1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : المجتمع و قضاياه : النظام المالي والانتاج :

خصائص التنمية الاقتصادية في الإسلام

المؤلف:  محمد الريشهري

المصدر:  التنمية الاقتصادية في الكتاب والسنة

الجزء والصفحة:  ص35-40

23-12-2016

7084

1 - تعريف التنمية

أ - التنمية في الأدبيات الاقتصادية

ذاع مفهوم التنمية كمصطلح اقتصادي في السنوات الأخيرة من عقد الأربعينيات. في البدء كان ينظر إلى "التنمية" كمرادف لنمو الناتج القومي الإجمالي(1). لكن بعد مرور عقد من الزمن أثبتت تجربة البلدان التي سلكت لتحقيق التنمية طريق زيادة الناتج القومي الإجمالي، أن التنمية ليست ظاهرة اقتصادية صرفة، بل هي حالة لها أبعاد اخرى‏ أيضا، مثل: التنمية السياسية، والتنمية الاجتماعية، وما إلى ذلك(2).

اكتسب مفهوم التنمية أبعادا مختلفة وواسعة على مر الزمان حتى راح يشمل في الوقت الحاضر تنمية البيئة والتنمية الإنسانية أيضا. في موازاة هذا التحول المفهومي شهدت معايير التنمية حالة من التحول والتكامل حتى بلغت شواخصها حاضرا ما يربو على المائتي شاخص، أهمها: قيمة الدخل القومي الإجمالي، معدل التعليم، نسبة الاشتغال، الأمل بالحياة، توزيع الدخل، عدد الأطباء والممرضين وأسرّة المستشفيات والخدمات الصحية لكل ألف إنسان، إمكانية الحصول على مياه الشرب الصحية، وهكذا.

ب - التنمية في الإسلام

تفحص تعريف التنمية بالمفهوم السائد يكشف عن استناد هذا التعريف إلى الرؤية الكونية المادية وانتهائه إلى هذه المرجعية، فما تفهمه الإنسانية المعاصرة من التنمية لا يتخطى‏ تخوم التقدم والرفاه المادي، ولا يتجاوز ثغور هذا العالم. على أساس هذه الرؤية الكونية والمرجعية الفكرية لا يمكن للتنمية تجاوز دائرة الرفاه المادي مهما كان حجم الشواخص التي يضاف إليها.

بيد أن الأمر يختلف في إطار المرجعية الفكرية للإسلام؛ ففي إطار الرؤية الكونية الإسلامية ينظر إلى الإنسان كموجود يتكون من جسم وروح، له بالإضافة إلى الاحتياجات المادية متطلبات معنوية، ومن ثم فإن حياته لا تنحصر بين جدران الحياة في هذه الدنيا، وإنما هو موجود أبدي تختلف مراحل حياته. والإسلام في نفسه هو منهج للتنمية والتكامل، وبرنامج لتأمين الاحتياجات المادية والمعنوية، ومشروع لإشباع البعدين الدنيوي و الاخروي للإنسان بحيث تستطيع الإنسانية من خلال تنفيذ هذه الاطروحة أن ترتقي إلى مصاف المجتمع الإنساني ‏السعيد والمثالي، تماما كما رسم الإمام‏ أمير المؤمنين(عليه السلام) معالم هذا الافق الواعد، وقارب حقيقته من خلال التصوير التالي: «اعلموا عباد الله، أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركوا أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، واكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح»(3).

يؤمن هذا الدين بأن الرؤية الكونية المادية لن تستطيع أن تلبي احتياجات الإنسان الواقعية ولو زادت في شواخص التنمية مئات الشواخص الاخرى‏، ولن ‏يكون بمقدور هذه المرجعية الفكرية أن تبلغ بالمجتمع الإنساني الذروة التي تصبو إليها. لا منجى للبشرية ولا سبيل لها إلى مقاربة حالة التنمية الشاملة إلا بتنفيذ منهاج الدين الإلهي المبتني على معرفة واقعية بالإنسان، والقائم

على أساس حاجاته الفطرية.

على هذا الضوء تتجلى الخصيصة الاولى للتنمية الإسلامية بشموليتها واستيعاب مكوناتها للأبعاد جميعا، وهكذا تكون هذه الخصيصة بمنزلة الأساس الذي يشاد عليه بقية البناء، والأصل الذي ترجع إليه سائر الخصائص .

فحيث تكون التنمية في أدبيات الفكر الاقتصادي المعاصر قصيرة المدى‏، محدودة في جدران الاحتياجات المادية المنظورة، فهي في الرؤية الإسلامية ممتدة على افق رحب تنطلق مع الإنسان في احتياجاته الواسعة اللامحدودة.

2- هدف التنمية :

حين ننطلق مع التنمية في إطار التعريف المتداول، نلمس أن هدف الإسلام من التنمية الاقتصادية يختلف عن الهدف الذي تتوخاه الرؤية الكونية المادية.

في منظومة الحضارة المادية تنتصب التنمية المادية بصفتها المثل الأعلى الذي يتحراه الإنسان والغاية التي يسمو إليها. على ناصية هذا التصور انحازت البلدان المتقدمة إلى هذه الرؤية بتوظيف مكثف لوسائل الدعاية الضخمة التي تملكها، بحيث راحت تشيع عبر تفوقها في التنمية الاقتصادية أن نموذجها الحياتي ونسقها الإنساني هما الأوفق من بقية الامم والأكثر إنسانية من غيرها!

عندما تتمركز الامور في شيء ويكون هو الهدف، فمن الطبيعي أن يتحول إلى مركز ثقل تحتشد فيه جميع القيم والمثل، ويصير دائرة استقطاب تنجذب إليها كل الجهود والتحولات. هذا هو الموقع المكين الذي راحت تحظى‏ به التنمية الاقتصادية في العصر الجديد.

في السنوات التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية حين انطلق الحديث جادا عن مقولتَي التقدم والتخلف، راحت مجموعة بلدان العالم الثالث تتطلع إلى ما بلغه مستوى‏ التنمية الاقتصادية في المنظومة الغربية بوصفه المثل الأعلى والإطار النموذجي الذي تتوخى الوصول إليه. تحولت هذه الحالة في المرحلة تلك إلى قالب فكري يشد أذهان كثير من مفكري العالم الثالث إلى محور التنمية الاقتصادية، وضرورة إيجاد التحول على الصعيدين الثقافي والاجتماعي من أجل تحقيق النمو الاقتصادي(4).

أما في الحضارة الإسلامية، فالتنمية الاقتصادية ليست الهدف الأعلى بل الهدف في هذه الحضارة أن تتفتح جميع الاستعدادات الإنسانية وتتفجر المكنونات الذاتية في الإنسان؛ وصولا إلى الكمال المطلق، وتحقيقا للسعادة الأبدية الخالدة، وما التنمية الاقتصادية إلا مقدمة لهذا الهدف. انطلاقا من هذا المعنى يسجل الإسلام أن المجتمع الإنساني يحتاج لكي يحقق الرفاه الشامل ويرقى إلى مستوى الكمال المطلق أن يعنى‏ - إلى جانب الشواخص المادية والدنيوية؛ كالدخل القومي الإجمالي، ومعدل التعليم، والحصول على مختلف إمكانات الحياة، وحرية الاختيار، والمشاركة السياسية، وما إلى ذلك - بضرورات اخرى متمثلة بنمو الشواخص المعنوية ورقيها؛ مثل الإيمان، والأخلاق، والأعمال الصالحة.

3- آليات التنمية ومساراتها :

نعرف جميعا أن ما هو موجود من آليات التنمية الاقتصادية ومساراتها في العالم المعاصر يرجع إلى نمَطَي التفكير الرأسمالي أو الاشتراكي.

تذهب المدرسة الرأسمالية إلى أن آليات السوق هي السبيل الأفضل لتحقيق هذا الهدف، على

حين تقدم الاشتراكية خياراتها في هذا المضمار على أساس نمط التخطيط المركزي، وترجح من ثم نظام تبني الدولة للاقتصاد.

على هذا الضوء لا يمكن الحديث عن إجماع علماء الاقتصاد وخبرائه حيال مقولة آليات التنمية الاقتصادية ومساراتها(5).

من الثابت أن الإسلام لا يتعامل مع المعطيات التي يطرحها الاقتصاديون المعاصرون انطلاقا من إحدى المرجعيتين الفكريتين السائدتين (الرأسمالية والاشتراكية)، من موقع الرفض المطلق أو التأييد المطلق. كلا، إنما يتحتم على خبراء الاقتصاد الإسلامي أن يستفيدوا من النقاط الإيجابية في كلا المنظومتين، ويعمدوا إلى حذف العناصر السلبية فيهما؛ للوصول إلى مشروع يمثل الآليات الإسلامية للتنمية ومساراتها، بشرط أن تتم العملية بأكملها في إطار المنظومة الاقتصادية الإسلامية وانطلاقا من المذهب الاقتصادي في الإسلام.

مثل هذه الخطوة - لو تمت - ستكون مبادرة عظيمة تقدم أفضل خدمة من قبل هؤلاء للمجتمعات الإسلامية، وتساهم في إشاعة الثقافة الإسلامية الواقعية على مستوى البشرية جمعاء.

_________________
1ـ انظر: نگاهى نو به مفاهيم توسعه ، ولفانغ زاكس ، ترجمة د. فريدة فرحي و وحيد بزرگي،ص22 .

2ـ تم تعريف التنمية في أحد تقارير الامم المتحدة على النحو التالي: «التنمية هي عبارة عن النمو علاوة على التغيير. والتغيير لا يقتصر على البعد الاقتصادي والكمي وحسب، إنما يمتد ليشمل الأبعاد الاجتماعية والثقافية والنوعية أيضا. ينبغي أن تكون القضية الأساسية على هذا الصعيد هي تحسين الحالة الحياتية للناس» (المصدر السابق، ص 24).

3ـ انظر: ص 49 (سعادة الدنيا والآخرة).

4ـ بالرغم من أن كثيرا من مفكري البلدان المتقدمة أدرك عقم هذه الثقافة، وذلك نتيجة ما لمسوه من أضرار إنسانية وبيئية ضخمة برزت كتبعات سلبية لثقافة التمركز الاقتصادي وتصنيم معدل النمو بمداه المادي، إلا أن مثل هذا النمط من التفكير لا يزال يملأ الفضاء الثقافي لأغلب البلدان المتخلفة غير النامية، ويفرض هيمنته عليها.

5ـ عكف الاقتصاديون على تقديم حلول مختلفة تبعا لانتمائهم الفكري وميلهم إلى إحدى المنظومتين الموجودتين. فالاتجاه الذي يرى المشكلة الأساسية متمثلة بقلة الذخائر ونقص التراكم في رأس المال وأن الهدف هو نمو الدخل القومي وازدياده، اقترح اللجوء إلى آليات المال، والاقتصاد المفتوح، والتصنيع، وما إلى ذلك. في المقابل ذهب اتجاه آخر - ممن عد الفقر وتفشي اللامساواة وغياب عدالة التوزيع هي العناصر الأبرز في المشكلة الاقتصادية - إلى اختيار مسارات اخرى؛ كإعادة توزيع الدخل، والاهتمام بالمتطلبات الأساسية. هكذا تختلف الخيارات والأولويات بين الفريقين تبعا لاختلاف المرجعية الفكرية.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي