجود نية الاشتراك، فتعتبر هذه الإرادة في التعاون واقتسام المخاطر على قدم المساواة بين الشركاء أهم أسس الشركة التجارية. لا يعتبر مبدأ نية الاشتراك فقط تكريسا للالتزام العام بحسن النية في العقود، بل يعد أهم مظاهر التي تبرز ليس فقط في العلاقة بين الشركاء بل حتى تجاه الغير (8) لذلك لابد من تمديد نطاق حسن النية وعدم حصره في ركن نية الاشتراك التي تتراجع في الشركات الكبرى مثل شركات المساهمة ذات الاسهم المسعرة في البورصة، والتي قد يختفي فيها هذا الركن نتيجة لاحتوائها على عدد ضخم من المساهمين، مما ادى لتغير مفهوم حسن النية بعد تراجع المفهوم العقدي للشركات التجارية (9) تطور مبدأ حسن النية في الشركات التجارية وأصبح يمتلك القدرة على التكيف مع الكثير من الالتزامات داخل الشركة، فقيد هذا المبدأ تصرفات كل من الشركاء والمسيرين وحتى الغير بعدما امتدت الزامية تنفيذ العقد بحسن نية للغير وأصبح القاضي يشترط توفر مبدأ حسن النية في كل العقود المبرمة خلال حياة الشركة التجارية باعتباره مبدأ قانوني مهم، وخاصة بالنسبة للعقود التي يبرمها مسيري الشركة التجارية مع المتعاملين معها (10) ان الحقوق التي أقرها المشرع بغرض حماية الغير لا يمكنها أن تتعارض مع مبدأ تنفيذ العقد بحسن نية، حيث اعتبر المشرع حسن النية شرط أساسي لتمتع الغير بتلك الحماية الشكلية والموضوعية، وهذا ما ظهر من خلال النصوص القانونية (11) ، وذلك من أجل الموازنة بين المصالح المتناقضة فلا يستفيد من تلك الحماية الاستثنائية ذلك الغير سيء النية (12) يقع على القاضي دور تكييف مسألة حسن النية في الشركات التجارية، وهذا ما جعل هذا المبدأ يشهد تطورا مهما في القضاء الفرنسي حيث اعترفت محكمة النقض الفرنسية بدور القاضي في مسائلة أي طرف مخل بمبدأ حسن النية أثناء تنفيذ العقود التي أبرمتها الشركة التجارية (13) تطور الوضع بعد ذلك وظهر مبدأ الالتزام بالنزاهة كمظهر من مظاهر حسن النية، من أجل تنظيم تعارض المصالح والنزاعات التي تنشئ داخل الشركة، ثم ظهر بعد ذلك ما يسمى بمصلحة الشركة والتي أصبحت معيار يقاس من خلاله مدى استقامة ونزاهة وحسن نية كل من الشركاء والمسيرين تجاه الشركة، وأصبح تحقيق مصلحة الشركة أهم مظاهر مبدأ حسن النية. مع أن ظهور فكرة التعاون والنزاهة اعتمد على مبادئ أخلاقية بدت للوهلة الأولى أنه لا مكان لها في قانون الشركات التجارية، إلا أن وجود ها أصبح ضروريا من أجل توحيد المصالح في الشركة التجارية، وكل هذه الالتزامات مصدرها مبدأ حسن النية الذي يساهم في تنظيم العلاقات خاصة العلاقات الخارجية للشركة التجارية(14) . أصبح القاضي عن طريق مبدأ حسن النية يستدل بكل سهولة على كل تجاوز لمصلحة الشركة خاصة في العلاقة بين الشركاء عندما تتعسف الأغلبية المالكة لراس المال، أو في حالة خرق مبدأ المساواة بين الشركاء، وأهم ما يستدل عليه عن طريق مبدأ حسن النية هو مدى نزاهة واجتهاد المسير عند أداء مهامه، واحترامه للمصلحة العامة أو المصلحة الجماعية لكل الأطراف (15) فيعتبر حسن النية في الشركة التجارية أهم المبادئ التي تقوم عليها والتي تمثل أساس نجاحها أو فشلها، حيث يفرض هذا المبدأ واجب الصدق والمصارحة والبعد عن كل مظاهر التغرير، كما يفرض على الشركة واجب إعلام الغير (16) ، حيث ألقى المشرع على الشركة الالتزام بإعلام الغير منذ مرحلة إبرام عقد الشركة بكل ما يهمه من معلومات خاصة المتعلقة بالمركز المالي للشركة. كما اعتبر المشرع حسن نية الغير شرط تنتفي بانتفائه كل حماية ممكن أن يتمتع بها الغير بمقتضى النصوص القانونية في حالات معينة، خاصة تلك المتعلقة بمسألة علم الغير ببعض الوقائع القانونية (17) ، حيث لم يعتبر المشرع الغير حسن النية في حالة علمه أو حالة إمكانية علمه، نظرا لعلاقته بالشركة وبالواقعة المراد التمسك بها في مواجهة الشركة، والعبرة في تقدير حسن النية تكون بالعلم الفعلي.
ولا يعتبر الشخص سيء النية إذا كان من المفروض أن يعلم متى ثبت أنه لم يعلم فعلا، فالأصل أن يكون الغير حسن النية وعلى الشركة إذا ادعت خلاف ذلك أن تثبت العكس (18) وإذا كان النشر قرينة قانونية قاطعة على العلم لم يعتبره المشرع كذلك في كل الحالات، اذ لا يمكن اعتباره دليلا كافيا على علم الغير (19)، فهو مجرد قرينة بسيطة على العلم حيث يستطيع الغير التمسك بعدم العلم حتى في حالة النشر حماية له، وضمانا للثقة والاطمئنان واستقرار المعاملات بالاعتماد على ما ظهر له أي على نظرية الظاهر. إن مدى سوء وحسن نية الغير أمر صعب تقديره فهو يعتمد في تقديره على فكرة العدالة وقواعد الأخلاق، ويعتمد على ضرورة الالتزام بالحدود التي يرسمها القانون، كما أنه من الضروري أن تكون الحقوق المطالب بها تتمتع برعاية من طرف المشرع، على ألا يستعمل الغير حقه بنية مناقضة لقصد المشرع أو بقصد التحايل على أحكام القانون، حيث يتصدى المشرع لمحاربة النية السيئة فينفي عن التصرف صفة المشروعية (20) وضع المشرع للقاضي وسائلا قانونية للكشف عن حسن نية المتعاقدين خاصة في حالة وجود الإرادة الباطنة، وأكد المشرع على ضرورة أن يفسر القاضي العقد مع الأخذ بعين الاعتبار ما ينبغي أن يكون عليه المتعاقدان من حسن نية (21) ، وللتعرف على نية المتعاقدين على القاضي البحث عنها خارج دائرة التعاقد، واستخلاصها من طبيعة التعامل والعرف الجاري وظروف المتعاقدين، أي من طبيعة المعاملات داخل السوق والمركز المالي للمتعاقدين، فيبحث القاضي عن النية المشتركة بوسائل مستمدة من العقد أو من خارجه.
لكن عند عدم تمكن القاضي من الوصول لنية المتعاقدين فإن الأصل في براءة الذمة، ويقوم حينها القاضي بتفسير الشك لمصلحة المدين (22) ، و يعتبر تطبيق هذه القاعدة إعمالا لمبدأ حسن النية في التعاقد (23) تتميز النية بأنها من الأمور الخفية المسترة التي يصعب الكشف عنها، وبالنظر للهدف الذي قصد المشرع بلوغه من خلال هذه الحماية يمكن للقاضي الاستدلال على نية الأطراف المتعاقدة من خلال قرينتين، تتمثل الأولى في مدى تحقق المصلحة الجدية المشروعة لان انعدام المصلحة يعتبر قرينة واضحة على سوء النية ووجود قصد الأضرار، فالأصل أن تصرفات الأطراف لا تخلو من المصلحة، أما القرينة الثانية فتتمثل في العلم بالضرر الذي يصيب المتعاقد وهي قرينة واضحة على سوء النية (24) لعل المعيار الموضوعي لسوء النية هو أن تكون تصرفات الشخص غير متفقة ومناقضة لأحكام القانون وقواعد الأخلاق والعدالة، ويقع عبئ إثبات سوء النية على المدعي، فعلية إثبات سوء نية من تعامل معه فباعتبار ان النية لا تظهر خارجيا فهو يدعي ما يخالف الوضع الظاهر الأمر . الذي قد يؤدي لتغيير الأوضاع القائمة فلا يقبل ادعاؤه دون دليل(25) .
__________________
1- R. Monier, Manuel du droit romain les obligations, 5 éme éd, Montchrestien France, 1954, P 177.
2- المادة 107 من ق.م.
3- J. Mestre , D’une exigence de bonne foi a un esprit de collaboration , R.T. D civ, Dalloz, 1986, P 100.
4- محمد شكري، حسن النية في العقود دراسة مقارنة، منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، 2006 ، ص 104
5- J. Mestre, op, cit, P 102.
6- محمد شكري، المرجع السابق، ص 91
7- P. Le Tourneau , La bonne foi , 2 ème éd, volume III, Dalloz, 1995, P 05.
8- A. Viandier , La notion d’associé , Rev. Internationale de droit comparé, avril, juin ،L.G.D.J, 1979, p200 .
9- P. Le Tourneau, op, cit, P 80.
10- P. Lombard , Engagements des sociétés civiles et commerciales envers les tiers ،thèse de doctorat, faculté de droit de Nancy, France 1873, P 91.
11- المواد 555 و 577 و 623 من ق.ت.
12- سعودي حسن سرحان، نحو نظرية لحماية الغير حسن النية المتعاملين مع الشركات التجارية ، دراسة تحليلية تأصيلية مقارنة، المتحدة للطباعة، مصر، 1999 ، ص 115
13- Cass. Com n° 06-14-768 10 Juillet 2007, Bull civ, N n° 188, le Lamy des sociétés commerciales, op, cit, P 127.
14- J. Mestre, op, cit, P 101.
15- Le Lamy des sociétés commerciales, op, cit, P 57.
.730 ، 4 16- عبد الحليم عبد اللطيف القوني، مبدأ حسن النية وأثره في التصرفات دراسة مقارنة، مصر، 9
17- المواد 577 و 623 من ق.ت.
18- إذا كان الشخص الذي تعاملت معه الشركة على بينه بحقيقة الوضع أكثر من غيره نظرا لصلته بالشركة وموضعه وتكرار معاملاته، فإنه يعلم بعيوب التصرفات أو على الأقل بوسعه العلم بها.
19- سعودي حسن سرحان، المرجع السابق، ص 117
20 - محمد شكري، المرجع السابق، ص 253
21- المادة 115 من ق.م
22- المادة 112 من ق.م.
23- عبد الحليم القوني، المرجع السابق، ص 407
24- محمد شكري، المرجع السابق، ص 257 و 337
25- المادة 323 من ق.م : "على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|