انواع المكاسب (طرق الإنتاج) / الزراعة
المؤلف:
الشيخ عبد الله الجوادي الطبري الآملي
المصدر:
مفاتيح الحياة
الجزء والصفحة:
ص512ــ516
2025-10-28
36
حظيت الزراعة باهتمام شديد في الآيات والأحاديث وروايات أهل البيت (سلام الله عليه)، وذلك لتأثيرها المباشر والكبير على حياة الناس والانتعاش الاقتصادي للمجتمع حتى عرفت بأنّها أفضل مهنة وأحبّ حرفة عند الله تعالى، وأنها حرفة الأنبياء، ووردت فيها الكثير من الآداب والأحكام والآثار والفوائد.
فضل الزراعة والمزارعين
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): احْتَرِثُوا، فَإِنَّ الحَرْثَ مُبَارَكٌ وأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الجماجِمِ(1).
وقال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): أَنَّ مَعَايِشَ الْخَلْقِ خَمْسَةُ:... وَالْعِمَارَةً... وَأَمَّا وَجْهُ الْعِمَارَةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، فَأَعْلَمَنَا سُبْحَانَهُ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُمْ بِالْعِمَارَةِ لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَباً لِمعَايِشِهِمْ بِمَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ مِنَ الْحَبِّ وَالثَّمَرَاتِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ مَعَايِشَ لِلْخَلْقِ(2).
سألة [الإمام الصادق (سلام الله عليه)] رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَسْمَعُ قَوْماً يَقُولُونَ: إِنَّ الزَّرَاعَةَ مَكْرُوهَةٌ، فَقَالَ لَهُ: ازْرَعُوا وَاغْرِسُوا فَلَا وَاللَّهِ مَا عَمِلَ النَّاسُ عَمَلاً أَحَلَّ وَلا أَطْيَبَ مِنْه...(3).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أَوْ يَزْرَعُ زَرْعاً فَيَأْكُلُ مِنْهُ إِنْسَانُ أَوْ طَيْرٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ(4).
وعن الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه): خَيْرُ الأَعْمَالِ زَرْعُ يَزْرَعُهُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ الْبَر وَالْفَاجِرُ؛ أَمَّا الْبَرُّ فَمَا أَكَلَ مِنْهُ وَشَرِبَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ...(5).
وسئل أمير المؤمنين علي (سلام الله عليه) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم: 12]، قَالَ: الزَّارِعُونَ(6).
قال الراوي: سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّد (سلام الله عليه) عَنِ الْفَلَّاحِينَ، فَقَالَ: هُمُ الزَّارِعُونَ كُنُونُ اللهِ فِي أَرْضِهِ وَمَا فِي الأَعْمَالِ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الزِّرَاعَةِ وَمَا
بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّا إِلَّا زَارِعاً إِلَّا إِدْرِيسَ (سلام الله عليه) فَإِنَّهُ كَانَ خَيَّاطَاً(7).
تهيئة الموارد الزراعية والمحافظة عليها
قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) لغلامه مصادف: اتَّخِذْ عُقْدَةً أَوْ ضَيْعَةً فَإِنَّ الرَّجُلُ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ النَّازِلَةُ أَوِ المُصِيبَةُ فَذَكَرَ أَنَّ وَرَاءَ ظهْرِهِ مَا يُقِيمُ عِيالَهُ كَانَ أَسْخَى لِنَفْسِهِ(8).
وعن الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه): مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ مَنْ بَاعَ أَرْضاً وَمَاءً فَلَمْ يَضَعْ ثَمَنَهُ فِي أَرْضِ وَمَاءٍ ذَهَبَ ثَمَنْهُ مَحقا(9).
وقال الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه): مَنْ وَجَدَ مَاءً وَتُرَاباً ثُمَّ افْتَقَرَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ(10).
بعض آداب الزراعة
عدم الزرع في الأرض السبخة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين عليّ (سلام الله عليه): يَا عَلِيُّ! أَرْبَعَةٌ يَذْهَبْنَ ضَيَاعاً: الأَكْلُ بَعْدَ الشَّبَعِ وَالسِّرَاجُ فِي الْقَمَرِ وَالزَّرْعُ فِي السَّبَخَةِ وَالصَّنِيعَةُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهَا(11).
النهي عن البذار والحصاد في الليل: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): لا تَجُذَّ بِاللَّيْلِ وَلا تَحْصُدْ بِاللَّيْلِ. وقَالَ: وَتُعْطِي الْحُفْنَةَ بَعْدَ الْحُفْنَةِ وَالْقَبْضَةَ بَعْدَ الْقَبْضَةِ إِذَا حَصَدْتَهُ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الصَّرَامِ وَكَذَلِكَ الْبَذْرُ وَلَا تَبْذُرْ بِاللَّيْلِ، لِأَنَّكَ تُعْطِي فِي الْبَدْرِ كَمَا تُعْطِي فِي الْحَصَادِ(12)؛ وكذلك قال (سلام الله عليه): لا تَصْرِمْ بِاللَّيْلِ وَلَا تَحْصُدْ بِاللَّيْلِ وَلا تُضَحِّ بِاللَّيْلِ وَلا تَبْذُرْ بِاللَّيْلِ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْعَلْ لَمْ يَأْتِكَ الْقَانِعُ وَالْمُعْتَرُّ، فَقُلْتُ: مَا الْقَانِعُ وَالْمُعْتَرُّ؟ قَالَ: الْقَانِعُ الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا أَعْطَيْتَهُ وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَمُرُّ بِكَ فَيَسْأَلُكَ(13).
أداء الحقوق: وعن الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) أيضاً: في الزَّرْعِ حَقَّانِ: حَقٌّ تُؤْخَذُ بِهِ وَحَقٌّ تُعْطِيهِ. قُلْتُ: وَمَا الَّذِي أُوخَذُ بِهِ وَمَا الَّذِي أُعْطِيهِ؟ قَالَ: أَمَّا الَّذِي تُؤْخَذُ بِهِ فَالْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ وَأَمَّا الَّذِي تُعْطِيهِ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141](14).
طرق الزراعة والأدعية الخاصة بها
طريقة غرس الشتلات: قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) : مَرَّ أَخي عِيسَى (سلام الله عليه) بِمَدِينَةٍ وَإِذَا فِي ثِمَارِهَا الدُّودُ، فَشَكَوْا إِلَيْهِ مَا بِهِمْ، فَقَالَ: دَوَاءُ هَـذَا مَعَكُمْ وَلَيْسَ تَعْلَمُونَ؛ أَنتُمْ قَوْمٌ إِذَا غَرَسْتُمُ الأَشْجَارَ صَبَبْتُمُ التُّرَابَ وَلَيْسَ هَكَذَا يَجِبُّ؛ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَصُبُّوا الماءَ فِي أُصُولِ الشَّجَرِ ثُمَّ تَصُبُّوا التُّرَابَ لِكَيْلا يَقَعَ فِيهِ الدُّودُ، فَاسْتَأْنفُوا كَمَا وَصَفَ، فَذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمْ(15).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): مَنْ أَرَادَ أَنْ يُلْقِحَ النَّخِيلَ إِذَا كَانَتْ لَا يَجودُ حَمْلُهَا وَلا يَتبَعلُ النَّخْلُ، فَلْيَأْخُذْ حِيتَاناً صِغَاراً يَابِسَةٌ؛ فَلْيَدُقَهَا بَيْنَ الدَّقيْنِ؛ ثُمَّ يَذُرُّ فِي كُلِّ طَلْعَةٍ مِنْهَا قَلِيلاً وَيَصُرُّ الْبَاقِيَ فِي صُرَّةٍ نَظِيفَةٍ ثُمَّ يَجْعَلُ فِي قَلْبِ النَّخْلَةِ؛ يَنْفَعُ بِإِذْنِ الله(16).
عن صالح بن عُقبة قال: قال لي الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) قَدْ رَأَيْتُ حَائِطَكَ فَغَرَسْتَ فِيهِ شَيْئاً بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَخُذَ مِنْ حِيطَانِكَ وَدِيَّاً، قَالَ: أَفَلا أُخْبِرُكَ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ وَأَسْرَعُ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: إِذَا أَيْنَعَتِ الْبُسْرَةُ وَهَمَّتْ أَنْ تُرْطِبَ فَاغْرِسْهَا؛ فَإِنَّهَا تُؤَدِّي إِلَيْكَ مِثْلَ الَّذِي غَرَسْتُهَا سَوَاءٌ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَنَبَتَتْ مِثْلَهُ سَوَاءً(17).
يشار إلى أن هذه الروايات مذكورة في كتاب المساقاة في «العروة الوثقى» للمرحوم السيد محمد كاظم اليزدي(18).
دعاء أثناء الحرث: روي عن الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه) قوله: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَزْرَعَ زَرْعاً فَخُذْ قَبْضَةً مِنَ الْبَدْرِ بِيَدِكَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَقُلْ: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 64] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْ: بَلِ اللهُ الزَّارِعُ؛ ثم قل: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَرْثاً مُبَارَكاً وَارْزُقْنَا فِيهِ السَّلامَةَ(19) وَالتَّمَامَ وَاجْعَلْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَلَا تَحْرِمْنِي مِنْ خَيْرِ مَا أَبْتَغِي وَلا تَفْتِنِّي بِمَا مَنَعْتَني بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ؛ ثُمَّ ابْذُرِ الْقَبْضَةَ الَّتِي فِي يَدِكَ - إِنْ شَاءَ الله(20).
عن شعيب العقرقوفى قال، قال لي الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): إِذَا بَذَرْتَ
فَقُلْ: اللَّهُمَّ قَدْ بَذَرْتُ وَأَنْتَ الزَّارِعُ فَاجْعَلْهُ حَبّاً مُتَرَاكِماً(21).
قال الراوي: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): إِذَا غَرَسْتَ غَرْساً أَوْ نَبْتاً فَاقْرَأْ عَلَى كُلِّ عُودٍ أَوْ حَبَّةٍ: سُبْحَانَ الْبَاعِثِ الْوَارِثِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُخْطِيُّ - إِنْ شَاءَ الله(22).
وقال الراوي: قال الإمام محمد الباقر أو الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): تَقُولُ: إِذَا غَرَسْتَ أَوْ زَرَعْتَ: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثَابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا(23).
________________________
(1) السنن الكبرى، ج 6، ص 138.
(2) وسائل الشيعة، ج 19، ص 35.
(3) الكافي، ج 5، ص 260.
(4) مستدرك الوسائل، ج 13، ص 460؛ مسند أحمد بن حنبل، ج 3، ص 243؛ صحيح البخاري، ج 3، ص 66.
(5) بحار الأنوار، ج 100، ص 69؛ انظر: الكافي، ج 5، ص 260.
(6) الفقيه، ج 3، ص 253.
(7) تهذيب الأحكام، ج 6، ص 384.
(8) الكافي، ج 5، ص 92.
(9) الفقيه، ج 3، ص 170.
(10) قرب الإسناد، ص 55.
(11) الفقيه، ج 4، ص 373.
(12) علل الشرائع، ص 377.
(13) الكافي، ج 3، ص 565.
(14) الكافي، ج 3، ص 564.
(15) وسائل الشيعة، ج 19، ص 32.
(16) الكافي، ج 5، ص 263؛ وسائل الشيعة، ج 19، ص38.
(17) الكافي، ج 5، ص 263.
(18) العروة الوثقى، ج 5، ص 390.
(19) الكافي، ج 5، ص 262 - 263. إلى هنا ينتهي نص الرواية عن الإمام الصادق (سلام الله عليه) في هذا المصدر.
(20) مكارم الأخلاق، ص 353.
(21 و 22 و23) الكافي، ج 5، ص 263.
الاكثر قراءة في النظام المالي والانتاج
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة