أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
روى المحدثون
وسطر المصنفون أن أبا طالب وامرأته فاطمة بنت أسد رضوان الله عليهما لما كفلا رسول
الله صلى الله عليه وآله استبشرا بغرته واستسعدا بطلعته ، واتخذاه ولدا لانهما
لم يكونا رزقا من الولد أحدا ، ثم إنه نشأ أحسن نشوء وأحسنه وأفضله وأيمنه ، فرأى
فاطمة ورغبتها في الولد. فقال لها : يا أمه قربي قربانا لوجه الله تعالى خالصا ،
ولا تشركي معه أحدا ، فإنه يرضاه منك ويتقبله ، ويعطيك طلبتك ويعجله ، فامتثلت
فاطمة أمره وقربت قربانا لله تعالى خالصا ، وسألته أن يرزقها ولدا ذكرا فأجاب الله
تعالى دعاءها وبلغ مناها ، ورزقها من الاولاد خمسة : عقيلا ثم طالبا ثم جعفرا ثم
عليا ثم اختهم فاختة المعروفة بام هانئ ، فمما جاء من حديثها قبل أن ترزق أولادها
أنها جلست يوما تتحدث مع عجائز العرب والفواطم من قريش ، منهم فاطمة ابنة عمرو بن
عائذ بن عمران بن مخزوم جدة رسول الله صلى الله عليه وآله لأبيه ، وفاطمة ابنة
زائدة بن الاصم ام خديجة ، وفاطمة ابنة عبد الله بن رزام ، وفاطمة ابنة الحارث ،
وتمام الفواطم التي انتمي إليهن رسول الله صلى الله عليه وآله : ام قصي وهي
ابنة نضر ، فإنهن لجلوس إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله بنوره الباهر
وسعده الظاهر ، وقد تبعه بعض الكهان ينظر إليه ويطيل فراسته فيه ، إلى أن أتى
إليهن فسألهن عنه ، فقلن : هذا محمد ذو الشرف الباذخ والفضل الشامخ ، فأخبرهن
الكاهن بما يعلمه من رفيع قدره ، وبشرهن بما سيكون من مستقبل أمره ، وأنه سيبعث
نبيا ، وينال منالا عليا ، قال : وإن التي تكفله منكن في صغره سيكفل لها ولدا يكون
عنصره من عنصره ، يختصه بسره وبصحبته ، ويحبوه بمصافاته واخوته ، فقالت له فاطمة
بنت أسد رضوان الله عليها : أنا التي كفلته ، وأنا زوجة عمه الذي يرجوه ويؤمله ،
فقال : إن كنت صادقة فستلدين غلاما علاما مطواعا لربه ، هماما ، اسمه على ثلاثة
أحرف ، يلي هذا النبي في جميع اموره ، وينصره في قليله وكثيره ، حتى يكون سيفه على
أعدائه ، وبابه لأوليائه ، يفرج عن وجهه الكربات ، ويجلو عنه حندس الظلمات ، تهاب
صلوته أطفال المهاد ، وترتعد من خيفته الفرائص عن الجلاد ، له فضائل شريفة ،
ومناقب معروفة ، وصلة منيعة ، ومنزلة رفيعة ، يهاجر إلى النبي في طاعته ، ويجاهد
بنفسه في نصرته ، وهو وصيه الدافن له في حجرته.
قالت ام علي
عليه السلام : فجلعت افكر في قول الكاهن ، فلما كان الليل رأيت في منامي كأن جبال
الشام قد أقبلت تدب وعليها جلابيب الحديد ، وهي تصيح من صدورها بصوت مهول ، فأسرعت
[ فأقبلت ] نحوها جبال مكة وأجابتها بمثل صياحها وأهول ، وهي تتهيج كالشرد المحمر
، وأبو قبيس ينتفض كالفرس وفصاله تسقط عن يمينه وشماله يلتقطون ذلك ، فلقطت معهم أربعة أسياف وبيضة حديدة مذهبة ،
فأول ما دخلت مكة سقطت منها سيف في ماء فغير وطار ، والثاني في الجو فاستمر ، وسقط
الثالث إلى الارض فانكسر ، وبقي الرابع في يدي مسلولا ، فبينا أنا به أصول إذا صار
، السيف شبلا ، فتبينته فصار ليثا مهولا فخرج عن يدي ومر نحو الجبال يجوب بلاطحها
، ويخرق صلاطحها ، والناس منه مشفقون ، ومن خوفه حذرون إذ أتى محمد فقبض على رقبته
فانقاد له كالظبية الالوف ، فانتبهت وقدر اعني الزمع والفزع ، فالتمست المفسرين وطلبت
القائفين والمخبرين ، فوجدت كاهنا زجر لي بحالي ، وأخبرني بمنامي ، وقال لي : أنت
تلدين أربعة أولاد ذكور وبنتا بعدهم ، وإن أحد البنين يغرق ، والآخر يقتل في الحرب
: والآخر يموت ويبقى له عقب ، والرابع يكون إماما للخلق صاحب سيف وحق ، ذا فضل
وبراعة ، يطيع النبي المبعوث أحسن طاعة.
فقالت فاطمة :
فلم أزل مفكرة في ذلك ورزقت بني الثلاثة : عقيلا وطالبا وجعفرا ، ثم حملت بعلي
عليه السلام في عشر ذي الحجمة ، فلما كان الشهر الذي ولدته فيه وكان شهر رمضان
رأيت في منامي كأن عمود حديد قد انتزع من ام رأسي ، ثم سطع في الهواء حتى بلغ
السماء ثم رد إلي فقلت : ما هذا؟ فقيل لي : هذا قاتل أهل الكفر ، وصاحب ميثاق
النصر ، بأسه شديد ، يفزع من خيفته ، وهو معونة الله لنبيه ، وتأييده على عدوه ،
قالت : فولدت عليبا.
وجاء في الحديث
أنها دخلت الكعبة على ما جرت به عادتها ، فصادف دخولها وقت ولادتها فولدت أمير
المؤمنين عليه السلام داخلها ، وكان ذلك في النصف من شهر رمضان ، ولرسول الله صلى
الله عليه وآله ثلاثون سنة على الكمال ، فتضاعف ابتهاجه به وتمام مسرته ،
وأمرها أن تجعل مهده جانب فرشته ، وكان يلي أكثر تربيته ، وبراعيه في نومه ويقظته
، ويحمله على صدره وكتفه ، ويحبوه بألطافه وتحفه ، ويقول : هذا أخي وصفيي وناصري ووصيي.
فلما تزوج النبي
صلى الله عليه وآله خديجة أخبرها بوجدها بعلي عليه السلام ومحبته ، فكانت تستزيده
وتزينه وتحليه وتلبسه ، وترسله مع ولائدها : ويحمله خدمها ، فيقول الناس : هذا أخو
محمد وأحب الخلق إليه ، وقرة عين خديجة ، ومن اشتملت السعادة عليه ، وكانت ألطاف
خديجة تطرق منزل أبي طالب ليلا ونهارا وصباحا ومساء ، ثم إن قريشا أصابتها أزمة
مهلكة وسنة مجدبة منهكة ، وكان أبو طالب رضي الله عنه ذا مال يسير وعيال كثير
فأصابه ما أصاب قريشا من العدم والإضافة والجهد والفاقة ، فعند ذلك دعا رسول الله
عمه العباس فقال له : يا أبا الفضل إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، مختل الحال ،
ضعيف النهضة والعزمة ، وقد ناله ما نزل بالناس من هذه الازمة ، وذو الارحام أحق
بالرفد وأولى من حمل الكل في ساعة الجهد ، فانطلق بنا إليه لنعينه على ما هو عليه
، فلنحمل عنه بعض أثقاله ، ونخفف عنه من عياله ، بأخذ كل واحد منا واحدا من بنيه ،
يسهل عليه بذلك ما هو فيه ، فقال له العباس : نعم ما رأيت ، و الصواب فيما أتيت ،
هذا والله الفضل الكريم والوصل الرحيم.
فلقيا أبا طالب
فصبراه ، ولفضل آبائه ذكراه ، وقالا له : إنا نريد أن نحمل عنك بعض الحال ، فادفع
إلينا من أولادك من يخف عنك به الاثقال ، قال أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلا
وطالبا فافعلا ما شئتما ، فأخذ العباس جعفرا ، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله
عليا ، فانتجبه لنفسه ، واصطفاه لمهم أمره ، وعول عليه في سره وجهره ، وهو مسارع
لمرضاته ، موفق للسداد في جميع حالاته ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في
ابتداء طروق الوحي إليه ، كلما هتف به هاتف أو سمع من حوله رجفة راجف أو رأى رؤيا
أو سمع كلاما ، يخبر بذلك خديجة وعليا عليهما السلام ويستسر هما هذه الحال ،
فكانت خديجة تثبته وتصبره ، وكان علي عليه السلام يهنئه ويبشره ويقول له : والله
يا ابن عم ما كذب عبد المطلب فيك ، ولقد صدقت الكهان فيما نسبته إليك ، ولم يزل
كذلك إلى أن أمر صلى الله عليه وآله بالتبليغ ، فكان أول من آمن به من النساء
خديجة ، ومن الذكور أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وعمره يومئذ عشر
سنين.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 35 / صفحة [ 57 ]
تاريخ النشر : 2025-11-03